الفن والفنان في كلمات الإمام الخامنئي
حقيقة الفن
حقيقة الفن – أي فن كان – هو أنه عطية إلهية. ومع أن الفن يظهر في كيفية التبيين، لكن هذه ليست كل حقيقة الفن، إذ ثمة قبل التبيين إدراك وشعور فني، وهنا تكمن النقطة الرئيسية. بعد إدراك الجمال واللطافة والحقيقة يُظهر الفنان من إدراكه هذا آلاف الدقائق الأدق من الذرة والتي لا يستطيع الأفراد غير الفنانين إدراك حتى نقطة واحدة منها، لكن الفنان يعبّر عنها بروحه الفنية وبالنور المتوقد في سريرته. وهذا هو الفن الحقيقي الواقعي الناجم عن إدراك وانعكاس وتبيين.
قيمة الفن
يجب النظر لقيمة الفن في مكانته الحقيقية من قبل الفنانين أولاً، فيلتفتوا إلى قيمة ما يحملونه داخل كيانهم ويحترموه. واحترام الفن يتأتى بأن ينفقوه في الموضع المناسب. يقول الإمام السجاد (عليه السلام) في حديث له إن روح الإنسان ووجوده أثمن الأشياء، ولا يعادل روح الإنسان ثمناً إلا جنة الله الموعودة، فلا يعوض الإنسان روحه بسوى جنة الله. الفن من أفخر وأثمن أجزاء روح الإنسان ولا بد من تثمينه وتقديره وإنفاقه في سبيل الله. طبعاً حين يقال يجب إنفاق الفن على الله فلا ينصرف الذهن فوراً إلى الحالة السطحية المرائية.
الفن بوصفه أداة
الذين لديهم رسالة يريدون تبليغها للناس سواء كانت هذه الرسالة رحمانية أو شيطانية، فإن أفضل وسيلة يستخدمونها هي وسيلة الفن. الشيء المهم جداً هو أن استخدام الفن يجب أن يكون كباقي الأدوات والوسائل الحاملة للفكر ذات اتجاه دقيق وواضح وصحيح جداً، ولا يكون اتجاهه خاطئاً. لذلك يستخدم الفن في العالم اليوم لتصوير أكثر الآراء باطلاً على أنها حق في أذهان جماعة كبيرة من الناس، وهذا غير ممكن من دون الفن، لكنهم يجعلونه ممكناً بالفن وبالأدوات الفنية. خذوا مثلاً فن السينما والتلفزيون حيث يستخدمون أنواع الأساليب الفنية ليستطيعوا إيصال رسالة باطلة إلى أذهان الناس على أنها حق.
إذن الفن وسيلة وهو وسيلة ذات قيمة عالية جداً. إنه أداة لكنها أداة لها وزنها إلى درجة أنها تكتسب أحياناً نفس أهمية المضمون والمحتوي لأنها إن لم تكن لن يمكن نقل المضمون إلى القلوب.
أداة لنشر الفكر
للفن لغة بليغة لا تجاريها في البلاغة لغة أخرى. لا لغة العلم ولا اللغة العادية، ولا لغة المواعظ لها بلاغة لغة الفن. ينبغي الاهتمام بالفن ورفع مكانته يوماً بعد يوم واختيار الشكل الفاخر منه. من دون الفن لا يجد الكلام العادي طريقه إلى ذهنه أحد، ناهيك عن أن يكون جذاباً بالنسبة له، ويتميز بالخلود والبقاء. الفن خير وسيلة لنشر فكر صحيح أو غير صحيح. الفن وسيلة وأداة وإعلام. إنه وسيلة إعلام مهمة جداً. ينبغي عدم الغفلة عن الفن ورقيه، ويجب عدم مساواته بالمعاصي والممارسات الخاطئة وما إلى ذلك. الفن من أرقى مخلوقات الله ومن أثمن وأعز ما صنع الله مما يجب تثمينه وتقديره. يجب استخدام الفن في جميع الأعمال حتى في الإعلام والدعايات العادية.
السمة العامة للفن
السمة العامة للفن هي أنه يؤثر من دون أن يكون المؤلف نفسه متنبهاً في كثير من الحالات وغالباً ما لا يكون المتلقي نفسه متنبهاً. تأثير الشعر والرسم وسائر صنوف الفن والأصوات الجميلة والألحان اللطيفة – وهذه كلها فنون – يحصل في ذهن المتلقي من حيث لا يشعر. أي إن الفن يؤثر من دون أن يشعر المتلقي بهذا التأثير. وهذا أفضل أنواع التأثير. اختار الله تعالى أفصح البيان للتعبير عن أرقى المعارف أي القرآن. كان يمكن أن يقول الله تعالى القرآن والمعارف الإسلامية بكلام عادي وبيان دارج، ولكن لا، صبّ الله هذه المعارف في أفصح وأجمل قوالب البيان الفني، والقرآن نفسه يقول إنكم لا تستطيعون الإتيان بمثل لفظه وبنائه الفني، أما المعنى فهو معلوم.
الموهبة الفنية
بالطبع ليس الفن من الثروات والكنوز التي يمكن أن تتأتى كلها بكدّ اليمين وعرق الجبين. ما لم تكن هناك قريحة وموهبة فنية لدى الفنان فسيبقى في الخطوات الأولى مهما حاول وسعى. الموهبة ليست من فعل الفنان وجهده بل هي شيء منحوه للفنان. الله هو الذي يهب للإنسان جميع النعم حتى لو كانت عبر قنوات المجتمع والأب والأم والبيئة والأمور الأخرى. الفنان يبذل جهده ولكن الفرصة والهمة لبذل الجهد ممنوحة هي الأخرى من الله، وعلى الفنان رفع مستوى الفن في داخل نفسه.
كل فنان هو لوحده عالم، وهذه هي خصوصية الفن في وجوده. لو أتيح للإنسان أن يستمع لاختلاجات قلوب الفنانين بشفقة وعطف لشاهد عالماً عجيباً وجميلاً زاخراً بالهموم والأحزان والأفراح والآمال والقلق والمثل. الفن جوهرة جد ثمينة لا تعود قيمتها وقدرها الكبير إلى مجرد اجتذابها للقلوب والعيون – الكثير مما ليس بفن يمكن أن يجتذب إليه العيون والقلوب – لا، بل هي موهبة وعطية إلهية.
واجب الفنان
الفن حقيقة فاخرة جداً ومن الطبيعي بالنسبة لمن حظي بهذه الموهبة من قبل الله – كباقي الثروات – أن يرى لنفسه مسؤولية وأعباء. أي إن العطايا الإلهية مصحوبة بأداء تكاليف وواجبات معينة. وهذه التكاليف ليست كلها دينية وشرعية بالضرورة وإنما هي تكاليف ينبع الكثير منها من صميم فؤاد الإنسان. حينما يكون للإنسان عين فهذه نعمة لا يتمتع بها بعض الناس، إلا أن هذه العين ما عدا اللذائذ التي تمنحها للإنسان تضع بعض التكاليف والواجبات على عاتق الإنسان بشكل طبيعي. هذه التكاليف إنما هي بسبب العين التي يمتلكها الإنسان. ليس من الضروري أن يقول الدين للإنسان أو أن تنزل في ذلك آية قرآنية، بل قلب الإنسان يدرك ذلك. ما من أحد في العالم لا يلوم الثري حينما يجده لا يأبه بالضعفاء أويشمت بهم. والحال أن ذلك الثري قد يقول إنني حصلت على هذه الثروة بنفسي وهي ملكي، لكن هذا لن يقبل منه. حينما تكون هناك ثروة وموهبة ومكسب فلا بد من تكليف حياله.
مواكبة الزمان
أنا لست خبيراً بالشؤون السينمائية والفنون التشكيلية والتصويرية وما إلى ذلك، لكنني لست كذلك في ما يتعلق بالشعر والرواية، أي إنني في هذين المجالين لست إنساناً عامياً، فقد قرأت الكثير من الأعمال الموجودة. لو نظرتم الآن للأدب السوفيتي لوجدتم ستاراً وسطه، أي إن فيه سوراً وعلى جانبي هذا السور توجد أعمال عظيمة. لكنكم حينما تقرأون أعمال شولوخوف أو آلكسي تولستوي تجدون لها طعماً آخر. آلكسي تولستوي كاتب متمكن جداً له روايات جيدة جداً وهو من كتاب الثورة السوفيتية ويمكن تذوق طعم العهد الجديد في كتاباته، وإلا بوسعكم أن تجدوا في رواية « الحرب والسلم » لليوتولستوي آثار الوطنية الروسية لكنكم لا تجدون مثل هذا في أعمال الأعوام الستين الأخيرة. تلك حقبة وأعمال أخرى تنتمي لمكان آخر. ما الشيء الذي يعبر عن شخصية روسيا اليوم؟ إنه أعمال شولوخوف وآلكسي تولستوي وأمثالهما. وبالتالي فإن الفنان في كل عهد هو الذي ينتمي لذلك العهد وربيب ذلك العهد والحقبة والمعبر عنها. وإلا فالذي يبقى في العهد السابق ويكتب عنه لا يُحسب على هذا العهد وآدابه.
إذا أردت أن أذكر لكم نموذجاً متكاملاً لهذا الشيء فعليّ ذكر اسم إحدى الروايات. قرأت رواية بعنوان « قلب الكلب » لكاتب روسي. وهي رواية علمية خيالية لكنها ليست من الفن المعاصر على الإطلاق بل استنساخ عن الفن السابق. وحتى لو افترضنا أنها ليست استنساخاً عن الأعمال الأمريكية والبريطانية والفرنسية فإنها بالتالي استنساخ عن الفن قبل ثورة أكتوبر وليست من الفن المعاصر. وهي رواية صغيرة لكنها مكتوبة بطريقة فنية حاذقة جداً، وقد ترجمت وطبعت في إيران. رواية «قلب الكلب» رواية معادية للثورة كتبت في حوالي أعوام 1925 أو1926 أي في السنوات الأولى من انتصار الثورة الروسية، وكان الكاتب معارضاً للثورة ولبعض الممارسات فيها ويستهزئ بها، وقد شاهدنا نظير هذه الأعمال هنا. هذا العمل ليس أساساً من الأدب الروسي وكان يمكن أن ينشر في العالم، ولا يمكن القول إنه لم ينتشر في العالم لأنه كان محبوساً في الاتحاد السوفيتي خلف أستار حديدية خلال عهد استالين، لا، ليس هذا هو السبب. إذن لماذا لم تنتشر هذه الرواية في العالم؟ ولم تظهر كعمل بارز ممتاز بينما اشتهرت رواية «الدون الهادئ» في العالم كعمل بارز – ناهيك عن روسيا – وترجمت إلى اللغات الحية باعتبارها رواية الثورة.
الفن الملتزم
الالتزام حيال الإنسان
يقول البعض أن الكلمة الأولى في عبارة « الفن الملتزم » تتناقض مع الكلمة الثانية. الفن معناه الشيء القائم على الخيال الحر للإنسان، والملتزم معناه المقيد والمصفد، فكيف يجتمع هذان؟ هذا تصور من التصورات، وهو طبعاً ليس بالتصور الصائب. قضية المسؤولية والالتزام عند الفنان تعود إلى كونه إنساناً قبل أن يكون فناناً. فالفنان قبل أن يكون فناناً هو إنسان، والإنسان لا يمكن أن لا يكون مسؤولاً. المسؤولية الأولى التي يتحملها الإنسان هي في مقابل باقي الناس. رغم أنه مسؤول وملتزم أيضاً في مقابل الطبيعة والأرض والسماء لكن مسؤوليته الكبرى هي مقابل باقي البشر.
الالتزام حيال الفن
الفنان ملتزم فيما يخص الشكل والقالب الفني الذي يختاره وكذلك فيما يتعلق بالمضمون والمحتوى. صاحب القريحة الفنية يجب أن لا يكتفي بمستوى هابط. هذا التزام يلتزمه. الفنان الكسول وعديم الحركة والسعي والذي لا يبذل جهداً في سبيل الارتقاء بفنه وأعماله وإبداعاته يكون في الواقع متقاعساً حيال مسؤوليته الفنية المتعلقة بالقالب والشكل. على الفنان أن يسعى دوماً. طبعاً قد يصل الإنسان إلى مرحلة لا يستطيع بعدها السعي والجد – لا نقاش في هذا – لكن عليه العمل بمقدار جهده في سبيل رفع مستوى قالبه الفني. وهذا الالتزام حيال الشكل لا يتأتى من دون شعور بالوجد والرغبة والمسؤولية، وبالطبع فإن هذا الوجد والحب والاندفاع هو أيضاً مسؤولية بحد ذاته، وهو يدٌ قويةٌ تدفع الإنسان إلى الفعل والإنجاز ولا تسمح له بالشعور بالكسل والترهل وعدم الإنتاج.
الالتزام حيال المضمون
إذا كان الإنسان محترماً وعزيزاً فإن قلبه وذهنه وفكره أيضاً عزيز ومحترم. لا يمكن إعطاء المتلقي أي شيء وكيف ما اتفق لمجرد أنه يتلقى من الفنان ويستمع لكلامه. ينبغي النظر ما الذي يروم الفنان أن يعطيه للمتلقي. القضية قضية الأخلاق والفضيلة. قرأت قولاً – أظن أنه للكاتب الفرنسي رومان رولان ( 26 يناير 1866 – 30 ديسمبر 1944 ) واسمه الحقيقي ال. سن جوست – فحواه أن العمل الفني واحد بالمائة منه فن وتسعة وتسعون بالمائة منه أخلاق. أو أقول للاحتياط عشرة بالمائة منه فن وتسعون بالمائة أخلاق. لاح لي أن هذا الكلام غير دقيق. لو سألوني لقلت الفن مائة بالمائة فن ومائة بالمائة أخلاق. هاتان الفكرتان غير متناقضتين. ينبغي عرض العمل الفني بإبداع فني مائة بالمائة وملئه في الوقت نفسه مائة بالمائة بالمضامين الراقية والمتسامية والمتقدمة والمعبرة عن الفضيلة. الشيء الذي يمثل همّاً بالنسبة لبعض المخلصين فيما يتعلق بالقضايا الفنية هو أن لا يخرق الفنان الفضيلة ولا يسحق الأخلاق بذريعة حرية الخيال أو الحرية الفنية. هذا أمر على جانب كبير من الأهمية. وبالتالي فالفن الملتزم عبارة صائبة.
الالتزام حيال الفكر
على الفن أن يرى نفسه ملتزماً حيال حقيقة معينة. فما هي تلك الحقيقة؟ أما: في أي مستوى من مستويات التفكير يقف الفنان ليستطيع أن يرى كل تلك الحقيقة أو جزءاً منها ويعرفها، فهذه قضية أخرى. طبعاً كلما كان الفكر والإدراك العقلاني أعلى كان بوسعه منح ذلك الإدراك الفني الدقيق جودة أرقى. حافظ الشيرازي (الشاعر الإيراني في القرن السابع الهجري) لم يكن مجرد فنان بل ثمة في كلماته معارف عميقة. وهذه المعارف لا تتأتى بمجرد كون الإنسان فناناً بل لا بد لها من دعامة فلسفية وفكرية. لا بد من سند أو منطلق أو منبت فكري قوي يرفد الإدراك الفني ومن ثم التعبير الفني. طبعاً ليس الجميع في مستوى واحد وليس هذا هو المتوقع. هذا ما يصدق على جميع الحقول الفنية، من فن العمارة إلى الرسم والتخطيط والنحت والأعمال السينمائية والمسرح والشعر والموسيقي وسائر الحقول الفنية يوجد فيها جميعاً هذا المعنى. تارة ترون معماراً له فكره وتصوراته وتارة تشاهدون معماراً لا فكر له ولا هوية ولا يتوكأ إلى تصورات فكرية معينة. هذان المعماران إذا أرادا تشييد بناء فسوف يشيدانه بشكلين مختلفين. ولو أوكلنا بناء مدينة لشخصين من هذا القبيل فسيختلف نصفها عن نصفها الثاني تماماً.
الالتزام حيال الهدف
الفن الملتزم حقيقة يجب الاعتراف بها. لا يمكن ممارسة الفن بشكل تائه وسائب وبدوافع متغيرة يوماً بعد يوم وربما بمحفزات هابطة وغير سليمة، لا يمكن العمل على هذه الشاكلة والتفاخر في نفس الوقت، لأن البهجة التي يعيشها الفنان – للفنان بهجة خاصة تختلف عن الأفراح والإبتهاجات العادية ولا تلاحظ عند غير الفنانين إطلاقاً – تحصل لديه حصولاً حقيقياً حينما يعلم عن ماذا يبحث وماذا يريد أن يفعل حتى يشعر بالرضا والبهجة بفنه وأعماله. حينئذ ينبغي الاهتمام بالأخلاق الإنسانية والفضائل والمعارف الدينية والإلهية السامية.
الفن والدين
تعريف الفن الديني
الفن الديني هو الفن الذي يستطيع تجسيد المبادئ الدينية وعرضها، وطبعاً في الإسلام أرقى المبادئ والمثل الدينية. إنها المبادئ والمثل التي تضمن سعادة الإنسان وحقوقه المعنوية وسموه وتقواه وورعه والعدالة في المجتمع الإنساني. ينبغي عدم الخلط بين الفن الديني والفن السطحي المتحجر.
الفن الديني لا يعني على الإطلاق السطحية والرياء والتظاهر بالحالة الدينية وهو فن لا يتكون ضرورة بالمفردات الدينية. قد يكون الفن دينياً مائة بالمائة لكن المفردات المستخدمة فيه عرفية وغير دينية مائة بالمائة. يجب أن لا ينصرف الذهن إلى أن الفن الديني هو الذي يصور بالضرورة قصة دينية أو الذي يتحدث عن قضية دينية كقضايا رجال الدين أو ما شاكل. الفن الديني هو الذي يستطيع نشر المعارف والحقائق التي اهتمت جميع الأديان – والدين الإسلامي خصوصاً – بنشرها بين الناس وأزهقت في سبيل ذلك الكثير من الأرواح الطاهرة.. يستطيع أن ينشرها ويخلدها ويبقيها في العقول والأذهان. إنها المعارف الدينية الراقية. إنها الحقائق التي تحمّل كافة الأنبياء الإلهيون الكثير من الأعباء الثقيلة في سبيل نشرها وإفشائها في حياة البشر. لا يتسنى أن نجلس هنا ونحكم بالخطأ على جهود خيرة البشر في العالم – وهم المصلحون والأنبياء والمجاهدون في سبيل الله – ونمرّ بها مرور الكرام. الفن الديني ينشر هذه المعارف. يطرح الفن الديني العدالة في المجتمع كقيمة حتى لو لم تذكروا في فنكم هذا الذي ينشر العدالة أي اسم للدين وأية آية قرآنية ولا أي حديث حول العدالة. مثلاً ليس من الضروري في الحوارات السينمائية أو المسرحية أن يكون ثمة اسم أو شكل يرمز للدين حتى يكون ذلك الفن دينياً، لا، بوسعكم التحدث في الفنون المسرحية بأبلغ الكلام عن العدالة وعندها سيكون الفن دينياً.
اتجاه الفن الديني
يخال البعض أن الفن يعادل اللاأبالية واللادينية والتهتك، هذه فكرة خاطئة. الشيء الذي يجري الاهتمام به بشكل مركز في الفن الديني هو أن لا يستخدم هذا الفن لصالح الشهوات والعنف والابتذال واستحالة هوية الإنسان والمجتمع. الفن من التجليات الجميلة للخلقة الإلهية في الإنسان. الشيء السلبي في الفن والذي أشكل عليه دوماً أهل البصيرة هو الاتجاه الخاطئ في الفن. توظيف الفن لإغواء الإنسان وابتذاله وتهتكه هذا هو السيئ والسلبي. وإلا فالفن إذا كان مصحوباً بروح الدين وبالاتجاه الديني فهو من أبرز مظاهر الوجود الإنساني.
القرآن ذروة الفن
استخدم رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) كافة الأدوات، بما في ذلك أدوات الفن، لحمل هذه الأفكار وذلك في أرقى الحلل وأفخرها أي القرآن. من أسرار موفقية القرآن هو فنه. القرآن في ذروة الفن. إنه شيء خارق للعادة. الحق أن للقرآن رصيداً فنياً عجيباً جداً لا يمكن للإنسان تصوره. إذا لاحظ الإنسان القرآن وكذلك أحاديث الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) من البداية حتى النهاية سيرى التوحيد ومناهضة الشرك والوثنية وهي مظهر الشر والسوء تتموج.
وإلا لو تحدث الرسول الأكرم مع الناس بعيداً عن لغة الفن كان طبعاً سيجد بعض المحبّين والراغبين، ولكن ما كانت ستحدث تلك الصاعقة والرعد والبرق والطوفان الهائل الذي حدث. الفن هو الذي يحقق هذه الأشياء. هكذا هي الآثار الفنية.
الفن والسياسة
الاستغلال السياسي للفن
تستغل السياسة في العالم اليوم الفن استغلالاً غير لائق. وإذا قلنا إنها لا تفعل ذلك نكون عديمي الإطلاع. السياسة لا تستغل الفن في الوقت الحاضر فقط بل كانت تستغله في السابق أيضاً. في وقت سابق ترجموا إحدى الوثائق المنشورة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية حول أحداث انقلاب 28 مرداد وجاءوني بها. طبعاً لم يكن عمري كبيراً حين وقوع هذا الانقلاب، كنت في الرابعة أو الخامسة عشرة، ولا أتذكر سوى القليل. لكنني سمعت من الكثيرين وقرأت الكثير في الكتب ولكن لا يوجد مثل هذا التفصيل في أي مكان. الذين قاموا هم أنفسهم بهذه الأحداث كتبوا هذه الوثائق وبعثوها لوزارة الخارجية والـ سي. آي. أي. إنها وثائق أمريكية. وقد كانت العمليات بالطبع مشتركة بين الأمريكيين والبريطانيين وهذا ما يتجلى في ذلك التقرير بشكل واضح. والجزء الذي استرعى اهتمامي هو أن كيم روزفلت يقول: حينما جئنا إلى طهران حملنا معنا حقيبة كبيرة مليئة بالمقالات المكتوبة والتي كان يجب ترجمتها وطباعتها في الصحف وكذلك رسومات كاريكاتيرية! تصوروا أن جهاز السي. آي. أي الأمريكي ولأجل إسقاط حكومة غير منسجمة معهم ولا تؤمّن مصالحهم، حكومة تعتمد على أصوات الشعب – خلافاً لكل الحكومات في العهد البهلوي كانت هذه حكومة وطنية قانونية جاءت إلى السلطة بأصوات الشعب – وبحجة أنها قد تنجرف إلى خلف الستار الحديدي للاتحاد السوفيتي، استخدموا ضدها كل الأدوات، بما في ذلك الأدوات الفنية. طبعاً ربما لم يكن في ذلك العهد رسامون كاريكاتيريون ينفعونهم ويمكن أن يثقوا بهم، لذلك حملوا معهم رسوم كاريكاتيرية جاهزة! جاء في تلك الوثائق إننا أوصينا القسم الفني في جهاز السي. آي. أي بإعداد هذه الأشياء. ومما يذكر أيضاً أن الإيطاليين كتبوا قبل سنتين أو ثلاث سنوات كتاباً ترجم إلى الفارسية أشير فيه أيضاً إلى وجود قسم فني في جهاز الاستخبارات الأمريكية وأنشطته المختلفة. هكذا تستخدم السياسة الفن لصالحها.
الفن في خدمة الاستكبار
للأسف يستغل أعداء الإسلام وإيران وأعداء شرفنا وعزتنا الفن ولا زالوا يستغلونه. يستغلون الشعر والرسم والقصة والأفلام والمسرحيات وباقي الفروع الفنية كأدوات لسحق الفضيلة ومحق الحقائق والفضائل المعنوية والإسلامية ودفع الناس نحو المادية واللهو واللعب المادي.
السينما فن جد متقدم ومتطور وتوجد اليوم أبرز وأقدر منظومة سينمائية في العالم في هوليوود. لاحظوا لخدمة أي شيء تعمل هوليوود اليوم، ومن الذي تخدمه، وما هي الأفكار والاتجاهات التي تخدمها هوليوود. إنها تخدم إشاعة الفحشاء والعبث وانعدام الهوية لدى الإنسان وتخدم العنف وإلهاء عامة الشعوب ببعضهم لكي تستطيع الطبقات الراقية الحياة بدون منغصات وهموم. هذه المؤسسة السينمائية العملاقة التي تجتمع فيها عشرات الشركات الكبرى لإنتاج الأفلام بما فيها من فنانين ومخرجين وممثلين وكتاب مسرحيات وسيناريوهات ومستثمرين، تعمل لخدمة هدف معين. والهدف هو في الحقيقة أهداف السياسة الاستكبارية للحكومة الأمريكية. هذا ليس بالشيء القليل.
مع أنهم يقولون إن الفن يجب أن ينفصل عن السياسة والاتجاهات السياسية لكن سلوكهم وأسلوبهم على الضد من هذا تماماً. المستكبرون يوظفون عالم الفن والسينما والأفلام والشعر والكتابة والعقول والبراهين والفلسفة في سبيل مصالحهم الاستكبارية ومشاريعهم في النهب، وهي الأشياء التي تعدّ اليوم من مظاهر الرأسمالية في العالم. القوة العسكرية في هذه المنظومة هي أمريكا، وقواها الاقتصادية هي الشركات التي تقف خلف الحكومة الأمريكية. إنهم يستخدمون كافة الإمكانات والفرص من أجل خلق النماذج، والشعوب خالية اليدين ولا تمتلك من نفسها نماذج تواجه بها ما يأتيها من أولئك.
الاقتصاد والفن
واقع الفنانين أنفسهم من حيث المعيشة ليس متميزاً جداً، بل هو في كثير من الأحيان ليس بالمستوي المطلوب. والذين يستثمرون أموالهم في المجالات والحقول الفنية إذا كانوا ملتزمين ببعض الأمور فغالباً ما لا يستطيعون تحقيق عائدات مالية وافية. ينبغي مساعدة هؤلاء بلا شك. وإذا لم تجر مساعدتهم سيندفعون نحو كل ما يجلب لهم المال ويضمن لهم الربح وسيهتمون بشباك التذاكر على حد تعبير السينمائيين وهذا ليس بالشيء الحسن في جميع الحالات. وهو السبب إلى حد ما في النزوع نحو القضايا الجنسية والشهوانية وما إلى ذلك في السينما. ينبغي أن لا يمنح الفنان ذهن الشاب وقلبه ما يدفعه نحو المعصية والفساد. وهذا يختلف عن ترك الفكر حراً للاختيار في القضايا. القضايا الحسية لا تترك لأحد فرصة الاختيار بل تجر الإنسان لاتجاه معين من دون أن تكون له القدرة على الانتخاب. يجب أن يستطيع الفنان عرض فنه بحرية ودون أي إجبار – الإجبار بدافع زيادة الزبائن – حتى يظهر الفن صحيحاً متكاملاً.
النظرة المادية للفن
النظرة المادية للأرصدة والثروات المعنوية أدت إلى أن ينظروا للكنوز المعنوية من حيث إمكانية تبديلها إلى مال. هذا العلم كم يمكن أن يتحول إلى مال، وهذا الفن كم يمكن أن يتحول إلى مال. ولكن هذا المعيار غير موجود في الإسلام. لا, إن الإسلام يرفض تحويل العلم والفن وسائر الأرصدة المعنوية إلى مال، لا، العلم وسيلة للرفاه في الحياة، والفن وسيلة لرونق الحياة وجمالها، لا إشكال في ذلك، ولكن بصرف النظر عن هذه النظرة تكتسب الثروة المعنوية بحد ذاتها قيمة سامية من وجهة نظر الإسلام. بمعنى أنه حتى لو لم يعلم أحد بفنون الفنان ولم ينتفع أحد من فنه فإن التوفر على الفن نفسه له قيمته في النظرة الإسلامية المعنوية. قد يحصل في مجتمع من المجتمعات بسبب الفقر أو قلة التجربة إن لا يتوفر المال والرصيد المادي الذي يعادل العلم والبحث العلمي أو الفن أو الأرصدة المعنوية. وكذلك هو الحال في مجتمعنا بالتأكيد وفي الكثير من أنحاء العالم الأخرى. هذا يجب أن لا يمنع ينابيع العلم والفن من التفجر والعطاء.
تعليقات الزوار