ماذا وراء إعلان الإمام الخامنئي عام 2000 عاما للإمام على بن أبي طالب (ع)؟

اجتمعت في شخصية الإمام علي بن أبي طالب (ع) مزايا وخصائص شريفة لم تتوفر في أي إنسان، فهو ذلك الإمام العظيم الذي كان قدوة مثالية للمسلمين، ونبراساً رائداً للمؤمنين، وأول الناس إسلاماً، وأعظمهم عبادة، وأكثرهم شجاعة، وأشرفهم نسباً، ولم يشك أحد في أن الإمام علي (ع) بذل الغالي والنفيس، وضحّى بكل ما عنده ليس للإسلام فحسب، وإنما للإنسانية جمعاء.

ورغم محاولات أعدائه في ستر مناقبه وفضائله، ولكنها كالمسك كلما سُتِر انتشر ريحه حتى قال أحدهم:

"ما أقول في رجل طمس أعداؤه فضائله حسداً، وأخفى أولياؤه مناقبه خوفاً، وظهر ما بين ذين ما ملأ الخافقين؟!".

وعندما سُئل الخليل بن أحمد، ما تقول في الإمام علي (ع) قال: "احتياج الكل إليه، واستغناؤه عن الكل، دليل على أنه إمام الكل في الكل".

ومهما تعاظمت أقوال العلماء والحكماء وأهل المعرفة واليقين في حق أمير المؤمنين (ع)، نرى أنها كلمات تحاول ملامسة الجوانب العادية والبشرية في شخصيته لأنه وبحق لم يستطع أحد في البشر أن يدرك أسراره وما يحوي من كنوز في أعماق ذاته، وليس ذلك نوعاً من المبالغة لأن رسول الله (ص) هو الذي رسم حدود معرفة الذات البشرية وإدراكها لأسرار علي بن أبي طالب (ع) عندما خاطبه قائلاً: يا علي.. لم يعرفك إلاّ الله وأنا.

وكلما رحل قرن وجاء قرن ازداد شموخ علي (ع) واكتشف البشر سراً جديداً من أسرار علي، فضلاً عن خمود ذكر كل من حاربه وظلمه في مقابل تألّقه من بين كل العظماء الذين لم يستطع التاريخ أن يمحيهم من الذاكرة.

فسبحان الله الذي منح هذا الإنسان هذه المزايا النفيسة، والخصائص الشريفة التي جعلته بحق إمام الكل، وكما يذكر ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة:

"ما أقول في رجل تحبه أهل الذمّة على رغم تكذيبهم بالنبوة، وتعظّمه الفلاسفة على رغم معاندتهم لأهل الملّة، وتصوَّرُ ملوك الفرنج والروم صورته في بيعها وبيوت عبادتها.. وما أقول في رجل أحبّ كل واحدٍ أن يتكثّر به، ووَدَّ كل أحدٍ أن يتجمّل ويتحسّن بالانتساب إليه..".

نعم هذا هو علي بن أبي طالب... رجل كل قرن وعصر وزمان... رجل الإنسانية والمدافع عن حقوقها... إمام الناس إسلاماً وإيماناً وصلاة وجاهداً... وأكثر من أحب الله ورسوله وأحبه الله ورسوله... وبه وبولايته كان إكمال الدين وتمام النعمة على بني البشر... ومن خلاله استمرت الرسالة وبقي الإسلام صافياً نقياً رغم كل محاولات التشويه والتحريف...

لأجل هذا ولغيره كانت الدعوة المباركة والرائدة من قبل ولي أمر المسلمين المرجع السيد علي الخامنئي (حفظه المولى) إلى اعتبار سنة 2000 سنة الإمام علي بن أبي طالب (ع).

من أجل أن يبقى الإمام علي (ع) حياً في عقولنا وقلوبنا وأعماقنا، ولتبقى تعاليمه ومناهجه هي الضوء والمصباح الذي يضيء الطريق أمام كل الأحرار والشرفاء، ولأن العالم كله وخصوصاً في عصر ضاعت فيه كل القيم والمبادئ واستولت المادة على نفوس البشر فيه بحاجة إلى منارة الهدى وعلم التقى لتتزوّد من نهجه وعلمه ومعرفته وزهده وورعه ومحبته.

ولأن سلاطين العالم وملوكه ورؤسائه تركوا الناس تبحث وراء لقمة العيش من خلفهم وهم يلهثون خلف شهواتهم ورغباتهم الدنيوية، حتى عمّ الفقر والجوع ثلاثة أرباع العالم فضاعت الرعيّة، وبقوا هم على عروشهم التي لن تسقطها إلاّ عدالة علي بن أبي طالب (ع).

كانت الدعوة من علي لعلي لأن الأول يرى كما قال في إحدى المناسبات: "وجود علي أمير المؤمنين (ع) في جهات متعددة، في ظروف مختلفة، درس أزليّ خالد لا ينسى لكل الأجيال البشرية، سواء كان في العمل الفردي، أو في محراب عبادته، أو في مناجاته، أو في زهده، أو في ذوبانه وغرقه في التفكّر بالله، أو في مجاهدته للنفس والشيطان وكل الرغبات النفسية والمادية".

وليس اعتبار سنة 2000 سنة للإمام علي (ع) إلاّ نوعاً من أنواع التعظيم والتكريم لشخصيةٍ هي المفتاح والباب الذي منه ندخل لمعرفة رسول الله (ص) وشريعته ورسالته التي جاء بها من عند الله.

فعلي بن أبي طالب (ع) كما يقول ولي أمر المسلمين:

"يعتبر أمير المؤمنين (ع) نموذجاً إلى معرفة شخصية النبي الأعظم (ص) من وجهتها الصحيحة والسليمة".

لهذا كله نعتبر أن هذه الدعوة التي وجّهها سماحة القائد (حفظه المولى) تنطوي على عبر ومعاني كثيرة، أولها وأهمها: إحياء القيم الدينية وبعث الروح إلى تعاليم الإسلام ليبقى الدين حياً في قلوب المسلمين من قبل أن تميتهم جاهلية هذا العصر، وتدفنهم تحت التراب عولمته ورأسماليته وما يخططه لهم أجهزة الاستخبارات التي يقف خلفها أنظمة الكفر والاستكبار العالمي.

فكل العصور لعلي، وكل القرون لعلي، وكل ما عندنا فداء لنهج علي، لأن كل وجود علي وذاته كانت للبشرية جمعاء، لهذا يبقى أقل الوفاء لعلي بن أبي طالب أن يسمى العام 2000م عام علي بن أبي طالب (ع).