«إنني في ذكرى السيد عباس والشيخ راغب والحاج عماد أقول لمجاهدي المقاومة الإسلامية: كونوا مستعدين ليومٍ إذا فُرضت فيه الحرب على لبنان قد تطلب منكم قيادة المقاومة السيطرة على الجليل، يعني بتعبير آخر تحرير الجليل»، هذا ما شدد عليه سيد المقاومة في ذكرى القادة الشهداء ... السيد يعلن صراحة عن تحول نوعي في قواعد اللعبة والصراع المفتوح بين حزب الله وكيان العدو.

 

سيد المجاهدين،صاحب الوعد الصادق، رفع مرة جديدة سقف (توازن الرعب والردع) بعدما كان هذا التوازن قائما في المرحلة الأولى على السلاح الصاروخي والرد الكثيف في العمق الإسرائيلي وصولا إلى تل أبيب، وفي المرحلة الثانية قام على استهداف كامل الأراضي المحتلة إضافة إلى البحر الأحمر. وعليه،  فإن توازن الرعب والردع انتقل من المعادلة الصاروخية إلى المعادلة البرية ومن الجو إلى الأرض مع الإعلان أن أي اجتياح (إسرائيلي) جديد للبنان سترد عليه المقاومة الإسلامية بالدخول إلى منطقة الجليل وتحريرها.

 

معادلة الجليل الجديدة جعلت العدو يدرك أن حزب الله يخفي شيئاً

 

وقع خطاب السيد نصر الله كالصاعقة على كيان العدو بمستوييه السياسية والعسكري.

 

رسمياً، وعلى غير عادة التعتيم الإسرائيلي على كلام الأمين العام لحزب الله، تولى رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو شخصياً الرد على موقف السيد نصر الله مكتفياً بالقول: «لقد هدد زعيم حزب الله اليوم بأنه يريد أن يغزو الجليل، ولكن أقول لكم من الآن أنه لن يفعل ولا يجب أن تشكوا بقدرة إسرائيل في الدفاع عن أرضها وشعبها».

 

ولكن على الصعيد الميداني نظرت (إسرائيل) إلى الخطاب على أنه تهديد جدي وأنه يعكس جرأة متزايدة ومخيفة لدى المقاومة خصوصاً في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة، هذا ما قاله الخبير في الشؤون الصهيونية الصحافي حلمي موسى خلال مقابلة خاصة مع موقع قناة المنار.

 

الخطوة الإيرانية المتمثلة بعبور سفينتين حربيتين عبر قناة السويس، يضيف موسى، من شأنها أن تعطي دفعاً لقوى المقاومة، إذ إن المعادلة الجديدة تعني أن المقاومة باتت أقوى بكثير مما كانت عليه في السابق وهذا ما يقلق الكيان الصهيوني ويجعله يدرك أن هناك شيء ما يخبئه حزب الله.

 

وبحسب موسى، فإن معادلة الجليل الجديدة زادت من حالة الإرباك التي يعيشها العدو في ظل ما يجري من ثورات في المنطقة وخصوصا بعد سقوط النظام المصري.

 

«الجليل هي المنطقة المأهولة الثانية في كيان العدو وتأتي بعد منطقة وسط إسرائيل، ومن المعلوم أن جنوب الكيان غير آهل بالسكان. وتتسم منطقة الجليل بأهمية كبرى كونها منطقة ذات بعد استراتيجي فهي ما يسميه العدو بالجبهة الشمالية وهي على حدود لبنان وسوريا، وتعتبر درّة الاقتصاد الإسرائيلي لما فيها من منشآت صناعية مهمة، وإنتاج زراعي كبير، بالإضافة إلى أنها منطقة سياحية نشطة»، يقول موسى.

 

عندما تزيد أي قوى من قدراتها تزيد من أهدافها ومهامها

 

من المفيد مراقبة من يجري في كيان العدو بعد خطاب الأمين العام لحزب الله، لكن لذاك الخطاب أبعاد يجب التوقف عندها لتحليلها... ولهذه الغاية شرح لنا الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد أمين حطيط دلالات (معادلة تحرير الجليل) الجديدة وقال في مقابلة خاصة مع الموقع إنه «في العمل العسكري هناك قاعدة ذهبية مفادها أن السلوك المتبع يكون دائماً نتيجة عنصرين اثنين: الأول هو الذات، والثاني هو البيئة التي من شأنها أن تشكل واقعاً ملموساً. ومن نافل القول إنه عندما تزيد أي قوة من قدراتها، فإنها تزيد من أهدافها ومهامها، وبالتالي تتغير استراتيجتها وتبقى بتغير دائم بحسب ما تقتضيه المصلحة وبحسب المتغيرات الحاصلة».

 

المراحل التي مرت بها المقاومة وصولا إلى (معادلة الجليل).

 

وفي دراسة للمراحل التي مرت بها المقاومة، قال العميد حطيط: «نجد أن قدرات المقاومة عندما انطلقت في العام 1982 كانت ضعيفة جدا وكانت أدواتها الحجر والزيت المغلي، وكانت إستراتيجيتها وقتها أن تقول للعدو إنه مرفوض».

 

«تتطورت بعدها المقاومة وتتطورت قدراتها وبالتالي تغيرت إستراتيجيتها وبدأت بشن الهجمات على مواقع العدو واتّبعت إستراتيجية رفع كلفة الاحتلال، أي تكبيد العدو خسائر كبيرة بشكل لا يستطيع تحملها، وهذا ما تحقق في العام 2000، عام التحرير وعام الانسحاب المذل للإسرائيليين.

 

وبعد أن طردت المقاومة العدو الصهيوني، زادت من قدراتها أيضاً، واتبعت إستراتيجية رفع ثمن الهجوم الإسرائيلي على لبنان، وقد نجحت المقاومة عام 2006 بالفعل، وجعلت العدو يهجم ولا ينتصر فحققت بالتالي انجازاً نوعياً جعل العدو يفكر ألف مرة قبل الدخول في أي حرب جديدة»، يقول العميد حطيط.

 

ويضيف أنه بعد العام 2006 أكملت المقاومة العمل على زيادة وتطوير قدراتها  حتى وصلت إلى يومنا هذا، إلى مرحلة أرست فيها معادلة التكافؤ المتقابل بالأهداف التي يمكن استهدافها عند المقاومة وعند العدو، وهذا ما جعل سماحة السيد حسن نصر الله يعلن في آخر خطاب له عن معادلة جديدة هي معادلة (تحرير الجليل)، وهذا ما يبرز واقعاً جديداً بأن المقاومة باتت تملك القدرة.

 

وبمعادلة الجليل تكون المقاومة قد انتقلت إلى أعلى سقف دفاعي ممكن وهو (الهجوم في معرض الدفاع)، وقد اختارت المقاومة هذا النمط لأنها أرست تكافؤاً ميدانياً وامتلكت قدرات عسكرية تمكنها من تحقيق انجازات نوعية جديدة.

 

لماذا الجليل ؟؟؟ ...

 

لماذا هدد سماحة الأمين العام لحزب الله بتحرير الجليل، هل لتميز المنطقة عن غيرها؟ جواب الخبير الاستراتيجي العميد أمين حطيط جاء كالتالي: «أولاً، من حيث أهميته الجغرافية، فهو بقعة ملاصقة لجنوب لبنان وامتداد طبيعي له. ثانياً، هي منطقة مغطاة وفيها الكثير من الصخور والتضاريس التي تخدم أسلوب المقاومة وتجعلها تحقق أهدافها بما يعرف بالأسلوب الوسطي، أي بين الأسلوب التقليدي وغير التقليدي.

 

ثالثاً، من حيث عدد سكانها وطبيعتها الاقتصادية فهي منطقة مكتظة بالسكان وفيها الكثير من المصانع المهمة والمنشآت المهمة. رابعاً، جزء من العرب الموجودين في منطقة الجليل يتوقون لتحرير أرضهم وهذا يعني بأن في الجليل سكان موالون وهذا عامل مناسب للمقاومة وسيشكل دعما للمجاهدين».

 

(معادلة الجليل).. معادلة سياسية وعسكرية

 

تخطت معادلة (تحرير الجليل) فكرة كونها معادلة عسكرية فقط. فهي معادلة عسكرية وسياسية في آن معاً وقد شرح العميد حطيط هذا الأمر بالقول: «الجميع يعرف أن للبنان أرض مقتطعة منه تبلغ مساحتها 120كلم مربع، وهذه المساحة المقتطعة تُعرف بقطاع القرى السبع الذي يضم قرية المالكية، قدس، النبي يوشع، إبل القمح، صلحة، وتبريخة. وبالإضافة إليها، هناك الكثير من المزارع المقتطعة من الجانب اللبناني منذ العام 1920 وهي مضمومة إلى أراضي فلسطين المحتلة، مشيرا إلى أن أهل تلك المنطقة يحملون الجنسية اللبنانية وبالتالي فتلك المعادلة تأخذ أيضا الطابع التحريري والطابع التحريري يعني استعادة الأرض وإعادة الأهالي إلى قراهم، وبذلك تكون المعادلة معادلة عسكرية وسياسية».

 

الحدود الجغرافية للجليل ...

 

الحدود الجغرافية للجليل هي على الشكل التالي: الأراضي اللبنانية شمالاً، فيما تأتي هضبة الجولان المحتل على الحدود الشرقية منهـ أما غرباً فالبحر الأبيض المتوسط.

 

يطلق أهل الجغرافيا على الجليل لفظة جبل عامل لاشتراكه مع لبنان في مساحته الطبوغرافية، أما جغرافياً، فتبلغ مساحته نحو ألفين وثلاثة وثمانين كلم مربعاً تنقسم إلى ثلاثة أجزاء: أعلى وغربي وأسفل.

 

الجليل الأعلى: تبلغ مساحته ألف وخمسمائة كيلومتر مربعاً تمتد سبعمائة كيلومتر منها داخل الأراضي اللبنانية وتصل إلى نهر الليطاني، بينما يقع نحو ثمانمائة كيلومتر منها داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 

أما أبرز مدنه فهي عاصمته مدينة صفد التي تضم مطاراً حيوياً بالنسبة لمستوطني الشمال.

 

يمتاز الجليل الأعلى بحدوده مع سهل الحولة وغور الأردن ما يجعله منفذا برياً سهلاً إلى الأردن.

 

الجليل الغربي: يعتبر جزءاً من الجليل الأعلى إلا أنه يتميز بموقعه المطل على البحر، ويمتد من نقطة الناقورة شمالاً حتى ما قبل حيفا جنوباً، وتشكل نهاريا وعكا أبرز مدنه، فيما يبقى لافتا قربه من مدينة حيفا.

 

الجليل الأسفل: يمتد من كرمئيل شمالاً حتى مرج بن عامر جنوباً بمساحة تقدّر بنحو سبعمائة كيلومتر مربع.أهمية الجليل الأسفل لا تقف فقط عند قربه من مدينة نابلس بل بكونه يضم مدينة طبريا، وبالتالي يشكل واجهة كبيرة على بحيرة طبريا. أكبر مدنه هي مدينة الناصرة، ويقيم فيه مستوطنون يهود إلى جانب العرب المسلمين والدروز والمسيحيين.

 

يقدر عدد سكان الجليل بنحو مليون نسمة أي حوالي سبع عشرة بالمائة من سكان الكيان الغاصب، أما أهميته فتبقى بطبيعته الجغرافية التي تجعل منه واحة سياحية كبيرة، حيث يلجأ إليه معظم سكان (إسرائيل) في فترات الاستجمام، ويبقى لافتاً أن الجليل يشكل في أي حرب مقبلة قاعدة لتجمع جنود العدو على الحدود الجنوبية مع لبنان.