قيادة سماحة الإمام الخامنئيّ في كلمات العارف الطهراني
بلحاظ عنوان البيعة له، فله قيادة الأمور بعد الإمام الخمينيّ، وتكون إطاعته واجبة في الشؤون الاجتماعيّة والسياسيّة في حدود مهامه القياديّة، وهو وللّه الحمد رجلٌ مجاهد وعامل ومدبِّر ومتديّن، وصحيح أنّي لحدّ الآن لم ألتقِ به، لكنّي سألتُ ذات يوم المرحوم الشهيد المطهّريّ عند زيارته لي في بيتي: مَن هم المشاركون في جلسات شورى الثورة؟ فذكر أسماءً كان من ضمنها اسم السيّد الخامنئيّ الذي ما كان يمتلك شهرة واسعة بين الناس حتّى ذلك الحين، فسألته ثانية: ما هي صفات السيّد الخامنئيّ؟ فقال: إنّه إنسان طيِّب، ذو شخصيّة، عاقل، مدبِّر، وإنسان مجاهد. وخلاصة القول فقد أثنى عليه كثيراً، ورأيناه خلال السنين السبع أو الثمان المنصرمة بعد أن تقلّد زمام الأمور قد قدّم خدمات جيّدة على ما سمعنا، سواء في خطبه في صلاة الجمعة، أو بما أدّاه خلال سفراته إلى خارج البلاد، أو من خلال التقائه بالشـخصيّات ومقابـلاته مع الصـحافة ووكالات الأنباء المخـتلفة، أو من خدمـاته المنـجـزة لإعـلاء الإسلام والمسـلمين، وباختصـار فهو من حيـث المجـموع إنسـان مناسـب وعاقل متلهِّف للدين، وقد صقل في بوتقة الثورة وخاض امتحانات كثيرة خرج منها بنتائج جيّدة، ولا يبعد أن يكون انتخاب نوّاب مجلس الخبراء له على ضوء ما تقدّم له من سمات، فهذه الخصال التي تجمّعن فيه من المسائل المهمّة لجذب أنظار وتوجّهات النوّاب من أهل الخبرة إليه، فالخبراء هم من أهل التخصّص والحنكة، ولي سابق معرفة ببعضهم كآية الله الحاجّ الشـيخ أحمد الآذريّ القـمّيّ، وآية الله الحاجّ السـيّد مهـدي الروحانيّ، وآية الله الحاجّ الشيخ عبّاس الإيزديّ النجف آباديّ الذين كانوا بأنفسهم مجتهدين، وهم منـزهون بتمام معنى الكلمة، ومن ذوي السوابق الحسنة، وكلٌّ منهم قد أنهى دورات من دروس آية الله البروجرديّ، وكانوا من تلامذة الحاجّ السيّد محمّد الداماد الجيّدين.
وبما أنّ كلّ واحد من الخبراء هو نائب لجماعة كبيرة من الناخبين، فيكون تصويت كلّ واحد منهم بمثابة البيعة من قِبَل تلك الجماعة الكبيرة، لأنّ هذا الشخص من أهل الخبرة بمثابة مكبّرة صوت ووكيل ونائب تلك الجماعة، فانتخابه ومبايعته هو في الواقع مبايعة تلك الجماعة من الناس الذين عيّنوه بانتخابهم له فأكثريّة آراء الخبراء هي بذاتها أكثريّة آراء أهل الحلّ والعقد، وإذا لم يكن ثمّة من بيعة لجميع الناس، فلا أقلّ من تحقّق عنوان الحكومة ببيعة أكثريّة الخبراء الممثِّلين لآراء الناس.
وحين تمّت هذه البيعة، فإنّه قد نُصب للحكومة من قِبَل الإسلام، وعلى الناس السمع والطاعة له بتلك الكيفيّة التي عرضناها في أمر الحكومة والسياسة واتّخاذ القرارات المتعلّقة بأصل المجتمع الإسلاميّ ـ ما عدا أمر التقليد المختصّ بأعلم الأمة ومن هنا فعلى أعلم الأمة أن يقرّ هذه القيادة ويؤيّدها، كما يلزم على الحاكم أن يجري الأمور في الحوادث الواقعة طبقاً لنظر ورأي أعلم الأمة.
ولا يبقى للناس في هذه الصورة أن يقولوا إنّه لم يأمرنا في المسألة الفلانيّة ـ مثلاً بل إنّه حين ينصب وزيراً لإحدى الشؤون، فيُعيِّن ذلك الوزير مديراً عامّاً ومعاوناً له، وكلٌّ منهما يعيّن مَن سيعمل تحت إشرافه، وهكذا حتّى يصل الأمر إلى تعيين الخادم والحارس... فإنّ ذلك كلّه معدود تحت قيادة وحكومة الحاكم.
فلهذا، إذا أردنا الآن عبور الشارع مثلاً، فينبغي عبوره من المكان المخصّص للعبور، لأنّ الحاكم قد أمر بذلك، وعلى سائقي السيّارات أن يلاحظوا مكان توقّفهم في تقاطع الطرق بحيث لا يسدّوا مجال العابرين المميَّز بالخطوط الفارقة، فكلّ هذه هي أُمور شرعيّة، وإذا طبّقنا كلّ هذه الأمور بدقّة وتكيّفنا معها بوجداننا، فسنرى مدى ما سيطبع الإسلام على أرواحنا من آثار إيجابيّة، فيأخذ بأيدينا في حياتنا الدنيويّة صوب السعادة والرقيّ والكمال، مع بقاء عاقبة أعمالنا على ما فيه الخير.
قال رسول الله (صل الله عليه وآله): «ثَلاَثٌ لاَ يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِيءٍ مُسْلِمٍ: إخْلاَصُ العَمَلِ لِلَّهِ، وَالنَّصِيحَةُ لاِئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، وَاللزُومُ لِجَمَاعَتِهِمْ».
فلا يطرأ على قلب المسلم في هذه الأمور الثلاثة أيّ كدر واضطراب، بل يبقى قلبه معموراً بالطهارة والصفاء والإخلاص قُربة إلى الله تعالى، فأوّلاً عليه أن يمحو حسابات الأنانية والحسد، فيشعر أنّه جزء من جسد هذا المجـتمع، ويعـمل على توظـيف كافّة قدراته ضمن محـور الإسلام وحكومته ومصالح المسلمين، وعليه ثانياً أن يقوم بدور الناصح إلى أئمّة المسلمين والمتصدّين للسلطة وأئمّة الجمعة والجماعة والحكّام، وعليه ثالثاً أن يلزم جماعة المسلمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعليقات الزوار