الدعوة الإسلامية ومبانيها

إن الدعوة للإسلام مفخرة، أيّاً كان الشخص الذي يقوم بهذه الدعوة. لقد منَّ الله علينا بفضله إذ جعلنا قادرين على هداية الناس إلى سبيله وتبيين حقائق الدين لمن يجهلها. وأول الدعاة إلى الله، هو ذات الباري تعالى {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ} ومن بعده النبي الكريم صلى الله عليه وآله، كأوّل مبلّغ للدين الإسلامي.

إنه لفخر لنا جميعاً أن نضطلع بعمل أمَر الباري تعالى أشرف وأزكى أنبيائه بالقيام به; وذلك هو قوله: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وبفضل هذه الدعوة استطاع الإسلام الانتشار في هذه البقعة الواسعة من العالم.

نحن لدينا أيضاً أُسلوب الجهاد; أعني أُسلوب القوة والسيف، إلاّ إن هذا الأسلوب إنما جُعل من أجل إزالة الموانع في سبيل أن تجد الدعوة الإسلامية سبيلها إلى القلوب. فلم تكن سيوف المجاهدين هي السبب في نفوذ الإسلام إلى أعماق قلوب الناس في هذا البلد الكبير، بل سيوف المجاهدين أزالت الموانع عن طريق الدعوة فقط، وكانت دعوة المؤمنين والمخلصين هي التي رسّخت الإسلام في القلوب; سواء كانت تلك الدعوة باللسان أم بالعمل ((كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم)).

لقد ساروا على هذا النحو يومذاك، ونحن اليوم نرى الإسلام بعد مضي قرون متأصلاً في قلوب أبنائه في البلدان الإسلامية في آسيا وفي أفريقيا، إلى درجة أنه ما إن انهار النظام الماركسي الذي عمل سبعين عاماً على هدم أُسس الإسلام والدين، حتى لاحظنا مدى شغف الناس بالإسلام في القوقاز وآسيا الوسطى.

وهذا يعكس مدى قوة الدعوة الإسلامية واقتدار المباني الإلهية والإسلامية وعظمة القرآن وقابليته على تسخير القلوب، والنفوذ إلى أعماق النفوس.

إننا لا نعاني، من أي نقص في هذا المجال; فنحن لدينا القرآن الكريم، وسنّة الرسول الأمين وأهل البيت الطاهرين، وأحكام الإسلام النيّرة. والعالم اليوم متعطّش لهذه المعارف الإلهية السامية.

وكما عجز الفكر الماركسي الإلحادي على المدى الطويل عن تقليل شأن المعارف الإسلامية في العالم، ولم تكن له إلاّ جولة أخفق من بعدها، فكذا الحال أيضاً بالنسبة للمباني والثقافة الغربية الحالية التي تقف في مواجهة معارف وأحكام الإسلام في كثير من المواقف والميادين، ولكن على نحو آخر، وعن طريق آخر، فهي أيضاً غير قادرة على الانتقاص من حلاوة معارف الإسلام وأحكامه; فالإنسانية اليوم متعطّشة للإسلام.

إنني أؤيد المقولة التي طرحها بعض المفكرين من أن القرن الميلادي المقبل سيكون قرن الإسلام، وهو ما تؤيده تجاربنا ونظرتنا إلى الساحة العالمية، ولكن بشرط أن نتمسك نحن دعاة الإسلام بواجباتنا، فنحن إذا أدّينا ما علينا من الواجبات تغدو الأرضية مهيّأة. هذا إضافة إلى ما تتسم به المعارف الإسلامية من قدرة على ترسيخ جذورها في أعماق القلوب في كل أرجاء العالم.

والقضية التي تحظى بالاهتمام هي أن التبليغ والدعوة إلى الحق وإلى الإسلام لهما في كل مقطع زمني مقتضياتهما، ولابدّ من التعرف على هذه المقتضيات، ومعرفة المخاطب والبحث عنه والعثور على الكلام المناسب الذي يجب طرحه عليه وإلى أي شيء ندعو، ومن أية زاوية يجب أن ننظر إلى مشاكل الناس وقضاياهم; حتى يتسنى لنا عرض الإسلام عليهم على نحو سليم.

تياران مناقضان للإسلام

أعتقد أن هناك اتّجاهين وتيّارين خطيرين ومناقضين للإسلام; أحدهما اتّجاه يحصر الإسلام بحفنة من الأعمال العبادية، أو على أكثر الاحتمالات بمجموعة من الممارسات الشخصية، وينتزع منه أهم جوانب الحياة، ويجرده من السياسة والاقتصاد ومن العلاقات الاجتماعية والأعمال المهمّة، ويصوّره وكأنه مجرّد عقيدة قلبية وعمل فردي، ويحبسه كحد أقصى في إطار الأسرة والعلاقات العائلية.

وهذا ليس هو الإسلام الذي يهفو إليه عالم اليوم، بل وليس هذا هو الإسلام أساساً; فرسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما دخل المدينة أقام فيها حكومة إسلامية تولى هو قيادتها، ولو كان للإسلام أن ينتشر بدون اقتدار وبدون النظر في القضايا السياسية للدولة والمجتمع، لفوّض رسول الله الحكومة لمن كانوا يطمحون إليها وانشغل هو بشؤون التبليغ، ولسار على نهج يقتصر على بيان الأحكام ونصيحة الناس; لكن رسول الله أقام نظاماً إسلامياً.

لابدّ ـ في سبيل العمل بالإسلام ـ من استيلائه على جميع جوانب الحياة، لا أن يقتصر على تسخير القلوب فقط وتنحصر مهمته في حفنة من الممارسات الفردية، ويتحدد دوره في قضايا صغيرة ووضيعة. إذن فمثل هذا التوجّه توجّه مغلوط.

هناك ثمة اتجاه آخر في مجال القضايا الإسلامية وهو في نفس المرتبة من الخطأ الذي عليه الاتجاه الأول، في رأيي، ويتمثل في أن البعض حينما يريد طرح رأي الإسلام في قضايا الحياة المختلفة، يستمد آراءه ـ بدلاً من القرآن ونصوص الإسلام وروحه وجوهره ـ من الآراء الشائعة في العالم، ويكرر باسم الإسلام ما بسطته الثقافة الغربية اليوم بسيطرتها وتسلّطها التام على الكثير من بقاع العالم.

إنّ لدى الحضارة والثقافة الغربية اليوم آراء ونظريات. وهي ليست نظريات جديدة وإنما وضعت على محك التجربة منذ مئتي سنة أو ثلاثمئة سنة. ولا شكّ في أن البلدان الأوربية بلغت مرحلة جيّدة من الحضارة والتطور المادي وحازت ثروات هائلة، وأحرزت تقدماً علمياً واسعاً، ولها اختراعات في شتى المجالات. ومن المؤكد أن هذا نابع من الجوانب البنّاءة التي كانت في تفكيرهم، أو ناجم عمّا يتّسمون به من خصائص إقليمية.

من الطبيعي أن لكل شعب من الشعوب خصائصه الإقليمية التي يعود إليها سبب هذا التقدّم، إلاّ إن الشعوب الغربية في ظل هذه الثقافة وهذه الحضارة لا تستشعر السعادة ـ بالمعنى الإنساني للكلمة ـ ولا تتوفر لديها السكينة الروحية، ولا العدل الاجتماعي; إذ ليس في الحضارة الغربية مراعاة لأوضاع الإنسانية والإنسان. وأشرس الحروب التي شهدها العالم أضرم شرارتها الأوربيون في ظل هذه الحضارة، وأججوا أوارها بنفس المعدّات التي أنتجتها هذه الحضارة.

نشرت إحدى المؤسسات المسيحية العالمية إحصائية أظهرت أن المسيحيين الذين قتلوا في القرن الأخير يفوق عدد من قُتل منهم على مدى تاريخ المسيحية. وكنت أود أن اسأل صاحب هذه الإحصائية: من الذي قتل هؤلاء المسيحيين؟ هل قتلهم المسلمون؟ أم البوذيون؟ أم قتلهم المسيحيون أنفسهم؟ من الذي أوقع تلك الضحايا في أوربا في الحربين العالميتين الأولى والثانية؟ المسيحيون هم الذين قتلوا أنفسهم، والأوربيون والغربيون أنفسهم هم الذين ارتكبوا تلك المجازر، وهم الذين قتلوا الكثير أيضاً من غير المسيحيين وغير الأوربيين.

هذه الثقافة الغربية هي التي سلّطت ظاهرة الاستعمار على العالم قبل حوالي مئة وخمسين سنة، فخضعت الكثير من دول آسيا، وجميع دول إفريقيا للتسلط الاستعماري الذي أبقى ملايين الناس يئنون تحت وطأته سنوات طوالاً. ويمكنكم ملاحظة ذلك فيما خلّفه الانجليز في شبه القارة الهندية، وما خلّفه الفرنسيون في شمال إفريقيا، والنكبات التي حلّت بشعوب الشرق الأقصى من آسيا على يد الهولنديين والبرتغاليين والبلجيكيين والانجليز.

أما إيران فلم تخضع قط للاستعمار المباشر، ولكن يمكنكم ملاحظة مدى تأثير نفوذ الدول الغربية فيها; فقد جعلوا منّا بلداً متخلّفاً عن الركب مئة سنة، فنحن كُنا ذات يوم من رواد العلم في هذا العالم، وكان عِلم الإيرانيين وفكرهم سبّاقاً، إلاّ إن الأوربيين ـ بمساعدة المستبدين الداخليين ـ هم السبب في تخلّفنا مئة سنة عن ركب الحضارة، فوقع كل هذا الظلم على إيران.

وما من أحد إلاّ ويرى الضربات الماحقة التي ألحقتها الحضارة الغربية ببلده.

ولاشكّ في أن الويلات التي تجرعتها الشعوب الغربية نفسها من هذه الحضارة لا تقل عمّا جرى على الشعوب الأُخرى، فقد تفتت اليوم كيان الأُسرة في الغرب وفي أوربا، وبخاصة في أميركا وأوربا الشمالية، والشباب اليوم لا يستشعرون طعم الراحة هناك، وإنما تلفّهم مشاعر الاضطراب والحيرة والإحباط والقلق. هذه هي الحضارة التي انتهجها الغرب وقدّمها للإنسانية.

إن أكثر التجاوب مع الإسلام اليوم نلمسه في أميركا وأوربا وفي المناطق التي رسخت فيها جذور الحضارة الغربية. مبلّغونا هناك، وهم ـ قدر المستطاع ـ يطلعون على تجارب الناس.

تجنب استخدام مصطلحات الثقافة الغربية

إذن عالم اليوم يتطلب وجود الإسلام الحقيقي. ولابد لنا ـ في سبيل تبيين أحكام الإسلام للناس ـ من استخدام نفس المصطلحات الإسلامية، وألاّ نستخدم مصطلحات الثقافة الغربية التي لا تعبّر عن المفاهيم الإسلامية على نحو دقيق. وهذا ليس نابعاً من نظرة متعصّبة; فنحن لا نريد التعامل مع الثقافة الغربية تعاملاً يشوبه التعصّب، وإنّما نؤمن بتلاقح الثقافات، ونرى أن بإمكان الثقافات الاستفادة من بعضها الآخر، وقد استفدنا نحن من شتّى التجارب.

إنّ ما أُحذّر منه هو التقهقر والاندحار أمام الثقافة الغربية، وأنا أحول دون ذلك، وأحذّر منه واُنذر بخطره. ولاشكّ في أن الجميع يدرك هذا المعنى، وعلى معرفة به، وليس جديداً عليهم.

يجب علينا إحياء الثقافة الإسلامية التي تواجه اليوم هجوماً شاملاً ضدّها، وخصوصاً في الوقت الحاضر بالتزامن مع انتشار الوعي الإسلامي ، حيث استيقظت البلدان الإسلامية بحمد الله، وأخذت الحكومات الإسلامية تشعر بالاستقلال، والدول الإسلامية تسير على طريق العزة.

نلمس في كل ربوع العالم الإسلامي رفض الشعوب والحكومات الانصياع للقوى التي تدّعي الاقتدار والسيادة على العالم بأسره; لأن الحكومات والشعوب تعيش اليوم حالة من الوعي والاستقلال، ونحن في إيران نشعر اليوم بالسعادة والارتياح لأننا رفضنا جميع المحاولات التي تنظر إلينا من باب التسلّط. ولم ينعكس علينا موقفنا هذا بأية مشكلة.

إنّنا بطبيعة الحال نعاني من مشاكل في بلدنا، وهي مشاكل ناجمة عن ضعفنا. لقد كانت لدينا نقاط ضعف وقلّة تجربة، سببت لنا بعض المشاكل ، ولم يستطع العدو أن يوجّه لنا أية ضربة. ومن البديهي أن العدو يعرقل أعمالنا ويخلق لنا مشاكل، إلاّ إنها ليست ذات أهمية ، ويمكن القضاء عليها .

ليست ثمّة مشكلة أكبر من استسلام شعب من الشعوب للثقافة الأجنبية. ونحن في العالم الإسلامي يجب علينا إنهاء هذه الحالة وإزالتها.

لقد حاولت القوى الأوربية على مدى عشرات السنين، ثم أميركا  على امتداد العقود الأخيرة، تغليب ثقافتها على الثقافة  الإسلامية في بلداننا عبر مختلف الطرق والأساليب، وهذا هجوم حقيقي.

ونقول للمضطلعين بمهمة الدعوة الإسلامية: لقد حان الوقت الذي أصبح فيه بإمكانكم القيام بهجوم مضاد. ومن المعروف لدى أهله أن أفضل الدفاع هو الهجوم. فابدأوا بهجومكم المضاد. وليس من الضروري طبعاً كون الهجوم المضاد ذا طابع سلبي على الدوام، بل  الجوانب الايجابية فيه أكثر من الجوانب السلبية. وعليكم أن تبيّنوا للناس محاسن الإسلام وحقائقه، والتوحيد الذي يقول به الإسلام، والمعنى السامي للنبوة والعدل في الإسلام، والحكومة في رأي الشريعة الإسلامية، وكذلك أهمية الإنسان في رأي الإسلام.

أيّ مذهب من المذاهب التي تدّعي النزعة الإنسانية تتحدث عن الإنسان بمثل ما تحدّث به الإسلام؟ قال الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} فهل من أحد تحدث عن الإنسان بمثل هذا الكلام؟ وأيّ دين غير الإسلام استعظم قتل الناس على هذا النحو؟

فلسطين ومظلومية القضية

البشرية تحبُّ هذا المعنى. إنّ البشر اليوم أسير هذه الدكتاتورية والتسلط العالمي الذي تفرضه القوى الكبرى. انظروا إلى ما يجري اليوم في فلسطين. وحقيقة الأمر في فلسطين هي أن صاحب الدار غُلب على أمره من قِبلِ فئة معتدية. والمظلومية الأكبر هي أن المغلوب على أمره لا يحق له أن يفتح فاه ويطالب بحقّه، وهذا أفدح ظلم ينزل على شعب في الوقت الحاضر.

ولكن من الذي يقترف هذا الظلم؟ يقترفه نفس دعاة الدفاع عن الإنسان في أوربا وأميركا . فإسرائيل بحد ذاتها لا تمثّل شيئاً، ولا تعني أكثر من شركة مساهمة تألّفت من لقطاء جاءوا من هنا وهناك; من العالم الغربي ومن أوربا وأميركا، وطردوا ثلّة من المسلمين من ديارهم.

مثل هذا الظلم الفادح يجري اليوم على البشرية من قبل دعاة الدفاع عن الإنسان وعن الحرية. يدّعون الدفاع عن الحرية كذباً وزوراً، اللهم إلاّ حرية الشهوات وحرّية التصرفات الفردية التي قد تصل إلى حد الجناية على الإنسانية; وإلاّ فما معنى الحرية الموجودة في أميركا اليوم؟ معناها أن الشخص يباح له ظلم من يشاء والضغط على من يريد ـ طبعاً في إطار القانون الذي كتبه هؤلاء الأشخاص أنفسهم ـ من أجل تحقيق مصالحهم وأطماعهم. إنّهم يستسيغون هذا النمط من الحرية إلاّ إنهم لا يقرّون أبداً تحرر الشعوب من قبضة استثمار القوى الكبرى.

أصبح الدفاع عن الشعب الفلسطيني مثاراً للدهشة لدى الكثيرين في عالم اليوم، وصار ينظر إلى من يصرّح بأن الشعب الفلسطيني هو صاحب فلسطين وكأنه قال منكراً انظروا إلى أي حدّ وصل قبح هذه الأجواء وهل ثمة ظلم أكبر من هذا في عالم تهيمن عليه هذه الثقافة الغربية؟ هذا ظلم للإنسانية ما بعده ظلم.

إن الشعوب متعطشة اليوم للإسلام; الإسلام الذي يدعو إلى العدل (ليقوم الناس بالقسط); فلم يكن إرسال الرسل وإنزال الكتب إلاّ من أجل القيام بالقسط وفي سبيل أداء حق الإنسانية، وللدفاع عن بني الإنسان ، وهذا هو الإسلام الذي ينبغي إيصاله وإبلاغه وبيانه للعالم كلّه. إن الذين يناوئون الإسلام والمسلمين يستخدمون في محاربتهم كل الوسائل الإعلامية كالوسائل الفنية والأفلام والروايات والمقالات والكتب. يكتبون في التاريخ، ويؤلفون الموسوعات، ويعدّون دوائر المعارف، التي على الرغم أن من طبيعتها النزعة الحيادية في القضايا السياسية والعقائدية والفكرية، يدسّون فيها ما  يسيء إلى الإسلام والمسلمين، وما يمس تاريخ الإسلام وحقائقه. أي إنهم يواجهون الإسلام ويدافعون عن باطلهم بكل السبل المتاحة. وأنا بدوري أدعو إلى استخدام كل الوسائل للدفاع عن الإسلام وخاصة عبر استخدام الأساليب الفنية.

في العالم الإسلامي فنانون كثيرون، فلماذا لا يصوغون القضية الفلسطينية في القوالب الفنية المناسبة؟ ولماذا لا يصورّون في قوالب فنية التسلط الأجنبي الجائر على البلدان الإسلامية على مدى مئة أو مئة وخمسين سنة؟ لا تقولوا هذه أُمور مرّت وانقضت; فهم يرغبون في أن تُنسى وقائع الماضي.

لماذا لا ينسون هم الحروب الصليبية؟ ولماذا لا ينسون صلاح الدين الأيوبي؟ ولماذا لا ينسون أدنى وسيلة يجدون فيها سبباً لإثارة الخلاف بين الشيعة والسنّة؟ ومع هذا هم يدعوننا إلى تناسي الماضي.

الماضي الذي يجب تناسيه هو الاختلاف الذي وقع بين المسلمين; فالمسلمون يجب أن يتناسوا ما بينهم من اختلافات، وأن يطووا اليوم ما كان بينهم في الماضي، ويجب أن يكونوا اليوم يداً واحدة على من سواهم. أما ما اقترفه العدو بحق هذه الأمة الكبرى فيجب ألاّ يُنسى; لأنه ما من سبب يدعو إلى نسيانه.

يجب علينا بيان هذه الحقيقة للجيل الحالي على نحو جليّ، في الوقت الذي تكون لنا علاقاتنا وتعاملنا مع دول العالم; فنحن لا نميل إلى عدم التعامل مع الدول الأخرى. إننا نسير وفقاً للأصول، ولدينا علاقات مع العالم كلّه، إلاّ إننا لا نتعامل مع دولتين فقط هما إسرائيل، وأميركا ; وذلك لمواقفهما العدائية ضدّنا ونهجهما السلطوي في التعامل معنا.

وعلى هذا الأساس فلا تناقض بين معرفتنا بمن ترك أثراً سلبياً في تاريخنا وبين التعامل; لأن ذلك لا يمنع وجود مثل هذا التعامل.

القضية الأخرى التي أود عرضها هي الحفاظ على الوحدة بين الدول الإسلامية. والمؤتمر الإسلامي مكان مناسب جداً لحل النزاعات بين البلدان الإسلامية أو تقليلها على أقل تقدير. ونحن نشعر بالارتياح لكوننا عضواً فعالاً في المؤتمر الإسلامي. واليوم حيث تتصدى إيران لرئاسة هذا المؤتمر نرى على أنفسنا مسؤولية أكبر، ونطمح في حل النزاعات بين الدول الإسلامية لمعرفتنا بأن معظمها نزاعات سطحية وناجمة عن سوء تفاهم.

يسعى أعداء الإسلام إلى زرع الاختلافات بين البلدان الإسلامية على الدوام، كأن يثيروا الاختلاف بين بلدين إسلاميين، أو بين بلدين جارين، أو حتى بين بلدين بعيدين احدهما عن الآخر، أو بين العرب أنفسهم، أو بين العرب وغيرهم. إلاّ إننا اتخذنا إجراءات فاعلة وتقدّمنا خطوات واسعة على طريق الوحدة. ونحن سعداء لما لنا من علاقات تسير نحو الازدهار مع البلدان الإسلامية الشقيقة، وقد تكون مصدر بركة على العالم الإسلامي. ومن المؤكد أن علاقاتنا الحارة الوثيقة مع المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة يمكن أن تكون مؤثّرة ومفيدة في قضية التبليغ والدعوة. أرجو أن تكون العلاقات بين هذه البلدان أكثر حرارة وودية.

أرجو أن تنظروا إلى العالم الإسلامي كأمة واحدة; فنحن كُلّنا أمة واحدة. وهناك صلة تجمع الإيراني والعربي والباكستاني والهندي، وهي صلة الإسلام. انظروا إلى العالم الإسلامي كأُمة واحدة، وابذلوا جهودكم ومساعيكم للعالم الإسلامي. وإن الله معكم وهو خير نصير.

ولاشك في أن الأرضية مهيأة. أرجو أن نرى في المستقبل غير البعيد نتائج هذا التفاهم وهذه اللقاءات والمحادثات في حياتنا وفي بلداننا وفي عموم العالم الإسلامي.

 

ـــــــــــ

 

من كلمة له بأعضاء لجنة تنسيق النشاطات الإعلامية لمنظمة المؤتمر الإسلامي.