الشباب نعمة القلوب المضيئة
إنّ للشباب دائماً أهمية خاصة في حياة الأمم والبلدان. ولكن هذه الأهمية تتضاعف عند الظروف الحساسة.
فمثلاً: عندما يخوض بلد أو شعب نضالاً أو يواجه تحدّياً عسكرياً مع الأعداء، فإن دور الشباب يصبح أكثر أهمية وبروزاً. وكذلك عندما يتسلّق بلد سلّم المجد نحو ذرى العلم والعمل والخبرة والسياسة والاجتماع، فإن دور الشباب يغدو أكبر أهمية وحتمية من أي وقت آخر في تاريخ الأمم والشعوب.
إنّ الشباب وحدهم هم القادرون على تحقيق ذلك؛ بفضل معنوياتهم العالية ونشاطهم المتدفّق.
إنهم عادةً ما يعيدون إلى الأذهان مسألة الدفاع المقدس، فهم يتنافسون بشدة وحماس على الالتحاق بالخطوط الأمامية لجبهات القتال دفاعاً عن استقلال بلادهم.
غير أنّي أريد أن أتحدّث معكم حول أمور وتحدّيات أخرى لا تقلّ شأناً.
* لواء المعنويات
إنّ نفوس الناس باتت تهفو إلى الأمور المعنوية في الكثير من بلدان العالم، ولا سيّما الدول الغربية، بعد أن أضجرتهم الحياة المادية، وإن كانوا لا يعرفون ما هي تلك المعنويات على وجه التحديد. وأخذ الشباب الضائعون يبحثون عن شيء أرفع من تلك اللذائذ المادية الفارغة التي اعتادوا عليها.
قوى الاستكبار العالمي، تحول دون الشعوب وشقّ الطريق نحو الأهداف المعنوية.
في مثل هذا العالم نجد أنّ الجمهورية الإسلامية قد رفعت لواء المعنويات عالياً خفّاقاً كما يعلم الجميع، وهي تقول: أريد أن أصل بالبشرية إلى شاطئ السعادة والرفاهية والأمان والتقدم العلمي والاستقلال في ظل الحياة المعنوية، ولسوف نواصل المسيرة. وهنا تتضح أهمية دور الشباب.
مؤامرات لإضعاف الشباب:
إنّ الشباب المؤمنين المفعمين بالأمل الذين يثقون بأنفسهم وبطاقاتهم وقدراتهم وإبداعاتهم، والذين يتدفقون نشاطاً وقوة وحيوية، يستطيعون أن يقوموا بدور بارز في تحمّل هذه المسؤولية العظيمة وبلوغ تلك الطموحات السامقة.
إنّ أعداءنا يسعون جاهدين لقتل هذه العناصر الحيوية والفعّالة في نفوس شبابنا، ويحاولون تجريدهم من إيمانهم وثقتهم بأنفسهم.
إنّ شبابنا كانوا فاقدين لثقتهم بأنفسهم وكانوا يعتبرون أنفسهم بَداهةً أقل شأناً من الشباب الأوروبيين. فمن هم الشباب الأوروبيون؟ إنهم ليسوا سوى أشخاص معقدين روحياً ويعانون من مشكلات نفسية ومادية ومعنوية مختلفة. إلاّ أنّ وسائل الإعلام المزيّفة رسمت شبابنا على صورة، جعلتهم يعتقدون أنهم أقل وأصغر من الآخرين شأناً. وهكذا حفروا مثل ذلك الخطأ الفاحش في عقول شبابنا.
إنهم يحاولون اليوم من جديد سلب الثقة بالنفس من شبابنا، وجعلهم يتخلّون عن إيمانهم وروحهم الإبداعية الخلاّقة، ورغبتهم العارمة في التقدّم، وإلهائهم بمختلف أنواع المشاغل والمشاكل، وجرّهم إلى هاوية الشهوات والأباطيل والانحرافات والنزوات الفارغة، وكافة أشكال النزاعات والصراعات المفتعلة.
إنّ مسؤولية مضاعفة تقع الآن على كاهل المسؤولين عن شباب هذا العصر، وهي في حدّ ذاتها مسؤولية كبيرة تبعث على الفخر.
* ثلاث نصائح للشباب
إنني أنصح الشباب بالدراسة والتهذيب والرياضة. فبالدراسة تترسّخ لديكم مَلَكات الحكمة والفكر والعقل والعلم.
إنّ عليكم تقوية أنفسكم على الصعيد العلمي، لا لكي يؤثّر خطابكم في الآخرين فحسب، بل لكي تكونوا عِماداً قوياً لهذا الصَرْح العظيم، صَرْح الحضارة والتقدّم.
كما أنه لا مندوحة عن التهذيب بجانب الدراسة. إذاً، فعليكم أن تعملوا على تقوية أنفسكم وتمتين بنيتكم العقائدية والأخلاقية.
إنّ قلوبكم تزهر بالضياء أيها الشباب؛ وكذا الفطرة الإلهية، فإنها حيّة ومتألّقة في نفوسكم. إنكم إذا ما روّضتم أنفسكم وجعلتموها تعتاد على الأعمال الطيّبة والأخلاق الحسنة والسلوك السويّ، فإن هويتكم الإنسانية ستتشكل على هذه الصورة، وسيبقى هذا الإنجاز من صفاتكم الذاتية حتى آخر يوم في حياتكم، ولا سيّما في هذه المرحلة التي تعتبر مرحلة ذهبية.
إنكم تستطيعون بناء شخصيتكم على أفضل وجه في هذه المرحلة من العمر.
إعملوا على تقوية علاقتكم بالله سبحانه، واعتمدوا في القضايا الدينية على النقاط العقلانية الدقيقة، وتعلّموا ذلك من أساتذتكم.
إنّ علينا أن نخاطب قلوبنا في كثير من الأحيان.
يقول أحد السالكين: لقد ردّدتُ أحد الأذكار آلاف المرّات على هذا القلب الغافل المتحجّر ذات يوم. فيا له من تعبير بليغ.
إنّ الصلاة هي ذلك الذكر، إنها ماء الحياة الذي يروي به الإنسان فؤاده. إنها الصلاة مع الحضور القلبي.
والحضور القلبي هو: أن نتذكّر أننا أمام الله سبحانه.
فهذه هي الصلاة التي ينبغي إقامتها. فعندما تقومون للصلاة عليكم أن تتذكّروا أنكم واقفون أمام الله سبحانه وتعالى، وأنكم تتحدثون معه عزّ وجلّ.
إنّ عليكم أن تحافظوا على هذه الحالة في جميع صلواتكم، وعندها يكون هناك أثر للصلاة كأثر الإكسير في القلوب فتتحوّل من حال إلى حال. وكما يقولون: فإن الإكسير هو مادة كيميائية تُحوّل النحاس إلى ذهب.
فحتى لو كانت قلوبنا من نحاس فإن الإكسير يُحوّل ذكرها إلى ذهب. وهذا شيء مهم جداً.
إنّ التهذيب يشمل السلوك أيضاً، وخصوصاً مع الوالدين.
إنّ عليكم أن تُحبّوا والديكم، وأن تُبرزوا لهم هذا الحب، وأن تُكنّوا لهم الاحترام والتقدير، وأن تطيعوهم.
إنّ سلوككم داخل المنزل من شأنه أن يبني أسرة سليمة.
إنّ من الممكن أن يؤثر أحد الشباب على والديه وإخوته وأخواته بسلوكه الحسن داخل البيت. لقد سمعتُ من بعض عوائل الشهداء: أنّ ابنهم الشهيد كان نموذجاً للأخلاق في العائلة، فكان يعلّمهم الصلاة بصلاته، وكان يعلّمهم القرآن بتلاوته، وكان يعلّمهم أداء الواجب وحب العمل بقيامه بأداء واجباته ونشاطه في إنجاز أعماله.
إنّ شابّاً مؤمناً مهذّباً يعتبر كالمصباح المنير داخل العائلة، وفي الحي الذي يعيش فيه، والمؤسسة التي يعمل بها، فيتعلّم منه إخوته وأخواته ورفاقه وزملاؤه.
على الشباب أن يفكروا في برنامج يملأون به وقت الفراغ، وأن يستفيدوا منه للقراءة والمطالعة والمشاركة في النشاطات الرياضية والاجتماعية، و التطوع في البرامج الأسريّة والتربوية والرياضية.
إنني أؤكد على ممارسة الرياضة البدنية، وأنصح جميع الشباب بذلك.
إنّ عليكم أيها الشباب وضع هذه العناصر الثلاثة المحورية نُصب أعينكم، وأن تعملوا على رفع مستواها في سلوككم الشخصي وتعاملكم مع الآخرين.
إنّ الشباب نعمة كبرى يمنحها الله للإنسان مرّة واحدة في حياته وفي سنّ معيّنة، فأحسنوا الاستفادة منها.
إنّ الذين قطعوا مرحلة الشباب مع مراعاة تلك الخصوصيات ينعمون الآن بالدعة النفسية والعقلية المستنيرة والحياة المنظمة في مرحلة الشيخوخة.
إنّ الذين يعانون في شيخوختهم من الكسل والحيرة والضجر والرغبة عن الحياة، لم يكونوا يتمتعون في شبابهم بتلك الخصوصيات المميّزة.
إنّ الكهلة من الرجال والنساء الذين ينعمون بالراحة والأنس مع الله في هذه المرحلة من حياتهم، كانوا قد اكتسبوا تلك الصفات الحميدة في شبابهم.
إنّ من الخطأ الفاحش أن نتصور إمكانية تجاهل مرحلة الشباب بصورة كاملة، ثم التحوّل إلى القرب الإلهي في مرحلة الشيخوخة، فهذا مستحيل. قد يحاول البعض تحقيق ذلك، ولكنهم يفشلون.
إنّ ما تدّخرونه الآن في شبابكم من ثروة بدنية أو فكرية أو روحية أو نفسية، يُصبح عوناً لكم في كافة مراحل حياتكم إلى نهاية الحياة، كما تصير متاعاً لكم في الآخرة، والآخرة خير وأبقى.
اعرفوا قيمة هذه المرحلة من حياتكم حق المعرفة.
إنّ الأعداء تكاد تتقطّع أنفاسهم سعياً لحرف قافلة الشباب عن مسيرها. ولديّ علم ببعض الشواهد، إلاّ أنّ الأساليب المتّبعة تفوق ذلك بكثير.
إنني على ثقة من أنكم ستحصدون ثمار جهودكم يوماً ما، عندما أكون أنا ومن هم في مثل عمري قد فارقنا هذه الحياة. وإن شاء الله سيكون مستقبلكم أكثر تألّقاً بفضل العمل والتخطيط.
نسأل الله تعالى أن يُديم عليكم نعمة القلوب المضيئة والنفوس البريئة.
ـــــــــــــــ
مقتطف من كلمة ألقيت في لقاء مع الشباب في 9-5-2007
تعليقات الزوار