لقد كان لظهور الإمام الخميني (قدس سره) على مسرح السياسة الدولية قبل نجاح الثورة الإسلامية بقليل اثر الصدمة في الوجدان الغربي، سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي، فقد أدهشهم أن يروا رجلاً يخرج من مؤسسة علمية عريقة كانوا يعتبرونها معقلاً من معاقل الجمود والغرق في الأجواء العلمية والروحية، يقود ثورة عظيمة ويؤسس دولة عصرية تقوم على أساس أحكام الإسلام وتخاطب الغرب ليس من موقع الند فحسب، بل من موقع من يحمل رسالة ذات اعتمادات كونية. وما برحت وسائل الإعلام الغربية تصفه تارة بأنه «هزّ العالم» وأخرى بأنه غيّر مجرى التاريخ، وإن الثورة التي قادها تعتبر إلى جانب الثورتين الفرنسية والبلشفية، أهم ثلاث ثورات رسمت المسار السياسي للعصر الحديث وصبغت معالمه الحضارية.

 

وكان لا بد للغرب من أن يدرس هذه الشخصية من خلال المناهج المعمول بها في البحث العلمي عنده، وكان لابد لنظرته أيضاً من أن تتأثر بالوضع السياسي القائم بين العالم الغربي والجمهورية الإسلامية الإيرانية في عقد الثمانينيات، هذه الفترة من الزمن أطلق عليها تعبير «العقد الخميني» والتي اتسمت بالتوتر بشكل عام.

 

وقبل الشروع في البحث لابد من الإشارة إلى الأمور التالية:

 

1 ـ تركز هذه الدراسة على الأبحاث الخمسة لشخصية الإمام الخميني (مراحل حياته، فكره، عرفانه، نشاطه السياسي...)، ولا تعنى بالأبحاث التي تتحدث عن الأصداء في إطار حديثها عن الثورة الإسلامية أو الصحوة الإسلامية التي تعد بالمئات بل بالآلاف.

 

2 ـ مع أنّ موضوع هذه الدراسة هو (الإمام الخميني في الدراسات الغربية)، فإنها تتضمن معالجة لنتاجات بعض الباحثين المسلمين، ولكن لمّا كان هؤلاء قد حصلوا علومهم في الجامعات الغربية ويعتمدون المناهج الفكرية الغربية في البحث وتأتي أبحاثهم متطابقة عادة مع نتائج أبحاث نظراتهم الغربية، فقد تم أدراجهم تحت هذا العنوان.

 

3 ـ تتناول هذه الدراسة المناهج الفكرية التي عولجت شخصية الإمام من خلالها، كمنهج (التحليل النفسي التاريخي) ومنهج القيادة الكارزماتية (الجذابة) المعمول بها في علم الاجتماع، وأبحاث أخرى تعنى بجانب معين من شخصية الإمام كالعرفان والفكر السياسي.

 

4 ـ كل الأبحاث التي رُكِّز عليها أتت على شكل مقالات عملية باللغة الانجليزية منشورة في مجلات متخصصة تصدر في الولايات المتحدة أو بريطاني.

 

ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أنّ الكتاب الوحيد الموجود في الغرب عن حياة الإمام الخميني ويُعتمد كسيرة له هو من تأليف كاتب إيراني اسمه أمير طاهري ويحمل عنوان (روح الله الخميني والثورة الإسلامية)، وصدر في الولايات المتحدة عام 1985؛ هذا الكتاب شديد العداء للإمام ويتضمن معلومات خاطئة كثيرة، بعضها متعمد وبعضها الآخر ناتج عن سوء الفهم.

 

إضافة إلى ذلك يوجد كتاب باللغة الانجليزية يتضمن أهم الأفكار والمفاهيم السياسية والعرفانية والجهادية للإمام الخميني صدر عام 1981 في الولايات المتحدة ويحمل اسم (الإسلام والثورة، كتابات وبيانات الإمام الخميني)، وفي هذا الكتاب يترجم حامد الغار أهم خطابات الإمام وبياناته، وكذلك الكتابات الأخلاقية والعرفانية للإمام «كالجهاد الأكبر» وتفسير سورة الفاتحة، وأيضاً كتاب (الحكومة الإسلامية).

 

ويعتبر كتاب حامد الغار هذا أهم مصدر عن أفكار الإمام الخميني في الغرب، واليه يرجع الباحثون عند التحدث عن الإمام أو الثورة الإسلامية.

 

وبعد هذا العرض ننتقل إلى المناهج الفكرية والنظريات التي عولجت من خلالها شخصية الإمام الخميني.

 

منهج التحليل النفسي التاريخي:

 

يعتمد هذا المنهج على تطبيق مبادئ التحليل النفسي، وعلى التاريخ والسيرة والأدب والفن. ومنهج التحليل النفسي يرتكز على نظريات عالم النفس الشهير سيغموند فرويد ويستخدم لتفسير شخصية الإنسان ودوافعه وأحلامه وأخطائه اعتماداً على فرضية مفادها أن الدوافع تحددها الغرائز، وأن التعبير عن هذه الغرائز تتحكم فيه قوى كامنة في اللاوعي، حيث يجري صراع بين الإلحاحات الغرائزية والتربية الاجتماعية، وفي ما يلي عرض للأبحاث التي اعتمدت هذا المنهج في دراسة شخصية الإمام:

 

الخميني المخفي (6 صفحات)

 

الكاتب: بروس مزليش

 

يركز مزليش على العوامل التي كان لها تأثير كبير على شخصية الإمام الخميني، وأول هذه العوامل ما يسميه «الغرام العائلي» أي أنّ الإمام وهو سليل عترة النبي(ص)، له علاقة عاطفية جارفة بأهل البيت(ع)، بأن ما تعرضوا له من إقصاء عن حقهم والظلم الذي لاقوه وخاصة شهادة الإمامين علي والحسين(ع)، كل هذه الأمور كان لها دور حاسم في صياغة شخصيته وبنائه النفسي.

 

ويضيف: أنّ هذه المسألة، إضافة إلى الخلفية العرفانية للإمام، تعطيانه شعوراً بالصواب المطلق والحق المطلق، وإن مشربه العرفاني هذا بالذات يعطيه طاقة روحية كبيرة تساعده على مواجهة الأعداء ومصاعب الحياة.

 

ثم ينتقل إلى مناقشة مفهوم فرويد عن القادة التاريخيين، وهو أنهم لا يعطون أهمية كبير للعلاقات الغرائزية، وإنما تحدث عندهم حال يسميها «الغريزة المستبدلة»، حيث تتحول هذه الغريزة إلى التعلق بأمور بديلة عن العلاقة الغريزية أو العاطفية بالأشخاص إلى العلاقة بالأمور المجردة، كالعلاقة بالإسلام والشعب والثورة والحق.. ويستشهد على عدم إعطاء الإمام أهمية للعلاقات العاطفية بأنه هو نفسه يقول إن الأعداء لو قتلوا ابنه أحمد لما أثر عليه ذلك أبداً، ويضيف: إن الخميني يخفي وراء مظهره الهادئ حالاً من الغضب الجارف يسميه مزليش «الغضب النرجسي»، ويحيل هذه المسألة إلى صدمة نفسية عميقة تلقاها الإمام في صغره، ربما كانت خسارته لوالده بذلك الشكل المفجع وهو طفل رضيع، وهذا على رأي مزليش ما يفسّر عداءه الشديد لأميركا و«إسرائيل».

 

ويشير مزليش إلى أنّ الإمام مقتنع بأن العالم مليء بالدسائس والمؤامرات التي يحوكها أعداء الإسلام، وأن موضوع «التسميم» الذي كان له أثر في نفسية الإمام من جراء ما حصل للإمام الحسن(ع) يظهر كثيراً في كتاباته، مثل «تسميم أخلاق» الشباب الإيراني، وأميركا هي «جرثومة سامة».

 

ويختم مزليش بحثه بالقول أن الإمام الخميني هو «سيد اختيار اللحظة المناسبة للقيام بعمل سياسي ما، وان الثورة الإسلامية وراءها «ثورة مخفية» يقودها الإمام لجعل الإسلام يقود العالم».

 

نسبية القيادة الثورية: خطابات آية الله الخميني (17 صفحة)

 

الكاتبان: مارفن زونيس ودانيلا

 

أوفر في هذا البحث عن خطابات الإمام الخميني والأبعاد النفسية التي توحي بها، يركز الكاتب:ان على 124 خطاباً ألقاها الإمام بين عامي 1980 ـ 1982 ويقولان إنهما استقيا معلوماتهما من خدمة البث الخارجي في وزارة التجارة الأميركية، التي تستنتج كل خطابات الإمام وتنشرها في نشرتها اليومية (Daily Bul --ltine)، ويحاولان في بحثهما تقسيم كلام الإمام إلى المواضيع الرئيسة التي يركز عليها، ويقدرون نسبة هذه المواضيع في كل خطاب لمعرفة الأمور التي تستحوذ على اهتماماته ودلالاتها النفسية، ويعطيان شرحاً مقتضباً على كل موضوع، وبالطبع فإنّ الإمام يركز على أكثر من موضوع في كل خطاب، وقد جاءت الخطب على النحو التالي:

 

المفهوم الإسلامي للإمام: 2،30%، علاقات السلطة: 5،29%، الوحدة: 4، 26%، التوحيد: 38%، الأسرة البهلوية: 7،35%، القوى الكبرى:7،45%، الشهادة: 1، 34% الولايات المتحدة: 1،32%، الاعتماد على النفس: 6،26%، العراق: 6،25%، الشعبت8،24%، الصهاينة: 24%، الشك والحذر من المؤامرات: 24%، الدعاية: 24%، الوحدة الوطنية: 5،22%، الإسلام: 7، 21%، الأصالة: 9،20%، العظمة: 6،18%، الاستقلال الإيديولوجي: 6،18%، المثالية: 5،15%.

 

ويوردان بعد ذلك نموذجاً من خطاباته يتضمن اغلب المواضيع المذكورة أعلاه.

 

يحجم الكاتب:ان عن إصدار أحكام قيمة واضحة بشأن الإمام، لكنهما يذكران أن تحليل خطاباته يبرز الأمور التالية:

 

ـ إنّ الإمام الخميني يعتبر «سيد المنبر»، ويرجعان هذه الميزة إلى الخبرة الطويلة التي اكتسبها الإمام في هذا المجال وهو أستاذ في الحوزة العلمية، حيث اعتاد على إعطاء المحاضرات في مواضيع مختلفة.

 

- أنّ تعلقه بالإسلام يعطيه شعوراً بالاستقامة المطلقة والصواب المطلق.

 

ـ كل خطابات الإمام موجهة إلى الشعب، مع أنها تخـاطب جهات مختلفة.

 

ـ من خلال ولائه المطلق له، يكسب الشعب ( الإيراني) طاقة معنوية هائلة.

 

الإمام وثورته الإسلامية.. رحلة بين الجنة والنار (24 صفحة)

 

الكاتب: روبن وودزورث كارلسن

 

مع إنّ هذا الكتيب لا ينتمي رسمياً إلى منهج التحليل النفسي، لكن بما انه يعتمد الأثر الوجداني الذي تركه الإمام في نفسية الكاتب:، فقد أدرج في المنهج نفسه، وهذا الكتيب من أفضل ما كتب عن الإمام في الغرب، وهو حصيلة جلسة جلسها كارلسن في حسينية جمران ـ طهران في شهر شباط من عام 1982 مستمعاً إلى محاضرة كان يلقيها الإمام آنذاك، وأفضل طريقة للتعريف بمحتويات الكتاب هو ترك المجال لكارلسن ليحدثنا عن تجربته، وهذا ما يقوله عن لحظة دخول الإمام إلى القاعة:

 

«مكثنا هناك قرابة 45 دقيقة قبل أن تظهر علامات تشير إلى أن الإمام على وشك الدخول علينا، كانت الإشارة واضحة، لقد دخل من الباب عدد من العلماء المعممين وأخطروا رجل الدين الذي كان بالانتظار على المنصة أنّ الرئيس الأعلى والقائد الإمام في طريقه إلينا، وحين ظهر الإمام الخميني عند مدخل المنصة قفز الجميع ناهضين مهللين: خميني.. خميني.. خميني.. في صوت واحد ينبض بفرح، ويشيد بتقدير ما شهدت أسمى منه يؤدى لمخلوق آخر..! وبدا كل حاضر وقد فاجأته موجة غامرة دافقة من الحب والتردد.. وكأني بهم يعلنون من أعماق قلوبهم في تأكيد مطلق ويقين أنهم يجلون ويكرمون من هو أهل له عند الله.. حقاً استطيع القول أنّ انفجار النشوة والعظمة الذي حُيّي به الإمام لم يكن في ذاته رد فعل يعكس ما في أذهان الجماهير عن الإمام فحسب.. بل كان فيضاً طبيعياً من التسبيح والحمد والابتهال أطلقه شخصية هذا الرجل الغامرة وفخامتها التي لا تقاوم.. وما إن فتح الباب له أحسست بإعصار من الطاقة يتدفق خلال الباب، وفي عباءته البنية اللون.. وعمامته السوداء.. ولحيته البيضاء، رمق كل جزء بالمبنى، وجذب كل الأنظار إليه، وشعرت كأننا تضاءلنا جميعاً في حضرته حتى كأنه لم يبق في القاعة شيء سواه، لقد كان كتلة من النور دافقة نفذت إلى بصيرة كل حاضر ومشاعره».

 

ويضيف قائلاً: «لقد كان إعصاراً، ولكن ما أن يستقر بصرك حتى تدرك للتوّ أنّ هناك مركز سكون مطلق داخل هذا الإعصار، فبينا هو حاد حازم ومسيطر، تجده أيضاً هادئاً ومنصتاً.. لقد كان في داخله شيء راسخ وثابت.. ذلك الشيء الثابت هو ذاك الشيء ذاته الذي حرك دولة إيران برمتها، أهذا إنسان عادي؟! حقيقة الأمر أني قابلت عدداً ممن يقال عنهم أنهم قدّيسون كالدالاي لاما مثلاً، والرهبان البوذيين والحكماء الهنود.. فما وجدت لأحد ذاتاً تضاهي ذات الخميني بحضورها المزود بطاقة عجيبة من النشوة، فقد بات جلياً لكل من يعي ويرى أن لا شائبة على كمال الخميني وأمانته.. ولا على ما يزعمه شعبه من أن الخميني قد اجتاز ذاتية الإنسان.. عادية كانت أو غير عادية.. وان ذاته استقرت في شيء من كمال مطلق لا قيد له.. وحامل هذا القدر من الكمال في الهواء.. حتى حركة جسمه وحركة يديه كانت تعبيراً عن هذا الكمال».

 

وللذين يظنون أنه يسرف في وصفه للإمام يقول:

 

«وقد يفزع القارئ من نظري في وصف هذا الرجل، ولكن يجب على القارئ ان يعلم انه برغم كل ما سمعت.. وبرغم ما بحوزتي من أدلة متباينة عن احتمال عنف بالبلاغة وانعدام مزاج مبدع خلاق وما إلى ذلك.. فليس للانطباع الحقيقي الفوري الذي يصدر عن الإمام صلة بمثل هذه الفكرة أو هذا المفهوم، لقد كانت تجربة غالية لمثل هذا.. أعمل خيالك لحظة دفع جسم الطفل من رحم أمه أو لحظة يذكر الإنسان فيها انه خلق جنيناً، أو لحظة يدرك فيها أنه يعالج سكرات الموت، أو لحظة يستكشف الإنسان فيها لأول مرة قوة الحب العارمة، تجد أنّ ساس هذه التجارب كلها محدد رئيسي يخرج عن إطار كيان الفرد، أنّ ما يسيطر هو طبيعة الحقيقة الذاتية التي تولد ما نسميه بالخبرة.. وهذا ما حدث صباح الأربعاء التاسع من فبراير عام 1982 في شمال طهران».

 

ويستطرد قائلاً: «أما عن لياقته البدنية وهو الذي يتجه إلى منتصف العقد التاسع من عمره، فإن انطباعي سلامة وافرة وكفاءة زاخرة وتأدية موزونة وطاقة مخزونة، فكل ما صدر عنه من حركة يديه ولفتاته ونبراته، كانت كلها بمقدار يتحكم هو فيه بترتيب ذكي.. لقد تجسم فيه التماسك كله. لقد أشاع فينا أساساً بأنه لم ينتصر على نفسه فصار سيداً لها فحسب، بل انه أصبح الآن أعلى من ذلك بكثير.. لقد صار الآن خادماً لسيد آخر، ولنا أن نفترض في هذا المجال أحد الأمرين: إما أنه نذر نفسه وكرسها في طاعة الله..أو انه ارتقى فعلاً إلى مرتبة قداسة دائمة».

 

يتابع: «ربما قال البعض انه لم يلق رجل من الكراهية في عصر ما بعد هتلر أكثر مما لقيه هو.. إلا أنّ الأمانة تقضي بأنّ القول إني رأيته كأنه أحد أنبياء العهد القديم، أو أنه موسى الإسلام.. حضر ليدفع فرعون الكافر عن أرضه».

 

منهج القيادة الكارزماتية:

 

يرتبط هذا المنهج بدراسة الشخصيات التاريخية الاستثنائية باسم ماكس فيبر الألماني أحد مؤسسي علم الاجتماع الحديث.

 

ويركز هذا المنهج على الشخصيات التاريخية ذات المزايا الخارقة أو على الأقل الاستثنائية التي تظهر في أوقات الأزمات، والمستمدة شرعيتها من اعتقاد مشترك بين القائد وأتباعه بحيازته لهذه المزايا ومن ممارسته لها، وهذه المزايا تكون عادة غير متاحة للناس العاديين.

 

ويعتبر فيبر إنّ الطاقة الكارزماتية هي أعظم قوة ثورية تغييرية تؤثر على الأوضاع القائمة، وأن القيادة الكارزماتية هي عفوية، حيث لا يخطط القائد لكي يصبح في موقع القيادة، وهذه القيادة لا تعطي اهتماماً للاعتبارات الاقتصادية والنفعية، ويشكل القائد الكارزماتي وأتباعه «جماعة»، فهو لا يوجد عنده معاونون ورفاق بل مريدون وأتباع.

 

توجد دراستان باللغة الانجليزية تعتمدان هذا المنهج لتحليل القيادة السياسية للإمام، وآخر باللغة الهولندية منع من الاستفادة منها عائق اللغة.

 

الأنبياء الجدد، و«المثل القديمة» الكارزما والتقاليد في الثورة الإيرانية

 

الكاتب: مايكل كيمل

 

يبدأ الكاتب: بالقول إنّ الثورة في إيران مثلت لغزاً للمحللين السياسيين والاجتماعيين، فمع أنها بدت مناهضة للإمبريالية وخصوصاً أميركا، فقد كانت لا تقل عداء للاتحاد السوفيتي والاستراتيجيات الاشتراكية في السياسة والاقتصاد، ومع أنها بدت ثورة شعبية تعتمد على تعبئة الناس، حيث شملت ربما أكبر التظاهرات الاجتماعية التي عرفها التاريخ البشري (أكثر من مليوني متظاهر في طهران وحدها، وملايين أخرى في غيرها من المدن)، فإن اغلب المشاركين فيها كانوا من سكان المدن، على عكس نمط ثورات العالم الثالث التي يشكل الفلاحون وسكان الأرياف بشكل عام عنصرها الأساس. وما زاد الوضع تعقيداً ـ يضيف كيمل ـ شخصية الإمام الخميني التي كان لها دور حاسم في نجاح الثورة وفي مسار الدولة الجديدة.

 

وينتقد كيمل بعض المعلقين الغربيين الذين يقولون إنّ سلطة الإمام لا تتعدى حيزاً كبيراً، أو أنها تفتقد إلى مقومات القيادة الكارزماتية، وفي تعبير لافت يقول إنّ الإمام الخميني (كان من القوة بحيث استطاع أن يكون متواضعاً وخجولاً).

 

ويضيف: إنّ الإمام كان زاهداً لا يبدي اهتماماً بمباهج الدنيا ولا امتيازات المنصب، وكان «عنيداً» لا تلين له قناة في المسائل الثورية، وهو القائل انه على استعداد لإعدام أبنائه إذا استحقوا هذه العقوبة.

 

ويعتقد كيمل أنّ مصدر سلطة الإمام كان العلاقة بين القائد والأتباع، يتعامل الإمام مع تعظيم الناس له برد هذه العظمة إلى الناس، «أنّ الناس هي التي أعطت للإسلام وهي التي سوف تنتصر في النهاية»، والسلطة الكارزماتية للإمام مستمدة أيضاً من المزايا الشخصية التي يسوغها الرجوع إلى الدين. ويذكر كيمل العلاقة المتبادلة بين الكازرما والدين، حيث شكل الوعي الديني تبريراً لسلطة الإمام الكارزماتية، بينما هذه الكارزما ذاتها خدمت كدليل على حقانية الدين.

 

ويركز كيمل على تواضع الإمام الذي كان ينكر الدور الكبير الذي لعبه في نجاح الثورة، وكان دائماً يرجع مصدر القوة ومصدر النجاح إلى الإسلام، والإيديولوجية الإسلامية العالمية كانت مهيمنة دائماً على التطلعات السياسية الوطنية.

 

الحكومة الدينية والكارزما (رجال السلطة الجدد في إيران) (40 صفحة)

 

الكاتب: أحمد أشرف

 

يعتقد أشرف إن الطلعة الرسالية للإمام وطريقة توليه السلطة والطريقة التي شيع فيها والمقام الذي بني على ضريحة، كل هذه الأمور لا تترك مجالاً للشك في أنّ قيادته كانت قيادة كارزماتية.

 

وقد تجلت في شخصيته كارزما مزدوجة من خلال توليه لمرجعية التقليد أولاً ومن ثم ولاية الفقيه، وفي رأي اشرف فإن كلا المنصبين حصلهما الإمام من خلال قيادته للحركة الثورية. ويقول واصفاً تلك الكارزما: لقد كان أكثر القادة إبداعاً وتهيجاً للمشاعر في العصر الحديث، حيث تخطى وهجه الكارزماتي إيران ليصل إلى ملايين المسلمين في العالم.

 

ويشرح أشرف أن مصدر هذه الطاقة الكارزماتية يرجع إلى أربعة أمور وهي:

 

أولاً: المزايا الشخصية التي من بينها قوة الإرادة، الإبداع، روح الشباب، الزهد، الثورة والراديكالية، فقد أعطى مزاياه هذا الشعب كرامة ذاتية وهوية جمعية وربطاً تاريخياً بالجذور وشعوراً بالفخر والأفضلية.

 

ثانياً: حصل الإمام على ما يسميه كارزما المنصب من خلال مرجعية التقليد.

 

ثالثاً: أصبح الولي الفقيه.

 

رابعاً: أصبح القائد الأعلى بشكل عام والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وأخيراً أصبح «الإمام» ومع أن هذا اللقب لا يعني العصمة بالنسبة لشخصية الإمام، ولكنه يخلع عليه صفات روحية وأخلاقية عالية جداً. ويقول أنّ الدراسة العميقة لكارزما الإمام لابد من أن تعالج مسائل رئيسة وهي: أولاً: الكارزما الشخصية للإمام وانفصالها عن سلطته الكارزماتية كفقيه وقائد سياسي. ثانياً: تطور كارزما الإمام في أوقات الأزمات السياسية في العهد البهلوي. ثالثاً: مسألة تطبيع الناس وتعويدهم على كارزما الإمام بعد تأسيس الدولة الإسلامية وتحويل هذه الكارزما إلى الشخص الذي سيخلفه. وأخيراً: علاقة الكارزما الشخصية للإمام بالتقاليد الدينية والسياسية والاجتماعية في إيران.

 

ومن ثم يصف في سرد طويل وممل كيفية تولي الإمام وأتباعه السلطة في إيران، ويعتقد انها تمت في خطوتين: أولاهما ما يسميه تعبئة «ائتلاف البازار ـ المسجد»، والخطوة الثانية كانت قمع المشاركين في الائتلاف الثوري، ويقصد بهم جماعات اليسار و«اليسار الإسلامي»، ولا تخلو معالجة أشرف لتلك المسألة من تجنٍّ على الثورة الإسلامية، حيث يطنب في وصف خرق حقوق الإنسان والإعدامات الجماعية لمنظمة «مجاهدي خلق»، من دون التعريج أبداً على الحملة الإرهابية الشرسة التي شنتها تلك المنظمة ضد قيادات الثورة والحرس الثوري والشعب الإيراني المؤمن بشكل عام، في زمن كانت تتعرض فيه إيران لحرب خارجية تستهدف استئصال الثورة والجمـهورية الإسلامية.

 

وبعد سرد تاريخي طويل يقارن أشرف بين كارزما الإمام الخميني وكارزما القادة الآخرين في العصر الحديث، كماوتسي تونغ، لينين، كاسترو، ورنكروما، فيقول أنّ القادة سالفي الذكر كارزميتهم هي كارزما «زائفة»، وفي أحسن الأحوال فقد كانت «عقلانية» و«غير ذاتية»، وجاءت نتيجة التخطيط وأجهزة الدعاية الرهيبة التي كانت في متناول الأنظمة تلك، بينما كارزما الإمام كانت حقيقية وأصيلة، مع أنها أضيف إليها لاحقاً البعد العقلاني بسبب تولي الإمام قيادة دولة عصرية، وفي النهاية يتحدث عن انتقال كارزما الإمام إلى القائد الذي سيخلفه. وفي نظرية فيبر فإن النظام الذي أرسى قواعده القائد الكارزماتي يرث جزءاً من الكارزماتية، بينما يرث الجزء الآخر القائد المعين.

 

الإمام الخميني والعرفان

 

لم يجر التركيز على هذا الجانب المهم من شخصية الإمام إلا في السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة، هناك دراستان مهمتان في هذا المجال: أولاهما، لباحث روسي (الكسندر نيش)، يركز فيها على النتاج العرفاني للإمام وخصوصاً أيام تلمّذه على يد آية الله محمد علي الشاه آبادي، ولا يحاول «نيش» ربط البعد العرفاني للإمام بالجوانب الأخرى من شخصيته كالسياسة والعمل الثوري، إنما انصب اهتمامه على العرفان في بعده الأكاديمي، أي الكتب التي كتبها الإمام في هذا المجال وكيف تطور فكره العرفاني.

 

أما الدراسة الثانية فهي لباحث أردني مسلم (سلمان البدور)، ويحاول فيها ربط العرفان لدى الإمام بالفكر السياسي، وكيفية توصل الإمام إلى قناعة مفادها أنّ العارف هو الذي ينبغي أن يكون الحاكم وهو الذي ينبغي أن يكون الولي الفقيه، طبعاً بعد تحصيله للمعرفة الفقهية بمستواها المتعارف تقليدياً.

 

وفي ما يلي لهاتين الدراستين:

 

الرجوع إلى العرفان: الخميني وتراث الفلسفة العرفانية الإسلامية (32 صفحة)

 

الكاتب: الكسندر نيش

 

تركز هذه الدراسة على الكتب التي كتبها الإمام في العرفان بعد هجرته إلى قم المقدسة التي كانت حصيلة تلمّذه على آية الله محمد علي الشاه آبادي، والكتب عنه بالترتيب: (شرح دعاء السحر) و (مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية) و (تعليقة على شرح فصوص الحكم ومصباح الأنس).

 

ويذكر في بداية بحثه كيف عثر على مخطوطة الكتاب الأخيرة التي كانت أجهزة السافاك صادرتها من منزل الإمام الخميني عام 1968، أي بعد حوالي أربع سنوات من إبعاده إلى تركيا.

 

ثم يعطي تعريفاً للعرفان، ويقول انه على الرغم من توافر المصادر فلم يقم أحد بدراسة تحليلية منظمة لآراء الإمام العرفانية والميتافيزيقية.

 

وفي رأي «نيش» فإن الكتاب الأول الذي درسه الإمام على آية الله الشاه آبادي كان (الأسفار) للملا صدرا، ويقول أنّ المفاهيم المطروحة في هذا الكتاب تماثل إلى حد كبير نظرية الإنسان الكامل عند ابن عربي. ويقول أنّ الإمام درس بعد ذلك (شرح فصوص الحكم) الذي كان له «تأثير دائم على المفهوم العرفاني» للإمام، الذي كان يستشهد به كثيراً، وبعد دراسة هذا الكتاب درس الإمام كتاباً للقونوي تلميذ ابن عربي وشارح فلسفته العرفانية، والذي هو تعليقة على مفتاح الغيب، ويعتبر هذا الكتاب في الحوزة العلمية في قم أهم المتون العرفانية بعد (فصوص الحكم) و (الأسفار).

 

واستمرت دراسة الإمام عند الشاه آبادي حوالي ست سنوات إلى حين انتقل إلى طهران. ويعتقد «نيش» أنّ الإمام تابع دراسة هذه الكتب، فلقد كان منهمكاً بالسير والسلوك الأخلاقي الذي يصفه الكاتب: بأنه عبارة عن «رفض الأهواء الدنيوية والإتباع الحديدي لمسائل الحلال والحرام»، ويجد «نيش» أنّ هناك كثيراً من أوجه الشبه بين سلوك الإمام العرفاني وسلوك العرفاء الكبار الاسبقين، كالسيد حيدر الآملي وصدر الدين الشيرازي، كما يظهر من سيرهم في الموسوعات الرجالية والعرفانية، حيث تبدأ حياتهم العلمية بدراسة المنهج التقليدي في الفقه والأصول والكلام، ومن ثم إتباع منهج خاص للتزكية والسير والسلوك، ما يؤدي في النهاية إلى الاشراق ومعاينة الأشياء على حقيقتها.

 

وينتقل «نيش» بعد ذلك إلى تطور الفكر العرفاني للإمام من خلال الكتب التي ألّفها فـي هذا المجال، فيقول أنّ الكتاب الأول للإمام في هذا المجال (شرح دعاء السحر) لم يُبرز الإمام كمفكر مستقل ذي فكر عرفاني متطور، ولكن الأمر تغير إلى حد ما في كتاب (مصباح الهداية إلى الخـلافة والولاية) حتى بلغ مداه في كتاب (تعليقة على شرح فصوص الحكم ومصباح الأنس)، حيث يقيم الإمام آراء الشارحين لهذين المتنين العرفانيين اللذين يُعتبران من أهم المتون العرفانية في الحوزة، وينتقدهما في مواضع عديدة، حتى انه ينقد بعضـاً من آراء ابن عربي الذي كان له التأثير الأكبر على الإمام، بالرغم من دراسة الإمام لكتاب (الأسفار) أيضاً.

 

ويسترسل «نيش» في شرح مستفيض للمفاهيم العرفانية المطـروحة في كتب الإمام العرفانيـة آنفة الذكر، كمسألة الإنسان الكامل وتجلي الأسماء والصفات وصدور العالم، ويبدو للقارئ أنّ «نيش» على إلمام واسع بالمفاهيم والمصطلحات التي يعالجها.

 

وفي الأخير يطرح تساؤلاً مهماً، وهو ما مدى تأثير الخلفية العرفانية على الفكر والسلوك السياسي للإمام وشخصيته الثورية.

 

وينهي بحثه بالقول ان العرفان ترك تأثيراً حاسماً في شخصية الإمام، وان اهتمام الإمام بالعـرفان لم يفتر أبداً، ويستشهد على ذلك بالمحاضرات العرفانية له في تفسير سورة الحمد، التي بثها التلفزيون الإيراني في السنة الأولى لانتصار الثورة الإسلامية، وكذلك رسالة الإمام إلى غورباتشـوف المليئة بالاهتمامات الروحية والعرفانية.

 

الصلة بين الرؤية العرفانية لآية الله الخميني ونظريته في ولاية الفقيه (13 صفحة)

 

الكاتب: سلمان البدور

 

 تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها الأولى باللغة الانجليزية التي تربط بين عرفان الإمام وفكره السياسي، ومما لا شك فيه أنّ هذه المسألة هي المفتاح لفهم شخصية الإمام الخميني، والإطار الذي يمكن من خلاله وضع الجوانب المختلفة من شخصيته العظيمة في وحدة منطقية متجانسة، وفي الواقع فإن عدم فهم هذه المسألة الحساسة هو الذي يؤدي إلى التخبط الذي تعاني منه الدراسات الغربية حول شخصية الإمام.

 

 ومع أنّ الكاتب: أبرز هذه المسألة الحساسة، إلا انه لم ينجح كما سنرى لاحقاً في عرض هذه الصلة بين عرفان الإمام وفكر السياسي وإثباتها بطريقة منطقية أو مقنعة. والقارئ الذي لا توجد عنده قناعة مسبقة بهذه الصلة لا يمكن أن يستخلصها بعد قراءته لبحث البدور، وكل ما يفعله الكاتب: هو أن يلفت النظر إلى أبعاد مختلفة من فكر الإمام، لا تزيده إلا ارتباكاً في الذهن وتشويشاً.

 

إنّ أولى الإشكاليات التي ترد على بحث البدور هو انه يعتمد لطرح نظريته عن الصلة بين عرفان الإمام ومفهومه عن ولاية الفقيه بشكل كامل على كتاب واحد من كتب الإمام هو «مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية»، الذي كتبه ولم يتجاوز سن الثامنة والعشرين، وكان البدور لم ينتبه إلى أنّ نظرية ولاية الفقيه لم تكن متبلورة عند الإمام بشكلها النهائي، حتى بعد مضي أكثر من عقد من الزمن على تأليف (مصباح الهداية)، الأمر الذي يبدو جلياً في كتاب الإمام (كشف الأسرار)، الذي كتبه في أوائل الأربعينيات من هذا القرن.

 

يعتقد البدور أنّ نظرية ولاية الفقيه عند الإمام مبنية على مفهوم «الإنسان الكامل» في العرفان الإسلامي ومفهوم اليوطوبية (خطط مثالية غير عملية للإصلاح السياسي والاجتماعي) في الفكر السياسي والإسلامي.

 

ويقول أنّ الإمام من المؤمنين بفكرة «وحدة الوجود»، وذلك بسبب ثأثره بـ (ابن عربي وصدر الدين الشيرازي)، والشارحون الشيعة لكتب ابن عربي حاولوا التوفيق بين المعتقدات الشيعية وفكرة وحدة الوجود ومواءمة هذه الفكرة بالذات مع الفلسفة، وقد تجلت هذه المسألة في كتاب الملا صدرا وهادي السبزواري خاصة. ويشرح البدور فكرة وحدة الوجود كما ظهرت في كتابات الإمام، وهي أنّ الحق والخلق هما وجهان لحقيقة واحدة، فالحق هو الباطن والخلق هو الظاهر، ويتجلى الباطن في الظاهر.

 

ووفقاً للإمام فإن هناك ست مراحل في عملية التجلي وهي كالتالي:

 

أولاً: أحدية الذات، ثانياً: واحدية الذات، ثالثاً: الأعيان الثابتة، رابعاً: المحسوس، خامساً: العقل الكلي، سادساً: المقام الجامع.

 

ويشرح الأسفار العقلية الأربعة، ويورد آراء الحكيم «القمشة أي» كما ذكرها الإمام في كتاب (مصباح الهداية)، وبعدها ينتقل إلى رأي الإمام حول هذه الأسفار وتفاصيلها.

 

ويقول البدور ان الإمام الخميني يعتقد انه حتى أهل السلوك من غير الأنبياء والأولياء يمكنهم الوصول إلى العلم الحقيقي، وذلك عبر إتباع منهج معين للسير والسلوك، وهذا المفهوم لدى الإمام باعتقاد الكاتب: له ارتباط وثيق بنظرية «ولاية الفقيه». والمنهج الخميني للسلوك حسب رأي البدور يتخلص في المراحل التالية:

 

أولاً: أن يتعرف السالك إلى رموز أهل العرفان ومصطلحاتهم.

 

ثانياً: أنّ يدرس القرآن بتمعن لكي يقضي على كل أنواع الجهل والحجب.

 

ثالثاًً: يصبح السالك في هذه المرحلة «الخليل الروحاني»، حيث يتعرف إلى بعض الحقائق كالأسماء والصفات والعلاقة بينها.

 

رابعاً: في هذه المرحلة يصبح «الأخ الإيماني»، حيث يؤمن أنّ الله هو كل شيء، أي فكرة وحدة الوجود عند صدر الدين الشيرازي.

 

خامساً: في هذه المرحلة يصبح السالك «مكاشفاً» ويدخل إلى مدينة العلم، وهناك يدرك الأشياء على حقيقتها.

 

سادساً: في المرحلة الأخيرة يتجلى الرحيم للسالك الذي يعرف الأمور بمعرفة الله ويصبح عارف إلهياً، وهكذا يتعرف إلى أنّ حقيقة النبي محمد(ص) هي مصدر وخاتمية الوحي.

 

ويزعم البدور اعتقاد الإمام انه وصل إلى هذه المرحلة، وان له مكاشفات وأنه قد يفصح عن أشياء لم يسمع بها أحد من قبل.

 

ثم يقول في نهاية بحثه أنّ الإمام وقع تحت تأثير نظرية الفارابي عن (الفيلسوف ـ الحاكم) التي تعرف إليها من خلال كتابات أبي الحسن العامري (ت992م) وحوّل الإمام هذا المفهوم إلى نظرية (الفقيه ـ الحاكم).

 

ومن الواضح للمطلعين على كتابات الإمام انه لم يستشهد بآراء الفارابي أو غيره من الفلاسفة حين طرح نظرية ولاية الفقيه في كتاب ( الحكومة الإسلامية)، ولكن على العكس من ذلك استشهد بالآيات القرآنية وأحاديث المعصومين وبديهيات العقل والشرع الإسلامي.

 

الإمام الخميني والفكر السياسي

 

لقد حاز هذا الجانب من شخصية الإمام على القسم الأكبر من الدراسات الغربية في هذا المجال، ومسألة التركيز الغربي على هذا البعد من شخصيته العظيمة لا تجانب الصواب، فلولا الأفكار السياسية للإمام وخصوصاً نظرية ولاية الفقيه لما كان وضع العالم على ما هو عليه اليوم، ولما مني العالم المستكبر بهذه الصدمة التاريخية التي لفتت أنظار العالم بأجمعه إلى أنّ التخطيط الربّاني نصير البشرية، وان العلاقات الإنسانية والدولية يجب أن تقوم على أساس العدل والحق لا الاستغلال والاستعباد.

 

سوف نستعرض ثلاث دراسات في هذا الجانب بشكل مقتضب ونأتي إلى ذكر الدراسات الأخرى وأسماء مؤلفيها، وسوف يراعى الجانب التاريخي في عرض الدراسات الثلاث وهي: «الدين والسياسة في كتاب (كشف الأسرار) للإمام الخميني» و «تشكيل الخطاب الثوري لآية الله الخميني 1964 ـ 1977» و«ولاية الفقيه واستعادة الهوية الإسلامية بتفكير روح الله الخميني».

 

الدين والسياسة في كتاب كشف الأسرار للإمام الخميني (11 صفحة)

 

الكاتبة: فينسا مارتن

 

تعطي مارتن لمحة عامة عن محتويات (كشف الأسرار) وتنتقد آراء بعض الباحثين الذين يزعمون أنّ هذا الكتاب يؤيد الحكم الملكي أو على الأقل لا يعارضه، وتضيف أنّ موقف العلماء الإيرانيين من السلطان لم يكن موقفاً موحداً من الناحية التاريخية، وتبدي أسفها لأن أحداً لم يدرس الموقف الفقهي للعلماء تجاه السلاطين في العهد القاجاري أو بعده على عكس العهد الصفوي، حيث درس الباحث نورمن كالدر الآراء الفقهية للعلماء في ما يتعلق بملوك الصفوية، وخلص إلى نتيجة هي مع أنّ كثيراً منهم تعاونوا مع أولئك الملوك، فإنهم كانوا يسمونهم «سلاطين الجور» و«السلطان الظالم» في كتاباتهم الفقهية.

 

تقول مارتن أنّ الإمام يتخذ موقفاً من السلطان في (كشف الأسرار)، مع انه يعتبر أنّ الحكم القائم (حكم الشاه) هو حكم سيّئ. وتضيف أنّ الإمام كان يرى أنّ مجلس الفقهاء يكون من صلاحياته تعيين أو عزل الحاكم، وأن الحاكم يجب أنّ يسير وفقاً للشريعة. وترى أنّ رأي الإمام بالنسبة لدور الفقيه في (كشف الأسرار) يختلف عنه في ولاية الفقيه، حيث لا يقول في الأول بمباشرة الفقهاء للسلطة، وان نظرية الحكم في الكتاب نفسه غير واضحة المعالم، ومع هذا فإن الإمام يرى أنّ إقامة الحكومة أمر واجب، وأنّ إقامة الحكم العادل في عصر الغيبة هو أمر ممكن.

 

وتبحث مارتن في إمكانية تأثر الإمام بأفكار حسن ألبنا أو المودودي، لكنها لا تتوصل إلى رأي جازم في هذا المجال.

 

وتقول: مع أنّ فكر الإمام السياسي لم يكن مبلوراً عام 1943 (عام كتابة كشف الأسرار)، إلا انه من الواضح جداً انه يرفض بشكل قاطع الحكومة الدستورية، حيث يستمد المجلس شرعيته من الشعب وليس من الشريعة.

 

وفي رأي الإمام فإنّ حكم الله هو الذي يجب أن يكون نافذاً، وتستند معارضة الإمام للتشريع والحكومة الدستورية على ثلاثة مبادئ هي:

 

1 ـ أنّ القانون الوضعي غير سليم.

 

2 ـ أنّه لا يصلح لإيران.

 

3 ـ أنّه سوف يلحق بإيران كل شرور أوربا.

 

ويساوي الإمام الدستورية بالشيوعية والدكتاتورية، حتى انه يقول أنّ الدستورية أسوأ من الملكية. وتستنتج مارتن في النهاية أنّ (كشف الأسرار) يمكن اعتباره مقدمة لولاية الفقيه من الجوانب التالية:

 

1 ـ أنّ الشرعية هي الحكم الوحيد المقبول.

 

2 ـ أنّ إيجاد الحرس الثوري وأجهزة الدعاية لها جذور في (كشف الأسرار).

 

«بأي سلطان» تشكيل الخطاب الثوري للخميني 1964، 1977 (28 صفحة)

 

الكاتب: حميد دباتشي

 

يركز حميد دباتشي في دراسته المهمة هذه والفريدة من نوعها في هذا المجال على البيانات والرسائل والفتاوى التي أصدرها الإمام الخميني في فترة 1964 ـ 1977 عندما كان مبعداً في النجف الأشرف، ويحاول من خلال ذلك تقصي تطور الخطاب الثوري للإمام الذي عبأ من خلاله الشعب الإيراني.

 

ويرى دباتشي أنّ هذه البيانات والرسائل والفتاوى تفوق في أهميتها كتاب (ولاية الفقيه) في مجال التعبئة الشعبية للذاكرة الجمعية الشيعية، وذلك لأسباب عدة، منها أن تداول (ولاية الفقيه) كان محدوداً ولغته نخبوية يقتصر فهمها على العلماء والطلبة في الحوزة العلمية، وحتى موضوعه لم يكن مسلماً به وكان مجال نقاش بين الفقهاء، على عكس تلك الأشياء الثلاثة وخصوصاً الفتاوى، التي كانت ملزمة ولغتها ميسرة لكل الناس وتصل إلى جمهور أوسع بكثير مما كان متاحاً للكتاب آنف الذكر.

 

بعد مقدمة قصيرة يصف فيها دباتشي الظروف التي سبقت وأعقبت تبعيد الإمام إلى تركيا ومن ثم إلى النجف الأشرف، يقول: بين عامي 1964 ـ 1977 بينما كان الشاه ينفق الملايين من دولارات النفط لبناء ترسانة عسكرية حديثة، كان آية الله الطاعن في السن يبري أقلامه الرصاصية ويجلس خلف طاولته الصغيرة ليكتب رسائل ويصدر فتاوى ويخط بيانات ويرسل برقيات. ولقد أثبتت أوراق آية الله وأقلامه الرصاصية أنها لم تكن أقل كلفة من تكنولوجيا الشاه العسكرية باهظة الثمن فحسب، بل أنها كانت أكثر تأثيراً.

 

بعد دراسته لهذه الرسائل والبيانات والفتاوى الصادرة عن الإمام بين عامي 1964 ـ 1977، يخرج دباتشي بالاستنتاجات التالية:

 

1 ـ في الفترة التي تلت إبعاد الإمام مباشرة، لا يوجد دليل على انه كان جازماً على الثورة وكمال الطريق حتى الإطاحة بالشاه.

 

2 ـ لقد ركز الإمام على الغرب كعدو أول للمسلمين والسبب الرئيس في معاناتهم، ومن خلال تركيز أنظار المسلمين على العدو الغربي استطاع أن يتجاوز الخلاف التاريخي بين السنة والشيعة، وما ساعد على جعل توجيهاته محل جذب المسلمين عامة وجوده الشخصي في بلد عربي وتعاطفه البالغ مع القضية الفلسطينية ومخاطبته العالم الإسلامي بشكل عام.

 

3 ـ مع أن الأيديولوجيات العلمانية في منتصف الستينيات كانت قد اكتسحت تياراً عريضاً من المثقفين المسلمين وخصوصاً في إيران، فلقد استطاع الإمام أن يكبح جماح هذا التيار من خلال الإبقاء على صلة وثيقة مع الطلبة الجامعيين الإيرانيين في أوربا والولايات المتحدة والحرص على توجيههم، حيث شكل برنامجه وخطابه السياسي بديلاً للخطاب العلماني، ونجح الإمام في ذلك من خلال إبراز الجانب السياسي في الإسلام.

 

4 ـ أنّ جانب الزهد في شخصية الإمام الذي تجلى في سلوكه وكتاباته وتوجيهاته استطاع أن ينتزع إعجاب وتأييد حتى أكثر الطلاب الإيرانيين علمانية وراديكالية من الموجودين خارج إيران.

 

5 ـ بالنسبة إلى الداخل الإيراني، فقد استطاع الإمام أن يوجد مؤيديه الرئيسيين بالتعاون مع آية الله مرتضى مطهري الذي تظهر أهميته من خلال تعيين الإمام له وكيلاً في استلام الحقوق الشرعية، ولقد أدى مطهري دوراً لا يقل أهمية في مجابهة الأفكار الإلحادية وخصوصاً الماركسية!

 

6 ـ استطاع الإمام تنظيم التأييد لحركته الثورية على صعيد المساجد داخل إيران من خلال جهود أمثال آية الله سعيدي.

 

7 ـ أخيراً استطاع الإمام مضاعفة المد الثوري من خلال تسييسه لمفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

ولاية الفقيه واستعادة الهوية الإسلامية في فكر روح الله الخميني (20 صفحة)

 

 الكاتب: غريغوري روز

 

يذكر روز أولاً المجالات الثلاثة للولاية التي هي محل وفاق الفقهاء الشيعة، وهي:

 

1 ـ الإفتاء

 

2 ـ القضاء في الخلافات والنزاعات.

 

3 ـ الولاية على الأيتام.

 

ويضع تطور الولاية في سياقها التاريخي، فيتحدث عن رأي الشريف المرتضى حول قبول العمل في أجهزة السلطان الجائر كالحكومة والقضاء، ويستعرض رأي الشيخ الطوسي الذي يقول أنّ قبول منصب كهذا أمر مستحب وليس بواجب، ثمن يعرج على موقف المحقق الحلي الذي يرى أنّ قبول هذا العمل جائز على كراهية.

 

ويرى روز أنّ القول بنطاق معين من ولاية الفقيه كان شائعاً في العصر القاجاري، ويستشهد لذلك بأن الشيخ مرتضى الأنصاري وجد نفسه مضطراً لأن ينقد هذا المفهوم في كتابه الشهير (المكاسب)، حيث كان يرى محدوديتها.

 

ويختم بحثه بلفتة لا تخلو من أهمية، وهي أنّ الإمام يرى أنّ إقامة الحكومة الإسلامية مسألة ذات روحية ومعنوية، حيث توفر الشروط لبناء إنسان «مهذب وفاضل».

 

هناك دراسات أخرى عن الجانب السياسي في شخصية الإمام لا تخلو من أهمية وهي كالتالي:

 

11 ـ «تحول مؤسسة ولاية الفقيه من الخميني إلى الخامنئي» (15 صفحة)

 

الكاتب: محسن ميلاني.

 

12 ـ «جوهر شخصية آية الله الخميني ومعناها» (20 صفحة).

 

الكاتب: هارون صديقي.

 

13 ـ «الخمينية والثورة الإسلامية والقانون الدولي» (46 صفحة).

 

الكاتب: بهار سارفناز.

 

موضوع هذه الدراسة مهم جداً.

 

وتبقى هناك دراسات من نوع خاص عن الإمام الخميني لا يجمعها منهج معين، اللهم إلا العداء الأعمى والصارخ لهذه الشخصية العظيمة، ولا عجب، فكتّاب هذه الدراسات كلهم من اليهود الحاقدين على الإسلام، وهي كالتالي:

 

14 ـ «الإمام الخميني، أربعة مستويات للفهم».

 

الكاتب: مايكل فيشر.

 

وهذه الدراسة أقل تعصباً نسبياً من الدراستين التاليتين.

 

15- «هرطقات الخميني السياسية، آراؤه في الإسلام والسياسة، وإمكانية قيام دولة إسلامية في إيران» (14 صفحة).

 

الكاتب: ايلي خدوري

 

16 ـ «آية الله السياسية الواقعية» (19 صفحة).

 

الكاتب: هنري برخت

 

ويبقى القول انه من الناحية التاريخية أو الزمنية، مرّت الدراسات المتعلقة بشخصية الإمام الخميني بثلاث مراحل؛ ففي المرحلة الأولى التي امتدت من يوم انتقال الإمام إلى ضاحية نوفل لوشاتو الباريسية إلى ما بعد رجوعه إلى إيران بعد نجاح الثورة، واستمرت حتى احتجاز الرهائن الأميركيين في سفارتهم في طهران، فلقد طغى على هذه المرحلة عنصر الدهشة والطرافة وحب الاستطاعة، ولم تخل هذه المرحلة من تعاطف ما على الأقل على الصعيد الشعبي مع شخصية الإمام، فلقد أراد العالم الغربي أن يعرف المزيد عن هذا الإنسان الغريب، وعن هذا القديس ـ الحاكم أو الفيلسوف ـ الحاكم، وعن طريقة عيشه وعن أفكاره وآرائه خصوصاً في المسائل ذات الاهتمام للعالم الغربي، ولقد تجلى هذا الاهتمام بشخصية الإمام خصوصاً في التقارير الصحافية في تلك الفترة.

 

المرحلة الثانية ابتدأت من تاريخ احتجاز الدبلوماسيين الأميركيين إلى تاريخ وفاته، فلقد تعلموا أنّ هذا القديس والصوفي يختلف جذرياً عن المفهوم المنطبع في وعيهم عن هذا النمط من الناس.

 

فهو رجل عنيد صلب صلابة الجبال، لا يهادن ولا يساوم على حقوق المستضعفين، وهو كالإعصار في وجه المستكبرين والمستغلين، وغلب طابع العداء على الدراسات المتعلقة بشخصيته إلاّ ما ندر.

 

والمرحلة الثالثة التي ابتدأت منذ وفاته حتى اليوم شهدت محاولة جدية من جانب الأوساط الأكاديمية الغربية لفهم شخصية الإمام الخميني بعيداً عن أسلوب التعصب والتجني، طبعاً من دون الادعاء بأنها وصلت إلى التحليل الدقيق والصحيح، وذلك نظراً لقصور المناهج الغربية في الفكر والبحث عن اكتناه سر هذه الشخصية الربّانية.

 

وفي النهاية أود القول إنني لا أدعي أنني غطيت كل الدراسات الصادرة باللغة الانجليزية عن حياة وشخصية الإمام الخميني، ولكني لا أعتقد أن الدراسات التي أغفلتها تخرج عن الإطار والمناهج التي تم التعرض إليها في هذه الصفحات.