رؤية الإمام الخامنئي حول الطاقة النووية

الاستفادة الخيرة والشريرة من العلوم

العلم المزدهر والمتقدم إذا وضع تحت تصرف شعب سليم متكامل كان مبعث خير وبركة. والسلاح المتطور إذا كان بيد شعب عاقل كامل فلن ينطوي على أخطار. من الذي جعل الشعوب تتضرر من هذه الطاقة؟ وسيكون الحال كذلك دائماً. إنهم يصنعون القنبلة النووية، كالذي فعله الأمريكان في نهاية الحرب العالمية الثانية وأنزلوا تلك الفاجعة باليابانيين. أو كالتسرب الذي حصل في أحد المعامل السوفيتية وقتل بسببه عدد كبير من الناس. حتى لو حصلت أضرار وخسائر بسبب الطاقة النووية فهي بسبب القوى المنفلتة التي تمتلكها القوى العظمى. إذا تم تقييد القوى الاستكبارية الأمريكية في العالم، فسوف تتقلص الأخطار النووية تلقائياً.

اسم الذرية وبمقدار ما يعبّر عن تقدم العلوم البشرية، يذكّر بأقبح واقعة في التاريخ وأكبر مذبحة واستغلال للمكاسب العلمية عند الإنسان. مع أن بلداناً عديدة عملت على إنتاج وتخزين السلاح النووي، وهذا بحد ذاته يمكن أن يعدّ مقدمة لإرتكاب جرائم وتعريض السلام العالمي لخطر شديد، ولكن حكومة واحدة فقط هي التي ارتكبت لحد الآن جريمة نووية. الولايات المتحدة الأمريكية فقط هاجمت الشعب الياباني المظلوم نووياً في هيروشيما وناكازاكي ضمن حرب غير متكافئة وغير إنسانية.

العلم من دون الأخلاق

السبب في أن العلوم المتقدمة وفوق الحديثة في الحضارة والعالم الغربي غير قادرة حالياً على إنقاذ البشرية هو لأنها غير مصحوبة بالنـزعة الإنسانية. التركيب بين العلم والعواطف الإنسانية شيء على جانب كبير من الأهمية وضروري في كل مكان. حيثما كان هناك علم ولم يكن ضمير ومعنوية وأخلاق وعواطف ومشاعر إنسانية، لم تنتفع الإنسانية من ذلك العلم. العلم من دون معنوية وأخلاق يتحول إلى قنبلة نووية تزهق أرواح الأبرياء، ويتحول إلى أسلحة تستهدف المدنيين في لبنان وفلسطين المحتلة وسائر مناطق العالم، وينقلب إلى مواد كيمياوية قاتلة تهلك الناس والأطفال والرجال والشباب والإنسان والحيوان في حلبچة وباقي أنحاء العالم! من أين يأتي هذا؟ هذه المواد القاتلة تأتي من المراكز العلمية ومن البلدان الأوربية. هم الذين صنعوا هذه المواد ووضعوها تحت تصرف نظام غير ملتزم.

الأسلحة ومختلف صنوف النتاجات العلمية لم تستطع حالياً ولن تستطيع إسعاد البشرية وإسعاد العوائل، وجعل الأبناء والأطفال والنساء والرجال يشعرون بلذة الحياة، وذلك لأنها غير مصحوبة بالأخلاق والمعنوية.

المعنى الحقيقي للتقدم

حبّ المعنوية والارتباط بالله هو العامل الأهم الذي يضمن تقدم الشعب بالمعنى الحقيقي للكلمة. وإذا لم يحصل ذلك فقد يستفاد من كل المكتسبات التقدمية بالمعنى العرفي الشائع في العالم لأجل أهداف مغلوطة غير صائبة. أي قد يكون البلد من حيث سلوكه الاجتماعي منضبطاً ومؤدباً وخلوقاً، ويتمتع بالثروة والعلم ولكن نفس هذه الثروة والعلم ونفس هذا الانضباط الشعبي قد يستخدم للقضاء على شعب آخر. هذا غير صحيح في منطقنا أن يستخدم الإنسان علمه لصناعة سلاح كالقنبلة النووية التي إذا سقطت في مكان فلن تفرِّق بين مذنب وبرئ ومسلح وطفل صغير ورضيع وأناس مظلومين، بل تحرق الجميع وتبيدهم. العلم الذي يستخدم في هذا السبيل والبلد الذي يمتلك هذا السلاح، والتطور الذي ينتهي إلى هذه النتائج ليس مقبولاً ونحن لا نرغب في مثل هذا التطور. يجب تعزيز عبادة الله والارتباط به، وحبّ المعنوية، والعاطفة الإنسانية في كل تحول وتطور، ولا بد من تكريس العواطف والحب بين البشر والسير في هذا الاتجاه.

مكانة التقنية النووية

علم الذرة والعلوم النووية من أكبر المكتسبات البشرية، والتي يمكن بل يجب أن توضع وتوظف لخدمة رفاه الشعوب في العالم ورشدها وتنمية المجتمعات الإنسانية. مديات استخدام العلوم النووية تشمل طيفاً واسعاً من الاحتياجات الطبية واحتياجات الطاقة والصناعة، وكل واحدة لها أهميتها. ولذلك يجوز القول إن التقنية النووية تحتل مكانة مميزة في الحياة الاقتصادية، ومع مضي الزمن وتزايد الاحتياجات الصناعية والطبية والطاقية تتزايد أهميتها وتتزايد بنفس النسبة المساعي للحصول على الطاقة النووية واستخدامها. شعوب الشرق الأوسط المتعطشة كسائر الشعوب في العالم للسلام والأمن والتقدم، من حقها استخدام هذه التقنية لضمان مكانة اقتصادية وظروف أفضل لأجيالها الآتية. وربما كان من أهداف تضبيب الأجواء حول البرامج النووية السلمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية هو الحؤول دون تفطن شعوب المنطقة لهذا الحق الطبيعي والمهم من حقوقهم.

التقنية المحلية

الجمهورية الإسلامية الإيرانية حصلت على التقنية النووية بنفسها على الرغم من أنف العدو. إيران عضو الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومن الموقعين على معاهدة الوكالة الدولية للطاقة النووية وكان من المقرر تقديم مساعدات لها طبقاً للمقررات والضوابط. وقد أعلن المتنفذون الصهاينة والأمريكان للعالم كله أن لا تساعدوا إيران. لكن الشباب والمفكرين والمواهب الإيرانية المتدفقة المتألقة استطاعت بنفهسا ودون مساعدة أحد وبشكل تدريجي طوال عدة سنوات الحصول على هذه التقنية. التقنية النووية شيء وصناعة القنبلة النووية شيء آخر. التقنية النووية تعد تطوراً علمياً في فرع له الكثير من الخواص والمميزات. الذين يريدون صناعة قنبلة ذرية يمكنهم متابعة الفرع المتعلق بها. وإيران لا تريد صناعة قنبلة ذرية بل تعارض حتى امتلاك الأسلحة الكيمياوية. حتى حينما هاجم العراق إيران بالأسلحة الكيمياوية لم تبادر إيران لإنتاج الأسلحة الكيمياوية، فهذه الأمور لا تنسجم مع مبادئ نظام الجمهورية الإسلامية.

التنافس النووي غير النظيف

حقق الصينيون تقدماً جيداً من الناحية العلمية، ولكن لاحظوا أنهم لم يكونوا يمتلكون شيئاً في سنة 1948 م حينما تأسست الصين الجديدة أو الصين الشيوعية. لكن الاتحاد السوفيتي – وكان في ذلك الحين حكومة لها سابقتها من الناحية الإيديولوجية وسابقة أطول بكثير من حيث التقدم العلمي والتقني – وضع كل ما يمتلك تحت تصرف الصين، وكان ذلك في عهد ستالين. وجود بلد عظيم كالصين – طبعاً لم يكن عدد نفوسه في ذلك الحين كما هو الآن، لكنه كان بلداً كبيراً على كل حال وواسع المساحة وذا عدد سكاني كبير – إلى جانب بلد كبير كالاتحاد السوفيتي وفي قلب آسيا، كان ذلك مهماً جداً بالنسبة للاتحاد السوفيتي الشيوعي. وضعوا كل ما يمتلكون تحت تصرف الصينيين، بما في ذلك الطاقة النووية. أما نحن فقد حصل شبابنا بأنفسهم على الطاقة النووية. الصينيون تلقوا الطاقة النووية من الروس كهدية. وقد أعطوها لكوريا الشمالية، أعطاها لها الصينيون والروس أيضاً. لاحظوا أن تقدم بلدان مثل الصين كان بفضل دعم استثنائي من قبل بلدان أخرى. وكذلك الحال بالنسبة للهند، ولكن من جهات ومصادر أخرى. حينما نشب الخلاف بين روسيا والصين – كان ثمة خلاف شديد وعميق بين هذين البلدين الشيوعيين الكبيرين لعشرات الأعوام بعد ستالين.. كالاختلاف بين الشرق والغرب وربما أشد بعض الشيء – أدى إلى أن يهب الروس لمساعدة الهند جارة الصين، وهرع الصينيون لمساعدة باكستان منافس الهند. أثرت هذه العوامل السياسية في حالة استقطاب الأنصار، فمنح الصينيون الطاقة النووية لباكستان، ومنحها الروس مع الكثير من المكتسبات العلمية الأخرى للهند. أي إن الهند وباكستان أخذا مكتسباتهما من الآخرين.

حقيقة الضجيج حول القضية النووية

ما هو موقف العالم اليوم من إيران فيما يتصل بقضية الطاقة النووية التي يريدون إثارة الضجيج حولها، خصوصاً موقف بلدان آسيا والشرق الأوسط والبلاد الإسلامية. الأمريكان يقولون كما هي العادة: العالم يعارض تخصيب إيران لليورانيوم (!)، كلا، أنتم الذين لا تعرفون العالم. شعوب العالم وحتى الحكومات – والدليل على ذلك أكثر من مائة بلد غير منحاز ونحو خمسين بلداً إسلامياً عضواً في منظمة المؤتمر الإسلامي وفي حركة عدم الانحياز، وعدة منظمات ومجاميع أخرى تشكل الأكثرية الحاسمة من بلدان العالم – كلها تؤيد خروج الطاقة النووية من احتكار عدة قوى جشعة في العالم، وتشجع الشعب الإيراني وتبدي إعجابها به من الصميم لأنه يسير في هذا الدرب بشجاعة. سيواصل الشعب الإيراني طريقه الزاخر بالمفاخر، وسوف ينمي وينضج بكل قوة وحيوية وجد أفكاره التي تحدت وزعزعت ما نسجته أذهان العالم الغربي، وستقدمها كهدايا معنوية قيمة للعالم الإسلامي وللشعوب المسلمة، وسوف تضطر جبهة الاستكبار للتراجع.

افتعال الضجة

الصهاينة المغتصبون لأرض فلسطين والهيئة الحاكمة الحالية في أمريكا وأحقادهم ضد الجمهورية الإسلامية لا نهاية لها، وهم على استعداد لاستخدام أية وسيلة منحطة لتحقيق أهدافهم، اختلقوا شعاراً على مستوى العالم: »إيران تسعى للحصول على السلاح النووي«! نشروا الحساسيات لدى الرأي العام والكثير من الحكومات، وهدفهم بعد هذا الضجيج أن يصل العالم إلى إجماع بأن المساعي العلمية والتقنية الإيرانية في المجال النووي مبعث خوف وقلق عام في العالم.

ما وافقت عليه الجمهورية الإسلامية لحد الآن هو أن يأتوا ويشاهدوا عمليات التخصيب الواقعة في نقطة معينة، وقد جاءوا وشاهدوا وكان مسموحاً لهم للذهاب إلى أي مكان آخر يحتملون وجود عمليات تخصيب فيه، ليعلموا أن الإعلام الصهيوني كاذب. هذا طريق سلمي للحفاظ على التقنية النووية.

القوة المادية والمعنوية

من أجل الدفاع عن المبادئ والمثل العليا يحتاج أي شعب إلى تقوية نفسه. طبعاً، تعريف القوة في المنطق الديني والمعنوي تختلف عنه في المنطق المادي اختلافاً كبيراً. يأخذ المنطق المادي القوة بمعنى الأدوات والوسائل والذرة والأسلحة الكيمياوية والميكروبية، ومختلف وسائل التقدم المادي. هذه كلها ليست قوة. الجزء الأهم من القوة يكمن في وجود الأفراد الذين يستخدمون هذه القوة. إذا كانت الجماعة على حق وتسعى وتجاهد في سبيل الحق والمبادئ والقيم السامية، وتكون مستعدة للجهاد واستخدام كل إمكانياتها وقدراتها في هذا السبيل فإنها تتحلى بالقوة الحقيقية. الجماعة التي تعمل وتجاهد من أجل الحق وقيم الحق لا تستخدم القوة بشكل حيواني، ولا تظلم، ولا تستكبر، ولا تهين البشر، ولا تعتدي على أراضي الآخرين، ولا تسلب الشعوب مصالحها ومصادرها وخيراتها. هذه الأخلاق هي قوة معنوية. القوة المادية لا تعرف معنى الأخلاق. والقوى المادية لا تستخدم قدراتها من أجل الحق وقيم الحق. منطق أصحاب القوة المادية هو منطق الغابة. لأنهم يمتلكون القوة لذلك يرون الحق معهم ولهم، وهذا خطأ.. هذه معادلة باطلة.

ضرورة تدمير أسلحة الدمار الشامل

منذ أن خلق أول انفجار ذري قامت به حكومة الولايات المتحدة في هيروشيما وناكازاكي فاجعة إنسانية بأبعاد غير مسبوقة في التاريخ وهدد الأمن الإنساني بخطر عظيم، والمجتمع العالمي مُجمع على ضرورة التدمير الكامل لهذه الأسلحة. استخدام السلاح النووي لم يؤد إلى مذابح ودمار واسع وحسب، بل ولم يفرق بين أبناء الشعب من عسكريين ومدنيين، وأطفال وكبار، ونساء ورجال، وشيوخ وصغار، وقد تجاوزت آثاره اللاإنسانية الحدود السياسية والجغرافية، وفرضت حتى على الأجيال اللاحقة خسائر لا تعوض. لذلك كان أي نوع من استخدام هذا السلاح، بل حتى التهديد باستخدامه نقضاً جاداً لأبسط وأوضح قواعد الإنسانية ومصداقاً بارزاً لجرائم الحرب.

تهديد السلام العالمي

من الناحية العسكرية والأمنية، وبعد حصول عدة قوى على هذا السلاح اللاإنساني، لم يبق شك في أن الانتصار في الحرب النووية غير ممكن، والتورط في مثل هذه الحروب أمر غير عقلائي ولا إنساني. ولكن بالرغم من هذه البديهيات الأخلاقية والعقلانية والإنسانية وحتى العسكرية، لا يزال عدد قليل من الحكومات التي تبني أمنها الخيالي على اللاأمن العام تتجاهل المطالبة المؤكدة والمكررة للمجتمع العالمي بتدمير هذه الأسلحة والتخلص منها.

إصرار هذه الحكومات على الاحتفاظ بهذه الأسلحة وزيادتها وتطوير قدراتها التخريبية، وهي أسلحة لا استخدام لها سوى الإرهاب والإرعاب الجماعي وخلق أمن زائف قائم على الردع الناجم عن الدمار الشامل المضمون، أدى إلى استمرار الكابوس النووي في العالم. تم رصد مصادر اقتصادية وبشرية خيالية لتنافس غير عقلاني حتى تكتسب كل واحدة من القوى العظمى قدرات خيالية تستطيع بها تدمير منافسيها وسائر سكان الكرة الأرضية، بمن فيهم هم أنفسهم، أكثر من عشرة آلاف مرة. وليس اعتباطاً أن تسمى إستراتيجية »الردع القائم على الدمار المتقابل المضمون« بالجنون.

وقد تجاوزت بعض الحكومات النووية في الأعوام الأخيرة حتى نظرية الردع في مقابل سائر القوى النووية القائم على »الدمار المتقابل المضمون« إلى درجة التأكيد في الإستراتيجية النووية لهذه الحكومات على الاحتفاظ بالخيار النووي حيال التهديدات التقليدية من قبل ناقضي معاهدة عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، والحال أن أكبر ناقضي هذه المعاهدة هي القوى التي فضلاً عن نقضها التزاماتها بخصوص المادة 6 من المعاهدة والخاصة بنـزع السلاح النووي، راحت تسبق الآخرين في النشر العمودي والأفقي لهذه الأسلحة، ومن ذلك المساعدة على تسليح الكيان الصهيوني بالسلاح النووي ودعم سياساته وممارسة دور مباشر ومعاكس لتعهداتها على أساس المادة الأولى من المعاهدة في النشر الحقيقي لهذه الأسلحة، وتعريض منطقة الشرق الأوسط والعالم لخطر جاد، وعلى رأس هذه الحكومات نظام الولايات المتحدة الأمريكية المتغطرس المعتدي.

المنطق الإيراني حيال ضغوط الاستكبار

ليعلم الأمريكان أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست مثيرة حروب. النظام الإسلامي يعارض حسب مبادئه إثارة الحروب. إيران لا ترحب بأية حرب. ليعلم الجميع هذا. هذا هو الموقف الموحد والمتلاحم لكافة مسؤولي النظام الإسلامي في إيران الذين يرون من واجبهم تحاشي الحرب. الأصول والمبادئ الإسلامية تستدعي أن تحمل إيران رسالة الصداقة والسلام والمحبة والأمن والهدوء، فالشعب الإيراني لديه ما يقوله، والذي ليس لديه ما يقوله يريد إثارة الضجيج والأجواء، لكي لا يصل الصوت لأحد ولا يعلم أحد ما الذي قاله. الذي يستخدم منطق القوة يريد أن تكون الأجواء صاخبة، أما من لديه ما يقوله بشكل منطقي فيريد أن يسكت الجميع ويهدأوا وتكون الأجواء هادئة ليسمع الآخرون كلامه المنطقي.

معسكر الرأسمالية والاستعمار يضغط بكل قواه السياسية وقدراته المالية والاقتصادية، وبكل شبكاته الإعلامية عسى أن يستطيع فرض التراجع والاستسلام على الشعب الإيراني، التراجع لا عن حقه النووي وحسب – فالحق النووي أحد حقوق الشعب الإيراني – بل يريدون فرض التراجع على شعب إيران حتى عن حقه في العزة والاستقلال، وحقه في اتخاذ القرار والتقدم العلمي. يسير الشعب الإيراني اليوم في طريق التقدم العلمي والتقني ويروم تعويض تخلفه الذي استمر لمدة قرنين من حكم الطواغيت. وهؤلاء مضطربون ولا يريدون لشعب إيران – الواقع في هذه المنطقة الحساسة من العالم وبوصفه حامل راية الإسلام – أن يحقق هذه النجاحات، لذلك يضغطون، لكن الشعب الإيراني واقف وصامد. لقد جرب الأمريكان وأدركوا أن تجهيزاتهم وقنابلهم الذرية وسائر الأشياء إنما هي صغيرة وتافهة جداً لمواجهة الشعوب وإرادتها. يخيفون الحكومات ويخيفون الجيوش، أما الشعوب فمستحيل أن يخيفوها.

إرادة الشعوب

روح الشعب الإيراني روح متفائلة ومعنوياته عالية. هذا الشعار الذي يرفعه الشعب في كل مكان من هذا البلد بخصوص الطاقة النووية (الطاقة النووية حقّنا الأكيد) ليس شيئاً بسيطاً وعادياً، فالكثير من الشعوب لا تدري ما الطاقة النووية ولا تدري أنها حقها الأكيد، وحتى لو علمت ذلك فلن تستطيع السير نحو هذا الحق، أما الشعب الإيراني فيعلم أن الطاقة النووية مؤشر واضح ومهم للتقدم العلمي في العصر الراهن على المستوى العالمي، وإذا لم يتوفر شعب عليه كان خاسراً خسارة فادحة. وهو يعلم أنه حقه الأكيد ويرفع هذا الشعار ويطالب به مسؤوليه من صميم روحه، كما يعلم الشعب الإيراني أن بلده قادر - من دون الاكتراث للآخرين ومن دون أن يمدّ يد الحاجة للآخرين – علي استيفاء حقه الأكيد هذا والحصول عليه. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. هذه هي روح الشعب الإيراني وآماله.

شعوب العالم اليوم تنظر للشعب الإيراني، وتستمد منه القوة والتحفز والطاقة. شعارات الشعب الإيراني المناهضة للاستكبار تنتشر اليوم في كل العالم الإسلامي. في كل بلد من البلدان الإسلامية، مهما كان نظام الحكم فيه، تنظر الشعوب إلى شعارات الشعب الإيراني ومحفزاته ومبادئه بعين العزة والاحترام.. شعارات مناهضة الظلم والهيمنة والدفاع عن المظلومين وعن شعب فلسطين ومعاداة الشبكة الصهيونية الأخطبوطية. هذا ما يجول في قلوب المسلمين، وهذا هو انتشار الثورة الإسلامية. حتى هذا الشعار الخاص بالطاقة النووية – أن يصمد الشعب الإيراني مقابل ضغوط الأعداء ويطالب بحقه – انعكس اليوم في العالم الإسلامي بحيث راح المتحدثون في البلدان الإسلامية والعربية يعلنون أن المطالبة بالطاقة النووية تحولت إلى مطالبة عامة لدى الشعوب العربية.

تضييع الحق المشروع

الحقوق التي غمطتها أمريكا في هذه المنطقة ليست حقاً واحداً أو اثنين أو ثلاثة. بخصوص إيران وقضية الطاقة النووية – القضية المطروحة منذ عدة أعوام – كم كتموا الحقيقة، وكم تحدثوا بخلاف الواقع، وكم كذبوا، وكم واجهوا إرادة شعب ومطاليبه التي تمثل حقاً طبيعياً ومشروعاً حصل عليه ويريده؟ يقول الشعب الإيراني إننا نروم الحصول على الصناعة النووية، نروم استخدام الطاقة النووية في مجالات الحياة السلمية المختلفة، وهم يقولون إن الشعب الإيراني يسعى للحصول على قنبلة ذرية! لماذا يكذبون؟ لماذا ينفرون الشعب الإيراني منهم بشدة بكلامهم هذا؟ أعلن الشعب والمسؤولون في إيران مراراً إننا لا نريد الحصول على سلاح نووي. فهذا الشيء غير وارد أساساً في سلسلة احتياجاتنا ومنظومتنا التسليحية. وإننا نعتبر استخدام هذا السلاح محرماً شرعاً والسعي لحماية أبناء البشر من هذا البلاء الكبير واجب الجميع. ونعتقد أنه فضلاً عن السلاح النووي، تمثل سائر صنوف أسلحة الدمار الشامل كالأسلحة الكيمياوية والميكروبية خطراً حقيقياً على الإنسانية. الشعب الإيراني الذي كان هو نفسه ضحية استخدام السلاح النووي يشعر أكثر من الشعوب الأخرى بخطر إنتاج وتخزين هذه الأسلحة، وهو على استعداد لوضع كل إمكاناته في سبيل مواجهتها.

والطريف أن المجرم النووي الوحيد في العالم يزعم كاذباً في الوقت الراهن مكافحة انتشار الأسلحة النووية، والحال أنه من المتيقن أنه لم يتخذ أية خطوة جادة في هذا السبيل ولن يتخذها أبداً. لو لم يكن ادعاء أمريكا مكافحة انتشار الأسلحة النووية كذباً، هل كان بمقدور الكيان الصهيوني رفض القرارات الدولية في هذا المضمار وخصوصاً معاهدة الـ أن. پي. تي، وتحويل أرض فلسطين المحتلة إلى ترسانة مليئة بالأسلحة النووية؟

عدم حاجة إيران للسلاح النووي

ثمة خلط بين التقنية النووية والسلاح النووي، وحقيقة الأمر شيء آخر. فهذان الشيئان لا صلة بينهما وهما شيئان منفصلان. السلاح النووي منوط بتخصيب أكثر من 90 بالمائة لليورانيوم وتقنية معقدة، ولا يسعى إليه إلا من يملك المحفزات لذلك. والنظام الإسلامي في إيران لا يملك محفزات ذلك، ولم يسع إليه ولا يريد أن يسعى إليه. لا تحتاج إيران للقنبلة الذرية وقد تغلبت لحد اليوم على أعدائها ولم يكن ذلك بالقنبلة الذرية. منذ أعوام والشعب الإيراني يهزم أمريكا، فهل هزمها بالقنبلة الذرية أم بالعزيمة والإرادة والإيمان والوعي والاتحاد؟ إيران تدرك ماذا تريد وما الذي تسعى إليه، وقد عرفت الطريق وسارت فيه ولم تخش أسلحة هذا وغضب ذاك. هكذا تفوقت إيران وانتصرت ولم يكن ذلك بالقنبلة النووية. ألم يكن للاتحاد السوفيتي السابق قنبلة نووية؟ عدد القنابل النووية التي يمتلكها الاتحاد السوفيتي ربما فاق عددها لدى أمريكا، لكنه هزم واندحر. الانتصار والهزيمة في الميادين الأساسية في العالم ليس بهذه الأشياء.

قدم نظام الجمهورية الإسلامية حالياً نموذجاً للعالم الإسلامي.. نموذج الديمقراطية الدينية، ونموذج الاستقلال والعزة الوطنية. لقد اكتسب العالم الإسلامي حالياً وطوال الأعوام الماضية وعياً ضد أمريكا، وراحت الشعوب تقول: الموت لأمريكا. من كان يقول: الموت لأمريكا؟ سوى الجمهورية الإسلامية وسوى شعب إيران؟ واليوم يقول الجميع ذلك. بلد إيران الإسلامي لم يتقدم بالقنبلة النووية. الانتصار في الميادين التاريخية العظيمة والخالدة لا يحصل بهذه الأسلحة. ألا يمتلك الكيان الصهيوني حالياً قنبلة نووية؟ ينقل إن لديه مائتين أو ربما ثلاثمائة رأس نووي في مخازنه حالياً. لكن هذا الكيان بقي عاجز طوال سنوات أمام الطرف المقابل الذي لا يمتلك حتى البندقية، إنما يمتلك الحجارة فقط، طبعاً الحجارة إلى جانب الإرادة وبرصيد الإيمان. قضية إيران ليست قضية قنبلة ذرية. ماذا تفعل إيران بالقنبلة الذرية. ثم إنهم حينما يستخدمون القنبلة النووية لا يقتل الأعداء فقط، بل يقتل حتى غير الأعداء، وهذا بخلاف العقيدة الإسلامية وبخلاف منهج الجمهورية الإسلامية الإيرانية. القنبلة الذرية التي تمحو الخير والشر، وتحرق الأخضر واليابس ليست من عمل النظام الإسلامي. النظام الإسلامي يمتلك شيئاً لا تؤثر فيه القنابل والهجمات الخارجية وما إلى ذلك، بل تزيده قوة وعزة، ألا وهو«الشعب».