الدولة الإسلامية والشعور بالعزة

المناسبة: المولد النبوي الشريف واسبوع الوحدة

الزمان والمكان: 17 ربيع الأول 1418هـ / طهران

الحضور: الضيوف المشاركون في مؤتمر الوحدة الإسلامية العاشر

 بسم الله الرحمن الرحيم

 أهنئ بمناسبة العيد السعيد لولادة الرسول الأكرم (ص)، والولادة السعيد للإمام جعفر الصادق عليه الصلاة والسلام، جميع المسلمين، والشعب الإيراني العظيم، وكافة محبي أهل البيت عليهم السلام، وأهنئ الحضور الأعزاء وخاصة الضيوف الكرام في هذا اليوم الشريف؛ الضيوف الذين شرُّفوا بالقدوم من خارج البلد، والضيوف الأعزاء الذين حضروا هذا اللقاء من أصقاع نائية في البلد؛ من بلوشستان والمناطق الأخرى، وعلى الأخص العوائل الكريمة للشهداء، والمضحين الأعزاء، والأحرار. وأدعو الله العلي القدير أن يمنَّ بفضل هذا اليوم الكريم بالخير الوفير على الأمة الإسلامية جمعاء.

الشخصية المقدّسة لرسول الله (ص) يجب القول في حقّها: إنّ معرفتها بالنورانية لا تتيسر لأمثالنا، وحقيقة الوجود المعظم والمكرّم لأشرف موجود بشري على مدى التاريخ ولأعز إنسان في عالم الوجود، أسمى من الأبعاد الماديّة. وكل ما يتاح للإنسان ذي الحِجا والتجربة والمعرفة من معاني النبوغ والعقل والعلم والخبرة والوصول بشخصيته إلى مكانة رفيعة ومنزلة سامية، يبقى يجد من هو أسمى منه، ثم يجد ثانياً من هو أسمى من الأول؛ وتلك الشخصية الكريمة ارفع من كل هذه المراتب.

ولو لم تكن هناك أيّة رواية أو آية أو أي أثر شرعي آخر، لاستطاع المرء أن يدرك هذه الحقيقة بالدلائل والامارات. وهذا المعنى معنى سامٍ يستطيع من يفهمه أن يدرك قبساً من ذلك النور، ونحن نستطيع بحواسنا الظاهرية هذه وبادراكاتنا المحدودة أن نرى ونشعر بهذا الوجود العزيز والعظيم.

هذه الشخصية العظيمة لا يمكن مقارنتها بأية شخصية كبيرة أخرى حتّى في الأبعاد التي يفهمها جميع الناس. لاحظوا مثلاً ان شخصية أميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام اجتذبت إليها في الماضي والحاضر أنظار الكثير من نوابغ العالم حتى اعتبروه شخصية كبرى ووصفوه كأشبه ما يكون بالأساطير، إلاّ أن هذا الوجود المبارك، مع آفاقه العظيمة هذه، كان في ازاء شخصية الرسول المقدّسة تلميذ وابن صغير ولم يكن يرى لذاته أي شأن في ازاء عظمته. لاحظوا ان شخصية أميرالمؤمنين متناهية في المحيط المترامي لشخصية النبي الكريم، ومن هنا يتسنّى تخمين أبعاد تلك العظمة.

أمّا ما يتعلق بعالمنا الحالي فثمة نقطة أؤكد عليها دوماً، وهي وجود مركز مشترك بين المذاهب الإسلامية ــ إذ يعاني المسلمون اليوم من كثير من المصائب والمعضلات وعليهم استغلال كل وسيلة لاستنقاذ أنفسهم منها ــ والحال أن هذا المركز وهذه النقطة لا يختلف فيها اثنان. فحتى عقيدة التوحيد المتفق عليها قد يكون للبعض فيها تفسير ورأي لا يقبله الآخر، ولكن هذه النقطة لا اختلاف بشأنها بين الفرق الإسلامية، وتلك هي محبة وموالاة رسول الله محمّد بن عبدالله (ص). هذه نقطة اتحاد وتكاتف وينبغي العمل من أجلها. وقد سبق لنا وان ذكرنا هذا، وهو ما سعى بعض أصحاب الهمّة على أساسه لإرساء أسس الوحدة بين مذاهب المسلمين، والآن أيضاً يجب على المجدّين أن يركّزوا أنظار المسلمين على هذه النقطة الوحدوية.

أشير بمناسبة بركة هذا المولود إلى قضايا ذات صلة بالعالم الإسلامي، ومنها ضرورة تفهّم المسلمين لوضعهم الحالي وادراك المخططات الرهيبة التي يضمرها أعداء الإسلام لمستقبل المسلمين. فبالاضافة إلى ما تم انجازه إلى الآن، فانَّ مجرد تفهّم الأوضاع ينبغي أن يكون كافياً لدفع ذوي الضمائر الحيّة للتفكير في سبل العلاج. والعلاج ليس أمراً بسيطاً ولا هيّناً، إلاّ أنّه ينطوي على نقطتين أو ثلاث نقاط أساسية. أولها: قضية الوحدة واتحاد المسلمين.

قضية اتحاد المسلمين هذه، يجب على جميع الفرق الإسلامية ــ شيعية وسنية، سواء المذاهب المختلفة لأبناء السنة، أو المذاهب المختلفة لأبناء الشيعة ــ أن تأخذها مأخذ الجد. والوحدة الإسلامية معناها واضح؛ إذ ليس المراد منها تذويب كل المذاهب في مذهب واحد، فالبعض يرى ان طريق الوحدة يتلخص في رفض المذاهب، إلاّ ان رفض المذاهب لا يحل المشكلة، بل يحلّها اقرار المذاهب القائمة حالياً.

على كل واحد أداء مهامّه العادية في نطاق عمله وموقعه، ولكن عليهم الاحتفاظ بعلاقات حسنة مع بعضهم.

إنني أرى بعيني الأيدي المتواطئة ــ خاصة في السنوات الأخيرة، من بعد الهجمة التي أعقبت انتصار الثورة، وفشلت بسبب الموقف الحازم للثورة الإسلامية وزعيمها المبجّل الإمام القائد ــ قد عادت من جديد منذ بضع سنوات وبشكل بالغ الخطورة ساعية لبثّ الفرقة بين مذاهب المسلمين.

الأعداء يعارضون على الدوام اتحاد المسلمين، والتاريخ شاهد على هذه الحقيقة، ولكن اليوم حيث عاد لواء الإسلام الظافر يرفرف خفّاقاً على ربوع هذه البقعة من العالم، صار الأعداء يخشون الوحدة الإسلامية أكثر من أي وقت مضى.

اعلموا يا أعزائي ان وجود الجمهورية الإسلامية في هذا العالم الفسيح، وحضور هذه الدولة القوية وهذا النظام المستقل، وهذا الشعب الباسل، وهذا البلد الواسع، وهذه الثورة التي اثبتت حتّى اليوم جدارتها في أغلب الميادين؛ سواء في جبهة الثورة وانتصارها، أم في الانتصار على الغزو الأجنبي المادي في الحرب المفروضة، أم في مجال الاعمار والبناء، واستطاعت الحفاظ على وحدة هذا الشعب بتمامه، وجود هذا الشعب الشجاع الباسل المثابر المؤمن المعطاء ووجود هذا النظام المقتدر، قد جعل أعداء الإسلام في دوامة من التفكير.

إنّهم يخشون هذه الثورة لأنهم يجدون فيها قدرة على الاستقطاب، فحيثما يوجد مسلم في العالم و يقع بصره على هذه الراية الخفّاقة، تساوره الحماسة وتنبعث فيه المشاعر الإسلامية.

تلاحظون بعد انتصار الثورة الإسلامية مدى تزايد انبعاث المشاعر والتفاعل والتحرك الإسلامي ونجاح بعض الحركات الإسلامية في المنطقة، ابتداء من شمال أفريقيا والجزائر وحتى الجانب الشرقي من المنطقة الإسلامية، وهذا كله تحقق بفضل هذا اللواء المرفوع عالياً. فاتسعت على أثر ذلك مشاعر الاستقلال، ومشاعر الانتماء إلى الهوية الإسلامية، ومشاعر الاعتزاز بالذات، ممّا أدى إلى انزال الرعب في قلوب أعداء الإسلام والمسلمين، وانتبه الذين سعوا عشرات السنين لاضعاف المسلمين واذابة شخصيتهم وسلبهم هويتهم؛ وإذا بهم يجدون أنفسهم وقد انتقض غزلهم وخابت كل مساعيهم.

لقد منح قيام هذه الدولة الإسلامية المسلمين شعوراً بالعزّة، فانبرى الأعداء يحاولون ومن خلال شتّى السبل قطع العلاقات بين الدولة الإسلامية في إيران وبين المجتمعات والمحافل الإسلامية في مختلف أقطار العالم، وهم لا يزالون يمارسون عملهم هذا. ومن جملة مسالكهم إلى تحصيل هذه الغاية هو اختلاف المذاهب، باشعال فتيل الفتنة بين السنة والشيعة، في حين اننا رفعنا هنا راية حكومة الإسلام والقرآن واسم النبي الأكرم محمّد المصطفى، وهذا ما يصبو إليه ويتطلع لتحقيقه المسلمون كافة.

ومن أساليبهم الأخرى أيضاً إلصاق تهمة الارهاب وامثالها بالجمهورية الإسلامية وبهذا الشعب العظيم وبهذه الحكومة ذات الصفة الأخلاقية والمعنوية؛ لأجل الحط من شأنها في العالم.

إنّ ما تسمعونه من تهمة في مجال حقوق الإنسان، ونقض حقوق الإنسان، والتورط في الارهاب وما شابه ذلك، أمر مدروس يستهدفون من ورائه اثبات هذه التهمة ضد الجمهورية الإسلامية على النطاق العالمي! وهم أنفسهم موقنون بكذب هذه الادعاءات. والغاية من ذلك ايجاد حاجز يبعد الرأي العام العالمي عن نظام الجمهورية الإسلامية، ومن أجل الحيلولة دون التقارب والانجذاب بين هذه القاعدة الإسلامية والقرآنية وبين المجتمعات الإسلامية في العالم. ومن الطبيعي ان الله تعالى سيبطل كيدهم: {انهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً}، {ومكروا ومكر الله}.

كل ما فعلوه طوال هذه السنوات أذهبه الله، إلاّ أن العدو على كل حال لا ينفك عن ايجاد الموانع وخلق العراقيل والمشاكل، ومع ان أمرهُ يفتضح في بعض الظروف لكنه لا يكف عن فعله، وهنا يتجسد معنى اتحاد ووحدة الأمة الإسلامية والتفاهم الإسلامي.

لاحظوا مدى أهمية هذا الموضوع لمستقبل العالم الإسلامي، ولهذا فهو ليس بالموضوع الممكن تجاوزه بسهولة، على الجميع ان يعتبروا أنفسهم معنيين بهذا الكلام، وأنا اتوجه بالخطاب إلى الجميع؛ إلى السنة وإلى الشيعة، وإلى الكتاب، وإلى الشعراء، وإلى الناشرين، وإلى كل من له مكانة بين الناس ويتحدث إليهم ويجد عندهم آذاناً صاغية، ادعوهم ليعوا هذه الحقيقة ويدركوا ماهية العدو.

حاذروا ان يجد العدو موطأ قدم له بيننا، واياكم من مهاجمة بعضكم بدلاً من مهاجمة العدو. كونوا على معرفة بظروف العصر؛ أي ان تعرفوا العدو وان تعرفوا الصديق وتعرفوا مضمار وساحة الصراع.

الجميع معنيون بهذا الكلام؛ شيعة وسنّة، من دون فرق. وهذه القضية لا فرق فيها بين الإيراني وغير الإيراني. ومن حسن الحظ اننا في إيران ليست لدينا أية مشكلة مع اخواننا أبناء السنّة؛ فلقد عشنا طوال مدة السبع عشرة أو الثماني عشرة سنة بعد انتصار الثورة في وئام ومحبة وصفاء، ونحمد الله على هذا، والاخوة الذين يعيشون في المناطق التي يقطنها أكثرية من أبناء السنة قدّموا الكثير من العون للدولة وللنظام الإسلامي؛ إذ هذه القضية تهم جميع العالم الإسلامي، وهي قضية مستقبل الإسلام.

يا أعزائي، ان الدول والحكومات، والمحافل، والكتل الدولية، تستثمر جميع امكاناتها الجغرافية والتاريخية والوطنية المتاحة، للتفوق في ميدان صراع الحياة، فلماذا لا يستغل المسلمون هذه النعم الإلهية الكبرى؟

المنطقة الجغرافية للمسلمين تعد اليوم من أهم مناطق العالم، وبلدانهم من الناحية الطبيعية من أغنى بلدان العالم؛ فبوابة آسيا إلى أوربا، وبوابة أوربا وأفريقيا، وبوابة أفريقيا إلى أوربا وآسيا تعود للمسلمين. وهذه المنطقة الستراتيجية، والأراضي ذات الخيرات الوفيرة التي بيد المسلمين تضم مواداً وذخائر طبيعية يحتاج إليها الإنسان يومياً في حياته الحضارية كالنفط والغاز. والمسلمون عددهم اليوم مليار وبضع مئات من الملايين، أي أكثر من خمس سكان العالم.

لماذا لا يُستغل هذا العدد السكاني الهائل، وفي مثل هذه المنطقة، ومع ارتفاع راية الإسلام الخفاقة في قلبها، أي في إيران الإسلامية التي تعتبر اليوم قلب العالم الإسلامي ومركزه الأصلي، هذه قدرة هائلة بيد المسلمين.

إنّ نغمة فصل الدين عن السياسة، التي ابتدعها الانجليز يوماً، روّج لها الأمريكيون يوماً آخر، وطبّلت لها أذنابهم يوماً ثالثاً؛ ليغفل المسلمون عن هذه القدرات وعن هذا الموقع. والواجب في هذا الخصوص أكثر ما يكون على عاتق الخواص؛ وهم العلماء والمثقفون والشعراء والخطباء والصحفيون، والمتنفذون في المؤسسات الجماهيرية، وهؤلاء هم الذين أكثر ما يقع هذا الواجب على عاتقهم.

لقد آن الأوان ليعود العالم الإسلامي إلى رشده، وانتهاج طريق الإسلام باعتباره الطريق الإلهي القويم وسبيل النجاة، والسير على هديه بكل قوّة.

لقد آن الأوان لكي يحافظ العالم الإسلامي على وحدته، ويقف صفاً واحداً بوجه العدو المشترك أي الاستكبار والصهيونية الذي ذاقت جميع الفرق الإسلامية ضرّها وأذاها، ويهتف بشعار واحد، ويسير على نهج اعلامي واحد، ويسير على طريق واحد، وعندها يكون الباري تعالى في عونهم، ويسيرون قُدماً مُسَدّدين بالقوانين والسنن الإلهية.

نسأل الله أن يوقظ المجتمعات الإسلامية، ويهدي الحكومات الإسلامية إلى العمل بواجباتها، وأن يثبّت أقدامنا جميعاً على هذا الصراط المستقيم، وان يلفت القلب المقدس لولي العصر أرواحنا فداه إلى المجتمعات الإسلامية، وان يشمل بدعائه الفرق الإسلامية جمعاء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته