الولاية من منظار الإمام الخامنئي

الولاية باختصار معناها أن الإسلام لا يتلخص في الصلاة والصيام والزكاة والأعمال والعبادات الفردية. للإسلام نظامه السياسي وفيه حكومة تقوم على ركيزة الضوابط الإسلامية.

يعبر الإسلام عن الحكومة بـ «الولاية» ويسمي الشخص الذي يقف علي رأس الحكومة بالوالي والولي والمولي وكلها من اشتقاقات كلمة الولاية.

الحكومة تسمى «الولاية» في المصطلح والعرف الإسلامي. الولاية هي الحكومة التي يكون فيها لشخص الحاكم أواصر محبة وعاطفة وفكر وعقيدة مع كل أبناء الشعب.

الحكومة التي تتحقق بالانقلاب والتي لا يوافق فيها الحاكم معتقدات شعبه ولا يتكرث لأفكارهم ومشاعرهم، الحكومة التي يتمتع فيها الحاكم حتى في عرف شعبه - كالحكومات في العالم اليوم - بإمكانيات وامتيازات خاصة وتكون له فيها إقطاعية خاصة لتمتعاته الدنيوية، والشخص الذي يتولى زمام السلطة بالوراثة والتعاقب النسبي بعيداً عن الفضائل والكيفيات الحقيقية المشترطة في الحكومة، ليست أي من هذه الحكومات بمعنى الولاية.

الولاية معناها الحكومة التي تكون فيها علاقات الحاكم بالجماهير علاقات فكرية وعقائدية وإنسانية وودية ويكون الناس فيها مرتبطين بالحاكم ويحبونه، وهو يرى مصدر كل هذا النظام السياسي وواجباته فيه من الله ويعتبر نفسه عبداً ومملوكاً لله. ليس ثمة استكبار في الولاية. الولاية تكون حينما تكون علاقة الوالي أو الولي بالناس الذين يمتلك الولاية عليهم علاقة قرب ومحبة ومودة، وكما كان الأمر بالنسبة للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ذاته، أي أن يكون هناك من الناس أنفسهم شخص يتولى قضية الولاية والحكومة. الحكومة التي يطرحها الإسلام أكثر شعبية من الديمقراطيات الدارجة في العالم اليوم، فهي على صلة بقلوب الناس وأفكارهم وعقائدهم واحتياجاتهم الفكرية.

الحكومة في خدمة الناس. هذا هو الأساس في الحكومة الإسلامية.

الولاية بمعني السيادة والإشراف في المجتمع الإسلامي، تختلف طبعاً عن الولاية والإشراف والحكومة في المجتمعات الأخرى. الإشراف على المجتمع في الإسلام لله تعالى. ما من إنسان يحق له تولي إدارة شؤون بقية الناس. هذا الحق خاص بالله تعالى الذي خلق الإنسان وأنشأه ويعلم بمصالحه ويملك كل أموره بل هو مالك أمور كل ذرات عالم الوجود. ما من قدرة ولا سيف قاطع ولا أية ثروة ولا حتى أية قدرة علمية أو تدبيرية تمنح أحداً الحق في أن يكون مالكاً وصاحب القرار بشأن مصير بقية أفراد البشر. هذه قيم.

يُعمِل الله تعالى هذه الولاية والسيادة عن طريق قنوات خاصة. أي حتى عندما يمنح الحاكم الإسلامي وولي أمر المسلمين صلاحية إدارة شؤون الناس سواء على‌ أساس التعيين الشخصي ـ وهو ما حصل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والأئمة من بعده (عليهم السلام) أو حينما ينتخب على أساس المعايير والضوابط، تبقى الولاية لله ويبقى هذا الحق لله والقدرة والسلطان الإلهي هو الذي يجري إعماله على الناس. أياً كان ذلك الشخص ومهما كان فلن يكون له بمعزل عن الولاية الإلهية أي حق على الناس الآخرين. هذه بحد ذاتها نقطة مهمة ومصيرية جداً للمجتمع الإسلامي.

خصائص الولاية‌ الإلهية هي القدرة والحكمة والعدالة والرحمة وما إلى ذلك. الشخص أو الجهاز الذي يأخذ على‌ عاتقه إدارة أمور الناس يجب أن يكون مظهر القدرة والعدالة والرحمة والحكمة الإلهية.

هذه السمة هي الخط الفاصل بين المجتمع الإسلامي وكافة المجتمعات الأخرى التي تدار بأشكال مغايرة. لذا ينبغي في المجتمع والنظام الإسلاميين أن تسود العدالة والعلم والدين والرحمة، ولا تسود الأهواء أياً كان صاحبها وفي سلوك وأقوال أي شخص كانت.

إذا كان المجتمع المدني بمعنى مجتمع مدينة النبي (صلى الله عليه وآله) فإن ولاية الفقيه ستكون طبعاً على رأس كل الأمور في مجتمع مدينة النبي لأن الحكومة في مدينة النبي هي حكومة الدين وولاية الفقيه لا تعني ولاية وحكومة شخص معين إنما هي حكومة معيار معين وهي في الواقع حكومة شخصية معينة. هناك معايير أينما تحققت سيكتسب ذلك الشخص القدرة على النهوض بالواجبات المرسومة للولي الفقيه.

لكن المجتمع المدني بمعنى المجتمع الديمقراطي هو المجتمع الذي تسوده المقررات والقوانين. يمكن لولاية الفقيه أن يكون لها في مثل هذا المجتمع نفس هذه المكانة القانونية التي لها، أي أن تنتخب بأصوات الشعب غير المباشرة وتبقى ببقاء المعايير وتسقط بزوال العايير. للولي الفقيه الدور الأساس في رسم السياسات لكنه لا يتدخل مطلقاً في التنفيذ، وسائر الأمور المذكورة في الدستور.

ولاية الفقيه بحسب دستورنا لا تلغي مسؤوليات الأركان والمؤسسات المسؤولة في البلاد. مسؤوليات الأجهزة المختلفة ومؤسسات البلاد مما لا يمكن سلبه.

ولاية الفقيه موطن هندسة النظام والحفاظ على الخط والاتجاه في هذا النظام والحؤول دون انحرافه يميناً أو يساراً.

هذا هو المعنى الأساسي والمحوري لمفهوم ولاية الفقيه ومعناها.

إذن ولاية الفقيه ليست أمراً رمزياً وتشريفياً محضاً أو وعظياً وليست ذات دور تنفيذي في مؤسسات البلاد لأن للبلد مسؤوليه التنفيذيين والقضائيين والتشريعيين وعلى الجميع القيام بأعمالهم طبقاً لمسؤولياتهم وعليهم تحمل هذه المسؤوليات.

دور ولاية الفقيه هو الحيلولة دون انحراف مسيرة النظام عن أهدافها وقيمها يميناً وشمالاً في غمرة هذه المنظومة المعقدة والمتشابكة من الجهود المتنوعة. حراسة الحركة العامة للنظام نحو أهدافها المبدئية العليا والإشراف عليها هو الدور الأهم والأرسخ لولاية الفقيه. أدرك الإمام الجليل هذا الدور واستنبطه من متن الفقه السياسي الإسلامي ومن متن الدين. كما أدرك فقهاؤنا ذلك من الدين وعرفوه واعترفوا به على امتداد تاريخ التشيع وطوال تاريخ الفقه الشيعي في جميع العصور.

في الإسلام لا تقبل أية ولاية أو سيادة على البشر إلا إذا عيّنها الله تعالى. تقبل هذه الولاية حينما ينفّذها الشارع وتنفيذ الشارع يكمن في أن يكون الشخص الذي تمنح له الولاية - في أية مرتبة من مراتب الولاية كان - ذا أهلية وصلاحية، أي يجب أن يتحلى بالعدالة والتقوى، ويريده الناس. هذا هو منطق الديمقراطية الدينية وهو منطق على درجة عالية جداً من المتانة والعمق.

يخال البعض أن «ولاية الفقيه المطلقة» الواردة في الدستور معناها أن القائد مطلق العنان ويستطيع أن يفعل كل ما يحلو له! ليس هذا معنى‌ الولاية المطلقة. على القائد تطبيق القوانين واحترامها بمنتهى الدقة. ولكن في بعض الأحيان لو أراد المسؤولون والقائمون على الأمور العمل بالقانون المعتبر بمنتهى‌ الدقة فسيواجهون مشاكل. هكذا هو القانون البشري.

وقد فتح الدستور طريق حل لهذه المشكلة فقال: حينما يواجه المسؤولون مشكلات في تطبيق القانون الفلاني في مجال الضرائب أو السياسة الخارجية أو التجارة أو الصناعة أو الجامعة ولا يستطيعون فعل شيء فالقائد هو المرجع. القائد ورئيس الجمهورية والوزراء والنواب كلهم خاضعون للقانون ويجب أن يكونوا خاضعين.

المجتمع الإسلامي صاحب الولاية هو المجتمع الذي ترتبط كل أجزائه ببعضها وبمحور المجتمع ومركزه أي الولي. ونتيجة هذا الارتباط والاتصال هو أن يكون المجتمع الإسلامي في داخله واحداً متحداً متصلاً مؤتلفاً، وأن يجتذب خارجياً العناصر المفيدة ويطرد بقوة العناصر المعادية ويعارضها. الولاية تعني حكومة الأتقياء المعاكسين لشهواتهم وأهوائهم والعاملين بالصالحات. هذا هو معنى الولاية الإسلامية. فأي شعب وأي بلد لا يريد هذا ولا يكون هذا الشيء‌ لصالحه؟