من أسرار الصلاة(*)
إن المؤمنين، والمجاهدين في سبيل الله، والمضحون من أجل تعزيز المعارف الإلهية ﴿إن مكناهم في الأرض﴾ كما قال تعالى، إذا جعلناهم متمكنين قادرين في الأرض وسلمناهم السلطة فعليهم القيام بكثير من الأمور: تكريس العدالة، وإفشاء كثير من الظواهر، ولكن أول هذه الأمور: (أقاموا الصلاة).. ما هو السرّ في الصلاة والذي يجعل إقامتها مهمة إلى هذا الحد؟
أهمية العمل في إقامة الصلاة وإشاعتها نابع من أهمية الصلاة ذاتها. حينما نرى كل هذا الترغيب والتشجيع والاهتمام بالصلاة في الشرع الإسلامي المقدس ـ سواء في القرآن، أو في كلمات النبي المكرم، أو في أحاديث المعصومين ـ نكتشف أن الصلاة العنصر الرئيس أو أحد العناصر الرئيسية بين مجموعة الأدوية المعالجة لأمراض الإنسان الجسمية، والروحية، والفردية، والاجتماعية. تشكل جميع الواجبات الشرعية واجتناب المحرمات مجموعة من الأدوية الموصوفة من قبل الله لتقوية البنية الروحية للإنسان وإصلاح أمور دنياه وآخرته ـ إصلاح المجتمع وإصلاح الفرد ـ ولكن ثمة في هذه المجموعة عناصر مفتاحية ربما أمكن القول إن الصلاة أبرزها وأكثرها مفتاحية. ﴿الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة﴾ (الحج: 41).
* النفس متمردة:
قيل الكثير حول الصلاة. لكل إنسان في داخله نفس متمردة.. فيل ثمل إذا راقبتموه وطرقتم على رأسه بالمطرقة دوماً فسوف لن يوقعكم في الهلاك، وسوف تتم السيطرة على سلوكه وستكون هذه النفس الإنسانية سبباً لتقدمكم إلى الأمام. النفس هي مجموعة الغرائز الإنسانية التي إن تمت السيطرة عليها بصورة صحيحة واستخدمت في الطريق الصواب سترتفع بالإنسان إلى ذروة الكمال. المشكلة هي أن هذه الغرائز تصاب بالسكر والثمالة. لا بد من وجود سيطرة. إذا كان ثمة ظلم في العالم فهو نتيجة سكر الغرائز والنزعات النفسية لدى شخص أو عدة أشخاص، أو جماعة من الناس. وإذا كان ثمة فحشاء في العالم فالسبب هو ذاك أيضاً.
الظالم الذي يمتلك قنبلة ذرية يختلف عن الظالم الذي يقاتل بالسيف فقط. هذه النزعات النفسية أضحت أكثر خطورة على البشر.
ثمة في البشر مثل هذا الشيء. كل البشر مبتلون بهذا الفيل الثمل في داخلهم ويجب عليهم احتواؤه.
* ذكر الله تعالى:
يتأتى هذا الاحتواء بذكر الله، وباللجوء إلى الله، وبالشعور بالحاجة إلى الله، والإحساس بالتفاهة أمام عظمة الله، والشعور بقبح الذات مقابل الجمال المطلق لله تعالى. كل هذه الأمور ناجمة عن الذكر.
الإنسان المتقي يعني الإنسان الذي يراقب ذاته ويتذكر ولا يكون مصدر شرور وظلم وفساد وطغيان وسوء على هذا وذاك من الناس.
الذكر الإلهي ينهاه ويصدّه دوماً: (الصلاة تنهى)، تنهى هنا ليست بمعنى أنها تكبل يديه ورجليه وتعطل فيه غرائزه.
يخال البعض أن معنى (الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) (العنكبوت: 45) هو أنك إذا صليت فسوف تزول الفحشاء والمنكر، لا، معناها أنك حين تصلي فإن واعظك الداخلي الذي أحيته الصلاة سيتحول صوتاً يذكرك دوماً بسيئات الفحشاء والمنكر.
والتذكير والتكرار يؤثران على القلب طبعاً ويجعلانه خاضعاً خاشعاً.
لذلك ترون أن الصلاة يجب أن تتكرر، الصيام مرة واحدة في السنة، والحج مرة واحدة في العمر، أما الصلاة فعدة مرات في اليوم الواحد.
* هنا تكمن أهمية الصلاة:
إذا صلينا فسيعم الأمن داخل الإنسان وفي قلبه وكذلك في المجتمع وعلى حكّام المجتمع مهما كبر ذلك المجتمع. سيشعر قلب الإنسان بالأمن.. ويشعر جسمه بالأمن.. ويشعر المجتمع الإنساني بالأمن. هذه هي ميزة الصلاة، وهذه هي خصوصية إقامة الصلاة في المجتمع. معنى ذلك الأخذ بيد المجتمع إلى حالة الذكر العامة، فيتذكر الجميع صغاراً، وكباراً ونساءً، ورجالاً، ومسؤولين حكوميين، وسواهم، والشخص الذي يعمل لنفسه، والشخص الذي يعمل لجماعة معينة، إذا تذكروا الله فستنتظم أمورهم. معظم معاصينا تنتج عن الغفلة. لذلك تتكرر الصلاة دوماً.
قيل الكثير في هذا المجال، وتحدثنا نحن مرات عديدة. للصلاة جسم وروح. ينبغي التفطن لهذه النقطة. أي إن كل واحد منا، أنا نفسي والآخرون يجب أن نتفطن لهذه النقطة. للصلاة قالب ومضمون. لها جسم وروح. لنحذر من أن يكون جسم الصلاة خالياً من روح الصلاة.
لا نقول إن جسم الصلاة الخالي من الروح لا تأثير له إطلاقاً، بلى، له تأثير بسيط على كل حال. بيد أن الصلاة التي شدد (عليها الإسلام)، والقرآن، والشرع، والرسول، والأئمة (عليهم السلام) كل ذلك التشديد هي الصلاة التي اكتمل جسمها وروحها على السواء. لهذا الجسم قراءته، وركوعه، وسجوده، وهبوطه إلى الأرض، وقنوته، وارتفاع صوته وانخفاضه بما يتناسب وتلك الروح. هذا التنوع من أجل تغطية جميع الحاجات التي ينبغي أن تُشبع بواسطة الصلاة، ولكل منها سرّه الخاص، ومجموعها يشكل قالب الصلاة وظاهرها، هذا الشكل مهم جداً، لكن روح الصلاة هي التوجه. لنعلم ما الذي نفعله. الصلاة من دون توجه قليلة التأثير كما قلنا. بوسعكم الانتفاع بطريقتين اثنتين من قطعة ألماس ثمينة تزن عدة قيراطات. طريقة منهما هي أن تستخدموها كألماسة أي كحجر كريم ثمين.
والطريقة الأخرى أن تستخدموها كحجر ميزان فتضعوها في كفّة الميزان بدل عيار ذي عدة غرامات وتضعون في الكفّة الثانية مقابلها (فلفلاً) على سبيل المثال! هذا أيضاً استخدام للألماس، ولكن أي استخدام هو؟! إنه أشبه بتضييع الألماس. طبعاً هو استخدام يختلف عن تحطيم الألماس الذي يعد أسوء على كل حال من ذلك الاستخدام.
لكن الانتفاع من الألماس ليس في أن يستعمله الإنسان كحجر ميزان ويزن به (الفلفل) و(الكركم).
ينبغي عدم التعامل مع الصلاة كألماسة نستخدمها حجراً للميزان.. للصلاة قيمة كبيرة جداً.
ـــــــــــــــــ
(*) من كلمة للإمام الخامئني (دام ظله) ألقاها في المشاركين بملتقى الصلاة السابع عشر 20/11/1429هـ.
تعليقات الزوار