فقه الولي: خُمسُ ما يفضل من المؤونة (1)
إنّ حصول المكلّف على المال يأتي من طريقين: الأوّل: التكسّب. الثاني: غير التكسّب كالهبات والهدايا ونحوها. وكلّ ما يحصّله عن طريق التكسّب هو ما يتعلّق به الخمس، وأمّا الثاني فلا يجب فيه الخمس. وعند الشروع في التكسُّب لمن شغله التكسّب يكون تاريخه هو رأس السنة الخمسيّة وبحصول واستلام الفائدة لمثل العمال والموظفين، فيكون نفس التاريخ من كلّ عام (شمسيّ أو قمريّ) هو رأس سنته الخمسيّة، ولكن ما يجب تخميسه هو الفاضل عن مؤونة سنته له ولعياله، وأمّا ما يصرفه في المؤونة قبل حلول رأس السنة الخمسيّة فلا يجب فيه الخمس، كما أنّه لا يجب الخمس فيما قبضه من غير طريق الاكتساب كما تقدّم. والعين الواحدة تخمّس عند المكلّف الواحد مرّة واحدة ما دامت معه. وأمّا التفريق بين التكسّب وغيره ففي التفصيل التالي:
أـ أنواع التكسّب
المقصود من مال الاكتساب الذي يجب الخمس فيه بعد إخراج المؤونة هو ما يكون من التجارات والزراعات والصناعات والإجارات وأرباح الوظائف وسائر الأعمال، ويكون ـ أيضاً ـ في حيازة المباحات (وهو وضع اليد بقصد التملك على أشياء لا يملكها أحد)، كوضع اليد على الحشائش غير المملوكة لأحد بقصد أن يطعمها لحيواناته ـ مثلاً ـ بعد تملّكها. كلّ ذلك ونحوه يدخل في أنواع التكسّب، ويجب الخمس فيما فضل منه بعد المؤونة عند رأس السنة الخمسيّة.
ب ـ أنواع عدم التكسّب
لا يجب الخمس فيما لا يدخل في مسمّى عدم التكسّب حتّى لو مضى عليه سنة أو أكثر، نعم لو وّظف هذه الأموال في تجارة أو صناعة أو إجارة أو زراعة أو غير ذلك من أنواع التكسّب، فإن حصّل منها أرباحاً، يجب عليه أن يخمّس ما يفضل من الأرباح عند رأس سنته الخمسيّة، وأمّا أصل المال فلا يجب الخمس فيه، لأنّه من غير الاكتساب. وأنواع هذه الأموال كثيرة، منها:
الأوّل: الإرث.
لا يجب الخمس فيما ملكه المكلّف بالإرث، سواء أكان الإرث من قريب معروف يتوقّع الإرث منه، أو كان من قريب مجهول أو بعيد لا يتوقَّع الإرث منه، وسواء أكان قليلاً أو كثيراً، حتّى لو مضت عليه سنوات كثيرة.
الثاني: المهر
لا يجب على الزوجة أن تخمّس ما قبضته من المهر، سواء أكان من المعجّل أو المؤجّل، بلا فرق بين النقد والمتاع.
الثالث: الهبة والهديّة
1ـ لا يجب على المكلّف أن يخمّس ما قبضه بالهبة أو الهديّة، حتّى لو كان كبيراً خطيراً. هذا بالنسبة للمُهدى إليه. وأمّا المهدي، فيجب عليه تخميس الهدية التي يريد إهداءها إذا كانت خطيرة، أي خارجة عن شأنيته العرفية.
2ـ الشقّة السكنيّة أو جهاز العرس أو المؤونة أو غير ذلك ممّا يهديه الأب لابنه أو ابنته فيه أمران:
الأوّل: لا يجب على الابن والبنت إخراج خمسه.
الثاني: لا يجب على الأب إخراج خمسه إذا كان الإهداء قبل رأس سنته الخمسيّة، وكان لائقاً بحاله عرفاً.
3ـ لا يجب الخمس فيما تهديه مؤسسة الشهيد إلى عوائل الشهداء الأعزّاء، كما ولا يجب الخمس فيما تهديه لجنة الإمداد، وما شاكل ذلك من جمعيّات ولجان ومؤسّسات خيريّة ونحو ذلك.
4ـ إهداء المال من الزوج لزوجته فيه صورتان:
الأولى: إذا كان الإهداء صوريّاً وبقصد الفرار من الخمس، فيجب الخمس فيما بقي منه عند حلول رأس السنة الخمسيّة إذا كان المصروف قد صرف في المؤونة برضا الزوج لأنه لا يزال ماله، وإلا وجب الخمس في الكلّ، وهكذا كلّ هبة صوريّة شكليّة.
الثانية: إذا لم يكن صوريّاً وللفرار من الخمس فلا يجب فيه الخمس، حتّى وإن كان الزوج يعلم أنّ زوجته سوف تدّخر هذا المال لإنفاقه في حاجيّات معيّنة، وذلك فيما إذا كان هذا الإهداء لائقاً بحاله وشأنه عرفاً، ومتناسباً من مثله.
5ـ لا يجب الخمس في العيديّة التي تُعطى للموّظفين.
6ـ إذا باع المكلّف الهبة والهديّة، فلا يجب الخمس في ثمنها.
الرابع: الجائزة
لا يجب الخمس في الجوائز التي تُعطى من مؤسسات أو أفراد.
الخامس: الحقوق الشرعيّة
لا يجب الخمس فيما يُهدى من الحقوق الشرعيّة (كالخمس والزكاة)، وكذا لا يجب الخمس فيما يُهدى من صدقات.
السادس: مال الضمان
لا يجب الخمس في المال الذي تدفعه شركات الضمان للمؤمَّن عليه.
السابع: المساعدات الدراسيّة
لا يجب الخمس في المنح والمساعدات الدراسيّة.
ج ـ معنى المؤونة
المقصود من المؤونة التي لا يجب الخمس فيها هي ما ينفقه الإنسان على نفسه وعياله، وهي نفقات ومصاريف سنويّة من قبيل نفقات الأكل والشرب واللباس والسكن والأثاث والنقل والكتب والطبابة والأسفار المتعارفة، وما ينفقه في جوائزه، ونذوراته وكفّاراته وصدقاته وضيافاته، وما يحتاج إليه في تزويج أولاده، وما يصرفه عند موت بعض عياله، وغير ذلك ممَا لا يعدّ سفهاً أو سرفاً. وكذا التوسعة المتعارفة من مثله تعدّ من المؤونة ولا يجب فيها الخمس. ونعم ما يصرفه في الحرام (كشراء آلة قمار) يجب فيه الخمس.
د ـ المؤونة الفعليّة
ما لا يجب الخمس فيه من المؤونة هو المؤونة الفعليّة، توضيح ذلك: لو كان المكلّف بحاجة لمؤونةٍ ما، ولكنّه قتّر على نفسه، فصرف أقل من حاجته بحيث بقي معه شيء زائد من المال وجب تخميسه، فالمدار في المؤونة التي لا يجب تخميسها ما أنفقه بالفعل، وليس المدار ما يحتاجه ولو لم يصرفه ـ باستثناء ما سيأتي في الفقرة (ز)(*). ولو وجب عليه في أثناء السنة صرف المال في شيء (كالحجّ أو أداء كفّارة ونحو ذلك) ولم يصرف (عصياناً أو نسياناً ونحوهما) وجب خمس هذا المال.
في العدد القادم نكمل الحديث عن أفراد المؤونة: السيارة، الادخار، الأقساط، الديون، المال التقاعدي...
ــــــــــــــ
(*) سوف يتم نشر الفقرة (ز) في العدد القادم إن شاء الله تعالى.
تعليقات الزوار