الوحدة سر السعادة
المناسبة: ولادة نبي الرحمة محمد (ص) والإمام الصادق (ع)
الزمان والمكان: 17 ربيع الأول 1417هـ / طهران
الحضور: كبار المسؤولين في البلاد والضيوف المشاركون في مؤتمر الوحدة الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
أهنّئ الحضور الكرام وجميع الشعب الإيراني الكريم وكلّ مسلمي العالم وأحراره والمنادين بالحرّية، بهذا العيد السعيد وهو ولاية نبي الإسلام الأكرم الأمجد (ص) وكذلك ولادة الإمام الصادق (عليه السلام)، وأرحّب بضيوف هذه المناسبة الذين قدموا من مختلف بقاع العالم إلى بلدنا الإسلامي.
لقد كانت هذه الولادة الكبرى، ولادة أسمى مثال للرحمة الإلهية للبشرية؛ لأنّ وجود ذلك النبي الكريم وإرساله بالنبوّة كان رحمة من الحقّ تعالى لعباده، فكانت هذه الولادة ولادة للرحمة. وعلى العالم الإسلامي أن يدرك هذه النقطة وهي أنّ هذه الرحمة ليست رحمة منقطعة، بل هي رحمة مستمرة. لقد حارب الكثير من أبناء البشرية يومذاك مظهر النور والهداية هذا بسبب الجهل أو التعصب الذاتي، على الرغم من أنّه (صلوات الله عليه) جاء لرفع الأغلال عن كاهل البشرية: { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم}.
فيا لها من أغلال ثقيلة، ويا لها من أحمال ثقيلة ألقيت على عاتق البشرية حينذاك. واليوم الوضع كذلك. فما قال جزافاً امرؤ ادّعى أنّ البشرية اليوم ترزح تحت وطأة أغلال أثقل مما كانت على كاهل الناس الجهلاء في جزيرة العرب في ذلك العصر، فهذا الظلم الذي يتعرّض له أبناء البشرية، وهذا الجور الذي تتعرّض له المجتمعات الإنسانية، واستحواذ الدوافع المادّية على الحياة الإنسانية، وإبعاد الجوانب المعنوية عن آفاق الحياة الإنسانية التي تفرض اليوم بالقوّة وبشتّى الأساليب على بني الإنسان، كلّها أثقال على كاهل البشرية. وما تستشعره البشرية اليوم في ظلّ التطوّر الصناعي، وفي ظلّ بريق المادّية الأخّاذ والخدّاع إنّما هو أشدّ وأثقل مما كانت تعانيه في ظلمات الجاهلية عند ظهور الإسلام.
إذا التفتت البشرية اليوم إلى هذه الرحمة ــ رحمة وجود الإسلام، ورحمة التعاليم النبوية، وهذا النبع الفيّاض للوحدة ــ وأدركتها وارتوت من معينها، فسوف تزول أكبر معضلة يواجهها الإنسان. وعلى الرغم من أنّ حضارات العالم اليوم قد استفادت ــ بلا شك ــ من تعاليم الإسلام، ولا ريب في أنّ الكثير من الصفات الحميدة والخصال الرفيعة والمفاهيم السامية السائدة بين الناس مستقاة من الأديان الإلهية وتعاليم الأنبياء والوحي السماوي، ويعزى قسم كبير منها إلى الإسلام، إلاّ أنّ البشرية بحاجة اليوم إلى المعنوية والصفاء والمعارف الواضحة والحقّة والسمحاء للإسلام التي يفهمها ويميل إليها كلّ قلب منصف، ولهذا السبب وجدت الدعوة الإسلامية أنصاراً كثيرين لها في العالم، واستجاب لها الكثير من غير المسلمين.
إنّ القبول بدعوة الإسلام لا يعني بالضرورة اعتناق الدين الإسلامي، بل ذلك مرحلة من ذا، والمرحلة الأخرى تتمثّل في قبول الناس على مستوى العالم رسالة الإسلام ومعارفه وحقائقه ورأيه في مسألة معيّنة. واليوم هو ذلك اليوم الذي إذا تطلّع الشعوب على الإسلام تلمس فيه ما ينفعها ويملأ فراغ حياتها.
إنّ ما يطرحه الإسلام من قيم بشأن أهمّية الإنسان وأهدافه، وما يعرضه بشأن الأسرة والمرأة وهدف العلم وعلاقات المجتمعات البشرية مع بعضها، وبشأن العلاقات الاجتماعية بين الأقوياء والضعفاء، حينما تنظر إليها الشعوب التي تعيش في ظلّ مختلف الحضارات تشعر أنّ جميع معضلات حياتها يمكن حلّها وإزالتها بواسطة هذه التعاليم. ومعنى هذا أنّ رسالة الإسلام شديدة الجاذبية؛ ولهذا السبب نرى أنّ موقف الاستكبار العالمي والأجهزة الإعلامية في العالم ــ المرتبطة بمحافل الهيمنة والظلم والعداء للإنسان ــ من رسالة الإسلام موقف غاشم وشديد العداء.
منذ أن تحقّق نظام الجمهورية الإسلامية ــ الذي يعكس تطبيق الإسلام على مستوى الدولة ويثبت تطبيق الأطروحة السياسية للإسلام ــ في العالم وقامت الجمهورية الإسلامية في إيران تضاعف عداء القوى المستكبرة والظالمة للإسلام والقيم الإسلامية على النطاق العالمي. فمادام الإسلام محصوراً في المساجد وفي خزائن القلوب، وحتّى الوقت الذي لم يكن الإسلام قد وضع قدمه في ساحة السياسة والمواجهة والحكومة والميادين الدولية الكبرى، لم تكن مراكز الظلم والطغيان الدولي تشعر بخطورته لكي تصارعه وتنشب أظفارها فيه. ولكن منذ أن رفع النظام الإسلامي لواء الحكومة في هذا البلد، واستجاب المسلمون في أقطار العالم لنداء إمامنا الراحل (رضوان الله عليه)، وأعلنوا عن انقيادهم ومحبّتهم له، وتحرّكت فئات كثيرة في هذا الاتجاه وأضحى شعار إحياء الإسلام شعار العصر بالنسبة للمسلمين، ازداد حينها العداء أيضاً.
إنّ ما أريد قوله في هذه الأيام وفي هذا الأسبوع وبمناسبة هذه الولادة الكبرى هو أنّ على المسلمين أن يدركوا:
أوّلاً: قدر هذا النبع الفيّاض للرحمة، وأن لا تصرفهم دعايات العدو ومواقف الاستكبار العدائية وإثارته للفتن عن هذه الحقيقة الجليّة الساطعة.
وثانياً: أنّ الاستكبار العالمي ومنذ أن شعر أنّ هذه الحقيقة قد ترسّخت في إيران وتوطّدت واستتبّت، وأدرك أنّه عاجز عن اقتلاعها، أو القضاء على هذه النهضة والحركة وهذا البناء، شرع بانتهاج أساليب عدائية من نمط آخر وهو عزل مسلمي العالم عن هذه الثورة وعن هذا الشعب وعن هذا القائد العظيم الحكيم الذي اعترفت الدنيا بأسرها بعظمته، أي عزل الشعوب الأخرى عن الشعب الإيراني، وعزل الأرضية المهيّأة للحياة الإسلامية عن هذه الحركة القائمة بالفعل والقادرة على تحفيزهم، وعزل البلدان العربية وغير العربية والبلدان التي ترتبط أنظمتها بصلات وثيقة مع الاستكبار والمحافل الاستكبارية في العالم عن النظام الإسلامي. وقد جعلوا هذا الهدف ضمن برامجهم الجادّة على المستوى السياسي والحكومي وعلى مستوى الدول، وممّا يؤسف له أنّ بعض الدول قد خدعت بالكامل في هذا الإطار، وسقطت في الفخ المنصوب لها.
لقد استهدف الاستكبار إيجاد حالة من العداء بين الحكومات ونظام الجمهورية الإسلامية. وقد أدركت بعض الحكومات ذلك عن ذكاء ولم تسمح بتمرير إرادة الاستكبار، إلاّ أنّ بعضها الآخر سقط في هذا الفخ من غير وعي. وعلى مستوى الشعوب طرحوا موضوع الاختلافات المذهبية وموضوع الشيعة والسنّة والاختلافات العقائدية، وأغروا الكثير من الأشخاص بالمال لتأليف كتب ضدّ الجمهورية الإسلامية أو ضدّ التشيّع أو ضدّ بعض معتقدات الشعب الإيراني، وكتبت في هذا المضمار كتب كثيرة. ثمّ دفعوا جماعة آخرين للردّ بنفس تلك اللغة على تلك الكتب والانتقادات والشتائم. وممّا يؤسف له أنّ الجانبين وقعا في هذا الفخ. يا أعزّائي، هذا هو الوضع اليوم في العالم الإسلامي.
فعالم الدين الذي يقف لخطبة الجمعة أو لغيرها في أحد البلدان النائية وينهال بالهجوم على فرقة من فرق المسلمين، بدلاً من الهجوم على أمريكا وإسرائيل وأعداء العالم الإسلامي والكفر والاستكبار، إنّ عملاً كهذا ليس عملاً سهلاً وخال من المقدمات أو بعيداً عن الانبعاث الإسلامي. فالذي يستهين علناً بمقدّسات فرقة من فرق المسلمين، إنّما ينفّذ إرادة الاستكبار.
إنّ عزل الشعوب الإسلامية عن الشعب الإيراني اليوم هو أحد الأهداف الواضحة والمنشودة للاستكبار الذي ما انفكّ يبرمج ويعمل ويخطّط وينفق الأموال على النطاق العالمي ــ ومع الأسف ــ في داخل إيران أيضاً.
في داخل إيران أيضاً توجد بعض الحالات؛ لأنّهم يشاهدون الأخوة المسلمين الشيعة والسنّة يقفون في إيران صفّاً واحداً، وتحت لواء واحد، وبشعار واحد، وفي جبهة واحدة إلى جانب بعضهم ومع بعضهم. وخلال الحرب المفروضة التي استمرّت ثماني سنوات لم يسأل أحد أيّاً من أولئك الذين كانوا يريدون التوجّه للدفاع عن وحدة التراب الإسلامي وحدود هذا البلد، عن انتمائهم العشائري أو المذهبي، وبأيّة لغة أو لهجة يتحدّثون، بل إنّ الجميع توجّهوا، ومن جميع الأرجاء.
في إيران امتزجت الدماء مع بعضها، وخلقت الثورة ــ بالمعنى الحقيقي للكلمة ــ حالة من الاتحاد والتآلف بين الفرق والطوائف والانتماءات المختلفة. الاستكبار لا يطيق أن يرى هذا؛ فاختلق لكلّ فرقة ذريعة، وألقى ما يشاء في أفواه البسطاء والسذّج من أبناء كلّ طائفة ليذهبوا ويردّدوا ما ألقاه إليهم. فعلى الجميع الحذر من هذا.
كلّ من يساعد الاستكبار اليوم على تحقيق هدفه هذا، أي عزل الشعب الإيراني عن الشعوب والبلدان الأخرى، فحكمه عند الله حكم أعداء الإسلام والمسلمين الذين حاربوا الإسلام، سواء في هذا العصر أو في عصر الرسول: «كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله». وكلّ من يعاضد الاستكبار اليوم في أهدافه ضدّ إيران الإسلامية فهو كمن حارب آيات الله في عصر ظهور الإسلام.
هذه الحركة تسير اليوم صوب إحياء الإسلام وبعث أحكامه المطموسة، وهذه الحركة التي حصلت هنا حركة كبرى، والمسلمون بأجمعهم يتطلّعون إلى القيام بمثل هذه الحركة. ولو نظرتم إلى البلدان الإسلامية في شرق العالم الإسلامي وغربه لشاهدتم هذه الحقيقة، إلاّ أنّ الاستكبار العالمي، وأمريكا، والشركات المختلفة، وأصحاب المال والقوّة يحولون دون ذلك. والموضع الذي لم ولن يستلم لضغوط أصحاب المال والقوّة، والموضع الذي كرّس كلّ طاقاته الوطنية بوجه الاستكبار هو إيران الإسلامية.
هذا الأسبوع هو أسبوع الوحدة، فاعرفوا قدر هذا الأسبوع الذي يشترك المسلمون باحترامه. وعلى الجميع اغتنام الفرصة ومعرفة قدر الوحدة. وعليهم بتوحيد الطاقات وحشد قوى المسلمين في خندق واحد؛ فهي سرّ سعادة المسلمين وأساس رفعتهم، وهي أكبر سلاح بيد الشعوب ضدّ الاستكبار العالمي.
أسأل الله أن تشمل الأدعية الزاكية لبقية الله (أرواحنا فداه) جميع السائرين على هذا الطريق، وأن يوفّق الباري تعالى جميع المسلمين في أقطار العالم للعمل بآيات القرآن الشريفة وحكم الاعتصام بحبل الله، وأن يحقّق بمشيئته الوحدة التي كانت تطمح إليها الشخصيات الإسلامية الكبرى من البداية وإلى الآن.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعليقات الزوار