كيف نواجه الحرب النفسية التي يشنّها العدو علينا، والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى بثِّ الرعب في الفريق الآخر وإخافته ما يؤدِّي إلى استسلامه أو انسحابه؟‏

 

نحن في لبنان وفلسطين وفي أمَّتنا عموماً نحتاج إلى مواجهة الحرب النفسية التي يشنّها العدو علينا كما نواجه الحرب العسكرية. أن نواجه الحرب النفسية بأدوات ووسائل وأساليب مشابهة ومبتكرة وأحياناً تكون منسجمة مع قيمنا وثقافتنا وأخلاقنا وضوابطنا الشرعية.‏

 

الحرب النفسية المضادة‏

 

في مواجهة الحرب النفسية هدفنا الأول هو تثبيت إرادة وقوة وقدرة شعوبنا وأهلنا من خلال منع الحرب النفسية التي يشنها العدو من تحقيق أهدافها، وفي المقابل نتولَّى الحرب النفسية المضادة على العدو ومؤسساته الأمنية والعسكرية وعلى كيانه ومجتمعه أيضاً لنقلب فيها السحر على الساحر؛ وهذا أمر طبيعي، فالله سبحـانه وتعالى يأمر المؤمنين بـأن يعـــدّوا العـدّة، ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾(الأنفال:60). وكما يعمل هذا العدو على إخافتنا وإرعابنا يجب أن نعمل في المقابل على إخافته وإرعابه وإقناع مجتمعه بضعفه وعلى إيجاد الشك والترديد تجاه جيشه وقيادته.‏

 

في حرب تموز عام 2006 (وخلال 33 يوماً), هجر المستعمرات والمستوطنات والمدن في شمال فلسطين المحتلة وبعض الوسط أكثر من مليوني إسرائيلي وعاشوا في الملاجئ أو خارج بيوتهم ومنازلهم. وهذا لا سابقة له في تاريخ الحروب الإسرائيلية-العربية. خلال ثلاثة وثلاثين يوماً شاهد الإسرائيليون بأمِّ العين الدبابات المدمَّرة والجنود المقتولين، والعائدين في مظهر محزن ومبكٍ. في نهاية المطاف تراجعت ثقة الشعب الإسرائيلي بقيادته السياسية، بمؤسَّسته العسكرية وبجيشه وتعرَّضت لانتكاسة كبيرة جداً.‏

 

المدرسة الإلهية‏

 

إنَّ الحرب النفسية اليوم باتت علماً واختصاصاً يدرّس في الكليات والجامعات, لكن المقاومة لم تدرسها خلال كلِّ السنوات الماضية في أي جامعة أو كلية، بل كانت تشنُّ حربها النفسية الإعلامية ببركة التعليم والتسديد الإلهي. فالله وعد المجاهدين بأن يعلّمهم ويسدّدهم وأن يهديهم سبله, وكان ذلك أيضاً نتيجة العودة إلى إيماننا، وإلى قرآننا، وإلى معتقداتنا التي تعلّمنا منها الكثير الكثير والتي نستطيع أن نواجه بها أعتى الحروب النفسية طوال التاريخ.‏

 

ما يدرّس في الجامعات وفي الكليات هو غالباً يعتمد على مدرسة الماديين الذين يتحدَّثون عن وسائل وأدوات في مواجهة الحرب النفسية من سنخ الحرب التي يشنها العدو, وهذا الذي كان سائداً بين أكبر معسكرين في العالم في الآونة الأخيرة, المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي سابقاً.‏

 

التجربة الإسلامية، وتجربة الثورة الإسلامية في إيران بقيادة سماحة الإمام الخميني، والصحوة الإسلامية والحركات الإسلامية في المنطقة أعادت إحياء نوع آخر من الحرب النفسية لا يستند إلى المدرسة المادية وإنَّما يستند إلى المدرسة الإلهية, إلى المدرسة القرآنية. هذه التجربة كانت هي الأنفع والأقوى والأجدى. انطلاقاً من هذا الفهم وبناء على هذه الخلفية, هناك مجموعة من العناوين نركز على ثلاثة منها:‏

 

1ـ الإيمان بالله والتوكل عليه‏

 

نحن نؤمن بأنَّ الله سبحانه وتعالى موجود وقادر وبيده ملكوت السماوات والأرض، وهو على كلِّ شيء قدير وبأنَّه سبحانه وتعالى ليس حيادياً بل نعتقد أنَّ كلَّ ما يجري في هذا الوجود حتى أبسط الأمور وأصغر الأشياء إنَّما هو خاضع ومتحقِّق بمشيئة الله سبحانه وتعالى ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ﴾(الإنسان:30), وأنَّ الله سبحانه وتعالى فعّال رزّاق هو الذي يميت ويحيي وهو الذي يحفظ هذا الوجود: السماوات والأرض لو تركها الله سبحانه وتعالى لانعدمت وانهارت...‏

 

لذا فنحن نستعين ونستغيث حتى يثبتنا ويقوينا.‏

 

2ـ البصيرة‏

 

وهذا العنوان أشار إليه سماحة السيد القائد(دام ظله)، ويقصد به أنَّ على النخب والخواص, الناس والشعوب والمثقفين, والمجاهدين الكبار والصغار, أن يكونوا أهل بصيرة. البصر ما يراه الإنسان بالعين, والبصيرة هي قدرة العقل والقلب والروح على الرؤية ومعرفة الحقيقة, ومن جملة عناوين البصيرة أن يكون لدينا معرفة بزماننا وعصرنا، المعرفة بالعدو والصديق حتى لا يشتبه علينا العدو ولا الصديق, فلا نقاتل الصديق ولا نتجاهل العدو بل نستعين بالصديق في مواجهة العدو, فهذا من البصيرة, ومنها أيضاً أن نعرف نقاط ضعفنا وقوتنا, فنعمل على إبراز نقاط قوتنا لشعوبنا ولعدونا, لشعوبنا حتَى تثق، ولعدونا حتى ييأس من النيل منا، ومعرفة نقاط ضعفنا لنعالجها وننتهي منها. أيضاً أن نعرف ما نريد وكيف نصل إلى ما نريد، وأيضاً أن نعرف أهداف عدوّنا لنعطّل مخطّطاته ومؤامراته، فهذا أيضاً من البصيرة, ولذلك أهم شيء أن يكون، لدى أي شعب من الشعوب وخصوصاً لدى الشعوب المؤمنة، أن يكون لديها بصيرة, ليس فقط على مستوى القيادات, بل القيادات والعلماء والنخب وعامة الناس أيضاً. الإسرائيلي كان يقول إنه «يخوض حرب كيّ الوعي لدى العرب والمسلمين». في المقابل المقاومة جاءت لتخوض حرب كي الوعي لدى مجتمع العدو وقادة العدو وجيش العدو. إذاً من كانت بصيرته معه وكان إيمانه ويقينه معه لا يتزلزل, وهو أمر مغاير لموضوع التثبيت الإلهي والعون الإلهي. عندما يوجد أناس لديهم إيمان ووعي ومعرفة وبصيرة فليقل الأعداء ما يريدون وليكذِّبوا ما يشاؤون فهم لن يستطيعوا أن يمسّوا إرادة وعزيمة أهل البصائر والمعرفة والوعي.‏

 

3ـ التثبُّت‏

 

هو من الاحتياطات التي أتى بها الإسلام. فبالإضافة إلى اللجوء إلى الله والى أن نكون من أهل البصيرة دعانا أيضاً إلى أن نكون من أهل التثبّت. فبعدما تكلمنا عن موضوع إيجاد الشك والارتباك والترديد, جاء نوع من الحصانة، الله سبحانه وتعالى يقول ﴿إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾(الحجرات:6). الفاسق ليس فقط الإنسان الذي ينقل خبراً, بل هناك أيضاً وسيلة إعلام غير موثوقة ومعادية, فهذه أيضاً تأتينا بنبأ, وهذه الأنباء التي تأتينا بها وسائل الإعلام لتخيفنا، تكبّر لنا العدو لكي تجعلنا نيأس أو لتمسّ رموزنا وقياداتنا وأفكارنا وثقافتنا وخياراتنا, كما تجرى محاولات التشويه الكثيرة لحركات المقاومة ولكثير من القيادات والرموز والعلماء والمراجع والجهات والقيادات السياسية في هذه الأمة من خلال ترويج شائعات وأكاذيب واتهامات. الله سبحانه وتعالى يقول تبيّنوا وتثبّتوا إن كان ما يقولونه صحيحاً أو لا, بالحد الأدنى أن نواجه كل ما يقال ويستهدفنا بالشك فيما يقال لا بالشكّ فيما نؤمن وفيما نعتقد وفيما نعرف.‏

 

تجربة تموز.. الامتحان العملي‏

 

في حرب تموز, عشنا كلّ ما تكلمنا عنه في التجربة وليس فقط في النظريات. في تجربة لبنان خاض الإسرائيلي حرباً نفسية لمدة سبعة وعشرين عاماً ضد هذه المقاومة ومجتمعها وأهلها وشعبها. لم يترك شيئاً للنيل من إرادتهم وعزمهم وإيمانهم وثقتهم. وكل ما يمكن القيام به في إطار الحرب النفسية طبّقوه في حرب تموز. لكن في المقابل ماذا كان المشهد؟ هل وجدنا وشهدنا هروباً للمجاهدين من ساحات المعركة؟ أبداً فقد قال الإسرائيليون أنفسهم إنهم في بنت جبيل حاصروا المدينة وفتحوا باباً لكي يهرب المقاتلون منه فتحوّل هذا الباب إلى مدد للمقاتلين. هناك بعض القراءات العسكرية تقول إنَّ حجم استخدام سلاح الجو والقصف الجوي والنيران التي ألقاها سلاح الجو خلال 33 يوماً على هذه البقعة الصغيرة من لبنان يفوق ما استخدمه سلاح الجو من طائرات ومن نار في بعض الحروب الكبيرة, لكن المؤمنين والمجاهدين لم يخافوا، ولم يتزعزعوا وبقوا في الأرض يقاتلون ليس في القرى الخلفية, بل في القرى الحدودية. هذا كان حال المجاهدين في الجنوب والبقاع وفي كل المناطق التي تعرضت للقصف وللمواجهة والانزالات, أما بالنسبة للناس, فكم مرة جاءت وسائل الإعلام لتأخذ من الناس المهجّرين موقفاً أو كلمة تثبّط العزائم أو تمسّ معنويات المقاومين ولم يتمكنّوا؟ خلال 33 يوماً كان الناس المهجَّرون يشاهدون على التلفاز أن بيوتهم تهدّم، وهم لا يعرفون إذا ما رجعوا إلى قراهم هل ستكون بيوتهم موجودة أم مهدومة, وهل أن أبناءهم أحياء أم شهداء ومع ذلك لم يتكلموا بكلمة تمس بمعنويات المقاومة, أليس شيئاً عظيماً, هذا الثبات والطمأنينة والسكينة؟‏

 

خلال ثلاثة وثلاثين يوماً كان المجاهدون ينامون تحت النار، الله كان ينزل عليهم النعاس أمنة. في حرب تموز كما في كل المواجهات التي سبقت عملنا بالبند الأول, لجأنا إلى الله, استغثنا به تعالى فثبّت قلوبنا وأنزل علينا النعاس والسكينة والطمأنينة وفي المقابل ألقى الرعب في قلوب أعدائنا. أربعون ألف ضابط وجندي يمشون في أرضنا وهم يتعثرون مع دباباتهم ومروحياتهم وطائرات استطلاعهم, ولم يقدروا على أن يحققوا أي انجاز, وكنا نشهد الرعب في وجوههم والارتباك لدى ضباطهم وقياداتهم, من الذي فعل ذلك؟ الله سبحانه وتعالى هو الذي فعل ذلك, ولذلك عندما نذهب إلى ما يهددوننا به في مستقبل الأيام أو السنين القادمة, نقول إننا من خلال هذه التجربة, من خلال هذا الإيمان وهذه المعرفة وهذا الاعتقاد الإلهي النبوي والقرآني, سنواجه كل أشكال الحروب النفسية التي واجهناها في السابق وانتصرنا فيها وهكذا سيكون حالنا إن شاء الله كأصحاب الحسين, الذين لم يُخِفهم عشرات الآلاف من الذين كانوا يحيطون بهم, فلم ينهزموا ولم يترددوا ولم ينسحبوا ولم يهربوا.‏