من أبعاد الغدير عند الإمام القائد الخامنئي(دام ظله)

بسم الله الرحمن الرحيم

تحدث الإمام القائد مد ظله العالي عن أبعاد الغدير فقال: «إن بإمكان الإنسان أن يلقي نظرة على واقعة الغدير بأبعادها المختلفة، ويستفيد منها فكرياً ومعنوياً:

البعد الأول :

هو أصل مسألة الولاية، التي هي امتداد للنبوة.. فالنبوة هي إبلاغ النداء الإلهي لأبناء البشر وتحقق المشيئة الإلهية بواسطة الشخص المبعوث والمصطفى من الله تعالى في فترة زمنية معينة. وبديهي أن تنتهي (إنك ميت وإنهم ميتون) لكن هذه الحادثة الإلهية والمعنوية لا تنقطع بوفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل يبقى للحادثة جانبان :

أحدها: هو الاقتدار الإلهي، و حاكمية الدين والمشيئة الإلهية بين أبناء البشر .. فلم يأت الأنبياء لوعظ الناس فقط،.. فالأنبياء جميعهم بعثوا لبناء مجتمع أساسه القيم الإلهية، أي التأثير في واقع حياة الناس . هذا البعد في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو بعد أساسي، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أضحى بهذا البعد مظهراً من مظاهر الحاكمية والولاية الإلهية بين الناس . وهذا بعد ممتد ليعلم أن الدين لا يمكن أن يترك أثره في برهة زمنية أو فترة تاريخية، إلا بوجود هذه الزعامة و الحاكمية والاقتدار فيه .

ثانيها: إن هذه الحاكمية لا تنقطع بل تمتد بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا يمكن للحاكمية أن تخلو من الأبعاد المعنوية للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، صحيح أن للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مقاماً عظيماً واستثنائياً، ولا يقاس به أحد، لكن يـجب أن يكون الحفاظ على القيم الموجودة في الوجود المقدس للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في مَن هو امتداد لوجوده وهذا الأمر لم يتحقق ويتبلور سوى في الوجود المقدس لأمير المؤمنين .

البعد الثاني : هو شخصية أمير المؤمنين (عليه السلام).

البعد الثالث : هو اهتمام النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) بقضايا ما بعد وفاته .

التكليف تجاه الغدير :

يقول الإمام الخامنئي (مد ظله العالي) « .. إن واقعة الغدير حقيقة وقعت ولها مفهوم قد يدركه البعض بصورة كاملة وقد لا يدركه الآخرون، ويجب أن يلتفت جميع الشيعة إلى أمرين متلازمين في هذه القضية:

الأول : هو أن الاعتقاد بالغدير وبالولاية والإمامة لا يجب أن يكون سبباً للاختلاف والفرقة بين المسلمين، فإن أعداء الإسلام يسعون لاستغلال القضايا الصغيرة الخاصة بكل فرقة وجماعة إسلامية لبث الفرقة بين المسلمين فكيف بقضية عظيمة ومهمّة كواقعة الغدير..

الثاني : إننا نوصي جميع الفرق الإسلامية بأن لا ينسوا أصولهم، بل نؤكد في الوقت نفسه للشيعة أن يعتمدوا ويتكلوا على فكر الغدير فهو فكر راق ونيّر ».

أخيراً : إن البعض يتصور أن بإمكانه أن يكون مسلماً دون العمل بالأحكام الإسلامية وهذا معنى فصل الدين عن السياسة .. فكيف يمكن تصور أناس مسلمين لا يفهمون من الإسلام سوى الصلاة والصوم والطهارة والنجاسة فقط، وتكون شؤون الإسلام الرئيسية كإدارة نظام الحياة وقضايا الاقتصاد والعلاقات الثقافية والاجتماعية والتربية والتعليم كلها غير إسلامية . بل تصدر من قوانين غير إسلامية أو عن رغبات فردية وغير إسلامية، فيجب أن يحكم الإسلام في المجتمعات الإسلامية .

ولي أمر المسلمين الإمام القائد الحسيني الخامنئي(دام ظله)

* الغدير هو الأساس لاعتقاداتنا ومبادئنا الشيعية.

* بالرغم من أن تعلقنا القلبي نحن الشيعة بواقعة الغدير تعلق وثيق ومبرز على صعيد العالم الإسلامي بيد أن الحقيقة هي أن قضية الغدير بمضمونها وروحها الحقيقية لا تختص بالشيعة وحدهم بل هي ترتبط بالعالم الإسلامي بأجمعه, لأن واقعة الغدير تنطلق من روح الإسلام ومضمونه الحقيقي , فقول الله تعالى لنبيه ـ على ما قام به من جهاد ـ قبل ما يناهز سبعين يوماً من رحيله {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}(1) أي بلّغ الناس بما أمرتك وإلا فإنك لم تبلّغ رسالتي, إنما هو دليل على أن روح الإسلام الحقيقية تكمن في واقعة الغدير.

* فإن قضية الغدير بهذا المفهوم السامي تخص المسلمين جميعاً لأنها تعني حاكمية العدل وحاكمية الفضيلة وحاكمية ولاية الله, وإذا ما أردنا أن نكون من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين"ع" حقاً فعلينا أن نقترب بأنفسنا وأجواء حياتنا من العدل, وأفضل مثال على ذلك أن نعمل على إقرار العدل ما استطعنا لأن مديات العدل لا حدود لها وحيثما استطعنا إقرار العدل في المجتمع سنزداد قرباً لأمير المؤمنين وتمسكاً بولايته.

* إن الغاية من بعثة جميع الأنبياء، هي تعليم وتزكية الإنسان، وقد قام خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) من أجل ديمومة هذا التحرك وخلوده بتنصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) خليفة له، لكي تتواصل التربية التدريجية للبشرية على يد الأئمة المعصومين (عليهم السلام) من خلال الحكومة الإسلامية، حتى يتمكن المجتمع البشري من بلوغ نقطة بدء حياته الحقيقية.

* لو كانت الأمة الإسلامية قد سارت على هدي الرسالة الحقيقية لواقعة الغدير بعد رحلة خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) لكانت الأخطاء والسلبيات الظاهرية والخارجية للمجتمع الإنساني قد انتفت رويداً رويداً على ضوء تعاليم الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، و لوصل المجتمع البشري لحياة جياشة بالعدالة والتقدم المادي والمعنوي منذ قرون.

* عبّرت آثارنا الإسلامية عن يوم الغدير بتعابير من قبيل "عيد الله الأكبر"، و"يوم العهد"، و"يوم الميثاق المأخوذ" وهو ما يعكس وجود اهتمام وتأكيد خاص لهذا اليوم الشريف، وأهم ما يميّز هذه التعابير هو موضوع الولاية. ان الضمانة الوحيدة لتبطيق أحكام الإسلام هو وجود الحكومة الإسلامية المؤمنة بسيادة أحكام القرآن، وإلاّ فحتّى لو كان لسائر أفراد المجتمع إيمان وعقيدة وعمل فردي، لكن زمام الامور ـ سواء في مرحلة التشريع أم في مرحلة التنفيذ ـ بيد الآخرين، فسيبقى تطبيق أحكام الإسلام رهيناً بمدى إنصاف الممسكين بزمام الأمور؛ فإن كانوا مجانبين للإنصاف يحلّ بالمسلمين هناك كالذي تشاهدونه اليوم في كوسوفو، وشاهدتموه بالأمس في البوسنة والهرسك، وما كان يجري في بلدنا الإسلامي إيران.

* "إن الروح الحقيقية للغدير تتمثل بحكم الولاية الإلهية وسلطة العدل الإلهي والفضيلة وهذا الأمر جعل الغدير لا يختص بالشيعة فقط بل يتعلق بالعالم الإسلامي أجمع".

* "أن تنصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي تم بأمر من الباري تعالى وعلى يد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان وميضاً وإشعاعاً للولاية الإلهية المقدسة وناتجاً عن بلورة الوجود الإلهي في كيان أمير المؤمنين (عليه السلام)".

* إن قضية الغدير قضية إسلامية وليست مجرد قضية شيعية.

* أنّ حادثة الغدير بنفسها ذات أبعاد كثيرة، وبإمكان المسلمين ـ حقّاً ـ أن يتّخذوا منها وسيلة لتقدّم العالم الإسلامي وهدايته هداية وافية وكاملة.

* إن يوم الغدير يمثل في الحقيقة امتداداً لخط الرسالات الإلهية بأسرها، وهو تتويج لهذا الخط اللاحب الزاهر على مر التاريخ. وإذا ما ألقينا نظرة على الرسالات الإلهية نجد أن الأنبياء والرسل قد تناقلوا هذا الخط اللاحب عبر التاريخ حتى آل إلى النبي الأكرم الخاتم، ثم تجسّد وتبلور عند نهاية حياة هذا الرجل العظيم على هيئة واقعة الغدير.

*إنَّ الغدير مفهوم راق ومنقذ، والولاية في الإسلام مفهوم سام، فليُعْلَم ذلك وليَفْخر الشيعة بذلك، ويحاول غير الشيعة معرفته.

*إنّ واقعة الغدير حقيقةٌ وقعت، ولها مفهوم قد يُدركه البعض وبصورة كاملة وقد لا يُدركه آخرون، ونحن ـ كشيعة ـ نعلم أنّ معنى الغدير: هو ذلك الشيء الّذي قلناه وكرّرناه، وحقّقنا وكتبنا حوله، وسجّلناه في قلوبنا وأرواحنا طوال 1400عاماً.

*الاعتقاد بالغدير وبالولاية والإمامة ـ الّذي يعتبر الركن الأساس لمذهب الشيعة ـ يجب أن لا يكون ـ كسائر المباحث الكلاميّة المهمّة ـ سبباً للإختلاف والفرقة بين المسلمين.

فعلى الشيعة وسائر الفرق الإسلاميّة أن لا يخلقوا في أنفسهم تحسّساً يؤدّي إلى الفرقة والإختلاف بينهم، فهذا ما يريده العدو.

ماذا طلب منا السيد القائد ان نقول يوم الغدير

حين نفهم حقيقة الولاية لعلي بن أبي طالب وللأئمة (عليهم السلام)، نرجع إلى أنفسنا لنرى هل تنطوي جوانبها على هذا الولاء أم لا ؟

وإذا لم نجد الولاء سألنا الله سبحانه أن يرزقنا الولاء للأئمة، وبذلنا الجهد في سبيل الحصول على هذا الولاء. وحين ننتهي إلى بيان المعنى الحقيقي للولاية سوف يتبين الخطأ الذي وقع فيه الكثيرون في تفسيرهم للولاية، وقد اعتاد الشيعة في يوم (18 ذو الحجة) وهو عيد الغدير أن يتداولوا هذا الدعاء "الحمد للّه الذي جعلنا من المتمسكين بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)". وكثيراً ما قلت لأصدقائي وأحبتي لا تقولوا الحمد للّه الذي جعلنا فإني أخشى أن يكن هذا كذباً، ولكن قولوا اللهم اجعلنا من المتمسكين بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)، إن علينا أن نلاحظ هل أننا من المتمسكين بالولاية أم لا؟ (روائع السيد القائد دام ظله الوارف).

حديث شريف: "لو أن رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله جلَّ وعزَّ حق في ثوابه".

_____________________

(1) سورة المائدة: الآية 67.