الملكية الخاصة في الإسلام

الحرية الاقتصادية في الإسلام

النشاط الاقتصادي حرٌّ في المجتمع الإسلامي، لكنها ليست حرية مطلقة، بل حرية لها حدودها وتخومها. أي تحرك أو نشاط حرٌّ له بالتالي حدوده. هذه الحدود في المدرسة الإسلامية حدود خاصة. في المجتمعات الاشتراكية أيضاً هناك أنواع من الحدود والقيود لامتلاك المال والثروة. إنها حدود مختلفة عن الحدود الإسلامية. بمقدار ما تختلف النظرة الإسلامية حول حرية النشاط الاقتصادي عن الرؤية الشيوعية والماركسية، فربما يمكن القول إنها تختلف بنفس المقدار عن المدرسة الرأسمالية السائدة في الغرب والتي يُعمل بها في الغرب. ما يوجد في الغرب اليوم لا يوافقه الإسلام، والرأسمالية بمعناها الغربي مما لا يؤيده الإسلام إطلاقاً، بل ويكافحه ويواجهه مواجهة جادة في الكثير من أحكامه. ما يقال في إطار الاقتصاد الإسلامي لا يوجد نموذجه في النظام الرأسمالي الغربي والأنظمة الرأسمالية الموجودة في العالم. حدود النشاط في المجتمع الإسلامي هو ما تم تحديده في كتب الفقه على شكل مكاسب محرمة أو تصرفات محرمة في المال. ومثال ذلك المعاملات الربوية، والمعاملات الناتجة عن الغرر والجهل، والمعاملات التي يحصل فيها خداع لأحد أو إضرار بالغير، والمعاملات الناجمة عن العائدات غير الشرعية، أو الاحتكار الذي يؤدي إلى إثراء البعض والمعاملات الناتجة عنه محرمة طبعاً، وما إلى ذلك من الأمور المذكورة في الشرع الإسلامي المقدس، والتي تمثل حدود المعاملات والأنشطة الاقتصادية الحرة في المجتمع الإسلامي.

التعامل ببعض البضائع والأشياء حرام. الخمر مثلاً أو الأشياء المحرمة والنجسة في الحالات غير الحالات المستثناة من الحرمة، التعامل بها حرام. أو بعض الأموال التي لا تعود للشخص بل هي ملك الدولة الإسلامية، مثل الأنفال، التعامل بها حرام على الأفراد وعلى القطاع الخاص باستثناء حالات معينة. وهناك حالات من هذا القبيل مذكورة في الفقه الإسلامي، حيث يرسم الفقه الإسلامي بكل وضوح الحدود التي يجوز فيها مزاولة هذه الأنشطة الحرة وما هي حدود الجائز وغير الجائز والممنوع والحرام فيها حتى لو لم يكن ثمة منع أو تقييد من قبل الحكومة تمارسه عن طريق الإشراف والسيطرة.

الحرية الاقتصادية في المجتمع هي أن تتخذ الحكومة الإسلامية سياسةً وتضع قوانين يكون جميع أفراد المجتمع الإسلامي وفقاً لها قادرين على ممارسة نشاطاتهم الاقتصادية بحرية، ويكون بوسع كافة شرائح الشعب الانتفاع من أنشطتهم الاقتصادية. هذا أحد أوجه التمايز والفرق بين النظام الاقتصادي في الإسلام والأنظمة الغربية. السبيل إلى إنشاء اقتصاد حرّ بالمعنى الحقيقي في المجتمع هو الحيلولة دون احتكار الرأسمالية، وأن توفر في المجتمع الإمكانيات التي تخوّل غالبية أفراد المجتمع وأكثرية شرائحه أو جميع من لهم القدرة على العمل أن ينتفعوا من الإمكانيات الطبيعية كالأرض، والبحر، والأنفال، والسهول، والمراتع.

يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام): »ما رأيت نعمةً موفورةً إلا وفي جانبها حقّ مضيع«. لهذا الحديث معنى دقيق وظريف. يتصور البعض أن معنى الحديث هو أينما كانت نعمة موفورة زائدة فهي في الحقيقة سرقة وغصب من جماعة، وإذن، هناك إلى جانبها من اغتصب حقوق جماعة ضعيفة من الناس. ثم أشكلوا على هذا الحديث وقالوا: نحن نرى البعض لديهم ثروات كبيرة لم تأت عن طريق السرقة والغصب بل عن طريق الجد والسعي. هذا ليس معنى الحديث، معنى الحديث أن النعمة الموفورة الكثيرة والإمكانات الواسعة نفسها تمنح صاحبها إمكانيات وفرصاً لمداخيل أكثر، وتحرم الآخرين بنفس الدرجة من التمتع بهذه الفرص. الذي يمتلك رأس مال كبير في المجتمع سيكون بوسعه إنتاج قدر أكبر من الثروة، وسيكون بمقدوره الاستفادة أكثر من الثروات العادية الميتة العائدة لعموم الناس؛ قدرته على ذلك أكثر من الإنسان الفقير. إذن، أينما كانت نعمة موفورة انصرفت الفرص إلى صاحب هذه النعمة الموفورة وخصصت الإمكانيات له، وكذلك ميادين العمل والنشاط الاقتصادي والقوانين في معظم البلدان تسنّ طبقاً لرأيه وحسب آراء هذه الطبقة، وبالتالي ستُسلب الفرصة من أيدي أكثرية الناس الذين لا يمتلكون تلك الثروة. عليه فإن هذا الحديث سواء أُسند إلى الإمام علي أو لم يسند، مضمونه مضمون صحيح. وإذن، السبيل الصحيح للاقتصاد الحر في المجتمع الإسلامي ليس في أن تمنح الحرية لمن لديهم القدرة على المناورة الاقتصادية فقط، بل مضافاً إلى ضرورة أن يتمتع أصحاب القدرة على العمل الاقتصادي بإمكانيات وفرص العمل الاقتصادي، يجب أن يكون وضع المجتمع ونظامه وقوانينه وطبيعة العلاقات فيه بحيث يكون بوسع جميع الناس – جميع من لهم القدرة على العمل – مزاولة النشاط الاقتصادي الحر والانتفاع من عملهم.

حدود الملكية الخاصة في الإسلام

الملكية الخاصة محترمة في الإسلام، ولكن وُضعت لها في الوقت ذاته حدود. وليست حدودها أن يعينوا لها سقفاً بالريال أو الدولار أو الدينار أو الدرهم. هذه المقادير والمقاييس ليس متساوية دوماً. الملكية محدودة بحدود عدمية. أي حدودها هي عدم وجود أضرار فيها. بحكم القانون القائل »لا ضرر ولا ضرار«، إذا تضررت الأمة الإسلامية أو جماعة من المسلمين بسبب الملكية الشخصية فسوف تمنع هذه الملكية بمقدار ما تؤدي للضرر.

الملكية الخاصة محترمة في الإسلام ما لم تؤدِ إلى الاحتكار، والتكاثر، والاستغلال، والتمييز، وهتك حرمة الإنسان، وطغيان المالكين. السيئ هو الاستغلال، والطغيان، والتكاثر، والإسراف. الملكية الخاصة سلبية لهذه الأسباب، وليست سلبية بحد ذاتها. إذن، هذه هي حدود الملكية الخاصة. منع الإسلام هذه الأمور فأدان المسرفين، ورفض الإسراف، ومنح حاكم الشرع والحاكم الإسلامي صلاحية الحيلولة دون الإسراف والاستغلال والتمييز والطغيان والاحتكار وما إلى ذلك. إذن، من صلاحية الحاكم الإسلامي ورئيس الدولة الإسلامية الحؤول بأحكامه الحاسمة دون الاستزادة والتمادي.

النظام الإسلامي يوافق الملكية الخاصة ويقبل النشاط الاقتصادي للأفراد، وفي الوقت ذاته يسير المجتمع خطوة خطوة صوب رفاه المحرومين ورفع احتياجاتهم. في الاقتصاد الإسلامي الحر وبمقتضى الحرية الاقتصادية، تقع مسؤولية الشؤون الاقتصادية في المجتمع وأعباء الأمور الاقتصادية في المجتمع على عاتق الشعب.

الإنفاق في النظام الاقتصادي الإسلامي

من حق الناس في النظام الإسلامي ممارسة الأنشطة الاقتصادية بحرية، فهم ليسوا موظفين لدى الحكومة. بوسع جميع الناس أن يعملوا ويجدوا ويجتهدوا لأنفسهم ويأمنوا بذلك مدخولهم، وبالتالي، يجب ملء الفراغات المالية والاقتصادية في المجتمع أيضاً بواسطة الناس، بمعنى الإنفاق؛ الإنفاق المذكور في القرآن ناجم عن هذا النشاط الاقتصادي الحر في المجتمع. حينما يحصل الناس على عائداتهم يجب عليهم أيضاً تلبية احتياجات المجتمع وملء الفراغات، والإنفاق نفسه بمعنى ملء هذه الفراغات.

مسألة الإنفاق مبدأ إسلامي. الإنفاق، ومنح الأموال، وإدارة الأمور والاحتياجات الاقتصادية وملء الفراغات الاقتصادية مهمات تقع مباشرة على عاتق الناس الذين يزاولون الأعمال والأنشطة الاقتصادية الحرة في المجتمع. قد تقع في المجتمع الإسلامي حادثة تجعل الحكومة بحاجة إلى المال.. يجب على الناس تأمين هذا المال. قد تقع حرب للمجتمع، أو دمار، أو مرض، أو حدث استثنائي. رأي الإسلام هنا أن الجماهير يجب عليها ملء هذا الفراغ بقدر استطاعتها. طبعاً حيث أن جميع الناس ليسوا في مستوى واحد فالذين يمتلكون أكثر ولديهم إمكانات أكثر تقع على عاتقهم تكاليف أكبر.

كنـز الثروة وعدم إنفاقها قيمة سلبية ومعصية من وجهة نظر الإسلام، بل ربما كانت من الذنوب الكبار. حينما يكون العمل برأس المال جائزاً ومباحاً فليس معنى ذلك أن من حق الإنسان جمع الثروة حتى بالطرق غير المشروعة وغير الحلال وكنـزها في حين يحتاج المجتمع لثروته وإمكاناته وممتلكاته، فلا ينفقها في سبيل المصالح العامة وفي سبيل الله. الإنفاق في الإسلام مبدأ. يجب الإنفاق في سبيل الله. لا يقول الإسلام: لا تعملوا ولا تتعاملوا ولا تكسبوا المال، بلى، اكسبوا المال ولكن أنفقوه. يعوِّد الإسلامُ الناسَ أن ينفقوا على أنفسهم بمقدار احتياجات معيشتهم وبالقدر المتوسط من دون عسر وضغوط، بل بقدر الحاجة العادية والمتوسطة حتى لو كان فيها قدر من الرفاهية والسعة في العيش. وما يزيد عن ذلك فيجب إنفاقه في سبيل المصالح العامة للمجتمع. إذا حصل شخص على الثروة وأنفقها بإسراف وبذخ وتبذير في المطعم والملبس والمركب والمنـزل، أو إذا كنـز الثروة وجمعها، فقد فعل فعلاً مذموماً مبغوضاً من وجهة نظر الإسلام. عدم الإنفاق حالة مبغوضة مذمومة، وإذا رافقها جمع الثروة كانت حراماً.

يقول الله في القرآن: »والله لا يحب كل مختال فخور الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل«. يمنعون الآخرين أيضاً ويحضونهم على عدم الإنفاق في سبيل الله. هم أنفسهم لا يعطون أموالهم في سبيل الله. هذا البخل ليس معناه أنهم لا يعطون الحقوق الشرعية فقط، بل فوق الحقوق الشرعية وفوق ما تم رسمه وتعيينه في الشريعة الإسلامية مما يجب أن يؤدّى، إذا زاد عندهم شيء وكان المجتمع بحاجة إليه فيجب أن ينفقوه في سبيل المجتمع.

البعض جمعوا ثرواتهم من الإمكانات العامة للمجتمع بالطرق الطبيعية والمشروعة. يحتفظ هؤلاء بالثروات لأنفسهم والحال أن المجتمع بأمس الحاجة إليها. هذا غير مقبول والإسلام لا يؤيده بل يعارضه. ثمة آية كريمة معروفة تقول: »الذين يكنـزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم«. قد لا يكون للذهب والفضة خصوصية معينة. الذين يكنـزون المال والثروة ورؤوس الأموال في حين يحتاجها المجتمع أمس الحاجة، ولا ينفقونها في سبيل الله، هؤلاء أيضاً تشملهم الآية »يكنـزون الذهب والفضة«. ثم يقول: »فبشرهم بعذاب أليم«. إذا لم يكن ما يفعلونه ذنباً وذنباً من الكبائر، فلم يقول »فبشرهم بعذاب أليم«؟ أي قل لهم لينتظروا عذاباً إلهياً أليماً، وقد يكون هذا العذاب الأليم في الدنيا نتيجةً طبيعية لأعمالهم السيئة. وهي نتيجة لا تعود عليهم هم فقط إنما تعمُّ أضرارها المجتمع برمته؛ وقد يكون عذاباً أخروياً، ومن المحتمل أن يكون العذابان معاً. بمعنى أن هناك عذاباً أليماً كنتيجة لهذا العمل في الدنيا وفي الآخرة. وبالتالي، كان الإنفاق عملاً واجباً لازماً.

الإفادة من القطاع الخاص في العمل والإنتاج

ينبغي تشجيع القطاع الخاص كي يخوض ساحة العمل والإنتاج. نسبة كبيرة من الأجهزة الإنتاجية للبلاد بيد الحكومة. طبعاً هناك مقدار منها حددها الدستور وهي يقيناً أقل بكثير من هذا المقدار. ما أدى إلى هذا التراكم في القطاع الحكومي هو بعض السياسات السيئة. القطاع الخاص – ما عدا تلك الأجزاء التي يصرح الدستور بخضوعها للحكومة وأن على الحكومة إدارتها – يجب أن يكون اللاعب الرئيسي في ساحة العمل والإنتاج في البلاد. طبعاً يجب أن يكون واضحاً أن الخصخصة لا تعني فقط منح الوحدات الحكومية للقطاع غير الحكومي مهما كانت كيفية ذلك وبأي ثمن وبأية سياسية وبدون مراعاة الواقع الاقتصادي للبلاد. إنما يجب تشجيع المستثمر كي يخوض الساحة، ولا بد من تخصيص الامتيازات والمصادر بحيث يتشجع القطاع الخاص. يجب القيام بهذه المهمة بطريقة جيدة وباختيارات صائبة، ولا بد من ملاحظة أن هذه الوحدات لها القابلية والأهلية والقدرة على الإنتاج وهل سوف تزيد من إنتاجها أم لا. إذا كانت لديها المقدرة على هذا فيجب منحها هذه الإمكانات. إذن، يجب الانتقاء بحسب الأهلية، وليس بحسب القرابة، سواء كانت هذه القرابة قرابة صداقة أو قرابة سياسية. إذا أخذت هذه الملاحظات بنظر الاعتبار فسوف يتم بلا شك تشجيع القطاع الخاص وسيخوض غمار الساحة.

توجيه الحرية الاقتصادية والسيطرة عليها

كل صنوف الحرية في المجتمع الإسلامي يجب أن يُسيطر عليها من قبل السلطة الإسلامية وتُوجَّه بالاتجاه الصحيح. لماذا هذه السيطرة. لكي لا تنتهي هذه الحرية إلى الفساد ولكي لا تؤدي هذه الحرية إلى سلب حرية الآخرين، حريتهم في إبداء الرأي وحرياتهم السياسية وحرياتهم الثقافية. إذا فُسّرت حرية الأنشطة الاقتصادية بأن من لديهم القدرة على العمل الاقتصادي أحرار في أن ينتجوا ما يريدون، ويعرضوا ما يريدون، ويوزعوا متى ما أرادوا، ويبيعوا متى أرادوا، ويستهلكوا كيفما أرادوا، فهذه ليست رؤية الإسلام دون شك. إلى جانب الحرية الاقتصادية وحرية الملكية الخاصة – التي منحها الإسلام لكل أفراد المجتمع – يرى الإسلام ضرورة السيطرة والإشراف الدقيق للأجهزة الحاكمة على كافة هذه النشاطات. بمعنى أن على الجهاز الحكومي المراقبة والتدقيق لئلا يُساءُ استغلال هذه الحريات. حتى في الاستهلاك يجب الحذر من الإسراف. طبعاً الإسراف إلى حدود معينة لن يمثل سوى معصية شخصية. إذا استهلك الشيء داخل المنـزل بنحو مسرف فهذا فعل حرام، ولكن إذا وصل نفس هذا الفعل حداً واتخذ شكلاً هدّد النظام الاقتصادي للمجتمع وزاد من الفقراء فيه وسبب حرمان شرائح كبيرة من الناس، وأهدر وأتلف بضائع وأشياء تم إنتاجها بجهود كبيرة وبمشاركة عامة، عندئذ من واجب الحكومة الإسلامية الوقوف بوجه هذا الإسراف وهذا التمادي وهذا الإهدار للثروات. وهذه الرؤية لا تختص بالمجتمع الداخلي، بل هي رؤية الإسلام على مستوى العالم. البلدان المبتلاة بالإسراف في الغذاء – بعض البلدان الغنية في العالم تستهلك نحو سبعين بالمائة من الغذاء في حين لا يزيد عدد سكانها عن خمسة وثلاثين أو ستة وثلاثين بالمائة من السكان في العالم – لو كان هناك نظام اقتصادي عادل في العالم، ولو كانت هناك منظمات دولية متمكنة وقوية لوجب الوقوف بوجه هذا الإسراف. إذا كانت في العالم منظمات وحكومات يقظة الضمير تستخدم سلطتها واقتدارها لصالح الأفراد والشعوب، لوجب أن تحول مثلاً دون أن تمنع أمريكا كل سنة من زراعة عدة ملايين من الهكتارات من الأراضي الزراعية لتحول بذلك دون هبوط الأسعار. والحال أن عدة آلاف من الأطفال دون سن الخامسة يموتون يومياً في العالم نتيجة الجوع وسوء التغذية. عشرة إلى خمسة عشرة بالمائة من سكان العالم يعانون القحط، ونسبة عالية منهم يعانون شحة في الغذاء. أو يجب مثلاً أن حولوا دون أن يرمي السوق الأوربي المشترك كميات كبيرة من إنتاجه من الغذاء في البحر كما فعل قبل سنوات ليمنع هبوط الأسعار في العالم وفي الأسواق الدولية. إذن يشدد الإسلام بنفس الدرجة على مكافحة الإسراف، وإهدار الأموال، والاستزادة والتمادي والجشع في النظام الاقتصادي الدولي.

على ذلك، ليس معنى الاقتصاد الحر والملكية الخصوصية أن من حق أحد أن يستهلك بمقدار ما يشاء حتى لو أدى استهلاكه هذا إلى موت الناس من الجوع وابتلاء جماعة أخرى من الناس بالمرض، وأن لا يجد بعض الناس المواد الأولية الضرورية لمعيشتهم. هذا أيضاً غير صحيح وممنوع من وجهة نظر الإسلام.

الاقتصاد الحر والمصير السياسي للمجتمع

لا يسمح الإسلام إطلاقاً أن تؤدي الأنشطة الاقتصادية الحرة إلى التطاول على المصير السياسي للمجتمع والتدخل في النسيج السياسي والمنظومة السياسية للمجتمع. سيادة رأس المال.. الشيء المشهود اليوم بكل شدة في البلدان الرأسمالية الغربية.. الرأسماليون الكبار هم في الحقيقة المدراء الحقيقيون والأيدي الخفية التي تدير النظام السياسي في البلدان الكبرى. طبعاً بعض عناصرهم يتغلغلون إلى داخل الحكومات؛ كالأنظمة الموجودة اليوم، ومنها النظام الأمريكي حيث توجد في الحكومة عناصر من الرأسماليين وأصحاب أسهم كبيرة في الشركات النفطية أو غير النفطية وسائر الشركات الكبرى. أوقد لا يشاركون في الحكومات بشكل مباشر لكن الانتخابات في أيديهم من خلف الكواليس، وهم يساعدون على تعيين رئيس الجمهورية وتقديم هذه الشخصية وتأخير تلك الشخصية عن المسرح السياسي، أوفي مجلس الشيوخ أو مجلس النواب. القوانين التي تُشرّع مطابقة لآرائهم ومصالحهم. يجب تسمية العالم الغربي بعالم سيادة رأس المال. كلمة الرأسمالية قد لا تكون دقيقة جداً. نزعة رأس المال، وسيادة رأس المال، وهيمنة الشركات والأثرياء على شؤون المجتمع.. هذه هي المميزات الكبرى للعالم الرأسمالي في الغرب اليوم وهي ظواهر مرفوضة من وجهة نظر الإسلام، ويجب الحؤول دون كل ما يفضي إلى هذا.

مفهوم الرأسمالية في العرف العالمي المعاصر

معنى الرأسمالية توظيف رأس المال المتجمع والمتراكم عبر استغلال الناس. أي رأس المال الذي هو وسيلة للاستغلال.. رأس المال الذي لا يخلق لصاحبه أي عمل بل يؤدي إلى أن يستغل صاحبه الآخرين بواسطته واعتماداً عليه، والاستغلال ظلم، والظلم حرام.. إذن، لا توجد في الإسلام مثل هذه الرأسمالية. هذا هو معنى الرأسمالية في العرف العالمي المعاصر. إذا أريد للملكية أن تكون مصدر فساد وظلم وتمييز فالملكية الحكومية يمكن أن تكون كذلك أيضاً. في البلدان التي فيها ملكية حكومية هناك فساد وظلم وتمييز، ولكن بنوع آخر، وبين شرائح أخرى.

الحرية الاقتصادية في النظام الرأسمالي الغربي

مع أن الناس أحرار في أنشطتهم الاقتصادية في الأنظمة الغربية حسب الادعاء هناك وعلى أساس القوانين العادية ودساتير البلدان، لكن هذه الحرية في الحقيقة ليست لكل الناس. هذه المصادر الهائلة من الثروة، وهذه البحار، والمصادر الطبيعية، والسهول الخصبة، والمناجم، وكل الإمكانات التي تعد من الثروة العامة للمجتمع لا توضع بسهولة تحت تصرف كل شرائح المجتمع ولا يمكن لأيٍّ كان استثمارها والانتفاع منها. بل الأحرار اقتصادياً على المستوى العملي والواقعي هم أصحاب الثروات المتراكمة الطائلة والذين يمسكون بزمام اقتصاد المجتمع بل وزمام سياسة المجتمع وإدارته في أيديهم، هؤلاء هم الذين يسيطرون حقاً على مصادر الثروة وينتفعون منها، وهم يضيّقون المجال على انتفاع عموم المجتمع. لذلك يعيش معظم الناس في المجتمعات الرأسمالية – سواء المجتمعات الرأسمالية المتقدمة أو المجتمعات الرأسمالية المتخلفة – فقراً شديداً حالهم حال غالبية بلدان العالم الثالث. وفي حين تعيش كتل هائلة من الناس في ظروف فقر وبطالة وعدم توفر السكن والحرمان من معظم مواهب الحياة، تمنح الحرية لعدد قليل كي ينشطوا ويعملوا ويكسبوا الثروة وتكون لهم مناجمهم ويضيفون إليها مناجم أخرى، ويكون لهم معاملهم فيضيفون لها معامل أخرى، ولهم أراضيهم فيضيفون إليها أراض أخرى، وينتفعون من البحار ومن كل المصادر الطبيعية.. ينتفع منها في الواقع عدد قليل من المجتمع، والباقون – من الكسبة الصغار، والعمال، وعمال المناجم، والفلاحين، وعمال المعامل – هم في الحقيقة معتاشون على فتات موائد أولئك ولا يحصلون إلا على النـزر اليسير مما تسببه تراكمات ثرواتهم. هم أنفسهم ليست لديهم فرص حقيقية للعمل والإنتاج والكسب والعمل والبناء وإنتاج الثروة.

الاقتصاد في البلدان الاشتراكية

في المدرسة الاشتراكية والمدارس المنبثقة عن الفكر الماركسي هناك حدود وقيود للملكية الخاصة، لكن تلك الحدود تختلف عن الحدود الإسلامية. ملكية أدوات الإنتاج مثلاً ممنوعة هناك. أي لا يمكن لأي فرد أن يمتلك وسيلة من وسائل الإنتاج من قبيل الأرض، أو المعامل. في المدارس الماركسية والاقتصاد الاشتراكي عموماً تعد المعاملات التجارية والبيع والشراء حالات مدانة وقيماً سلبية. الشراء والبيع عمليات ممنوعة في هذه المدارس سواء للإنسان نفسه أو لصاحب رأس المال كثر رأس المال ذاك أو قل. في الفكر الماركسي، البيع والشراء والتعامل التجاري ضرب من السمسرة القبيحة السيئة غير المرغوب فيها.

في البلدان الاشتراكية وفي الأنظمة الحكومية المركزية – حيث تمتلك الحكومة أجهزة إنتاج الثروة وجميع المعامل والأراضي، والناس إنما هم موظفون لدى الدولة – لا يمكن توقع شيء من الناس. فماذا يمكن أن نتوقع من موظفي الدولة عند وقوع حرب أو دمار أو زلزال أو مرض في المجتمع؟ إلا إذا جاءوا بأجسادهم وأنفقوها!