حكيم القـرن الحادي والعشرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.
ربَّما يرى البعض -ممن لا رؤية لهم بخصوص الإسلام المحمِّدي الأصيل- بأنَّه لا أهميَّة كبيرة في وجود شخصيَّة روحانية تدير الأمَّة في عصر الغيبة مادام هناك اعتقاد بوجود إمام معصوم في كلِّ عصر، ثمَّ إنَّ هناك مراجع للدين يتوسل بهم لبيان أحكام الصلاة والصيام وسائر العبادات، فأين هو محل ولي الفقيه من الإعراب؟ وماذا ترى يمكنه أن يفعل، مثّله مثل بعض ما في الإنسان من اللحوم التي يمكن أن يستغني عنها.
هؤلاء قد غفلوا من أنَّ مهمَّة ولي أمر المسلمين إنَّما هي كامنة في شيء آخر ألا وهو: "الأمر"، والأمر إشارة إلى العظيم من الحوادث والقضايا.
الجدير بالذكر بأنَّ الحديث الشريف الصادر من الناحية المقدَّسة يؤكِّد على هذه الحقيقة أيضاً، فعن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ. فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان -عليه السّلام- "أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبّتك (إلى أن قال):
" أما الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رُواة حديثنا، فإنهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة الله"
(كمال الدين ج2 ص484 باب التوقيعات، الحديث4).
ليس المقصود "بالحوادث الواقعة" المذكورة في هذه الرواية المسائل والأحكام الشرعية، فلا يريد السائل أن يسأل عن تكليفه تجاه الأحكام المستجدة، لأن هذا الموضوع كان من الواضحات في مذهب الشِّيعة، لمكان الروايات المتواترة التي تؤكِّد على ضرورة الرجوع في المسائل إلى الفقهاء.
(لقد نقل صاحب الوسائل الروايات المتعلقة بالرجوع إلى الفقهاء في وسائل الشِّيعة خصوصاً في كتاب القضاء أبواب صفات القاضي الباب11.)
وقد كانوا في زمان الأئمة -عليهم السّلام- يرجعون للفقهاء ويسألونهم.
بل إن المقصود "بالحوادث الواقعة" هي:
الحوادث الاجتماعية والسياسية المستجدة والمشاكل التي تواجه المسلمين.
فالسائل يريد معرفة تكليفه تجاه هذه الحوادث فقال الإمام عليه السلام:-
بأن الحجّة في مثل هذه الأمور هو راوي الأحاديث، ولا يخفى بأنه لا يطلق على كل من حفظ حديثاً أو بضع أحاديث أنهم "رواة حديثنا" بل الميزان في مصداقية هذا العنوان هو وصوله إلى مستوى يمكنه أن يميز الأحاديث الصادرة عنهم من غيرها.
ولذلك فقد كان الإمام يؤكِّد على أهميَّة موضوع ولاية الفقيه وقد قال في بداية كتابه الحكومة الإسلامية:-
"ولاية الفقيه من المواضيع التي يوجب تصوُّرُها التّصديق بـها، فهي لا تحتاج لأية برهنة. وذلك بمعنى أن كل من أدرك العقائد والأحكام الإسلامية – ولو إجمالاً – وبـمجرد أن يصل إلى ولاية الفقيه ويتصورها فسيصدق بـها فوراً، وسيجدها ضرورية وبديهية".
وقال قدِّس سره في بعضٍ من خطاباته:-
"ولاية الفقيه هدية الله تبارك وتعالى للمسلمين" وقال:- "أفضل مواد الدستور -ويقصد دستور الجمهورية الإسلامية- المادة المتعلقة بولاية الفقيه" وقال أيضاً :- "إنّي أطمئن الشعب، وقوى الأمن، إلى أن بلادنا ستنأى عن أيّ خطر إذا أديرت شؤون الدولة الإسلامية تحت إشراف الفقيه وولايته".
فيا له من متنبّـأ!؟ فكم من المخاطر واجهت المسلمين في العشرين سنة الماضية؟
تصفَّح ذاكرتك وأقرأ ما فيها من قضايا مرَّت على الأمَّة الإسلامية، لتعرف عمق كلام ذلك القدِّيس الإلهي رضوان الله تعالى عليه.
فمنذ انتصار الثورة الإسلامية (1979) والاستكبار العالمي يخطط الخطط والمؤامرات للقضاء على الثورة الإسلامية الفتية. وكان من بينها التخطيط لانقلاب عسكري، وفرض الحرب التي استمرت مدة ثمان سنوات، والقيام بالتفجيرات والاغتيالات من قبل المنافقين، وكل ذلك كان بدعم وإشراف من قبل الاستكبار العالمي.
فمن الذي حافظ على كيان المسلمين من شر الأعداء آنذاك غير ولي أمر المسلمين:
-الإمام الخميني قدس سره الشريف-.
والإمام الخامنئي في الوقت الراهن هو المترصد للحوادث والمؤامرات، فيقضي عليها بحكمةٍ وحذاقة، وبتدبير مستندٍ على التسديد الإلهي. ومن أبرز وأخطر هذه الحوادث هي ما نعيشها في هذه الأيام من تفجيرات في أمريكا، وتوجيه التهمة إلى المسلمين، فكلُّنا كنّا نعيش حيرةً لا مثيل لها فإذا بعلّيِّ عصرنا يخرج من محرابه ويجلس على منبر الخطابة فينحدر عنه السيل العارم ليقضي على كلّ ما خطط له الاستكبار، ويكشف عن زيف ترهات ومزاعم الشيطان الأكبر،
فقد أكّـد في خطبته، سماحة قـائد الثورة الإسلامية آيه الله السيد علي الخامنئي، لدي استقباله يوم الأربعاء عوائل الشهداء والمعوقين والمحاربين المضحين من أبنـاء قواتنا المسلحة الأشاوس, أكـد ضرورة مكافحة الإرهاب كمـا نـدد بالتصريحات المتعجرفة التي أدلى بهـا المسؤولون الأمريكيون عقـب الحـوادث التـي شهدتها مدينتا نيويورك وواشنطن.
كما ندد سماحته بمنطق أمريكا الخاطئ والمرفوض في تعريفها للإرهاب فقـال:
إن الجمهورية لا تـري أن أمريكا صادقة وصالحة ومؤهلة لكي تقـود الحركة العالمية ضد الإرهاب ولـذلـك فإن إيران لن تشـارك فـي أي تحـرك لمكافحة الإرهاب تقوده أمريكا.
ووصف سماحته تصرف الحكومة والمسؤولين الأمريكيين في نيويورك وواشنطن بأنها متعجرفة للغاية وتنم عن الغرور والتكبر والاستعلاء، وأن الحوادث المذكورة قد وجهت صفعه لمكانة أمريكا وقال:
إن هذا التحقير الذي واجهته الحكومة الأمريكية لا يبرر أن يدلي المسؤولون الأمريكيون بمثل هذه التصريحات الغاضبة والاستعلائية وأن الشعوب والحكومات المستقلة لن تتراجع أمام مثل هذه التصريحات.
ورفض قائد الثورة مقولة أن من لا يقف إلى جانب أمريكا فهو إلى جانب الإرهابيين قائلا:
هذا كلام خاطئ لأن هناك الآن حكومات تقف إلى جانب أمريكا وهي أخطر من جميع الإرهابيين. فالذين يقفون علي رأس الكيان الصهيوني الغاصب متورطون في أكثر الأعمال الإرهابية مأساوية ووحشية ولا يزالون يواصلون هذه الممارسات الإرهابية.
ووصف سماحة قائد الثورة التصنيف الأمريكي للدول بين داعم للإرهاب ومعارض له بأنه تصنيف مرفوض وقال:
نحن لسنا إلى جانبكم كما أننا لسنا بجانب الإرهابيين.
وأضاف:
في منطق أمريكا الخاطئ مجازر صبرا وشاتيلا وقانا وتأييد اغتيال الفلسطينيين بشكل رسمي لا ينطبق عليها مفهوم الإرهاب، بينما دفاع الشعب الفلسطيني المشروع عن أرضه يعتبر إرهابا.
وأشار سماحه القائد إلى تصريحات المسؤولين الأمريكيين الذين يقولون بأنه لا يوجد هناك إرهاب جيد وإرهاب سيئ فقال:
إن الأمريكيين أنفسهم قسّموا عمليا الإرهاب إلى جيد و سيئ، لأن أمريكا في حادث إسقاط طائرة الركاب الإيرانية فوق مياه الخليج الفارسي، حيث قتل مئات الأبرياء، بدل أن تعتذر وتعاقب مسئولي الحادث فقد كافأت قائد الفرقاطة الأمريكية الذي أسقط الطائرة.
واعتبر قائد الثورة الإسلامية الحملة الإعلامية الدولية حيال الحوادث الأخيرة في أمريكا بأنها منحازة تماما لمصالح القوي الكبرى، كما اعتبر سماحته قيام المسؤولين وأجهزة الإعلام الأمريكية بالتحريض ضد المسلمين، بعد انفجارات نيويورك وواشنطن، بأنه تصرف قبيح له آثار بعيدة المدى، وقال:
كيف أنكم وجهتم أصابع الاتهام إلى المسلمين بعد وقوع الحوادث المذكورة مباشرة، في حين لو أن أجهزة مخابراتكم كانت قوية إلى هذا الحد فلماذا لم تكتشف وتحبط هذه العمليات الواسعة في واشنطن ونيويورك، والتي يتطلب القيام بها تخطيط يستمر عدة أشهر أو عدة سنوات.؟
وأشار سماحته إلى وصف الرئيس الأمريكي لهذه الحوادث بأنها حرب صليبية فقال:
إذا لم تكن تصريحات رئيس جمهورية أمريكا انطلقت عن غير قصد، فالسؤال هو لماذا يتحدث المسؤول الكبير في أمريكا بدون إلمام.
واستطرد سماحه القائد قائلاً:
أنتم الـذيـن تثيرون الأجواء ضد الإسلام، وتنشرون أسماء العديد من العرب والمسلمين باعـتبـارهـم متهمين دون أن تنشروا أسماء الأميركيين والغربيين، وبعدها يقولون لا تهاجموا المسلمين.
ووصف القائد طلـب الأميركيين مـن دول العالم للتعاون معهم بسبب تضرر مصالحهـم، بأنه اسـتغلال وتعنـت وأكـد قـائلاً:
هـذا التعنت هو الذي أحاط أمريكا بالكراهية، حيث لا يمر يوم إلا ونشهد فيه إحراق الأعلام الأميركية في مناطق العالم المختلفة، ومؤتمر مناهضة العنصرية الذي عقد مؤخرا في جنوب أفريقيا هو مثال بارز لهذه المشاعر المعادية لأمريكا والتي تبديها الشعوب والحكومات.
وأشار سمـاحة القـائد إلى التصريحات والمواقف الجيدة التي أعلنها المسؤولون في النظام الإسلامي في أعقاب الأحداث الأخيـرة في أمريكا فقال:
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تقدم أي دعم لهجوم أمريكا وحلفائها.
وأشار آية الله الخامنئي إلى المؤامرات الأميركية ضد إيران طوال الأعوام الثلاثة والعشرين الماضية فقال:
أنتم الذين ضربتم مصالح إيران باستمرار فكيف تطلبون المساعدة لمهاجمه أفغانستان، هـذا البـلد الجار المسلم المظلوم.
وأضاف سماحته:
وفقا للشواهد والمعطيات الموجودة فإن ما هو خلف ستـار القضايا المرتبطة بالهجوم المحتمل علي أفغانستان يختلف عن الضجيج الإعلامي الذي نشهده الآن.
وقال:
إن أمريكا تنوي، وبحجه وجود عدد من المتهمين الذين لم يثبت الاتهام ضدهم في أفغانستان، تنوي، وكما فعلت إبان حـرب الخليج الفارسي، توسيع دائرة نفـوذها في المنطقة، وتعزيز تواجدها في آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية وعند حدود الجمهورية الإسلامية، كما أن هدف أمريكا الآخر من إرسال جيوشها للمنطقة هو تصفيه حساباتها مع الذين يدعمون الشـعب الفلسطيني المظلوم.
واعتبر آية الله الخـامنئي المكافحة الجادة للإرهاب بأنه واجب ونوع من الجهاد. وأكد ضرورة وجود قائـد صالح ليقود هـذه الحركة، قائلاً:
إن أمريكا غير مؤهلة لتقـود الحركة العالمية لمكافحة الإرهاب، وإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تشارك في أية حركة تقودها أمريكا.
وأضاف:
إن الشـرط الأول والأساسي لقيادة التحرك العالمي لمكافحة الإرهاب من قبـل منظمة الأمم المتحدة هو عدم وجود هيمنة من قبل أمريكا والقوى الكبرى علي هذه المنظمة.
وأضاف:
إن الدول الإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي تتحملان مسؤولية جسيمة جدا في مجال مكافحة الإرهاب، وعليها أن تدخل هذا الميدان بصورة مستقلة.
وأشار سماحة القائد إلى مسؤولية منظمة المؤتمر الإسلامي حيال شعب أفغانستان المسلم المظلوم فقال:
إن ما عاناه الشعب الأفغاني من مآسي وعذاب علي مدى سنين طويلة كان نتيجة تدخل القوى الكبرى في مصير هذا الشعب الحر الشجاع، الذي هو صاحب ثقافة غنية وعريقة وكفاءات كثيرة، وليس هناك أي فرق بين شعب أفغانستان وسائر شعوب العالم، ويجب أن لا يصبح هذا الشعب وبحجج واهية ضحية لمطامع وسياسات القوى الكبرى.
واعتبر آية الله الخامـنئي في جانب آخر من حديثه موضوع الشهادة والشهيد بأنه من أبرز القضايا في الإسلام، حيث أشار سماحته إلى دور تضحيات أبطال الإسلام، ولا سيما الشهداء، في الحفاظ على استقلال البلاد و وحدة أراضيها خلال فتره الحرب المفروضة، وقال:
إن الشعب الإيراني مدين ببقائه وحياته لأبطال الدفاع المقدس، ولا سيما الشهداء، وأن الذين يتحدثون ضد القوات المسلحة والبسيچ إنما يعملون ضد مصالح الشعب والبلاد.
وأشار سماحة القائد إلى الغزو الثقافي من قبل الأعداء للقضاء علي إيمان الشعب الإيراني ودوافعه الدينية فقال:
يجب التصدي لمحاولات الأعداء للإساءة إلى مقاومة وصمود الشعب الإيراني على مدى سنوات الدفاع المقدس الثماني، وإن أُسر الشهداء يجب أن تشعر دائما بالفخر والاعتزاز.
واعتبر سماحته شهر رجب المبارك بأنه فرصة ثمينة لتعزيز الارتباط بالله فقال:
إن شهر رجب ومن بعده شهر شعبان هما فرصة ثمينة للمسلمين ولا سيما الشباب ليدخلوا إلى ضيافة الله وشهر رمضان المبارك.
10 رجب 1422 هـ
28 سبتمبر 2001 م
تعليقات الزوار