الاستكبار من منظور الإمام الخامنئي

الفصل الأول: مفهوم الاستكبار

مفهوم الاستكبار في القرآن الكريم

مفهوم الاستكبار مفهوم قرآني وليس شيئاً ظهر في ثقافة الثورة الإسلامية في إيران دون سبب. مفهوم الاستكبار يقتضي مواجهة الاستكبار من قبل المسلمين والمؤمنين والنظام والثورة الإسلامية؛ وهذه المواجهة ليست مصلحية أو موسمية أو تكتيكية، إنما هي مواجهة قائمة بشكل دائم. هذه هي ذات الثورة، وطالما كانت هناك ثورة فسيكون هذا الشيء.

 مفهوم الاستكبار في القرآن هو أن يعتبر عنصر أو شخص أو جماعة أو تيار نفسه فوق الحق ولا يخضع للحق ويجعل نفسه وسلطته ملاكاً للحق! أول مستكبر في التاريخ الذي يرسمه القرآن للبشر هو إبليس: (أبى واستكبر). إنه أول المستكبرين.

 طبعاً للاستكبار معنى واسع. يلوح أن الاستكبار يختلف عن التكبر. ربما أمكن القول إن التكبر يشير في الغالب إلى صفة قلبية وروحية. بمعنى أن يعتبر الإنسان نفسه فوق الآخرين. الاستكبار يركز غالباً على الجانب العملي للتكبر. بمعنى أن الذي يتكبر ويرى نفسه أعلى من الآخرين يتعامل مع الآخرين بنحو يظهر فيه هذا التكبر بوضوح. يهين الآخرين ويذلهم ويتدخل في شؤونهم ويظهر بمظهر من يتخذ القرار للآخرين.

مفهوم الاستكبار في ثقافة الثورة الإسلامية

يطلق الاستكبار في ثقافة الثورة الإسلامية على مجموعة القوى التي تستند إلى قدراتها السياسية والعسكرية والعلمية والاقتصادية وتعتمد على نظرة تمييزية للإنسان لتستغل المنظومات الإنسانية الكبرى – أي الشعوب والحكومات والبلدان – وتضغط عليها وتسيطر عليها بشكل تعسفي مذل. تتدخل في شؤونها وتتطاول على ثرواتها، وتتعامل مع حكوماتها بمنطق القوة، وتظلم الشعوب وتهين ثقافاتهم وأعرافهم وتقاليدهم.

القوى الاستكبارية

القوى الاستكبارية هي تلك التي تمسك إدارة جزء كبير من العالم في قبضة اقتدارها وتعسفها وقدراتها المالية. شبكة الصهيونية العالمية، والقوى الأمريكية التعسفية، والأجهزة المالية التي تدعم نظام الهيمنة العالمية هذا، كلها تعد من القوى الاستكبارية.

مظهر الاستكبار

مظهر الاستكبار – بمعناه القبيح المقزّز – في العالم اليوم هو أمريكا، وإلا ليست القضية قضية معاداة عرق معين أو شعب أو بلد بحد ذاته. القضية هي أن لكل شعب عزته وشخصيته ولا يرغب للقوى الخارجية أن تتلاعب بهذه العزة بما لها من قوة وخداع. ولكل شعب ثروته ولا يرغب أن تنهب ثروته.

العدو هو قطب الاستكبار والهيمنة العالمية، وأمريكا اليوم من مظاهره الكبرى والأساسية. طبعاً حين يقال أمريكا فليس القصد الشعب الأمريكي. الشعب الأمريكي مثل باقي شعوب العالم له خصوصيات معينة ونقاط إيجابية وسلبية. ليس لشعب إيران عداء معهم. إنما تتوجه الثورة الإسلامية الإيرانية بخطابها للنظام الحاكم في أمريكا والذي ينوي الهيمنة على العالم ويرسم سياساته على هذا الأساس. حين نقول (الهيمنة الأمريكية) نقصد النظام الحاكم في أمريكا.

أساس الاستكبار

أقام الاستكبار أسسه على الظلم والجور والعدوان، والحكومة الأمريكية وهي قمة الاستكبار هي اليوم أسوء حكومة في العالم من حيث الاستكبار. أقامت هذه الحكومة وضعها على أساس مجابهة أي بلد أو حكومة لا تكون على استعداد لتأمين مصالحها. فهل ثمة كفر واستكبار أسوء من هذا؟! أحياناً يقول المرء: (لدي مصالحي في بيتي وأنا أحمي هذه المصالح، إذن، لا تحاربوني ولا تواجهوني). حسناً، هذا كلام. ولكن لا معنى لأن يدخل أحد إلى بيت شخص آخر أو يقف عند باب بيته ويضايقه ويسلب أمنه، ثم حين يسأل صاحب البيت لماذا سلبت أمني، يقول له: (لقد هددت مصالحي، ولدي مصلحة مما أفعله ولأنك لم تأبه لمصالحي ومنفعتي إذن أواجهك وأحاربك). هل ثمة فوق هذا ظلم؟! هذا ما يلاحظ على الولايات المتحدة الأمريكية اليوم.

منطق الاستكبار

منطق الاستكبار منطق القوة والإرهاب والاستخدام غير العادل للقوة التي تمتلكها. لذا فهي تروّج للإرهاب وتشيعه. الأمريكان اليوم يدخلون البلدان باسم مكافحة الإرهاب، ويعرضون الشعوب لكل هذه الضغوط ويقصفونهم ويسحقون أطفالهم ونساءهم وشيوخهم والناس العزّل هناك. ومنطقهم في كل هذا إننا نريد محاربة الإرهاب! ما معنى الإرهاب؟ هل معناه سوى أن يستخدم الشخص القوة والتعسف غير القانونيين لتمرير مقاصده؟ وهل الشيء الذي تفعله أمريكا اليوم في العراق وأفغانستان وباكستان غير هذا؟!

خطط الاستكبار

تتلخص مخططات الاستكبار العالمي ضد الشعب الإيراني في ثلاثة جمل: الأولى: الحرب النفسية، والثانية: الحرب الاقتصادية، والثالثة: مواجهة التقدم والاقتدار العلميين. عداوات الاستكبار لشعب إيران تتلخص في هذه الأمور الأساسية الثلاثة.

ما معنى الحرب النفسية؟ الهدف من الحرب النفسية هو الإرعاب والإفزاع. من الذي يريدون إفزاعه؟ الشعب لا يفزع ولا يخاف، وكتل الشعب الهائلة لا ترتعب، فمن الذي يريدون إرعابه؟ يريدون إرعاب المسؤولين والشخصيات السياسية، أو النخبة كما يصطلح عليهم. يريدون إرعاب هؤلاء. الذين يمكن تطميعهم وإغراؤهم يريدون تطميعهم.. يريدون حلحلة الإرادة العامة. يرومون تغيير إدراك الشعب لواقعه وواقع مجتمعه. هذه هي أهداف الحرب النفسية.

والحرب الاقتصادية نمط آخر يتوخون من خلاله التضييق على شعب إيران في الشؤون الاقتصادية. يهددون بفرض الحظر الاقتصادي. الحظر لا يمكن أن يوجه ضربة لإيران. أولم يفرضوا الحظر الاقتصادي لحد الآن؟ بلغ الشعب الإيراني الطاقة النووية والتقدم العلمي وهذا البناء الواسع للبلد وهو تحت الحظر الاقتصادي. بل إن الحظر الاقتصادي قد ينتهي لصالح الشعب الإيراني في ظروف معينة وذلك حينما يضاعف من همم الإيرانيين باتجاه العمل والنشاط.

ومواجهة التقدم العلمي لها نموذج بارز هو قضية الطاقة النووية. يقولون في التصريحات والحوارات السياسية وغيرها إن الدول الغربية تعارض امتلاك إيران للقدرات النووية. فليعارضوا. وهل طلبت الجمهورية الإسلامية ترخيص أحد لحيازة القدرات النووية؟ وهل دخل الشعب الإيراني هذه الساحة بترخيص الآخرين حتى يقولوا إننا نعارض ذلك. فليعارضوا. الشعب الإيراني لا يعارض ويرغب أن تكون له طاقة ذرية.

من الحساسيات التي يبديها الاستعمار والاستكبار وأمريكا والصهاينة المخططون للفساد في العالم اليوم هو أن لا يسمحوا للبلدان ذات الأنظمة الثورية بأن تتقدم علمياً. وهذه الحساسية مضاعفة بالنسبة لإيران. لأن حساسيتهم إزاء الإسلام والثورة الإسلامية لم تكن لها سابقة – ولن تكون – إزاء أية ثورة أخرى.

أدوات عمل الاستكبار

وسائل الإعلام

وسائل الإعلام هي أداة عمل الاستكبار العالمي. وسائل الإعلام لديها في العالم قدرات هائلة وتقوم بأعمال كبيرة جداً لصالح أصحابها. أهم وسائل الإعلام في العالم – سواء وكالات الأنباء أو الإذاعات أو التلفزة أو الصحف الكبرى – هي ملك الرأسماليين وهم الأركان الرئيسية للاستكبار العالمي. في الأخبار التي يبثونها في العالم يتم تنظيم وترتيب كل شيء لصالح مصالحهم وإرادتهم.

إنني أنبّه كل الإخوة المسلمين في جميع أنحاء العالم أن يفسروا ويقيموا إعلام الاستكبار العالمي ضد الجمهورية الإسلامية والذي يُنشر عن طريق وكالات الأنباء والصحافة والإذاعات والتصريحات الرسمية لرجال السياسة وفق هذا المنطق والقاعدة العامة وهي أن جميع أجهزة الاستكبار الإعلامية وعلى رأسها الأجهزة الأمريكية تعبأت اليوم لعرض صورة الجمهورية الإسلامية وإيران والأمة الإسلامية على أنظار العالم خلافاً للواقع. هذه قضية على جانب كبير من الأهمية.

مشروع المفاوضات

يقولون: (نريد أن تكون لنا علاقاتنا مع الجمهورية الإسلامية). لكن هذا الكلام كاذب، بمعنى أنهم لا يريدون علاقات سليمة، يرومون علاقات يشوبها الضغط وفرض الأجندة.. يريدون علاقات يحكمها الاستكبار. يريدون علاقات بمعنى علاقات أمريكا مع الأنظمة المنحطة الفاسدة. ليس أمام النظام الأمريكي اليوم من حلٍّ سوى أن يقول هذا الشيء.

الذين يتصورون أن الجمهورية الإسلامية يجب أن تتفاوض مع رأس الاستكبار – أي أمريكا – إما إنهم سذّج أو مرعوبون. الاستكبار يستند إلى هيبته وتهديداته أكثر من اعتماده على قدراته الحقيقية. بل إن الاستكبار يعيش على التهديدات والأبهة وتقطيب الحاجبين وإفزاع هذا وذاك.

بث اليأس والشكوك

يحاول الأعداء تشويه المستقبل وتعتيمه في أعين الجماهير. حين ترون البعض أحياناً يتحدثون بكلام يائس حول الوضع الاقتصادي ومستقبل البلاد فاعلموا أن أساس هذا الكلام وأصله يعود للاستكبار.

من الأحابيل الإعلامية للأعداء هي أن يبثوا الشكوك والريب في الأذهان حيال المستقبل. وللأسف فإن بعض البسطاء – وقد يكون هناك أشخاص مغرضون وراء الأمور – حين يرون البلاد تسير نحو البناء والعمران، بدل أن يساعدوا ويتعاونوا ويسهلوا الأمور وينوروا الآفاق للشعب، يضربون هالات من الغموض والشك والريب على كل شيء، ظناً منهم أنهم سينقلون حالة التشكيك هذه إلى الناس. يجب على جهود الإدارة القوية أن تواكب التطور والتقدم. لماذا يجب التشكيك في تقدم شعب ما؟ على الذين يتحدثون ويصرخون أن يدققوا لئلا يصدر عنهم ما يطابق إرادة الأعداء والاستكبار. هذا ما يريده العدو ويرغب في أن تصاب الجماهير بالشك والريبة في جهودهم للبناء والتقدم.

إيجاد الخلافات

حيثما كانت هناك وحدة بين المؤمنين وعباد الله الصالحين كان هناك التوحيد والله. وأينما نشب الخلاف بين المؤمنين وعباد الله الصالحين كان هناك الشيطان وعدو الله دون مراء. أينما وجدتم خلافاً ابحثوا وستجدون الشيطان دون عناء، أو تجدون الشيطان الذي هو في داخل نفوسنا ويسمى النفس الأمارة بالسوء وهو أخطر الشياطين. إذن، ثمة وراء جميع الخلافات إما الأنانيات وحالات حب الجاه لدى الإنسان، أو الشياطين الخارجيين أي أيادي العدو والاستكبار والقوى الظالمة الجائرة.

ينبغي اليوم عدم إشعال النيران. لتكن لكل إنسان عقيدته التي يسوق الأدلة لإثباتها. لا نقول إن على خطباء المذاهب الإسلامية المختلفة إذا ارتقوا منابرهم أن لا يسوقوا الأدلة والبراهين والإثباتات لصالح عقيدتهم، كلا، فليسوقوا الأدلة والبراهين وليثبتوا عقائدهم. بيد أن إثبات العقيدة شيء ومعاداة الطرف المقابل ومعاضدة الاستكبار العالمي وإهدار الطاقات في الحروب الداخلية بين المسلمين شيء آخر. إلا أن الشيء الجديد بشأن الخلافات بين الفرق الإسلامية هو أنه بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وانتشار فكرها في كل الآفاق الإسلامية، كان من حيل الاستكبار لمواجهة هذه الموجة الإسلامية الشاملة أن يطرحوا الثورة الإسلامية الإيرانية على أنها حركة شيعية بالمعنى الطائفي للكلمة – وليست إسلامية بالمعنى العام – هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن يبذلوا جهوداً حثيثة لإفشاء السجال والنقار والنفاق بين الشيعة والسنة. تنبّهت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ البداية لهذا المكر الشيطاني، وأصرت دوماً على وحدة الفرق الإسلامية وسعت لاحتواء هذه الفتنة وإحباطها.

مشروع الشرق الأوسط الكبير

المشروع الأمريكي الموسوم بالشرق الأوسط الكبير هو تجميع كل المصالح الموجودة في المنطقة وإلقائها في جحيم لا يقبل الامتلاء هو معدة الاستكبار الأمريكي النازع للهيمنة، إنهم غير قانعين بالنفوذ والهيمنة التي لهم الآن وينشدون الهيمنة المطلقة والتسلط المطلق على العالم بأسره، بما في ذلك هذه المنطقة الزاخرة بالثروات الطبيعية والبشرية والتي تعد قطباً على جانب كبير من الحساسية والأهمية.

خلق الاستكبار العالمي والدول الاستعمارية – منذ البداية وإلى اليوم – الكيان الإسرائيلي الغاصب ليكون أداة ضغط على الدول العربية والإسلامية في المنطقة، وادخروه ويعتزمون إبقاء هذا الخنجر المسموم في خاصرة العالم الإسلامي دوماً. والشيطان الأكبر يمسك بيده زمام هذا الكلب المدرب. لذلك لا غرابة في أن تكون ممارسات من قبيل الخروق المكررة للقوانين الدولية، والانتهاك المستمر لحقوق الإنسان وبأفجع ما يمكن، والاعتداء المتكرر على البلدان الجارة، والعمليات الإرهابية واختطاف الأفراد بنحو واضح، والإنتاج المتزايد للأسلحة الذرية وغيرها وما إلى ذلك من الممارسات التي تعد كل واحدة منها أمراً عظيماً جداً إذا ما وقعت في أي من بلدان العالم التي لا تخضع في علاقاتها مع أمريكا وسائر الدول الكبرى لنظام الراعي والرعية، أقول لا غرابة أن تكون هذه الممارسات مقبولة من الصهاينة ولا تثير أي اعتراض جاد من قبل الشبكة الاستكبارية في العالم وخصوصاً الشيطان الأكبر.

المؤامرات الخبروية

للاستكبار العالمي خبراؤه ومفكروه المتخصصون في شؤون العالم الإسلامي وهؤلاء يدرسون ويبحثون ويعدون الملفات حول الشعوب والأفكار والنـزعات والأديان والمذاهب المختلفة، ويعيدون طرح كل تلك الملفات المؤرشفة في المراكز البحثية والثقافية والتجسسية والسياسية، ليجروا أعمالاً بحثية جديدة. وهذا معنى واتجاه أن يقام في إسرائيل مؤتمر تحت عنوان »معرفة الإسلام والتشيع في إيران«. تقام في العديد من أنحاء العالم مؤتمرات واجتماعات بحثية من قبل العالم الغربي والرأسمالي والاستكباري، وتطرح نظريات متنوعة لإعادة النظر في الإسلام.

يوظف الاستكبار كل وجوده في ضوء أفكاره باتجاه الإدارة التي يريدها، ويتحرك وفق أفكار معينة ومدروسة فيوجِّه التيارات العالمية لكي يحافظ على نفسه، لأنه يعلم بأنه إذا لم يفكر ولم يقدِّر ولم يخمِّن المستقبل ولم تكن له إحصاءاته فسوف يخسر وتُلحق به الهزيمة. أرقى وأفضل المؤسسات الفكرية هي ما يمتلكه الاستكبار.

استخدام رجال دين البلاط (وعاظ السلاطين)

في المجتمعات التي لا يمكن فيها القضاء على رجال الدين، حاولوا ربط هذه الشريحة بالسلطات والبلاطات الفاسدة والحكومات الجائرة العملية. رجال الدين العملاء المرتبطون بالبلاط الذين ذكروا بكل سوء في كلام الإمام الراحل العزيز، مارسوا الكثير من الخيانة ضد الإسلام والمسلمين. قال الإمام السجاد لأحد الشخصيات المعروفة في زمانه: أراك جعلت عنقك قطب الرحى للظالمين ليديروا ظلمهم حول عنقك ويستعينوا بك في ظلمهم للناس.

العالم الذي يبرر ظلم الأجهزة الفاسدة أخطر من نفس تلك الأجهزة. رجال الدين الذين يعملون لصالح أهداف الاستكبار يعدون أقبح وأقذر أذرعه، لأنهم يروجون لباطل مخفي بظاهر قوامه الحق.

الأدوات الثقافية

ثمة الآن معركة فكرية وثقافية وسياسية. كل من يستطيع السيطرة على ساحة هذه المعركة والاطلاع على الأخبار والإحاطة بالأمور والنظر للساحة سيستنتج بكل يقين أن العدو يمارس جل ضغوطه اليوم بالأساليب الثقافية. وليسوا قليلين أولئك الكتاب المأجورون والمثقفون الذين باعوا دينهم وأرواحهم وضمائرهم وجلسوا إلى مائدة الفساد الاستكباري – سواء منهم الذين يسكنون خارج البلاد وهم الأكثرية أو الأقلية المتواجدة داخل البلاد – وراحوا يكتبون وينظمون الشعر ويعملون لصالح الأهداف الاستكبارية.

نقاط ضعف الاستكبار

ثمة في العالم اليوم تناقض. الشعب الإيراني في نظر الشعوب المسلمة وشعوب المنطقة – الشعوب الآسيوية والأفريقية وشعوب أمريكا اللاتينية وشعوب منطقة الشرق الأوسط – شعب شجاع يدافع عن الحق والعدالة ويقف بوجه التعسف ومنطق القوة. هكذا عرفوا الشعب الإيراني. إنهم معجبون بالشعب الإيراني ويطرونه. لكن هذا الشعب الإيراني نفسه ونظام الجمهورية الإسلامية نفسه الذي تمتدحه الشعوب كل هذا المديح، يُتهم من قبل القوى المتجبرة بانتهاك حقوق الإنسان وبزعزعة الأمن العالمي وبدعم الإرهاب! هذا تناقض.. تناقض بين نظرة الشعوب وإرادة السلطات. هذا التناقض يهدد نظام الهيمنة العالمية. إنهم يبتعدون عن الشعوب يوماً بعد يوم. هذا شيء أوجد ثغرة استنزافية في بناء الليبرالية الديمقراطية الغربية، وهي ثغرة تتسع يوماً بعد يوم.

الإعلام الاستكباري يستطيع إخفاء الحقائق لفترة معينة لكنه لا يستطيع إخفاء الحقائق حتى النهاية. الشعوب تستيقظ يوماً بعد يوم. يسافر رئيس جمهورية إيران لبلدان آسيا، والبلدان الأفريقية، وبلدان أمريكا الجنوبية فتهتف له الجماهير بشعاراتها وتتظاهر لصالحه وتعلن دعمها له. ويزور رئيس جمهورية أمريكا بلدان أمريكا الجنوبية – وهي الباحة الخلفية لأمريكا – فتحرق الشعوب العلم الأمريكي بمناسبة زيارته. هذا معناه تضعضع أسس الليبرالية الديمقراطية التي يدعي الغرب اليوم وعلى رأسه أمريكا رفع لواءها. التناقض بين إرادتهم ورغبة الشعوب ومشاهدات الناس يتعاظم بشكل مضطرد. يتشدقون حول الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والأمن العالمي، ومحاربة الإرهاب، لكن باطنهم الشرير ينمُّ عن نزعة إشعال الحروب وسحق حقوق الشعوب والميل الشديد والشهية الجشعة لنهب مصادر الطاقة في العالم. هذا ما تراه الشعوب. سمعة الليبرالية الديمقراطية وسمعة أمريكا – وهي رائدة الليبرالية الديمقراطية – تتضاءل يوماً بعد يوم في العالم. وفي المقابل تزداد سمعة إيران الإسلامية رفعة ورقياً باستمرار.

ذات يوم تصور زعماء الاستكبار العالمي أنه لم يبق من الإسلام شيء. توهموا أنهم بسيول و وحول الشهوات التي أطلقوها في العالم لم يتركوا أثراً لتعاليم الإسلام والروح الإسلامية والغيرة الإسلامية والورع الإسلامي والمحفزات الإسلامية بين المسلمين. لكنهم وجدوا لاحقاً أنهم كانوا على خطأ. أولاً، ارتفاع بيرق الاقتدار الإسلامي في إيران الكبرى وبين هذا الشعب الشريف المجيد، وثانياً الصحوة الإسلامية في كل العالم الإسلامي أخرجتهم من سباتها فأدركوا أن الإسلام حقيقة متألقة وصلبة جداً. لذلك راحوا يحاربونها. العالم الإسلامي والشعوب المسلمة أدركت اليوم هذه الحقيقة، لذلك تلاحظون أن المعلومات التي لديهم هم أنفسهم تقول لهم إن أمريكا والصهيونية والاستكبار وزعماءه مبغوضون في البلدان الإسلامية.

الفصل الثاني: ضرورة مقارعة الاستكبار

ضرورة مقارعة الاستكبار

مقارعة الاستكبار – ومظهر الاستكبار اليوم هو الحكومة والنظام الحاكم في أمريكا – جزء من ذات هذه الثورة ومن المهام والمطالب الأصلية والأساسية لهذا الشعب. إذا ترك هذا الشعب مقارعة الاستكبار فمعنى ذلك استسلامه لتدخل الأجانب وللذل وللوضع الخطير جداً الذي عاشه قبل الثورة! جميع أبناء الشعب يحملون هذا الشعور وهذا الوعي لقضية مقارعة الاستكبار.

أسباب مقارعة الاستكبار

السبب الوطني

لماذا قارع الشعب الإيراني الاستكبار ولماذا الاستكبار حالة سلبية؟ ينبغي التنبه إلى أن أول شعور ينتاب أي شعب من الشعوب لمواجهة روح الاستكبار وطباعه ليس الشعور الديني وإنما شعور الغيرة والحمية الوطنية. إنه الشعور بالهوية والشعور بالوجود. لأن الاستكبار إذا دخل بلداً وتسلط عليه سوف ينكر الهوية الوطنية لذلك الشعب وينقضها، وينهب المصادر الطبيعية لذلك البلد، ويتدخل في الشؤون السياسية لذلك البلد، بيد أن كل هذه الأمور فروع لإنكار هوية ذلك الشعب. حينما يأتي الاستكبار لا يقول: جئت لأنقض هويتكم الوطنية أيتها الشعوب.. لا يأتي ولا يتصرف بهذه الطريقة. يدخل بذرائع مختلفة. وحينما يدخل يستهدف الهوية الوطنية، أي الثقافة، والعقائد، والدين، والإرادة، والاستقلال، ونظام الحكم، والاقتصاد، ويسلب ذلك الشعب كل شيء ويمسك به في قبضته.. الشيء الذي حصل في إيران قبل الثورة. هذا هو الشعور الذي يحضّ الشعوب على الانتفاض بوجه الاستكبار. وبذلك نرى حتى الشعوب التي لا دين لها وليست مسلمة تقف اليوم – وليس بالأمس حيث لم يكن أحد يجرأ على الوقوف بوجه أمريكا قبل أن يفتح الشعب الإيراني هذا الطريق – بوجه أمريكا في حدود استطاعتها.

السبب الديني

لمواجهة الشعب الإيراني للاستكبار جذورها الدينية. كلمة الاستكبار والمستكبر، وفي مقابلها الاستضعاف والمستضعف موجودة في القرآن. حينما وقف الشعب الإيراني بهذه الروح أمام أمريكا والجهاز الفاسد العميل لأمريكا استند إلى رصيد هائل من العقيدة والإيمان الديني، وهذا ما جعله ينجح وينتصر ويتقدم إلى الإمام.

أتباعُ أهل البيت (عليهم السلام) روادُ مقارعة الاستكبار

راية مقارعة أعداء الإسلام مرفوعة اليوم بيد أتباع مدرسة أهل البيت (ع)... بيد هذا الشعب العظيم الشجاع الذي لا يخاف أية قوة سوى الله. هكذا هو الشعب الإيراني اليوم. عملاء الاستكبار والقوى التي تخيف الشعوب والحكومات والشخصيات ورجال الفكر والثقافة وكأنها غول مفترس، ليست لها عند الشعب الإيراني أية قيمة أو أهمية.

أعظم مقارعة للاستكبار

أعظم مقارعة للاستكبار ولشياطين الاستكبار هي أن لا يستسلم الإنسان لإرادتهم وما يفرضونه. يخوض الشعب الإيراني اليوم هذا الكفاح الكبير، وهذا هو الطريق الذي فتحه الإمام الخميني (رض) أمامنا وقد سار الشعب الإيراني في هذا الطريق ووصل موطن العزة والحمد لله؛ ولا زال يواصل اليوم أيضاً هذا الطريق.

ما معنى شعار: الموت للاستكبار؟

حينما يقول الشعب الإيراني: (الموت للاستكبار) فلا يظنن البعض أن الشعب الإيراني يقف ليسقط عن الحكم ويحارب أية حكومة في أي بلد غير مسلم أو أي بلد لا يقبل إسلامه. ليست القضية بهذا النحو أبداً. المهم بالنسبة للإسلام والحكومة الإسلامية هو مواجهة الظلم ومجابهة الظالم والعدوان: (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم). هذه هي القضية.. الذين يعارضون الحقيقة والعدالة ويؤيدون الظلم والجور ويخدمون الظواهر الظالمة، ويعارضون ظواهر الحق بمقدار ما تمثل الحق.

ضرورة الحفاظ على شعار مقارعة الاستكبار

على الشعب الإيراني أن يحافظ على شعار مقارعة الاستكبار كراية ومشعل. لماذا؟ لأنه إذا لم يجر الحفاظ على هذه الراية الخفاقة وإذا ضاع هذا الشعار وتراجع فسوف يضيع طريق الشعب. لأن عداء ذلك العدو واضح وليس خافياً على أهل البصيرة، والعدو العلني مع أن عداءه جلي بيّن، فإنه يستخدم أساليب الخداع. غالبية الشعوب التي خدعت والحكومات التي أخطأت، إنما أخطأت لأنها لم تعرف أساليب الأعداء بصورة جيدة. إذا لم تعرف أساليب الأعداء، وإذا جرى تناسي مقارعة العدو الذي يروم القضاء على شعب ثوري، فمن البديهي أن يسير ذلك الشعب في الطريق الذي يرتضيه العدو، أي طريق الفناء والدمار والفساد.

طرق مقارعة الاستكبار

العودة للإسلام

علاج جميع آلام الشعوب المسلمة وإخفاقاتها هو العودة للإسلام، والعيش في النظام الإسلامي وتحت ظل الأحكام الإسلامية. هذا ما يعيد للمسلمين عزتهم واقتدارهم وتنعمهم بالأمن والرفاه، ويغيّر المصير الذليل والمرير الذي رسمه مخططو الاستكبار للأمة المسلمة.

الاستكبار والشبكة الإعلامية التابعة له ركزوا جهودهم وهممهم على تبديل الأمل والتفاؤل لدى المسلمين المنتفضين إلى يأس وتشاؤم، ومن أجل بلوغ هذا الهدف لا شيء أفضل وأكثر تأثيراً من إظهار الثورة الإسلامية للشعب الإيراني هذه الثورة الرائدة والمحطمة للعقبات والطرق المسدودة على أنها مخفقة وعاجزة، والترويج لفكرة أن إيران الإسلامية اضطرت في مواجهة المشكلات للإعراض عن سبيل الإسلام المحمدي الأصيل والخط النيّر للإمام الخميني (قدس سره).

التربية والتعليم

قضية الثقافة والتربية والتعليم هي القضية الأولى في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ما من شيء يمكن أن يضاهي أهمية التربية والتعليم على المدى البعيد. دور المعلم والمربي في المجتمع الإيراني دور من الطراز الأول. الواقع أن خندق مكافحة الكفر والظلم والاستكبار العالمي وتجبر الشياطين السياسيين في العالم هو خندق المدرسة والتربية والتعليم والثقافة. الطلبة اليافعون الذين يُسلَّمون لمؤسسة البلاد الثقافية هم أعز وأغزر رصيد وذخر لمستقبل هذا البلد. اعرفوا قدر التربية والتعليم والمعلم والخندق الثقافي. وليعرف الشباب والناشئة قدر الدراسة والبحث العلمي وتحصيل العلم وبناء الذات.

الوحدة الوطنية

الذي يروم الوقوف بوجه الاستكبار، وتوجيه صفعة لعدو الجمهورية الإسلامية، وإسعاد قلوب عباد الله، وملء قلوب أعداء الله بالكآبة عليه السعي لتكريس أواصر المحبة والعطف والثقة بين هذا الشعب وبين مسؤولي النظام باضطراد. وكل من يعمل بالاتجاه المعاكس إنما يعمل بالاتجاه الذي يريده الاستكبار.

الانسجام الإسلامي

أية نقطة في العالم لم يواجه المسلمون فيها الويلات والضغوط من قبل خبث الاستكبار العالمي وأجهزة الهيمنة العالمية؟! ما هو العلاج سوى صمود المسلمين أنفسهم وتضامنهم واتحادهم مع بعضهم، وسوى يقظة المجتمعات الإسلامية، وسوى استخدام الطاقات الإسلامية الهائلة في كل العالم؟

دعم الحكومات لشعوبها

القوة الهائلة التي يتمتع بها رؤساء البلدان الإسلامية هي قوة الشعوب المسلمة. بالاعتماد على رصيد هذه القوة التي لا تهزم بوسع الحكومات الإسلامية الوقوف بوجه القوة الأمريكية العظمى التي ترعى اليوم جبهة الاستكبار المعادية للإسلام، وتدافع عن حقوق شعوبها وعن الشعوب المسلمة المظلومة. الإسلام خير ضمانة لإدارة حياة الشعب، وبمقدور الشعوب في ظله أن تذوق طعم الحرية والاستقلال التام والتمتع به. والإيمان الإسلامي للشعوب في البلدان المسلمة خير رصيد لمثل هذا الهدف.

المتوقع من الحكومات المسلمة هو أن تنظر للإسلام كمنقذ لشعوبها وكآصرة بين الشعوب المسلمة وهي أجزاء الأمة الإسلامية بدل أن تهاب الإسلام وتخشاه وهذا ما تحاول أمريكا وسائر زعماء الاستكبار بكل جد أن يوحوا به لرؤساء البلدان الإسلامية، والمتوقع من الحكومات الإسلامية أيضاً أن تستمد لنفسها القدرة والعزة من الإسلام. هذه هي أفضل وسيلة لإحراز دعم الشعوب، والحكومات التي يسير شعبها وراءها بوسعها أن لا تهاب أي تهديد.

أسباب عداء الاستكبار

سبب عداء الاستكبار للإسلام

ما هو سبب الصراع القائم اليوم بين الاستكبار والإسلام؟ الاستكبار هو الجبهة المعادية للإسلام راهناً، لأنهم يذكرون ذلك صراحةً.

ذكر رئيس جمهورية أمريكا اسم (الحروب الصليبية). والإعلاميون التابعون للاستكبار يمارسون أنشطة إعلامية متواصلة ومكثفة ضد الإسلام بأشكال مؤذية وفي كل أنحاء العالم.. ينتجون الأفلام، وينتجون ألعاباً كومبيوترية، ويروجون إعلامياً عن طريق كتابة المقالات، وكل هذا ضد الإسلام. لماذا يعارضون الإسلام؟! هذا سؤال كبير. هم أنفسهم يقولون إننا نعارض الإسلام لأن الإسلام يشجع الحروب والإرهاب والكراهية! يشيعون الأكاذيب والتهم في مناخات الرأي العام العالمي بهذا الوضوح والعلانية. الاستكبار هو الذي ينشر الكراهية في العالم اليوم. الأمريكان هم الذين يختلقون الحروب في العالم. هم الذين يعتدون على حقوق الشعوب ويهجمون عسكرياً على حدود البلدان. يحملون جنودهم على بعد آلاف الكيلومترات ويعتدون على هذا البلد وذاك، وعلى هذه الحدود، وذاك الشعب. وإذا نظرتم للتاريخ في المائة عام الأخيرة ترون أن الغربيين هم من أشعل معظم الحروب. الأوربيون هم من أشعلوا أوار الحربين العالميتين الكبريين. والكثير من الحروب في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية أججتها هذه الأنظمة الرأسمالية الحاكمة في أمريكا. هي التي تبث الكراهية بين الشعوب. الإسلام برئ من هذه التهم. ليست المشكلة والخلاف هنا – إنهم يكذبون – إنما الخلاف حول أن الإسلام يدعو الشعوب المسلمة للاستقلال، ويعيدها إلى عزتها، ويعلمها أن تتعرف على حقوقها وتطالب بها وتقف بوجه المعتدين على هذه الحقوق. الاستكبار يعارض هذا الصمود وهذا الدفاع وهذه المعرفة. هذا هو سبب الخلاف والمعركة بين الإسلام والاستكبار.

سبب عداء الاستكبار لشعب إيران

إيران الإسلامية، إيران الإمام الخميني، إيران الثورة الإسلامية قطب ومحور الحركة العالمية العظيمة للمسلمين، وهي هدف العداء بنفس الدرجة. هذا الشيء يفرح شعب إيران بدل أن يحزنه. ويبث الأمل في نفسه بدل أن يفزعه، لأنه يدل على اقتدار الشعب الإيراني وأنه لا يزال خطراً كبيراً يهدد مصالح الاستكبار ومصالح الناهبين والسارقين. عداء الاستكبار يزيد من ثقة الشعب الإيراني واطمئنانه بأن الطريق الذي اختاره للحركة الثورية التقدمية والبناءة في البلاد والمجتمع هو الطريق الصحيح والناجح والصائب. إذا كان هذا الشعب قد سلك الطريق الخطأ في تحركه ضد مصالح أعداء الإنسانية وباتجاه مصالح الثورة والبلاد، لما أبدى الأعداء ضده كل هذا العداء.

سبب عداء الاستكبار للثورة الإسلامية في إيران

لماذا يتخذ الاستكبار موقفاً أينما وجد أثراً لنداء الإمام الخميني (رض) ووجد القلوب مجذوبة لذلك النداء والأقدام تتحرك على سبيل تحقيق أهداف ذلك النداء؟ أسباب هذا العداء هي النقاط التالية: بالدرجة الأولى قضية عدم الفصل بين الدين والسياسة والدين وميدان الحياة. لقد أثبتت الجمهورية الإسلامية عملياً أن الدين له شأنه ودوره في ساحة الحياة البشرية والدين الإسلامي المقدس لم يأت لينشغل الناس في زوايا المعابد بالعبادة فقط. إنما ساحة الحياة البشرية، وساحة السياسة، وميدان الشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مدرجةٌ كلها في حيّز الأحكام الإسلامية المقدسة.

القضية الثانية هي عدم التأثر بإرادات القوى الكبرى. إحدى أكبر جرائم الجمهورية الإسلامية الإيرانية من وجهة نظر أمريكا والمستكبرين هي أنها لا تتأثر في القضايا العالمية بالموقف الأمريكي أو مواقف البلدان المماثلة لأمريكا. ومن الأمثلة الواضحة لذلك قضية فلسطين. ضغطوا على البلدان العربية والعديد من البلدان الإسلامية كي يتجاهلوا قضية فلسطين، وللأسف فإن العديد من الحكومات خضعت لهذه الضغوط وتقبلتها. أما الجمهورية الإسلامية فأعلنت عن رأيها بكلمة واضحة بليغة يوافقها كل المنصفين في العالم، وهي:(فلسطين للشعب الفلسطيني).

من الأسباب الأخرى وراء عداء الاستكبار لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران هو أن الحكومة الصهيونية الغاصبة يجب أن تتنحّى. بوسع اليهود أن يبقوا في فلسطين، لكن الحكم في فلسطين للشعب الفلسطيني وللفلسطينيين وهم الذين يختارون – كما في البلدان الأخرى – من شاءوا للحكم.

القضية الأخرى هي دعم إيران المعنوي والسياسي لكل الذين يجاهدون في سبيل الإسلام والسيادة الإسلامية. كل من ينتفض لأجل عزة الإسلام في أي مكان من العالم فإن إيران تدعمه معنوياً وسياسياً.

من الأمور الأخرى التي تثير غضب الأعداء هو الدفاع عن الشعوب المسلمة.

ومن القضايا الأخرى التي تأجج غضب الاستكبار على الجمهورية الإسلامية هي أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعارض فرض الثقافة الغربية ضد الشعوب المسلمة. الثقافة الغربية ثقافة لها جوانبها السلبية إلى جوار نواحيها الإيجابية. الجمهورية الإسلامية تؤمن بالتبادل بين الثقافات. شعب مثل الشعب الإيراني أو سائر الشعوب المسلمة يجب أن ينظر في ثقافات العالم ويأخذ ما يراه مفيداً له فيستفيد منه. كما ينبغي أن يُقصي كل ما يجده غير مفيد وغير لازم في هذه الثقافات.

الاستكبار العالمي يحقد على الإسلام والثورة من أعماق كيانه، وما لم يتخل الشعب عن مبادئه ودينه ويستسلم فسوف لن يرضى عنه المستكبرون. يقول الله تعالى للمسلمين: »ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم«. إذن، أحقاد الاستكبار سببها العقيدة، وطلب الاستقلال، وشعار (لا شرقية ولا غربية) والالتزام العميق للشعب الإيراني بالإسلام. أحقاد الاستكبار لا نهاية لها. ولكن على الرغم من حقده العميق على شعب إيران فإن هذا الشعب متفائل ومتوثب بلطف من الله ويأمل أن يبلغ إن شاء الله مقاصده الإلهية في جميع الميادين الاقتصادية والسياسية والثقافية، ويفرض على العدو التراجع.

سبب عداء الاستكبار لنظام الجمهورية الإسلامية

بعد قيام النظام الإسلامي على أساس إيمان الشعب المتين، ظهرت أمامه تحديات عالمية هائلة، لماذا؟ لأنه نظام يشتبك بنحو طبيعي مع أخطبوط النظم الاستكبارية العالمية الخطيرة. ليس معنى هذا الاشتباك أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تروم السير لقتال أمريكا أو بريطانيا أو البلد الفلاني. حينما ينـزل بلد إسلامي له موقع جغرافي حساس وثقافة عميقة إلى الساحة ويطرح فكرة معينة ويبذل قصارى جهده وسعيه لإحيائها، وتظهر على أدائه ملامح النجاح فإنه سيهدد طبيعياً مصالح الاستكبار في المنطقة برمتها. لذلك اصطدمت الأجهزة الاستكبارية يومها – وكان المعسكر الليبرالي الرأسمالي في طرف والمعسكر الاشتراكي الإلحادي الدكتاتوري في الطرف الآخر – بالثورة الإسلامية.

والغريب أن هذين المعسكرين كانا مختلفين بشأن تسعين بالمائة من الأمور، لكنهما اتحدا على ضرورة إخماد هذا المشعل الوضاء واستئصال هذه الغرسة النامية.

الهدف النهائي للاستكبار

الهدف الرئيسي لأمريكا والاستكبار اليوم هو أن يفرض على الثورة وعلى الجمهورية الإسلامية وعلى شعب إيران التراجع عن كلمته. أن يعلن تراجعه عن كلامه وعن كلام الإمام الخميني (قدس). إنه يركز كل همته على هذا الشيء. لماذا؟ لأنه يرى أن رسالة الإمام توقظ الشعوب المسلمة. انظروا لشعوب العالم المختلفة والشعوب المسلمة عموماً! لاحظوا كيف تأثرت برسالة الإمام الجليل! أدرك الاستكبار أنه إذا أراد إسكات الشعوب وحرفها عن السبيل الصحيح وتقييدها وتكبيلها فالطريق الوحيد لذلك هو أن ترى تلك الشعوب إيران الإسلامية وإيران الإمام تتراجع عن دربها، وبذلك ينتاب الجميعَ اليأسُ ويعودون أدراجهم عن هذا الطريق. أدرك الاستكبار هذا ويبذل كل جهوده من أجله.

الاستكبار يخطط اليوم بكل أدواته وإمكاناته لمحو الجمهورية الإسلامية، وهذه ليست مبالغة؟ هذا هو هدفهم النهائي. هم طبعاً سياسيون ويتقدمون في مشاريعهم خطوة خطوة كما يتصورون. الخطوة الأولى هي أن يفصلوا الجمهورية الإسلامية عن مبادئها. والخطوة الثانية أن يفصلوها عن طاقاتها وكوادرها الصميمية، والصديقة، والمتوثبة، والثورية، وصاحبة الحمية. والخطوة الثالثة هي الفصل بين الهيئة الحاكمة الموجودة حالياً أي الحكومة والمسؤولين وبين شرائح الشعب المختلفة. الخطوة الرابعة هي أن يثيروا بعض الضجيج والصراخ ويوزعوا بعض الأموال بين الشقاة ليقوموا بتحرك معين، وإذا كان مسؤولو الجمهورية الإسلامية غافلون وضعفاء وغير نابهين، فسوف يستطيع الاستكبار إنجاز هذه الخطوات الأربع في غضون مدة قصيرة. أما إذا كانوا يقظين متنبهين غير غافلين فلن يمكن إنجاز الخطوة الأولى حتى في مائة سنة.