باسمه تعالى

 

الإمام الخميني والثورة الإسلامية وعالمنا المعاصر

 

كتاب تاريخ البشرية الضخم، بكل مفاخره وانتكاساته؛ ليس أكثر من بداية فصل لا يمكن إنكاره عنوانه: (صانعو التاريخ العظام).

 

فإذا تأملنا بروز الأفكار السامية ونشوء المذاهب الفلسفية والسياسية وتكاملها، ومعنى علم التاريخ وفلسفة التاريخ والأسس التي يستندان إليهما، لا يسعنا مهما كانت النظرية التي نؤمن بها، تجاهل الدور الفريد للشخصيات التي تركت أفكارها وسلوكها تأثيراً عميقاً في دائرة المجتمع والسياسة وفي ميدان الثقافة والعلوم والعلاقات الإنسانية، تجاوز عصرها وجيلها.

 

هل ينبغي اعتبار ظهور أمثال هذه الشخصيات مجرد نتاج طبيعي لاحتياجات المجتمع ومتطلبات العصر، ومن ثم النظر إليها على أنها معالم ورموز تمثل أفكارها وسيرتها انعكاساً للتطلعات والرغبات والاحتياجات الطبيعية لعصر وجيل معينين؟

 

أو أن السمات التكاملية الفريدة، والنبوغ الذاتي والنظرة المستقبلية، والقدرة على الابتكار والإبداع، هي التي أهلّتها لأن تحتل موقعها بين المشاهير والمبدعين؟

 

أو أن كلا العاملين تشاركا في ذلك؟

 

أم أن الدور الخلاق لأمثال هذه الشخصيات، ومن منطلق رؤية فلسفية أو عرفانية ميتافيزيقية، كان قد تم التخطيط له من قبل لدى خلق آدم وهبوطه إلى ارض الطبيعة، وسعي الإنسان والمجتمع الإنساني للتحرر والتكامل والعروج والمعاد؟

 

مهما يكن، فإن تباين وجهات النظر أعلاه لا يغير من هذه الحقيقة وهي ثمة رجال معدودين عظام انتفضوا بثبات في المقاطع الحرجة من تاريخ حياة الإنسان، وتركت أفكارهم وسيرتهم تحولاً جذرياً في الرؤى والأفكار وفي نشوء الفلسفات والمذاهب والنظم المختلفة بنحو انعكس على جانب كبير من أبعاد الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية لملايين البشر.

 

وبطبيعة الحال إن مثل هذه الحقيقة لا تتعارض بأي نحو من الأنحاء مع الدور غير القابل للإنكار الذي يمكن أن يلعبه كل فرد من أفراد المجتمع الإنساني أو المؤسسات المنبثقة عنه، في التحولات الاجتماعية والثقافية التي يشهدها هذا المجتمع.

 

حقاً، إن أياً من المذاهب الفلسفية والسياسيّة والاجتماعية والأدبية المرموقة، وأيّا من الحضارات والنهضات الفاعلة والمؤثرة التي عرفناها منذ بزوغ التاريخ البشري وحتى عصرنا الحاضر؛ ألم تدنْ في أصولها وقيمها إلى الوجوه البارزة والشهيرة في عالم الفكر والسياسة والثقافة والأدب والثورة؟

 

وهكذا يعد فصل معرفة القادة والمؤسسين من أهم فصول معرفة المدارس الفلسفية والمذاهب السياسة والأدبية، والتعرّف على الأديان والمذاهب والثقافات والحضارات والثورات والنهضات.

 

وبناء على ذلك، فان نجاح أي تفسير علمي وتحليل موضوعي لظاهرة الثورة الإسلامية وتقويم تأثيرها وفاعليتها في المجتمع الإيراني وعلى الساحة الدولية، منوط أولاً بمعرفة المبادئ الفكرية وأبعاد شخصية وسيرة الرجل الذي قاد هذه الثورة منذ انطلاقتها الأولى في الخامس عشر من خرداد ـ الخامس من حزيران 1963ـ وحتى الثاني والعشرين من بهمن ـ 11 شباط 1979ـ، وكذلك الأحد عشر عاماً التي تلت ذلك بدءاً بالمراحل الأولى لتشكيل الحكومة وانتهاءً بترسيخ وتثبيت أركان نظام الجمهورية الإسلامية.

 

والملاحظة المهمة هي أن الثورة الإسلامية وقيادة الإمام الخميني، اقترن ظهورهما مع ذروة الحرب الباردة بين القوتين العظميين التي انتهت بانهيار احد القطبين السياسيين البارزين، وجاءتا على أعتاب تحولات عميقة شهدتها الجغرافية السياسية للعالم، ولا يخفى أن مثل هذا يضفي أهمية مضاعفة على تحليل خصوصيات أفكار وسيرة الرجل الذي نجح في ظل ذلك في إرساء أسس مشروع جديد وتأسيس نظام ديني مستقل تماماً وبعيداً عن النفوذ الذي تفرضه متطلبات نظم المعسكرات التابعة للشرق والغرب ـ الرأسمالية والاشتراكية ـ التي كانت تبدو أمراً حتمياً.

 

وفي الذكري المئوية لولادة الإمام الخميني، وبمرور عشرة أعوام على رحيله، بات موقع الثورة التي فجرها والنظام الذي أرسى دعائمه على درجة من الثبات والاستقرار لم نعد بحاجة للبرهنة على حقيقة أن الثورة الإسلامية لم تكن مجرد تحرك طارئ لإسقاط نظام سياسي في نقطة ما من العالم.

 

فقد بات الحديث اليوم في الأدبيات السياسية للعالم، وبنحو أكثر عينية في الملتقيات العلمية للمفكرين والسياسيين، حتى على مستوى المباحثات واللقاءات الرسمية بين كبار الساسة في العالم، يتركز على المعضلات التي أوجدتها الثورة الإسلامية على صعيد الموازنات والمقولات السياسية والثقافية.

 

ذلك أن بروز الأحزاب الإسلامية واتساع دائرة نشاطاتها في معظم الدول الإسلامية، والتحولات والمستجدات التي ظهرت أوفي طريقها إلى الظهور، هي وليدة الحضور الفاعل القوي للمجموعات والتنظيمات الدينية من الكثير في البلدان الإسلامية، وقد قلبت موازين القوى التقليدية، وبات موقع المسلمين والحضارة الإسلامية المقبلة في المعادلات السياسية والثقافية الدولية، وبحوث نظير صدام أو حوار الحضارات، العلمانية أو الإيمان الديني في نظام الحكم، باتت حديث الساعة في المحافل الثقافية والسياسية.

 

ولا يخفى أن تسليط الأضواء على النتائج العملية لهذه الحوارات والتحديات والتوجهات، يتصدر أخبار وسائل الإعلام العالمية وتحليلاتها ثقة منها أن هذا النهج سيتواصل، وتتسع دائرته اتساعاً عظيماً، نظراً لعمق نفوذ نداءات الثورة الإسلامية ومكتسباتها على صعيد المجتمعات الإسلامية ودول العالم.

 

وفي إيران نجحت الثورة الإسلامية، مستلهمة أساليب النضال من الثقافة الإسلامية للشعب الإيراني التي تتباين تماماً عما اعتادته الثورة والحركات السياسية الرائجة، في إسقاط نظام ديكتاتوري مستبد يحظي بدعم الغرب بقوة، بل وُجد أساساً للقيام بدور الشرطي المدافع عن المصالح الأميركية والأوروبية، وتحقيق تطلعات (الناتو) في الخليج الفارسي والمنطقة المحاذية للاتحاد السوفيتي السابق .. وأهم من كل ذلك أنها نجحت في اجتثاث جذور نظام الملكية الفاسد، وإرساء دعائم نظام جمهوري يمتاز بمبادئه وأصوله وهيكليته الدينية والإسلامية.

 

لقد سمت الثورة الإسلامية بمنزلة إيران ومكانتها السياسية، التي كانت في يوم ليس ببعيد بمستوى ولاية شبه مستعمرة تقع تحت الهيمنة الأميركية على مختلف الأصعدة، لتحتل موقعها كقوة ثقافية وسياسية مقتدرة، إذ باتت مواقفها وسياساتها وعلاقاتها الآن حديث الساعة في المحافل الدولية وأوساط الساسة ورجال الحكم في مختلف أنحاء العالم.

 

فالجمهورية الإسلامية اليوم تحظي بمكانة مرموقة في الموازنات السياسية على الصعيد الدولي بدرجة تدفع أميركا والقوى الكبرى في العالم إلى اتخاذ موقف رسمي حيال ادنى موقف أو حدث إيراني داخلي.

 

وتفيد الأخبار التي تبثها وسائل الإعلام العالمية المرموقة يومياً بأن جانباً عظيماً من جهود واجتماعات البيت الأبيض والدول الأوروبية والآسيوية يكرس للبحث في كيفية العلاقة مع إيران وسبل مواجهة تداعيات الثورة الإسلامية على الساحة الدولية.

 

وبعيداً عن الموقع الذي تحتله إيران اليوم على صعيد الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر، والذي هو ـ بطبيعة الحال ـ وليد الثورة الإسلامية والنظام المنبثق عنها دون أدنى شك، كانت للثورة الإسلامية انعكاساتها الباهرة فيما وراء الحدود الإيرانية بنحو لا يمكن إنكاره، وأن آثارها وتداعياتها في تنام مستمر: فمفردة (العالم الإسلامي) كانت إلى وقت قريب تطلق على الشعوب المشتتة التي كانت معتقداتها الدينية لا تتجاوز الاهتمامات الفردية، بل حتى هذا كان في طريقه إلى التدني والزوال، فالغالبية من المسلمين كانوا قد انبهروا، وفي مختلف ميادين الحياة الاجتماعية بدءً بالثقافة والسياسة والنظم القانونية والحقوقية، وانتهاء بعاداتهم وتقاليدهم وعلاقاتهم الاجتماعية ونظمهم التعليمية، قد انبهروا واستسلموا للثقافات الغربية والشرقية المستوردة بنحو تضاءل بشدة الشعور بالهوية المستقلة والإسلامية إزاء نفوذ الأفكار والتوجهات السياسية غير الدينية، واتسم تدني الانتماء الذاتي والاضمحلال الثقافي بوتيرة متسارعة.

 

لقد تسارعت وتيرة الهجوم والانحلال والاضمحلال بنحو لم تتمكن حتى اقوى الحركات القومية من الثبات والاستمرار سوى أيام معدودة، نظراً لافتقارها للقاعدة الفكرية والعقيدية المناسبة التي تؤهلها للاستحواذ على دعم متواصل من الجماهير المسلمة والشعوب الإسلامية، ومن ثم إيجاد تحول في العلاقات وإرساء بُنى ثقافية وسياسية جديدة ومطمئنة تنسجم مع الثقافة الدينية. ولعلّ خير نموذج على هذه المساعي غير الموفقة الفشل والإحباط اللذان منيت بهما الحركات القومية في العالم العربي وتركيا، وكذلك هزيمة القوميين المبكرة في إيران.

 

فالقومية الشاهنشاهية واهتمام الشاه المفرط والمثير للسخرية بالتاريخ الإيراني القديم، ليس فقط لم ينظر إليه على أنه مشروع للتحصن والمقاومة مقابل نفوذ الثقافة الغربية، بل تم  التخطيط له أساساً للإسراع في الانفصام والابتعاد عن الثقافة الدينية في المجتمع الإيراني لصالح الغرب.

 

أما في الدول الإسلامية الأخرى فقد كانت ثمة أوضاع مشابهة سائدة أيضاً. حيث كانت أنشطة الشخصيات السياسية المعارضة والأحزاب والفصائل الثورية والإصلاحيّة في العالم الإسلامي، تنحصر في أتباع المذاهب الاشتراكية والشخصيات غير الدينية، والرموز المتغربة أو المستشرقة عموماً. ولم يكن بمقدور الأصوات المعدودة للمفكرين والتيارات السياسية الإسلامية، أن تحقق شيئاً في ظل الصخب الذي تمارسه أنواع التحركات والتوجهات الشرقية والغربية.

 

بيد أن الأحوال السياسية، وتوجهات الأحزاب والتيارات السياسية الناشطة بدأت تشهد تحولاً جذرياً في معظم الدول الإسلامية، إذ تحولت صحوة المسلمين والعودة إلى الثقافة الدينية في المجتمعات الإسلامية إلى أمواج من المد الإسلامي الذي طوى مراحله الأولية وأخذ يتجلى في صورة تشكيل الأحزاب وتأسيس التنظيمات السياسية والثقافية والاجتماعية القوية في الكثير من البلاد الإسلامية.

 

ولم تقتصر هذه الظاهرة الحديثة العهد على إيران ولبنان وفلسطين، بل أنفقت الدول الأوروبية وأميركا مبالغ طائلة للحيلولة دون انتصار الإسلاميين في القارة الأفريقية، وتعد الجزائر ومصر والسودان نماذج بارزة لذلك.

 

فالانتصار الساحق الذي حقّقه الإسلاميون في انتخابات الجزائر هو الذي دفع العالم الغربي، في تناقض صارخ، إلى تجاهل شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان، والوقوف إلى جانب الحكم العسكري في مطارداته الدموية الواسعة للإسلاميين.

 

وفي السودان أمسك الإسلاميون بزمام السلطة، وفي تركيا تنامت الفعاليات الإسلامية برغم المساعي الواسعة للعلمانيين على مدى عدة عقود متوالية خلافاً لما تروج له وسائل الإعلام والسياسات الرسمية، إذ وجدت الأحزاب الإسلامية لها موقعاً مصيرياً في هذه البلدان.

 

وخلافاً للإعلام الواسع النطاق الذي يشن على نداءات العزة والاستقلال والتوجه الإسلامي، بوصفها شعارات عالمية للثورة الإسلامية، لم تقتصر مناصرة هذه الأهداف على الشيعة وحدهم، فأميركا والغرب يواجهان اليوم، في أكثر قواعدهم التقليدية اطمئناناً، في شبه الجزيرة العربية وفي كل بلد من البلدان العربية والإسلامية، يواجهان معضلات وأزمات من تنامي الجماعات الإسلامية ووقوفها بوجه الغرب.

 

وتؤكد التحولات التي تشهدها الدول الإسلامية في شرق آسيا، انتصار الإسلاميين واتساع نفوذهم. ولم يتمكن الاستعمال المضلل لمفردة (الأصولية) من الفت في العزم المتنامي للمد الإسلامي.

 

ففي لبنان، التي كانت نشاطات الشيعة والجماعات الدينية والإسلامية إلى ما قبل انتصار الثورة الإسلامية، تقتصر فيها على المحافظة على عدد من المؤسسات التعليمية والخيرية للتعبير عن وجودها، وكانت مجاهدتهم ومقاومتهم المظلومة تفقد بريقها في ظل الصخب والضجيج الذي تمارسه الأحزاب اليسارية واليمينية، باتت القوى الإسلامية اليوم لها الكلمة الفصل في السياسة الداخلية لهذا البلد وفي مواجهة الكيان الغاصب للقدس. وليس هذا فحسب، بل إن مواقف حزب الله  اللبناني اكتسبت أبعاداً دولية بوصفه أكثر القوى السياسية والدينية اقتداراً في هذا البلد، وقاد ثبات أبنائه ومضاؤهم إلى هزيمة المشاريع الأمريكية والصهيونية في المنطقة وإحباطها.

 

كما تأثرت المقاومة الإسلامية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي القدس والضفة الغربية، بالثورة الإسلامية، حيث استطاعت بالاعتماد على قوة الإيمان وبأيد خالية، أن تسوق سياسات واشنطن ومسيرة الاستسلام إلى طريق مسدود، برغم كل الدعم المالى الضخم الذي رصده الغرب لها، وبرغم استسلام بعض القادة العرب وعدد من المنظمات الفلسطينية.

 

إن اتساع دائرة الصحوة الإسلامية لم يقتصر على الدول الإسلامية، بل بات المسلمون يشكلون في معظم الدول الأوروبية حتى في الولايات المتحدة، احدى اكبر الأقليات الدينية وأكثرها نشاطاً سياسياً، واتضحت معالم الهوية الجديدة للتوجّهات الإسلامية في هذه الدول بمظاهر الرفض والاستنكار لمؤلف كتاب الآيات الشيطانية ومن يقف وراءه.

 

وبالالتفات إلى التحولات التي شهدناها وسنشهدها في المستقبل القريب، يمكن القول: إن التأثير الذي تركته أمواج الصحوة الإسلامية في لفت أنظار الشعوب والمجتمعات إلى دور الدين وفاعليته في قيادة المجتمع وإدارة نظام الحكم، لم يقتصر على أوساط المسلمين وحدهم، بل إن مقولة إحياء الفكر الديني وإعادة قراءة القيم وأهداف الأديان التوحيدية ودور الدين ومكانته في النظام الجديد ومستقبل العالم، وبالالتفات إلى هزيمة الماركسية واندحار المعسكر الاشتراكي وبروز الأزمات الاجتماعية والأخلاقية داخل الأنظمة الرأسمالية، أخذت تستحوذ بصورة جادة على اهتمامات وتوجهات المفكرين والمصلحين. ويعد اهتمام المجتمع والدول ورجال السياسة والمنظمات الدولية بأبحاث ومقولات من قبيل الحوار بين أتباع الأديان والمذاهب وحوار الحضارات، والتوجهات الجديدة في بحوث التراث والمعاصرة والحداثة وما وراء الحداثة، من أبرز المؤشرات إلى انطلاقة مثل هذا التحول.

 

فلم يعد خافياً على احد من المراقبين السياسيين الدور الذي اطلعت به الثورة الإسلامية في إيران وتداعياتها ومعطياتها على صعيد المنطقة والعالم، في التحولات السياسية والثقافية التي شهدها العقدان الماضيان.

 

وثمة حقيقة أخرى تقف بموازاة ذلك، تحظى باعتراف وتأكيد المراقبين والمتابعين للقضايا الثقافية والسياسية في العالم، ألا وهي أن الثورة الإسلامية ارتبطت في جذورها واستمرارها بتحول لا يمكن إنكاره، بأفكار وقيادة رجل أخذ على عاتقه التخطيط للثورة سواء على صعيد الأسس الفكرية والتنظير، أو في ميدان العمل وأساليب مواصلة الثورة وتقدمها. وفي هذا الصدد تعبر المقولة الشهيرة لخليفة الإمام أية الله السيد علي الخامنئي بصدق عن هذه الحقيقة، وهي: (الثورة الإسلامية بمعزل عن الإمام الخميني، غير قابلة للدرك في أية نقطة من العالم).

 

وبطبيعة الحال، وكما هو واضح، لا يتسنى تقويم انتصار الثورة الإسلامية ونجاحات الإمام الخميني بمعزل عن الأرضية والخلفية والأحداث التي عاشها العالم الإسلامي بما فيه إيران، ولا سيما في العقود الأخيرة، من دون الأخذ بنظر الاعتبار دور المصلحين والمفكرين والتيارات الدينية التي مهدت بنضالاتها وجهادها الفكري والثقافي، الأرضية لقبول نداءات الثورة الإسلامية والتفاعل معها داخل إيران وفي العالم.

 

ومهما يكن فانّ استقرار نظام الجمهورية الإسلامية في إيران يمثل أولى النتائج العينية والعملية للثورة الإسلامية وأهداف وتطلعات الإمام الخميني. وهذا يعني أن التعرف على حياة ونضال وأفكار وأهداف وتراث الإمام الخميني، هو في الحقيقة الخطوة الأولى للإحاطة بماهية الثورة الإسلامية وقيادتها ومعرفة العامل الأساس الذي يقف وراء الكثير من التحولات الجارية والقادمة في الميدان الثقافي والسياسي العالمي في عصرنا الحاضر والقادم. ولعّل هذا ما يدعونا لأن نعتبر الإمام الخميني مهندس الحضارة الجديدة الإسلامية التي هي في طور الإنشاء والظهور.

 

صحيفة الإمام

 

بالالتفات إلى مكانة الثورة الإسلامية وقيادة الإمام الخميني في عالمنا المعاصر، التي أشرنا إلى جانب من إبعادها أعلاه، يمثل الاطلاع على التراث السياسي والاجتماعي الشفوي والمكتوب للإمام الخميني، بما في ذلك الشخصي والأسري الذي يتم عرضه الآن في مجموعة كاملة عنوانها (صحيفة الإمام)، يمثل احد السبل للإحاطة بالخصوصيات الروحية لقائد الثورة الإسلامية الكبير ومعرفة أبعاد شخصيته وعلاقاته الشخصية والاجتماعية، ذلك لأن كل أثر من الآثار التي ضمّتها (صحيفة الإمام) يشير إلى بعد من الأبعاد الظاهرة والخفية التي اتسمت بها روح الإمام الخميني (رض).

 

الرسائل الأسرية

 

توضّح بعض الآثار المدرجة في (صحيفة الإمام) أن الإمام الخميني وبعيداً عن عالم النضال والسياسة والقيادة الصاخب، كان يتحلّى بروح لطيفة وعرفانية، وفي الوقت ذاته كان مدركا لواجباته الاجتماعية وعلاقاته الإنسانية، إذ تشير هذه الآثار إلى أن الإمام لم يكن قدوة وأسوة جديرة بالإتباع في وادي العلم والاجتهاد والجهاد والسياسة والإمامة فحسب، بل إن روحه الرقيقة وشخصيته المتمسكة بالتكليف كانت تدعوه دائماً لعدم التخلي عن أداء الواجب في الميادين غير السياسية. فقد كان سماحته زوجاً نموذجياً في مجال أداء الحقوق الزوجية والحب والوفاء للزوجة. فمنذ أن هداه التحقيق والتقدير الإلهي إلى بيت آية الله ثقفي لاختيار شريكة أفراح وأتراح حياته، حتى اللحظات الأخيرة من عمره الشريف، بقي وفياً لاختياره الأول والأخير هذا.

 

ففيما عدا رحلته لأداء فريضة الحج الواجبة في شبابه، والسنة التي نفي فيها إلى تركيا، وعدد من الزيارات التي قامت بها الزوجة إلى إيران للقاء الأبناء والأقارب خلال إقامته في النجف الأشرف، قلما فارق سماحته زوجته خلال الستين عاماً من حياتهما المشتركة. وتتحدث الرسائل والمكاتبات المتوافرة عن أبعاد العلاقة الحميمة والوفية العميقة المفعمة بالمحبة والاحترام المتبادل.

 

كما كشفت رسائل الإمام الخميني المرسلة إلى الأبناء والمنتسبين إليه، بعداً آخر من الأبعاد الروحية العظيمة التي كان يتحلي بها، إذ لم ينسه الجلوس على كرسي المرجعية والزعامة الدينية وتصديه لقيادة الثورة، أداء واجباته الدينية والأخلاقية لأبنائه والمنتسبين إليه، بدءاً من تفقدهم وانتهاءً بمتابعة مشكلاتهم وتوجيه النصح والإرشاد لهم بما يُقوّم حياتهم من الاهتمام بالدراسة وتهذيب النفس إلى غير ذلك من الأمور الأخرى التي تتجلي في الرسائل الأسرية التي كتبها سماحته.

 

كل ذلك يشير إلى دقة نظر الإمام وحرص سماحته على مراعاة العادات والتقاليد والخلق الإسلامي في علاقته مع أفراد أسرته والمنتسبين إليه.

 

كذلك تمكننا هذه الرسائل والخطابات، أن نعرف نهج الإمام التربوي وإيمانه بحرية العمل بالنسبة للأبناء، المقرون بطبيعة الحال بالتوجيهات والإرشادات الحميمة. وفي هذا الصدد تعد رسائل الإمام الخميني ومكاتباته الأخلاقية الموجهة إلى ولده حجة الإسلام والمسلمين السيد احمد الخميني، معبرة للغاية وزاخرة بالملاحظات السياسية والاجتماعية والأخلاقية، نظراً للدور الخاص والفريد الذي كان يطّلع به هذا الابن البار والمضحي والأمين مع الأب، خلال الثورة الإسلامية.

 

الإجازات الشرعية

 

الوكالات التي أعطاها الإمام الخميني أشخاصاً كثيرين في الأمور الشرعية والحسبية ـ سواء الوكالات العامة أو تلك التي جاءت استجابة لطلب في توكيل خاص ومحدود ـ، تمثل جانباً آخر من الموضوعات المدرجة في (صحيفة الإمام).

 

وبناءً على أصول الفقه الشيعي، لا يجوز التصرف بالحقوق الشرعية والأمور الحسبية في زمن الغيبة دون إذن الفقيه الجامع للشرائط. وفي ضوء ذلك كان إصدار الوكالة ومازال بيد مراجع التقليد للأفراد الواجدين للشرائط أمراً رائجاً، حيث يقوم المؤمنون بتسليم الحقوق الشرعية إلى الوكلاء الذين يقومون بإرسالها إلى مراجعهم.

 

وتتضمن متون الوكالات الصادرة إشارة إلى اختيارات محدودة تمنح صاحب الوكالة حق إنفاق الوجوه الشرعية في المواضع الشرعية المطلوبة، علماً أن هذا النوع من الوكالات يمنح إلى الأشخاص الذين يثق بهم مرجع التقليد، ويتيقن توفرهم على الشروط اللازمة وإحراز مراتب تدينهم والتزامهم، أو أن يقوم اثنان من الأفاضل العدول بتأييد أهليتهم في أقل تقدير.

 

إن هذا الأسلوب المطمئن، المتبع في تسلّم الحقوق الشرعية وإنفاقها هو الذي حفظ الفقه والفقاهة وصان الحوزات العلمية طوال التاريخ عن التبعية والإذعان لضغوط الحكومات غير الصالحة، ومهّد لارتباط علماء الدين والحوزات العلمية المباشر للناس بمختلف شرائحهم، وفي الوقت ذاته عمل على توعية المؤمنين وممارسة إشرافهم على سلوك هؤلاء وتصرفاتهم بما يضيق الخناق على إمكانية اختراق العناصر غير المؤهلة لتربع كرسي الزعامة الدينية إلى أقصى حد ممكن.

 

ومن مجموع الوكالات التي أصدرها الإمام الخميني، ولا سيما الرسائل التي خاطب بها سماحته وكلاءه الشرعيين، ندرك مدى دقة الإمام وحزمه. وفيما عدا حالات معدودة تمثلت في الشخصيات المعروفة من العلماء المرموقين والمتقين، أو الأشخاص الذين كانوا على ارتباط مباشر بسماحته أو أنه كان يعرفهم عن قرب، لم يمنح سماحته وكالته أحداً من دون توثيق مكتوب من قبل أفاضل عدول.

 

هذا وتضمن الجزء الأول من (صحيفة الإمام) فهرساً للوكالات التي أصدرها الإمام الخميني خلال إقامته في مدينة النجف الأشرف، وكان الإمام قد نظم النسخة الأصلية لهذا الفهرس بخط يده، وهو ما يشير إلى دقة نظر الإمام ونظمه في هذا النوع من الموضوعات.

 

وتنبغي الإشارة هنا إلى أن الوكالات الشرعية تكون نافذة طالما كان الحاصل عليها متصفاً بالتدين، وتتوفر فيه الصفات اللازمة للوكالة الشرعية في تسلّم الحقوق الشرعية وإنفاقها، وفيما عدا ذلك تصبح ملغاة تلقائياً.

 

يذكر أن الوكالات التي أدرجت في هذه المجموعة تمثل الوكالات التي تم العثور عليها حتى الآن وتأكد صحتها، وإلّا فان عدد الوكالات التي أصدرها الإمام الخميني أكثر من هذا بكثير. ولهذا ندعو كل من توجد بحوزته وكالة أو أي أثر من آثار الإمام الخميني اطلاع المؤسسة عليه، كي يتسنى إدراجه في الطبعات القادمة.

 

هذا ويحتفظ أرشيف مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني بنماذج من التزكيات المكتوبة لأفاضل أدّت تزكيتهم إلى إصدار وكالات، لم تدرج في هذه المجموعة مراعاة للاختصار، ونظراً لاقتصارها على آثار الإمام.

 

البرقيات والرسائل السياسية والاجتماعية

 

البرقيات والرسائل التي بعث بها الإمام الخميني إلى كثير من علماء دين وشخصيات سياسية وثقافية ووكلاء شرعيين، بدءاً من المسؤولين ورجال الحكومة داخل إيران وخارجها، وانتهاء بالأحزاب والجمعيات والناس عامة، وتناولت موضوعات مختلفة، شكّلت جانباً آخر من محتويات (صحيفة الإمام).

 

وتنوع المخاطبين والأرضية التاريخية التي انطلقت منها كل رسالة من هذه الرسائل، ولا سيما تنوع الموضوعات وتفاصيلها، سبب لرؤية رسائل الإمام جانباً مهماً من تراثه القيم الذي يلقي الضوء على زوايا من نهضته وآرائه ومواقفه إزاء القضايا والأحداث المختلفة.

 

وبين هذه الرسائل وثائق فريدة أضحت مصدر انعطاف كبير في مسيرة النهضة والثورة الإسلامية، كبرقيات الإمام ورسائله التي بعث بها إلى الشاه، واسدالله علم، وامير عباس هويدا.

 

وكذلك رسائل سماحته إلى مراجع التقليد والعلماء والحوزات العلمية والجماعات والجمعيات السياسية والدينية داخل البلد وخارجه، والى زعماء الدول الأجنبية.

 

ولحسن الحظ، وبفضل همّة نجل الإمام ـ رحمة الله عليهما ـ، تم جمع النسخ الأصلية للكثير من رسائل الإمام الخميني وبرقياته، سواء تلك التي صدرت خلال مرحلة ذروة تصاعد الثورة الإسلامية عام 1978 حتى الأيام الأخيرة من رحيل الإمام، وهي الآن بحوزة المؤسسة. كما تم الحصول على تعداد كبير من مكاتبات الإمام الخميني خلال سنوات ما قبل انتصار الثورة الإسلامية بفضل جهود المؤسسة وتعاون ومساعدة مريدي الإمام، وأدرجت بالكامل دون ادنى تدخل أو تصرف في (صحيفة الإمام) جنباً إلى جنب مع بقية آثار سماحته.

 

ولا يخفى أن ثمة رسائل ومكاتبات كثيرة صدرت عن الإمام الخميني خلال انتفاضة أعوام 61 ـ 1963 وما سبقها وما لحقها، إلا أنه لم يتم العثور عليها لأسباب عديدة منها الاختناق الذي كانت تعانيه البلاد في أثناء حكم الشاه، وحساسية (السافاك) من آثار الإمام. غير أن المؤسسة لم تقطع الأمل من إمكان العثور على المتبقي من رسائل ومكاتبات الإمام الخميني، وسيتم ضمّه إلى هذه المجموعة في طبعاتها القادمة بعد تأكد صحته وسنديته.

 

الأحكام والفرامين

 

ترك سماحة الإمام الخميني (رض) وهو مرجع تقليد لعدد كبير من الشيعة، وقائداً كبير للثورة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، أحكاماً وأوامر متعددة في مسائل تم إدراجها بالنص في هذه المجموعة.

 

إن قرارات من قبيل تشكيل مجلس قيادة الثورة، والحكومة المؤقتة وأحكام تعيين أعضائها، والمصادقة على الدستور، وأحكام تفويض رؤوساء الجمهورية الإسلامية، والقرارات المتعلقة بتشكيل مؤسسات الثورة وقرارات عزل وتعيين مسؤولي السلطة القضائية والقادة العسكريين وقادة قوى الأمن الداخلي وممثلي سماحته في المؤسسات والدوائر الحكومية، والقرارات العسكرية التي أصدرها الإمام وهو قائد عام للقوات المسلحة، وتوجيهات سماحته وقراراته الحكومية التي أجاب بها عن استفسارات المسؤولين من موقع قيادة الثورة. كل ذلك أدرج في (صحيفة الإمام).

 

ولا يخفى أن الاطلاع على هذا الجانب من آثار الإمام الخميني ـ ولا سيما إذا ما اخذ بنظر الاعتبار المسار التاريخي لصدور هذه الأحكام ـ جنباً إلى جنب مع نداءاته وأحاديثه، يعطي فكرة عن جانب من طبيعة قيادته الدينية الفذة التي اتسمت بالحزم والقدرة وفي الوقت ذاته بالتواضع والشعبية. ونظراً إلى أن بعض أحكام وآراء الإمام الخميني كتبت على هامش مطالب واستفسارات المسؤولين، تم درج الجانب أو القسم الأصلي من الاستفسار مقروناً بنص ردّ الإمام لتتسنى الإحاطة بأصلها.

 

النداءات

 

من أهم آثار الإمام الخميني المكتوبة التي أدرجت في (صحيفة الإمام)، ونشرت في سياقها التاريخي، النداءات الدينية والسياسية التي أصدرها سماحته. إذ إن إصدار ونشر هذه النداءات يمثل في الحقيقة احد أكثر محاور ارتباط الإمام الخميني المباشر بإتباعه وبالجماهير أصالة. فمن خلال هذه النداءات انطلقت أمواج رفض النظام الشاهنشاهي خلال أحداث مجالس الأقاليم والمدن، وانتفاضة الخامس من حزيران ـ 15 خرداد ـ عام 1963.

 

ففي مختلف مراحل نضال الشعب الإيراني، كانت نداءات وخطابات الإمام الخميني هي التي تحدد مسار الانتفاضة والمباني الفكرية والسياسية للثورة، وأولوياتها وشعاراتها وأهدافها في كل مرحلة من مراحلها الصعبة. فلما بلغت الانتفاضة الإسلامية للشعب الإيراني ذروتها عامي 77 ـ 1978، كان كل منشور يصدر عن الإمام الخميني سواء من النجف أو باريس ينتشر بسرعة فائقة في مختلف أنحاء البلاد، منشوراً وطنياً عاماً يحدد مسيرة النضال وجهة الثورة وتوجهها، ويعمل على توحيد القوى الثورية والجماهير وانسجامهما وتمحورهما حول الأهداف والشعارات المعلنة.

 

فالإمام الخميني لم يؤكد في نداءاته تأجيج الروح الحماسية وتشجيع الناس على الاستقامة والثبات في طريق الثورة فحسب، بل كان يحرص بأسلوبه السلس والمستدل، على رفع مستوى الوعي الديني والسياسي للجماهير للأحداث الجارية، وتعزيز قدراتهم على التمييز بين أنصار الثورة وأعدائها داخل إيران وخارجها. وعبر هذا الطريق كان يدفع الجماهير للنزول بوعي إلى ساحة النضال ودعم أهداف الثورة.

 

والتنبؤ الواعي لأبعاد الطروحات التي كان النظام الشاهنشاهي وأعوانه الغربيون يخططون لها لسحق الانتفاضة في كل مرحلة من مراحلها، ومحاولة إحباط وتفويت أهدافها، والتحذير من الشعارات والمواقف المنحرفة في مسيرة النضال والتأكيد الكبير لضرورة اتحاد الجماهير حول الشعارات الدينية المشتركة، كل من جملة الموضوعات التي كانت تحتل موضعاً بارزاً في منشورات ونداءات الإمام.

 

ويتمثل القاسم المشترك لكافة نداءات الإمام الخميني ـ قبل انتصار الثورة وبعده ـ في كسب دعم الجماهير لأهداف الثورة من منطلق الواجب الديني والإلهي، وتأكيد الدور المبتكر للجماهير ذاتها باعتبارها المفجِّرة للثورة وأصحابها الأصليين سيما الشباب.

 

وبوسعنا القول بأن ترسيخ إيمان الجماهير وتعزيز معتقداتهم الدينية، التي هي المحرك الأساسي لهم في الفعاليات النضالية والسياسية، والالتفات إلى (الواجب الديني)، شكلت ابرز معالم النهج الذي اختطه الإمام الخميني أساساً لنهضته، ومثلت السمة البارزة التي ميّزت الثورة الإسلامية من غيرها من الحركات السياسية التي شهدها التاريخ الإيراني المعاصر.

 

إن إحياء التوحيد والاعتقاد الديني في ساحة المفاهيم الاجتماعية، ونفخ الروح في المفاهيم القرآنية الكريمة كالإمامة والولاية والجهاد والشهادة وأصالة مبدأ حاكمية الله وتعاليمه، وارجحية المعايير الدينية ورفض حاكمية الطاغوت، والارتباط المصيري بين الدين والسياسة، كل هذه مفاهيم وموضوعات استطاع الإمام الخميني بالعودة للمصادر الدينية الأصيلة التي تحظى بقبول المجتمع الإيراني، وبالاستلهام من الدين والعقل ونهج أئمة الدين الأطهار، وبالمزاوجة الحكيمة بين الدين والعقل بنظرة واقعية للاحتياجات ومتطلبات العصر الجديد وتفعيل عنصري الزمان والمكان في الاجتهاد، استطاع أن ينفخ الروح المنبعث من الثقافة الدينية مرشداً ومحركاً لفكر أتباعه وعملهم في صلب معتقداتهم وفعالياتهم السياسية والاجتماعية.

 

وقد تسنّى ذلك بإصدار الإمام الخميني للنداءات المتتابعة وإلقائه الخطابات المتعددة. ومن هنا كانت هذه النداءات والخطابات من أكثر المتون قيمة لمعرفة مواقف الإمام ونهجه وأساليبه في دفع مسيرة الثورة للأمام، وقد تم إدراجها في هذا الأثر القيم (صحيفة الإمام) في ضوء سياقها التاريخي..

 

وتشكيل كل واحد من مراكز ومؤسسات الجمهورية الإسلامية، ومواجهة النظام الحديث العهد المقتدر لمختلف أنواع المؤامرات والدسائس التي لجأ إليها أعداء الثورة داخل إيران وخارجها في السنوات التي أعقبت انتصار الثورة، وحث الجماهير على ضرورة المشاركة في الانتخابات والتدخل في تقرير مصيرهم، والتعبئة العامة لأبناء الشعب الإيراني طوال ثماني سنوات لردّ العدوان والتصدي له، وإحياء شعار (انتصار الدم على السيف) أمضى سلاح في ميدان المواجهة غير المتكافئة مع الأعداء، وجذب مشاركة الجماهير ومساهمتهم في إعادة اعتمار البلاد، وإصدار النداءات التحررية للثورة الإسلامية الموجهة للشعوب الأخرى، ودعوة العالم الإسلامي لاستعادة مجده وهويته الدينية، ودعوة المسلمين للاتحاد ومقاومة النظام السلطوي العالمي، وإعلان سياسة (اللاشرقية واللاغربية) نهجاً جديداً للوقوف بوجه النزعة السلطوية للمعسكرين الرأسمالى والاشتراكي، وفضح جرائم أميركا والكيان الصهيوني، وإصدار فتوى ضرورة دعم انتفاضة الشعب الفلسطيني وتحرير القدس وتعبئة العالم الإسلامي في مواجهة نشر الكتاب غير الأخلاقي (الآيات الشيطانية).

 

وباختصار شديد: إشاعة الثقة بالنفس لدى الشعب الإيراني ومسلمي العالم، وكل ذلك مثل ابرز موضوعات نداءات الإمام الخميني بعد انتصار الثورة الإسلامية.

 

كما أن المذبحة الظالمة للحجاج في بيت الله الحرام، والتدخل الأميركي المباشر في الحرب العراقية الإيرانية، وإسقاط الفرقاطة الأمريكية لطائرة الركاب الإيرانية، ولجوء صدام حسين إلى استعمال الأسلحة الكيماوية على نطاق واسع والقصف المكثف للمدن الإيرانية، وانتهاء الحرب المفروضة وبدء مرحلة إعادة الأعمار والتنمية السياسية، وعزل خليفة القائد، وكذلك أحداث عالمية مهمة نظير التحولات الجذرية التي بدأ يشهدها الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، واتساع نطاق سياسات الهيمنة الغربية والأمريكية، كل ذلك من الأحداث البارزة التي شهدتها السنتان الأخيرتان من حياة الإمام الخميني، مما أضفى أهمية بالغة على النداءات التي أصدرها الإمام الخميني في العامين الأخيرين من حياته (87/ 1988).

 

إن التكهن بالأوضاع المستقبلية لإيران والمنطقة والعالم، والتحذيرات والحلول المقترحة التي تضمنتها نداءات هذه المرحلة، اتسمت بوضوح وشفافية لافتين للنظر. وفي هذا المجال تتجلى نداءات الحج والرسالة التي بعث بها سماحته إلى غورباتشوف، والنداء الموجّه إلى مراجع التقليد والحوزات العلمية الذي عُرف بمنشور علماء الدين، ومنشور الأخوة، والنداء الموجه إلى مشردي الحرب المفروضة، وبيان الموافقة على قرار وقف اطلاق النار 598، .. الخ.

 

لقد أقدم الإمام الخميني، فضلاً عن إصداره عشرات النداءات، على عملٍ بديع ورائع تجلى في تدوين كافة مبادئه الفكرية وآماله وتطلعاته، ودرج خلاصة آرائه ومواقفه في وصيته الموثقة والتحليلية المسهبة التي تركها تذكاراً قيماً لأجيال القادمة .. إن هذا الأثر الخالد هو في الحقيقة وثيقة قيمة تتحدث بخط الإمام ونهجه.

 

وإذ لم يمر على رحيل الإمام سوى احد عشر عاماً، تُرجمت وصيته السياسية الإلهية وطُبعت بأكثر من عشرين لغة حيّة ووُزّعت ملايين النسخ منها في مختلف أنحاء العالم.

 

خطب الإمام

 

إن أحد العوامل المؤثرة في قيادة الإمام الخميني الموفقة، يكمن في ارتباطه الواسع بعامة الجماهير من مختلف فئات المجتمع، فالارتباط الوثيق بين الأهداف والواقعيات، وخلق علاقة بين ميدان الفكر والعمل. يمثلان الوجه البارز لقيادة الإمام الخميني العقلانية الحكيمة، فقلما نجح كبار المفكرين والمنظرين البارزين في تحقيق أهدافهم وتطلعاتهم. ولم يكتف الإمام الخميني بكتابة رسائله العلمية والعملية في عرض وترويج أهدافه وتطلعاته السياسية والدينية. وهو من هذه الناحية حالة نادرة أو فريدة في تاريخ المرجعية الدينية، ففي الوقت الذي كان يحتل فيه مكانة رفيعة في قلوب وإيمان أتباعه بصفته احد مراجع الدين الكبار، كان قادراً على طرح المفاهيم الدينية العميقة، ولا سيما الأبعاد السياسية والاجتماعية للدين، بلغة بسيطة ومفهومة لمخاطبيه.

 

وأحاديث الإمام الخميني وخطبه المتتابعة في جموع طبقات الشعب بمختلف فئاته وفرت فرصة الارتباط المباشر للجماهير مع أفكاره وآرائه، ولم يعودوا بحاجة إلى التفسيرات الرسمية وغير الرسمية للوسطاء التي غالباً ما تكون مقرونة بوجهات نظر شخصية ودوافع سياسية وحزبية.

 

وعلى الرغم من أن الإمام الخميني كان عالماً مرموقاً في ميادين الفلسفة والعرفان والأخلاق والفقه والأصول والتفسير، وكان أيضاً منظّراً حاذقاً في ميدان السياسة، إذ شكّلت آراؤه السياسية أسس وقواعد النظام السياسي الجديد في إيران وأمست أهداف ثورته مدعاة لتحولات مهمة في العالم عامّة والمجتمعات الإسلامية خاصة.

 

غير أن دائرة نفوذه وتأثيره، خلافاً لكل المفكرين والمنظرين تقريباً، لم تقتصر أو تنحصر بأوساط النخبة، فقد كان يتمتع بالقدرة على ترجمة نظرياته وأفكاره عملياً ومتابعتها شخصياً. وفضلاً عن ذلك كان يعبر عن أهدافه بلغة يعيها الجميع في أحاديثه وخطاباته الواسعة التأثير الموجهة إلى عامة الجماهير، وتجتذب دعمهم واستعدادهم إلى حد التضحية من أجل الأهداف والتطلعات.

 

إن ثقة الشعب الإيراني بإخلاص الإمام وصدقه في القول والفعل هي حصيلة تعامل وارتباط طويل الأمد بين الإمام الخميني وأتباعه، والجذب الذي تتمتع به شخصية الإمام وإطلالته الوديعة التي تبعث على الهدوء والاطمئنان في الوقت الذي تتسم بالحسم والحزم والقاطعية، ونظراته الثاقبة والمفعمة بالرأفة وكلامه العذب السلس، إضافة إلى الأبعاد المعنوية والدينية والعلمية التي تمتاز بها شخصية سماحته. كل ذلك كان من جملة العوامل التي جعلت من أحاديث سماحته وخطبه عميقة التأثير في مستمعيه ومخاطبيه.

 

ومما لاشك فيه أن هذه العلاقة العاطفية المباشرة العميقة التي كانت تربط الجماهير بالإمام، والقدرات الفائقة التي كان يتمتع بها في نقل أفكاره وتصوراته بنحو سريع ومؤثر إلى الجماهير، أدّت عملاً كبيراً في نجاح قيادته.

 

وتحليل مضامين أحاديث وخطابات الإمام الخميني وتعرّف طبيعة مستمعيه ومخاطبيه، ومطابقة وقائع تاريخ الثورة الإسلامية مع سياق أحاديث وبيانات الإمام، ودراسة منحنى تراكم اللقاءات والخطابات وتنوع الشرائح والفئات التي كانت تلتقي سماحته، يساعد الباحثين ويعينهم في تحليل وقائع وحقائق الثورة الإسلامية ويقودهم إلى اكتشاف عناصر كفاية قيادة الإمام الخميني وشعبيته.

 

ولهذا السبب حرصنا، لدى تنظيم أحاديث وخطابات الإمام الخميني ودرجها في (صحيفة الإمام)، على أبعاد كلّ نوع من التنقيح الأدبي أو الموضوعي والامتناع عن كلّ تدخل أو تصرف، مع أنَّ تعديل الخطابات أمر شائع ومتداول، ونظراً لأن خطابات الإمام الخميني جاءت بما ينسجم مع الأحداث ومتطلبات الأحوال التي عاشها المجتمع في كل مرحلة من المراحل المختلفة للثورة، فمن الطبيعي أن الوعي الدقيق لمضمون الخطاب ونوايا الإمام رهن استيعاب الظروف السياسية والاجتماعية لكل مرحلة.

 

وقد سبق لمؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، وبدافع تبيين وتوضيح مثل هذه الظروف، أن قامت بإصدار مجموعة من ثلاثة أجزاء حملت عنوان: (الكوثر، أحاديث وخطابات الإمام الخميني مرفقة بشروح لوقائع الثورة الإسلامية)، ضمت أحاديث الإمام منذ انطلاقة نهضته حتى كانون الثاني 1978. وتفكر المؤسسة ضمن مشاريعها المستقبلية في استكمال هذا الأثر القيّم الذي يعبّر في الحقيقة عن تاريخ الثورة الإسلامية بالتفصيل.

 

اللقاءات والحوارات

 

في عصر الاتصالات تمثل اللقاءات والحوارات التي تجريها وسائل الإعلام مع القادة السياسيين والفكريين، وتبيين المواقف وإيضاح وجهات النظر، وإزالة الغموض والشبهات بالإجابة عن أسئلة المراسلين، تمثل احد السبل المؤثرة في تحقيق التواصل والارتباط مع الرأي العام والتحكم به.

 

وانطلاقاً من إدراكه لأهمية هذا الأمر، رحّب الإمام الخميني الالتقاء بأصحاب الجرائد ومندوبي وكالات الأنباء دون شرط كلما سنحت الفرصة. وقد بلغت لقاءات الإمام الخميني الذروة خلال إقامة سماحته في باريس. وتمثل الحوارات التي أجراها مندوبو وكالات الأنباء العالمية ومحطات التلفزة في مختلف البلدان، ومراسلو الصحف والمطبوعات الإيرانية والأجنبية، مع سماحة الإمام الخميني، تمثل جانباً آخر من مجموعة الآثار السياسية والاجتماعية القيمة لسماحته، وقد تم إدراجها بالكامل في هذا الأثر الخالد.

 

إن حنكة الإمام المتمثلة في إدراكه السريع لأهداف المحاورين، ومهارة سماحته وحصافته في عرض الإجابات، ودقة وصدق وشفافية المواقف بنحو لم يبق أية إمكانية للغموض وسوء الفهم وافتعال الضجة، كل ذلك يمكن أن نعثر عليه بسهولة في اللقاءات والحوارات التي أجريت مع الإمام الخميني.

 

ونظراً لطبيعة الارتباطات الواسعة التي توفرها وسيلة الإعلام على الشخصيات الوطنية والعالمية، حيث تضعها بصورة مستمرة في معرض أنظار الرأي العام العالمي في مدة قصيرة، فغالباً ما يتم إبعادهم بسرعة عن بؤرة اهتمام الرأي العام نتيجة لتكرار أسمائهم وتصريحاتهم ومقولاتهم، بيد أن مثل هذا الأمر لم يحصل بالنسبة للقاءات الإمام الخميني، بل على العكس، فاللقاءات المكثفة المتواصلة التي أجريت مع سماحته خلال إقامته بباريس، وكانت تصل أحياناً إلى ثمانية لقاءات في اليوم، ساعدت على مضاعفة شعبية الإمام الخميني وارتباطه مع مخاطبيه في مختلف دول العالم.

 

فعبر هذه اللقاءات والحوارات عرض الإمام الخميني للعالم، وقبل انتصار الثورة الإسلامية، آراءه السياسية والدينية بالنسبة لماهية وأركان الحكومة التي كان يتطلع لتشكيلها وسبل تعاطي النظام الإيراني القادم مع القضايا الدولية وطبيعة العلاقة المرجوة مع الدول الأخرى، ومبادئ السياسة الخارجية الإيرانية التي يؤمن بها نظام الجمهورية الإسلامية المزمع إقامته.

 

ففي هذه اللقاءات أثار الإمام الخميني، بأسلوبه المؤثر، الشبهات الجادة على مشروعية النظام الشاهنشاهي في إيران ومشروعية الدعم الذي يوجهه له العالم الغربي وحماة الشاه .. وبوحي من المساعي التي بذلها الإمام الخميني في فضح هذا النظام، ورغم كل الجهود التي بذلها زعماء أميركا والدول الغربية للحيلولة دون سقوط الشاه وانهيار النظام الملكي في إيران، أخذت تتجلى بسرعة مشاعر التضامن مع الشعب الإيراني لدى الرأي العام العالمي، ونتيجة لذلك راح البيت الأبيض والعواصم الأوروبية يواجهون ضغوطا شديدة للكف عن مواصلة دعمهم ومساندتهم للشاه.

 

ونتيجة لهذه اللقاءات أيضاً، أخذ يطرح لأول مرة الدين والفكر الإسلامي السياسي، على أنه إيديولوجية للنضال والثورة، ونهجاً عملياً لإدارة المجتمع، على لسان علماء يحظون بشعبية واسعة، في عشرات المحطات التلفزيونية والإذاعية في الصحافة العالمية الواسعة الانتشار.

 

وقد مثلت هذه الظاهرة بداية قوية لبروز الفكر الديني في المقولات المتداولة في حياتنا اليومية، وظهور التنظيمات الإسلامية والدينية الحديثة في ساحة الصراع الفكري والسياسي المعاصر. علماً أن الإعلام الواسع والمخرب المعادي للثورة الإسلامية، قد عجز عن الوقوف بوجه انتشار أفكار الإمام الخميني وتأثيرها في أوساط مخاطبيه ومريديه الذين يصعب إحصائهم.

 

ولهذا تحظي لقاءات وحوارات الإمام الخميني بالأهمية بالنسبة للباحثين في شؤون الثورة الإسلامية، سواء من حيث طريقة تعاطي سماحته مع أسئلة محاوريه خاصة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار تنوع أهداف المحاورين، إذ كان البعض يتوخى أضعاف موقعية الثورة وتخريب شخصية قائدها، أو من حيث طبيعة إجابات الإمام التي كانت تكشف عن آرائه وتصوراته لأبرز واهم قضايا النهضة وأهدافها الداخلية والخارجية. وأهم من ذلك، أن نفس هذه الآراء والتصورات أضحت منشأ لظهور تيار حديث في الجغرافية الثقافية والسياسية للعالم الإسلامي وإيران بالتحديد.

 

الأمر الآخر الذي نكتشفه لدى دراستنا لقاءات الإمام الخميني هو استحكام وثبات آراء سماحته وإتقان مباني فكره السياسي، إذ يتجلي بوضوح انسجام أفكاره وترابطها ووحدتها وثبات مواقفه ورسوخها، في حين نرى في الغالب التعارض والتناقض في الأقوال والأفعال وتذبذب المواقف تمثل السمة البارزة لدى الذين يقفون باستمرار في معرض تساؤلات وإحكام الرأي العام.

 

كما أن حوارات الإمام مع زعماء الدول ومبعوثيهم، تتضمن الكثير من المواعظ والعبر، نظير حوار الإمام مع مبعوثي قصر الاليزيه خلال إقامته بباريس، وحوار سماحته مع الوسطاء المبعوثين من الحكومة الأمريكية، وتصريحات سماحته لدى لقاء سفير الاتحاد السوفيتي لأول مرة، وحوار سماحته مع ياسر عرفات والقادة الفلسطينين، ولقائه ادوارد شيفر نادزه المبعوث الخاص للرئيس غورباتشوف الذي كان يحمل جواب رسالة الإمام الشهيرة، إضافة إلى لقاءات سماحته مع زعماء الدول الإسلامية وبقية الشخصيات السياسية الأجنبية، وما تخلل هذه اللقاءات من تصريحات والمراسم اليسيرة للغاية التي ربما لا تصدق إن ثقة الإمام بنفسه وقدرته الفائقة على إدارة الحوار والبحث، دروس مليئة بالعبر بالنسبة لزعماء ومسؤولي العالم الثالث خاصة المسؤولين في الجمهورية الإسلامية، من جهات عديدة. ومما لاشك فيه أن نهج الإمام هذا وأسلوبه، قد ضاعف مئات المرات من شعور الشعب الإيراني بهويته وثقته بنفسه في ميادين المواجهة مع أعداء الثورة الأقوياء، وفي ساحة الدفاع عن الوطن الإسلامي.

 

 (صحيفة النور) و (صحيفة الإمام)

 

صدر حتى الآن الكثير من الكتب والمؤلفات التي تضمنت أحاديث ونداءات الإمام الخميني بعناوين مختلفة وأساليب متنوعة ولغات متعددة كاملة أو ملخصة، وبشكل موضوعي أو تاريخي، وعمل على إصدارها أنصار الإمام والعديد من المؤسسات الثقافية داخل إيران وخارجها.

 

ولا يخفى أن طباعة آثار الإمام ونشرها، ولا سيما آثاره السياسية والاجتماعية، تعد من أكثر المؤلفات الصادرة باللغة الفارسية كمّ ـ اً وانتشاراً .. وثمة عدد من الكتب البارزة من المؤلفات العامة لسماحة الإمام صدر قبل تشكيل (مؤسسة تنظيم تراث الإمام الخميني ونشره).

 


ورغم كل النواقص والإشكالات التي اتسمت بها مجموعة (صحيفة النور) التي أثيرت عليها انتقادات عديدة، فإنها احد أكثر المراجع شمولية للباحثين والراغبين في الاطلاع على تراث الإمام الخميني، منذ صدور الجزء الأول منها حتى هذه اللحظة.

 

والجهود والمساعي القيمة للعاملين على تنظيم وتدوين (صحيفة النور)، في كل من وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ومؤسسة الوثائق الثقافية للثورة الإسلامية، وكافة الأعزة الذين بذلوا كل ما في وسعهم في مختلف مراحل تدوين وطبع ونشر هذا الأثر الخالد، تحظى بالاحترام والتقدير من قبل كافة الذين استندوا إلى هذه المجموعة في بحوثهم ومراجعاتهم ومحاضراتهم ومؤتمراتهم.

 

ولعلّ من أبرز سمات (صحيفة النور)، المقدمة المسهبة لسماحة آية الله الخامنئي، وتنظيم موضوعاتها بناءً على سياقها التاريخي، والفهارس المبتكرة، والإخراج الفني، والشمولية النسبية.

 

أما النواقص التي اتسمت بها (صحيفة النور) والإشكالات التي تؤخذ عليها، فتعود إلى عوامل عديدة منها:

 

إن جانباً مهماً من تراث الإمام الخميني لم يدرج في (صحيفة النور) لعدم حصوله لدى معديها. ففي الكثير من الأحيان تمت الاستفادة من النصوص المنشورة في الصحف لتعذّر أصولها الخطية للنداءات والرسائل وأشرطة الخطب واللقاءات. ولعدم توافر الأصول بالالتفات إلى الإشكالات العديدة التي تتصف بها عادة النصوص الصحفية، فقد انعكس ذلك على (صحيفة النور) أيضاً، فعلى سبيل المثال أن الأخطاء التي وردت في تحديد تاريخ بعض أحاديث الإمام، تعود في الأصل إلى النصوص المتعددة والمختلفة أحياناً التي نشرت في الصحف.

 

ولأن أجزاء المجموعة كانت تصدر بالتدريج تباعاً، فان فهارس الموضوعات كانت تدرج في خاتمة كل جزء منفصلة. وإذا ما أُريد الاطلاع على موضوع ما كان ينبغي الرجوع إلى كل جزء من أجزاء المجموعة الاثنين والعشرين كي يتسنى العثور عليه. بيد أن مثل هذه الإشكال تم تلافيه مع صدور كتاب (مفتاح صحيفة النور) الذي أصدرته مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني عام 1993. وتم تلافي العديد من الإشكالات من قبل مؤسسة وثائق الثورة الإسلامية لدى تجديد طباعة (صحيفة النور) وإخراجها في حلة جديدة.

 

وبدافع عرض مجموعة كاملة لآثار الإمام الخميني، خالية من النواقص والإشكالات التي اتسمت بها (صحيفة النور)، أقدمت مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني على إصدار هذه المجموعة الكاملة التي حملت عنوان (صحيفة الإمام). فعلى مدى سنوات عديدة عملت الأقسام المختلفة في هذه المؤسسة على مطابقة المتون المنشورة في (صحيفة النور) والمطبوعات الأخرى ومقابلتها مع أشرطة الكاسيت والنصوص الخطية والنسخ الأصلية لآثار الإمام الخميني التي تحتفظ بها المؤسسة، ومن ثم استخراج النص النهائي بدقة متناهية.

 

وفي هذا الصدد تمت مراجعة كافة الاختلافات التاريخية والإشكالات الأخرى التي اتسمت بها (صحيفة النور) وبقية المصادر، بالنسبة لكل أثر من آثار الإمام، وتدوين المعلومات الصحيحة والنهائيّة في بداية كل اثر في إطار هويته.

 

وفضلاً عن ذلك، امتازت (صحيفة الإمام) على (صحيفة النور) وغيرها من مؤلفات الإمام الخميني المنشورة، بضمها لأكثر من ألفي وثيقة وسند من آثار الإمام الخميني التي لم تنشر من قبل، ووضعها في متناول يد القراء لأول مرة.

 

كما امتازت (صحيفة الإمام) بالتنظيم الدقيق للفهارس (فهرس الأعلام والموضوعات والمصطلحات والآيات والأحاديث ... الخ)، وعرضها في مجلد مستقل (الجزء 22)، يوفر سهولة العثور على عناوين الموضوعات المطلوبة في الأجزاء الأحد والعشرين من (صحيفة الإمام).

 

الآثار التي لم تدرج في (صحيفة الإمام)

 

ثمة آثار محدودة من تراث الإمام الخميني لم تدرج في (صحيفة الإمام) لأسباب عديدة منها:

 

أولاً: أنّ الإمام الخميني أحد كبار الزعماء الدينيين والسياسيين في عالمنا المعاصر، وكانت حياته المباركه غنية وحافلة امتدت قرناً من الزمن تقريباً. ومن الطبيعي في مثل هذه المدّة الطويلة أن تكون لديه اتصالات ومكاتبات كثيرة، وصدرت عنه آراء ومواقف وآثار عديدة حيال قضايا مختلفة ومتنوعة. ومما لاشك فيه أن جانباً من ذلك لم يتم ضبطه وتدوينه. وبالالتفات إلى الشواهد، ثمة العديد من النسخ الفريدة من آثار سماحته ما زالت غائبة لدى الأشخاص أو بين أثناء الكتب والمكتبات الخاصة العائدة للذين كانوا على اتصال مع الإمام. ورغم كل الجهود التي بذلتها المؤسسة لم يتسنّ العثور على هذه النسخ بعد.

 

إن كلاً من فهرس رسائل الإمام الخميني التي كتبت في أوائل النهضة، وفهرس الوكالات الشرعية الصادرة عن سماحته، وبقية الشواهد الأخرى، كلها تدل على أن عدد الرسائل والوكالات والآثار العامة لسماحته أكثر مما تم العثور عليه حتى الآن. علماً أن البحث جارٍ للعثور على كل جديد ليتم إدراجه في الطبعات التالية من (صحيفة الإمام).

 

ومع ذلك، تعد (صحيفة الإمام) الأشمل والأكمل وقد ضمت كافة المتون والنصوص الثقافية والسياسية والاجتماعية المنسوبة لسماحة الإمام، بما في ذلك النصوص التي وردت في (صحيفة النور) وبقية المصادر، ومئات الآثار التي تنشر لأول مرة في هذه المجموعة.

 

ثانياً: لم تدرج كتب ومؤلفات الإمام الخميني والتي تعد بالعشرات في شتى مجالات المعرفة الإسلامية. في هذه المجموعة، لان مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني قامت بنشرها مستقلة. وعليه فان (صحيفة الإمام) لا تضم مؤلفات الإمام ورسائله العلمية.

 

ثالثاً: كذلك لم تدرج قصائد وأشعار الإمام الخميني في (صحيفة الإمام)، لأن القصائد والأشعار التي لدى المؤسسة كان قد تم إصدارها في كتاب حمل عنوان (ديوان أشعار الإمام الخميني).

 

رابعاً: ثمة تعليقات متفرقة ـ ربما كلمة أو عبارة أو عدة كلمات ـ عثر عليها في طيات الكتابات الخطية لسماحة الإمام، يصعب درجها تحت أي إطار أو عنوان من الأطر والعناوين المحددة لنشر آثار سماحته. (عناوين من قبيل: الرسالة والبرقية والأحكام والخطب والبيانات واللقاء والوكالة إلى غير ذلك). ويبدو أن بعض هذه التعليقات والهوامش يشتمل على إشارات وملاحظات دوّنها الإمام للاستفادة منها في نداء أو خطاب. كما أن بعضها الآخر يحتوي على نكات وملاحظات دوّنها الإمام لدى مطالعته التقارير والصحف والكتب، أو استماعه لوكالات الأنباء المحلية والعالمية، وذلك لمتابعة موضوع ما وملاحقته فيما بعد.

 

وثمة تعليقات وملاحظات دوّنها الإمام استناداً إلى برامجه اليومية نظير مواعيد اللقاءات وأمثال ذلك .. وهناك أيضاً مسودات بعض الأحكام والنداءات، وإصلاح وتعديل متون بعض النداءات، وهي من جملة التعليقات المتفرقة .. وبالالتفات إلى نشر المتون النهائية والكاملة لهذا النوع من الآثار، تنتفي الحاجة إلى ذكرها.

 

جدير بالذكر أن أمثال هذه النصوص الخطية، والنسخ الأصلية لكافة آثار الإمام عامّة يحتفظ بها في أرشيف مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، وسوف يتم عرضها لزوار المتحف الخاص بآثار سماحته.

 

خامساً: فيما عدا موارد خاصة من الرد على الاستفتاءات في المسائل السياسية والاجتماعية المهمة، لم تدرج في (صحيفة الإمام) إجابات الإمام الخميني عن استفتاءات مقلديه في المسائل الشرعية والأحكام الفقهية، التي تشكل كمّاً هائلاً. فمن يرغب بالاطلاع على فتاوى الإمام، بإمكانه الرجوع إلى مؤلفاته الفقهية ولاسيما: (تحرير الوسيلة) والرسالة العلمية و (مناسك الحج)، والحاشية على العروة الوثقى، ومجموعة الاستفتاءات.

 

سادساً: أن مقلدي سماحة الإمام الخميني أعطوا الحقوق الشرعية طوال مرجعية الإمام في قم وتركيا والنجف وباريس، وبعد عودة سماحته إلى إيران، مباشرة أو عن طريق وكلائه الشرعيين، وتسلّموا إيصالاً بما سلّموه. وعدد هذا النوع من الإيصالات التي تحمل ختم وتوقيع الإمام، كبير جداً، وليس هناك أية فائدة عامة تذكر من نشرها في (كتاب يضم الآثار السياسية والاجتماعية لسماحة الإمام) ولذلك لم تدرج إيصالات تسلّم الحقوق الشرعية في (صحيفة الإمام) فيما عدا بعض الموارد التي أدرجت من باب النموذج.

 

سابعاً: من البديهي أن آثارا من قبيل المكاتبات والمداولات والمحاضر السرية لاجتماعات رؤساء السلطات الثلاث، والقادة العسكريين، وكبار المسؤولين، مع سماحة الإمام الخميني التي تطرقت لشؤون جبهات القتال وقضايا الأمن القومي، ومازال طابعها السري قائماً، لم تكن ضمن الآثار القابلة للنشر في (صحيفة الإمام).

 

ثامناً. الأقوال المنقولة والذكريات والخواطر التي يتحدث بها الأشخاص عن سماحة الإمام، لم تدرج في صحيفة الإمام أيضاً، ذلك أن هذا النوع من أحاديث ومواقف الإمام الخميني يفتقد إلى السند ـ من قبيل نص خطي أو شريط ـ وإنما يبقى في حدود الأقوال المنقولة عن الأشخاص في معرض حديثهم عن ذكرياتهم. بيد أن مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني لم تهمل هذا الجانب من تراث الإمام الخميني، حيث قامت، في إطار مخطط مدروس، بجمع وتدوين هذا النوع من الخواطر والذكريات ونشرها.

 

مستدرك (صحيفة الإمام)

 

إن سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد احمد الخميني، الرابط الأمين والمسؤول عن مكتب الإمام، كان يحمل كل يوم إلى سماحة الإمام عدداً من رسائل واستفسارات مسؤولي النظام والدوائر المختلفة، التي يستطلعون فيها رأي سماحته في قضايا مهمة. وكان السيد احمد يسجل آراء وأحكام سماحة الإمام في ذيل الرسائل بصورة نقل قول مباشر أو بعبارات نظير: قال سماحة الإمام: .. ومن ثم إبلاغها إلى الجهات المعنية.

 

بديهي أن هذا النوع من الموارد لا يمكن اعتباره ضمن آثار الإمام الخميني المؤكدة الصادرة عن سماحته. بيد أن المؤسسة بصدد تنظيم هذه المكاتبات وإعدادها للنشر في القريب العاجل بمثابة مستدرك (صحيفة الإمام).

 

شكر وتقدير

 

لاشك في أن ثراء (صحيفة الإمام) وشمولها، والدقة والأمانة التي روعيت في تدوينها، جعل هذه المجموعة واحدة من أشمل المراجع وأكثرها ثقة واعتباراً لتعرف مواقف وتراث مفجر الثورة الإسلامية، الكبير، بالنسبة للجيل الحاضر والأجيال القادمة، واحد المتون الدينية والسياسية الخالدة.

 

إن إعداد وتدوين هذا الأثر القيم، الذي استهل بمقدمة بليغة لقائد الثورة الإسلامية المعظم سماحة آية الله السيد الخامنئي، وإصداره في اثنين وعشرين جزءاً، هو حصيلة جهود تستحق الشكر والتقدير بذلها كافة المسؤولين والزملاء في مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني. علماً أن توجيهات ودعم سماحة قائد الثورة المعظم وكبار المسؤولين في الجمهورية الإسلامية، وتضامن ومؤازرة أبناء الشعب الإيراني النبيل ومريدي الإمام، كانت ولا تزال السند الأول والأخير لهذه المؤسسة.

 

ولابد لنا هنا أن نذكر قبل الجميع، الدور المصيري لمرسي دعائم هذه المؤسسة والمتولي أمرها سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد احمد الخميني، ففضلاً عن حكمة هذا العزيز التي تجلت في تشكيل هذه المؤسسة، ودوره المتميز في كل فعالية من فعالياتها الواسعة، خصص سماحته الكثير من وقته وجهده لمتابعة انجاز هذه المجموعة الكاملة ولا سيما فيما يخص مرحلة التأكد من صحة وسندية النصوص التي لم تنشر من قبل.

 

ومازلت أتذكر كيف أن سماحة نجل الإمام كان يصّر على تخصيص جزء من وقته لمتابعة تدوين (صحيفة الإمام)، برغم الآلام الشديدة التي كان يشكو منها بسبب مرض عينه، وكان حينها في نقاهة كاملة. وفي هذا المجال تعد التعليقات والحواشي والهوامش التوضيحية التي يحتفظ بها أرشيف المؤسسة الخاصة بخلفيات تدوين (صحيفة الإمام) خير شاهد على الجهود القيمة التي بذلها نجل الإمام.

 

ومما يؤسف عليه، أن نحرم نعمة وجود مستودع أسرار الإمام والوجه الصبوح الودود لدى أبناء الشعب، ورجل المهمات للبحث عن حلول لمعضلات الثورة، أن نحرم وجود نجل الإمام في وقت تثمر جهوده وتتحقق أمنيته في إصدار المجموعة الكاملة لآثار الإمام الخميني قدّس الله روحه الزكية.

 

كما ينبغي أن نتقدم بالشكر الجزيل لكافة الباحثين والمفكرين الذين وضعوا تحت تصرف المؤسسة خبراتهم وتجاربهم القيمة، بمشاركتهم في المداولات الاستشارية واللجان المسؤولة عن رسم سياسة المؤسسة من اجل التوصل إلى صيغة فضلى لنشر تراث الإمام الخميني بما في ذلك (صحيفة الإمام) ونخص بالذكر سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد خاتمي، الذي وفر بمشاركته في الاجتماعات التحضيرية (قبل تسلّمه رئاسة الجمهورية)، فرصة الاستفادة من أفكاره السامية وإرشاداته وتوجيهاته القيمة، وقد أخذ على عاتقه بكل تواضع مسؤوليّة رئاسة المؤتمر الأول الذي عقدته المؤسسة تحت شعار (الإمام الخميني وإحياء الفكر الديني)، كما أنه كان على الدوام الداعم للمؤسسة والمحفز على برامجها بعد تسلمه رئاسة الجمهورية أيضاً.

 

وبعد رحيل تذكار الإمام، حصلت وقفة في إصدار هذه المجموعة، لم يبخل نجله الفاضل سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن الخميني علينا بآرائه وتوجيهاته السديدة وبنفس العزم والحكمة التي كنا نلمسها عند والده الراحل، فالمشاغل الكثيرة التي فرضها تصديه للمكانة الرفيعة التي كان يحتلها والده حامل قبس الذود عن اسم وذكرى (الخميني الكبير) في أسرة الإمام المعززة المكرمة، وانهماكه الجاد في تحصيل المعارف الدينية في الحوزة والعلوم العصرية بأسمى مستوياتها، كل ذلك لم يثنه عن ممارسة إشرافه وتوجيهه السديد لشؤون مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني والآستانة المطهرة لضريح الإمام الراحل. فمن خلال تفرّغه وإشرافه الدقيق، تسنى لنا استكمال مراحل تدوين واصدار (صحيفة الإمام) بصورة متواصلة ودون وقفة.

 

كذلك يدين إصدار هذه المجموعة لجهود ومساعي رئيس المؤسسة والمشرف على الآستانة المطهرة لمرقد الإمام، حجة الإسلام محمد علي الأنصاري، الذي أخذ على عاتقه إدارة التشكيلات وتوفير الخلفية القانونية والاعتمادات المالية وكافة احتياجات المؤسسة والآستانة.

 

وبديهي أن جمع وتدقيق صحة وسلامة آلاف المستندات والوثائق المدرجة في هذه الصحيفة المباركة، ومطابقة النسخ، وتفريغ الأشرطة على الورق ومراجعتها وتنقيحها وطباعتها، وتصحيح الأخطاء المطبعية، وتذيل المصادر والهوامش، وتنظيم الفهارس، وتدوين المعلومات الضرورية وهوية الكتاب، وأخيراً طباعة ونشر 22 جزءاً من أجزاء (صحيفة الإمام)، ليس بالعمل السهل اليسير وخارج طاقة شخص أو عدة أشخاص .. إن انجاز كل ذلك مدين للجهود المستمرة والمتواصلة لعشرات الزملاء في الأقسام المختلفة لمؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، وتعاون ومؤازرة حشد كبير من الطاقات خارج المؤسسة.

 

وفي الختام وبرغم كل الدقة والسعي الحثيث اللذين بذلا في تدوين وتنظيم (صحيفة الإمام) في مختلف المراحل، ونظراً للرغبة في تنضيد حروف وطباعة ونشر المجموعة الكاملة في وقت واحد في إطار برنامج عمل مكثف متواصل على مدى شهور عديدة من هذا العام الذي اطلق عليه عام الإمام الخميني، لم يخل من النواقص والأخطاء، ولهذا نرجو من الباحثين والقراء الكرام أن لا يبخلوا على مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني بآرائهم ومقترحاتهم وتصويباتهم.

 

كل تمنياتنا أن يسمو الإسلام الحقيقي وتعلو كلمته يوماً بعد آخر، وأن يعم اسم الإمام الخميني وأهدافه وذكراه الأفاق، وان تواصل الجمهورية الإسلامية تقدمها واقتدارها، وترسيخ عزة وسمو الشعب الإيراني العظيم. وأن تكونوا معززين مكرمين ومنتصرين في مواصلة طريق الإمام الخميني.

 

حميد الأنصاري

 

نائب رئيس مؤسسة تنظيم

 

ونشر تراث الإمام الخميني (رض)

 

      صحيفة الإمام: ج 1، ص12.