- محورية أمريكا و«إسرائيل»

 

الحقيقة كان يمكن لهذه النقطة أن تندرج في النقاط السالفة، لولا أن الهدف هو إبراز محورية أمريكا دولياً و«إسرائيل» إقليمياً في المواجهة الحاضرة التي يعيشها المسلمون.

 

النص الخمينيّ حافل بدلالات مكثفة على مواجهة الاستكبار بصرف النظر عن هويته، سواء أكان غربياً أو شرقياً، رأسمالياً أو شيوعياً، إذ المطلوب مواجهة كل ضروب التبعية والقطع معها: «دافعوا حيثما كنتم عن إسلامكم ووطنكم، وقاوموا عدوكم المتمثل بأمريكا والصهيونية العالمية والقوى الكبرى الشرقية والغربية» [1]. كذلك تساؤله أمام مجموعة من الضبّاط الباكستانيين الذين زاروا سماحته في شهر محرم 1400هـ: «إلى متى نبقى تحت سلطة الأجانب؟ إلى متى يحكمنا المستشارون العسكريون الروس والأمريكيون؟ وإلى متى يحكمنا عريف روسي أو أمريكي أو بريطاني؟» [2]. وربما كان أوضح من ذلك كله كلام الإمام ربيع عام 1980م: «إننا نعادي الشيوعية العالمية بقدر مناهضتنا القوية للمستعمرين الغربيين بزعامة أمريكا والصهيونية وإسرائيل. أصدقائي الأعزاء: اعلموا أن خطر الشيوعية ليس بأقل من خطر أمريكا... لأن كلتا القوتين المتجبرتين متأهبتان للقضاء على الشعوب المستضعفة» [3].

 

بيد أن ذلك كله لا يمنع من قراءة الواقع وإعادة ترتيب الأولويات بدقة لرؤية الأخطار التي تحدق ببلاد المسلمين. ولا ريب أن قراءة كهذه تفيد أن أمريكا هي الخطر الأول الذي راح يواجه العالم الإسلامي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وإلى جوارها ركيزتها «إسرائيل» ، خاصة مع وجود الحصانة النفسية والوجدانية التي تتحلى بها الشعوب بإزاء المذهبية الماركسية ونظامها السياسي والاجتماعي ورؤيتها الثقافية والاقتصادية.

 

أما في ظل التطورات الحاضرة التي تسارعت في منطقتنا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينيّات القرن الماضي، فلم يعد الخطر الأمريكي-الصهيوني موضع شك أو تردد من أحد.

 

على هذا، من المنطقي أن يكون الخطاب النهضوي الخمينيّ منسجماً مع نفسه، حين يحذّر من مركزية التهديد الأمريكي وخصوصيته لإيران والعالم الإسلامي، دون أن يهمل مخفرها الأمامي في منطقتنا (إسرائيل): «ألا فليعلم العالم بأسره أن جميع مصائب شعب إيران وبقية الشعوب الإسلامية إنما مصدرها الأجانب المستعمرون خاصة الأمريكان» [4].

 

كذلك وعلى نحو دال، تصريحات سماحته:

 

«إن كل مصائبنا اليوم هي من أمريكا وإسرائيل، فإسرائيل جزء من أمريكا» [5].

 

«بالأمس كانت البلاد الإسلامية عامة تئن من وطأة الاستعمار الإنجليزي وحكم أذنابهم، واليوم تئن من قبضة الأمريكان الاستعمارية وعملائهم المحليين» [6].

 

«أمريكا هي التي تتعامل مع المسلمين بهذا الشكل الهمجي...أمريكا هي التي تعد الإسلام عدواً وخصماً لها» [7].

 

مع أن الفكر الخمينيّ يدخل في قطيعة شاملة مع التبعيات مهما كان لونها ومرجعها الدولي، لكن ذلك لم يمنع أن تكون وجهة النهضة و«وجهة الشعب الإيراني المسلم ضرب المصالح الأمريكية والإسرائيلية والقضاء عليها» [8].

 

«لقد أصبحت بلادنا سوقاً لأمريكا» [9].

 

يحرص الإمام في الأغلب على الجمع في نصوصه بين الخطر الأمريكي والخطر الصهيوني، انسجاماً مع فهمه الذي يرى فيه «إسرائيل» جزءاً من أمريكا نفسها، حتى لنستطيع القول باطمئنان إن العالم الإسلامي لم يشهد في العقود الأخيرة رائداً من رواد النهضة ورموز الإحياء أولى الخطر الأمريكي والإسرائيلي كل هذا الاهتمام.

 

فيما تبقى من مساحة هذه الفقرة، نمر على عدد من النصوص الدالة تاركين التفاصيل إلى الملفات المختصة التي غطّت هذا الجانب من فكر الإمام[10]:

 

{يذهب الإمام إلى أن المشروع الاحتلالي الاستيطاني الصهيوني ولد نتيجة حالة توافق استراتيجي دولي بين الشرق والغرب. فقوى الغرب والشرق على تنافسها في ما بينها هي متفقة في أطماعها بالعالم الإسلامي، لذلك لم يكن غريباً أن تلجأ إلى زرع ما دأب الفكر السياسي للإمام على تسميته بـ«الغدة السرطانية» ، حيث يقول: «لقد كانت ولادة إسرائيل نتيجة طبيعية للتوافق الفكري بين دول الاستعمار الشرقية والغربية. حيث عملوا بإيجادها على استغلال العالم الإسلامي واستعماره واقتسامه وتدميره، واليوم نرى بوضوح دعم كل الأطراف الاستعمارية لها» [11].

 

{عندما انطلقت حرب رمضان عام 1393هـ (1973م) عبّر الإمام عن تأييده لها بحماس منقطع النظير، إذ لم نلمس لعلماء المسلمين على كثرتهم مثل اهتمامه بموضوعها: «الآن وقد اشتعلت نار الحرب مرة أخرى، وهبّ المسلمون من إخواننا يضحّون بأنفسهم في ساحات القتال وميادين الشرف ببطولة نادرة ومشرّفة من أجل استئصال جذور الفساد ومن أجل تحرير فلسطين، فإن واجب جميع الدول الإسلامية ـ وخاصة الحكومات العربية، وبعد الاتكال على الله وقدرته الأزلية ـ هو تعبئة جميع طاقاتها وقواها والمبادرة إلى مساعدة الرجال المضحّين على خط النار، فهم متطلعون إلى أمّتهم الإسلامية بكل أمل، وأن تشترك في تحرير فلسطين وبعث كرامة الأمة وعظمة الإسلام في هذا الجهاد المقدس» [12].

 

عن زيارة السادات للقدس عام 1977م ومرحلة كامب ديفيد، قال سماحته: «اتفاقية كامب ديفيد ليست إلا خدعة ولعبة سياسية لمواصلة الاعتداءات الإسرائيلية ضد المسلمين، وإنني قد أدنت إسرائيل في كلماتي وبياناتي منذ أكثر من (15) سنة، ودافعت عن الشعب الفلسطيني وأراضيه» [13].

 

عندما احتلَّت قوات العدو الصهيوني الجنوب اللبناني في ربيع 1978م أدان الإمام تحالف النظام الملكي في إيران مع تل أبيب ودعمه لها، ثم قال محذراً: «أكثر حكومات البلدان الإسلامية تقف متفرجة أمام هذا الأمر المصيري، غافلة عن أنها لو استمرت في تقدمها هذا فستعامل الدول الأخرى بنفس الأسلوب» [14].

 

«منذ ما يقارب العشرين سنة أعلنت في كلماتي والبيانات الصادرة عنّي عن مخالفتي لعلاقة الشاه بإسرائيل، كما أعلنت عن دعمنا ونصرتنا لقضايا الأمة العربية والفلسطينية المشروعة الحقة ولثورتهم ضدّ إسرائيل» [15].

 

«منذ سنوات طويلة كنت قد تحدثت مراراً عن إسرائيل وجرائمها وقلت إنها غدة سرطانية زرعت في زاوية من زوايا العالم الإسلامي، وهي لا تكتفي بالقدس بل تريد التوسع أكثر، وسياستها تابعة للسياسة الأمريكية» [16].

 

بتاريخ 10/11/1979 التقى مراسل تلفزيون ألمانيا الغربية بالإمام الخمينيّ وسأله: «من مطالبكم القضاء على إسرائيل، فما هو مصير اليهود فيما لو انتصر الشعب الفلسطيني وقضي على إسرائيل؟ فأجاب سماحته: «إن حساب اليهود منفصل عن حساب الصهاينة، فإذا ما انتصر المسلمون على الصهاينة، فسيكون مصير اليهود كمصير اليهود عندنا بعد القضاء على الشاه المخلوع. فلا شأن لنا باليهود، إنهم أمة كسائر الأمم الأخرى ولهم حقّ في الحياة» [17].

 

أما الحل فلا يخفي الإمام أنه يمثل بالقضاء على «إسرائيل» ككيان سياسي احتلالي، وإلا فما لم «تجتث الأمة الإسلامية جرثومة الفساد هذه من الجذور، فلن يهدأ لها بال ولن يستقر فيها حال» [18].

 

 6-المسألة الثقافية

 

لكي نتوفر على رؤية مباشرة وواضحة في نظرة الإمام الخمينيّ للثقافة، سنتحاشى الدخول في جدل المعنى واختلاف التعريف[19]، ونعتمد على المعنى العرفي المتداول على مستوى الوعي العام.

 

كما يمكن لمحصلة النقاط التي سنعرض لها لاحقاً أن ترسم لنا تحديداً للثقافة التي يتحدث عنها الإمام. وبرغم اعترافنا بتعقيد جوانب المسألة الثقافية عندما نريد أن نطل عليها من فكر النهضة على وجه التحديد، إلاّ أن ذلك لا يمنعنا من متابعة أساسيات تعريف الإمام للمسألة الثقافية من منظور الثورة التي انطلقت في إيران، أو النهضة التي يراد لها أن تتحرك في العالم الإسلامي.

 

ومع كثافة هذه الأساسيات وامتدادها سنركز على أربعة منها، ربما لأنها عناصر مشتركة أو هموم موحدة تشغل الوعي الإسلامي التغييري على امتداد رقعة العالم الإسلامي من مغربه حتى مشرقه.

 

وهذه الأساسيات التي نعنيها، هي:

 

1- الثقافة كأصل.

 

2- هوية الثقافة.

 

3- الأصالة ونفي التغريب.

 

4- البعد المعنوي في الثقافة.

 

الثقافة كأصل

 

تفيد نصوص الخطاب النهضوي للإمام بمركزية الثقافة في النهضة بشكل عام وفي حركة الثورة بشكل خاص. لذلك نجد أن الميراث الذي تركه الإمام تحتل فيه الثقافة حيزاً كبيراً.

 

عندما نسجل أن الثقافة تحتل موقعاً مركزياً في النهضة، فإن ما نعنيه هو توفر رؤية الإمام على عناصر تحليل ومخاطبة لا تقتصر على أوضاع إيران الثقافية، بل تمتد لتشمل أوضاع العالم الإسلامي بشكل خاص، والشعوب المستضعفة بشكل عام. إن المقولات التي أطلقها الإمام بشأن مركزية الثقافة، الاستقلال الثقافي، التبعية الثقافية، الهوية الثقافية، هي مقولات يتجاوز مداها الشأن الإيراني والإسلامي لتعمّ شعوب الأرض جميعاً من دون استثناء، بصرف النظر عن طبيعة الموقف الفكري الأيديولوجي والعملي منها.

 

ما يمكن أن نلمسه في نصوص الإمام ورؤاه ومواقفه الثقافية هو هذه السعة والامتداد والعراقة، حيث اقترن انشغاله بالمسألة الثقافية مع بواكير حياته العامة، إذ كتب «كشف الأسرار» في العقد الثالث من حياته. وهذا الكتاب علاوة على أنه ردّ نقضي على صاحب كتاب «أسرار عمرها ألف عام» ، فهو ينطوي على رؤى نافذة في المسألة الثقافية، بيد أن الذي يؤسف له، أنه لم ينل حتى اللحظة العناية الكافية التي يستحقها.

 

الثقافة إذن أصل. وعندما نعود للنصوص الدالة نقرأ على لسان الإمام بعد مدة وجيزة جداً من الانتصار وتحديداً في 9/7/1933هـ قول سماحته: «الثقافة على رأس الأمور كلها» . هذا الأصل يقرره الإمام بدايات الانتصار ليتحول إلى أساس في بناء الدولة الإسلامية.

 

لكي يدلل سماحته على أولوية المسألة الثقافية في الثورة -داخل إيران- يلفت نظر المسؤولين إلى هذا الواقع بقوله: «إن ثقافتنا ومدارسنا كانت منذ أول يوم مورد اهتمام المخالفين لأنهم يعلمون أن كل ما يحدث هو بسبب الثقافة» .

 

أما على مستوى خطاب النهضة العام الذي يتجاوز إقليم الثورة ويشمل العالم الإسلامي فالإمام يقرر مسألة على غاية الخطورة في قضية الثقافة حين يقول: «إن طريق إصلاح بلد ما يمر من إصلاح ثقافته. ولابدّ أن يبدأ الإصلاح من الثقافة» .

 

يعود تاريخ هذا النص إلى ما يزيد على الثلاثة عقود من الآن وبالتحديد لتاريخ 1/5/1384هـ. ولهذا دلالته على صعيد الإشارة إلى عنصر الثقافة وموقعها المبكر في الحركة الإحيائية للإمام.

 

كما أن الثقافة حين ترتقي لتكون أصلاً فهي تتجاوز في محتواها المعلومات المجردة والمعارف المحضة وحتى حصيلة الوعي الاجتماعي إلى ما يقاربها بمعنى الحضارة. وإذا صحّت هذه المقاربة فهي تعيد إلى الأذهان إلى ما كان يلحّ عليه المرحوم مالك بن نبي في عظيم تأكيده على الحضارة وهو يصيح: «إن مشكلة كل شعب في جوهرها مشكلة حضارية» .

 

أما الإمام فيرى أن المشكلة هي مشكلة الثقافة و «أن كل ما يحدث هو بسبب الثقافة» و «طريق إصلاح أي بلد يمر عبر إصلاح ثقافته» لذلك «لابدّ أن يبدأ الإصلاح من الثقافة» .

 

لكن ينبغي لهذه الرؤية أن لا تصنّم الثقافة من جهة، كما عليها من الجهة الثانية أن لا تسقط في المثالية النظرية بإلغائها الواقع وتسطيحها لعوامل التعويق الخطيرة التي يكتنزها.

 

ثمَّ ملاحظة أخرى فعندما نشير إلى أن الثقافة أصل في حركة الإحياء الديني التي قادها الإمام، فلا نعني بذلك ما يساوي الاستخدام الحديث للعقل -مثلاً- كأصل. وإنما تقوم الثقافة بوظيفة إجرائية، ولكن أيضاً لا بالمعنى الفني لكلمة إجرائي ووظيفي. فهي أقل من الأصل القائم بذاته المنفصل عن غيره المهيمن على ما سواه، وبالتالي فهي ليست سلطة ولا مرجعاً سلطوياً قامعاً ومهيمناً، كما لا تختزل أيضاً بكونها مجرد أداة إجرائية لا تعي لنفسها وظيفة إلا في سياق السلطة التي تحركها، إنما هي حد وسط بين الأصل القامع والوجود التابع.

 

 هوية الثقافة ومرتكزها

 

الثقافة مصطلح عام والجدل ما يزال يشغل العالم العربي والإسلامي بل العالم أجمع حول المسألة الثقافية من زاوية ما تكون عليه من تنوّع وخصوصية، فثمة من يذهب إلى أن الثقافة الإنسانية واحدة لا تتجزأ وهي تعمّ البشر جميعاً، فيما يذهب البعض الآخر إلى خصوصية ثقافة كل مجتمع وفئة وأمة. هناك في العالم العربي والإسلامي من يتبنى الحالة المنطلقة من مفهوم «المثاقفة» الذي يعني به الاحتفاظ بالخصوصية والانفتاح على ثقافة الآخرين.

 

وعندما نعود بالمسألة إلى رؤية الإمام نلاحظ أنه يعيد بناءها عبر جدل معين وعلاقة تنتظم مجموعة عناصر تجمعها إلى بعضها لصياغة الرؤية الأخيرة. الإنسان لدى الإمام هو أساس الهزيمة والنصر، وعلى حدّ قول سماحته: «جميع الانتصارات والهزائم تنطلق من الإنسان» .

 

لكن من يبني الإنسان ويصوغه؟ يجيب الإمام: «الثقافة مصنع الإنسان» . هذا المعنى لدور الثقافة يتقارب بل يتطابق مع المعنى الكانتي للثقافة ودورها وعلاقتها بالإنسان، إذ يقول كانت (ت: 1804): «إن كل التقدم الثقافي يمثل تعليم الإنسان... وأكثر الموضوعات أهمية بالنسبة للثقافة هو الإنسان الذي وُهب العقل» [20].

 

إذا توفر الإنسان أمكن للنهضة أن تنطلق. وبحسب نصوص الإمام: «إذا صنعنا الإنسان فإن وطننا ينمو ويتكامل» ، وفي نص آخر يقول: «إن مصير البلاد بيد الإنسان» وإذ يتضح دور الثقافة والإنسان الذي تبنيه، فإن السؤال الأساس يبقى معلقاً على معرفة ماهية هذه الثقافة والمرتكز الذي تقوم عليه.

 

عند هذه النقطة يواجهنا النص الخمينيّ التالي: «المدارس الإلهية والتوحيدية هي التي تصنع الإنسان [و] إذا وجد الإنسان في بلد فأنه يجلب له الحرية والاستقلال الفكري والاستقلال الروحي والاستقلال الإنساني» .

 

إذن، فالتوحيد هو مرتكز الثقافة المنشودة وماهيتها، والإسلام هويتها، على هذا المنوال نؤسس خصوصيتنا في مسألة الثقافة عندما نطرح موضوع الثقافة الإسلامية كمصنع لإعداد وبناء الإنسان القادر على إيجاد النهضة.

 

بيد أن المشكلة أن الإمام في صدد نهضة، والنهضة موضوع منوّع، من جدلية البناء والهدم والمواجهة والتحدي، لذلك فإن مجرد تقرير هوية ومرتكز وماهية للثقافة لا يعني غلق المسألة وحسم الموضوع، لا سيما أن ّالعالم الإسلامي مستباح بجلّه للغرب منهك بالاستبداد الداخلي، بعبارة أوضح: إن طرح مقولة خصوصية الثقافة الإسلامية كأصل من أصول النهضة والإحياء في إيران والعالم الإسلامي لا ينهي المشكلة، ففي العالم الإسلامي الآن أنظمة تعمل ضد الثقافة الإسلامية، والشعوب الإسلامية تعيش ارتهانات وتبعيات موغلة للغرب، منها التبعية الثقافية، فكيف يصار إذن إلى تعميم الثقافة الإسلامية بمواجهة ثقافة التغريب؟

 

ثمَّّّّّ إن الثقافة الإسلامية ذاتها عنوان عام يحتمل ـ بل يطوي ـ الكثير من الاحتمالات والتأويلات التي تجعلها صيغاً وأنماطاً متضاربة أحياناً، لذلك سينبثق سؤال عن خصائص الثقافة القادرة على بناء الإنسان وصياغته وانطلاق النهضة.

 

في منهج الإمام أثناء تعاطيه مع الهم الثقافي في الكثير من النقاط التفصيلية التي توفر إجابة عن الأسئلة الآنفة وغيرها، ولما كان المكان لا يتيح أكثر من استعراض الأساسيات، فسنتابع اثنين من أخطر التحديات التي تثار بوجه الثقافة الإسلامية، وبالتحديد ثقافة النهضة والتغيير.

 

 الأصالة ونفي التغريب

 

يحتفظ النص النهضوي والإحيائي للإمام بقيمة حيوية في معالجة قضايا التغريب في الثقافة الإسلامية وواقع المسلمين. ولعل أحد أبرز أسباب هذه الحيوية تكمن في أن نهضة الإمام انطلقت في ظرف تعيش فيه الأمة استلاباً خطيراً إزاء الغرب، وفي وقت بلغت فيه سطوة الغرب ذروتها على العالم الإسلامي.

 

الأصالة الإسلامية ونفي التغريب حقيقة شديدة الحضور في فكر الإمام ونهضته. يقول سماحته مخاطباً المسلمين في نداء الحج لموسم سنة 1400هـ: «اعتمدوا على الفكر الإسلامي وحاربوا الغرب والتغرب وقفوا على أقدامكم واحملوا على المثقفين الموالين للغرب الشرق واكشفوا هويتهم» . هذا النص للإمام هو نص نهضة عبر ما ينطوي عليه من شمولية وعموم للمسلمين كافة. كما أنه يحمل الدلالتين معاً، دلالة استعادة الهوية واكتشافها من خلال الأصالة، ونفي التغريب.

 

هذا النص ينصب الهوية أصلاً إزاء تيارات الغرب والشرق ومنهجياتهما، لاسيما أن العادة جرت على استخدام مصطلح التغريب كعنوان دال على كافة المؤثرات التي تتموضع في بنية الثقافة الإسلامية ومضمونها من الشرق والغرب معاً. عندما تتحول الثقافة إلى سلطة تقمع وتلغي وجود الثقافات الأخرى أو على الأقل تشوهها وتهمشها، مستفيدة من ألوف المعارف البشرية والأرضية شرقية وغربية، ستكون عندئذٍ أُمّ الأمراض أو بتعبير الإمام في وصفها: «إن الثقافة الاستعمارية التي تزداد يومياً هي أُمّ الأمراض» ، بل يذهب الإمام إلى أن سقوط العالم الإسلامي بدأ أولاً من خلال التسلط الثقافي الغربي وإن أكبر التبعيات التي تسود الشعوب الإسلامية والمستضعفة هي التبعية الفكرية.

 

في نصين متوازيين يعبر الخطاب الخمينيّ عن هذه الحقيقة بقوله: «إن أكبر التبعيات هي تبعية الشعوب المستضعفة الفكرية للقوى الكبرى وللمستكبرين. وجميع التبعيات تنبع من التبعية الفكرية هذه، ومادام الشعب لم يحصل على الاستقلال الفكري فلا يمكنه أن يستقلّ في الأبعاد الأخرى» . وفي النص الثاني يقول سماحته مخاطباً وفداً من لبنان زاره سنة 1400هـ: «إن السبب الأساس في تسلط الغرب أو الشرق على جميع الأقطار الإسلامية هو التسلط الثقافي» .

 

 الحقيقة أن هذا الفهم لم يعد غريباً حتى في تيارات الفكر العربي المعاصر المهموم بقضايا تغيير الأمة، فهذا أحد رموز هذا الفكر يكتب نصاً: «فقد كان من أهداف الاستعمار القضاء على الهويّات الثقافية للشعوب كمقدمة للقضاء على الهويات القومية حتى يسهل عليه السيطرة العسكرية والهيمنة الثقافية. وكانت حجة الاستعمار في الاستمرار أنه لا توجد هويات قومية أو ثقافية للمستعمرات! وما زال الغزو الثقافي مستمراً بالرغم من تغير أشكاله بما في ذلك نقل التكنولوجيا» [21].

 

إن حاجة العالم الإسلامي اليوم للتحرّر من التبعيات، وتحقيقه ذاته، واستعادته هويته الإسلامية التوحيدية تدعوه بشكل ملحّ إلى دراسة أطروحة الإمام في المسألة الثقافية ولاسيما البعد الذي يرتبط بالتغريب.

 

 البعد المعنوي في الثقافة

 

الثقافة مصطلح عام وعنوان يشتمل على مفردات واسعة، وينطوي على تنوع كبير حتى في حال انتساب الثقافة للإسلام.

 

الإمام يحدد سمات الثقافة الإسلامية المنشودة في النهضة، ويعطي الهدف والقيمة لها من خلال قدرتها على تربية الإنسان وتزكيته، ولو بقيت الثقافة كعنوان عام بدون قيود وضوابط ومحددات تصير أداة هدم أو لا تؤدي غرضها على الأقل.

 

يقول سماحته في هذا المضمار: «العالم الذي لا يقترن علمه بتهذيب الأخلاق والتربية الروحية، فإن علمه يستوجب ضرراً للشعب والوطن يأتي أكثر من ضرر الذين لا يعلمون» . وفي نص آخر لا يعبأ الإمام بالقيمة المعرفية لأشرف العلوم، إذا انسلخت عن هدفها الإلهي وانفصلت عن قاعدتها الأخلاقية، حيث يقول: «التعليم والتعلم، الفقه والفلسفة، وعلم التوحيد، ما دامت لا تكون باسم الله فإنها لا تنفع» .

 

إذا كان البعض لا يفقه هذه المعاني أو يستغربها وينسبها للتطرّف والمثالية، فإن ما يجب أن ننتبه إليه أن حركة الإمام وأفكاره في النهضة هي جزء من حركة الإحياء الديني، وبالتالي هي حركة تنفتح على الغيب أولاً وتستمدّ منه قبل كل شيء؛ وهي في هذا المعنى تلتقي مع الأساس المتين لعقيدة المسلم الذي لا يصحّ منه إسلامه دون هذا الانفتاح العميق على الغيب والاستمداد منه.

 

وهذا هو جوهر الحركة الإحيائية للإمام وأصل خطابها النهضوي سواء أكان ثقافياً أو غير ثقافي.

 

 7- الشعب أم المؤسسة؟

 

مَن الذي يُبرز حركية التعبئة في بلاد المسلمين الشعب أم المؤسسة؟ تكشف قراءة التجربة الخمينية في إيران واستلهام منطلقاتها النظرية أن الإمام رفض إخضاع المسألة إلى خيارين هما الشعب أو المؤسسة، فالأصل هو الإنسان و الشعب، والمؤسسة العسكرية، أو الجهادية أو التعبوية هي مجرد إطار أو وسيلة تمليها الحاجة إلى إدارة فعل المقاومة أو المواجهة أو الدفاع.

 

بناءً على أصالة الأصل شهدت التجربة الإيرانية ثلاث صيغ مؤسسية للقوة العسكرية هي الجيش والحرس الثوري وقوات التعبئة الشعبية، من دون أن يكون أي واحد منها بديلاً للأصل المتمثل بالشعب نفسه، ولا ينبغي أن يحصل ذلك، وإلا فهي الكارثة ونهاية التجربة ذاتها!

 

على هذا نعتقد أن سؤال: هل تومئ التعبئة في فكر الإمام إلى فئة عسكرية ومؤسسة خاصة أم أنها تمثل مفهوماً عاماً يطوي خللاً منهجياً؟ ففكر الإمام يتناول بالدرجة الأولى والأخيرة حالة الشعب بشكل عام، وإذا أراد أن يتخصص بفئة، فإن ذلك يعود إلى ارتباط هذه الفئة بالبنية الاجتماعية العامة. بمعنى أن الإمام عندما يتحدث عن الجامعة كمفهوم أو ظاهرة، وعن المثقفين كفئة، فلا يقصد التعامل الميكانيكي مع هذه الظواهر بوصفها وجودات مستقلة قائمة بذاتها، الواحدة فيها بمعزل عن الأخرى، بل ينظر إليها سماحته كبنى مترابطة تدخل بشكل متواصل في تكوين النسيج الاجتماعي العام أو ما نطلق عليها حالة الشعب.

 

وفي غير هذا الاتجاه من النظر سيقع دارس نهضة الإمام الخمينيّ في خلل منهجي خطير تسقط معه أول ما تسقط القيمة التغييرية في فكر الإمام. فالإمام قبل كل شيء هو داعية الإسلام الذي يعنيه أن يدخل حالة الشعب -وحال الأمة في مستوى آخر- بمفهومها العام والشامل ليقطع صلتها مع كل ما هو غير إسلامي، ويعيد صلتها بالإسلام.

 

قضية التعبئة لا تخرج عن هذا الفهم، فمقتضى القيمة التغييرية لفكر الإمام تفرض أن يدخل سماحته المفهوم (التعبئة) في الحالة الاجتماعية العامة ليخلص إلى بناء حالة عسكرية متخصصة.

 

لا ريب أن الترابط القائم بين الاثنين واضح بينهما، فليس بمقدور الأمة الراكدة المخدرة أن تنتج حالة جهادية تعبوية عسكرية فاعلة، ،خاصة كالحالة الواسعة التي شهدتها الثورة الإسلامية. فعملية توجّه مئات الآلاف من المقاتلين من كافة الفئات الاجتماعية إلى جبهات القتال وحضورهم الفاعل/ الرادع طوال سنوات الحرب الثماني، لم يكن أمراً ممكناً لو لا أن الشعب ذاته خضع بدرجة وأخرى إلى حركية مفهوم التعبئة وتفاعل مع القيم الجهادية لهذا المفهوم.

 

 ما ينبغي الإشارة إليه في نهاية هذا التوضيح أن من دأب الإمام ودأب منهجه التغييري أن يتوجه نحو الأمور الكلية العامة فيكسر بناءاتها القديمة ويعيد تشييدها مرة أخرى على أساس الإسلام ووفق مفاهيمه وأحكامه.

 

إذن، بدأت التعبئة حالة اجتماعية/شعبية عامة قبل أن تتخصص بقوات التعبئة المعروفة في إيران بـ(البسيج) ومؤسستهم. بل لم يكن لظاهرة (البسيج = التعبئة) أن تولد وتنمو بالسعة والعمق اللذين شاهدناهما بها، خلال سنوات الحرب الثماني من دون أن يكون خلفها وفي قاعدتها التحتية أمة معبأة مستعدة للتضحية والعطاء.

 

نصوص الإمام الراحل وفيرة وواضحة في هذا الاتجاه، ففي حديثه مع ضيوف الجمهورية الإسلامية بمناسبة الذكرى الخامسة للانتصار، قال سماحته معبراً عن الروح الشاملة لمفهوم التعبئة: «قبل الثورة الجبارة والقاصمة التي وقعت في إيران، وقعت في داخل الجماهير ثورة تمثلت في توجه جميع الشعب نحو الإسلام الذي كان إلى هذا العصر، وخصوصاً في القرون الأخيرة، في طيّ النسيان، ولم يبق منه سوى طقوس جامدة لا أثر لها على أحوال الشعوب» .

 

يطالعنا هذا النص بعد إثباته التعبئة كمفهوم عام يعم الشعب جميعاً، بأن مضمون التعبئة يقوم على الإسلام دون غيره، وأنَّّّ قيمة التعبئة الأساسية تكمن في الفداء والتضحية.

 

بعد هذه الإشارة الوجيزة نعود مرة أخرى إلى الإمام، وهو يعرض لحالة التعبئة العامة التي اجتاحت الشعب على أساس الإسلام، فيقول: «وهذا الشعب بمشيئة الله تبارك وتعالى وألطافه الخاصة انقلب في البداية في الجوانب المعنوية، الشباب عاد عن حاله السابق إلى الإسلام، وعرف كيف ينبغي أن يكون، وماذا يعمل، وإثرها جاءت هذه الثورة، ولولا ذاك التغيير الداخلي لما اختلف حال هذه الثورة عن باقي الثورات، فالثورة الداخلية لهذا الشعب وتعرّفه على الإسلام وتوجهه نحو الله تعالى، هذه الأمور مجتمعة هي التي أثمرت هذه الثورة، وهي التي حفظتها وأوصلتها إلى الانتصار، وأسفرت عن تعاظم حضور هذه الجماهير والتزامها، وهذه الثورة الداخلية هي أيضاً ما كانت لتكون في هذا البلد إلا بألطاف الله تبارك وتعالى.. فلنبحث عن الانتصار في ثورة أعماق الجماهير» .

 

يتضح من هذا النص أن التعبئة حالة جهادية حركية عامة سادت الشعب وعملت على نقله من الركود إلى الحركة، ومن الأنانية إلى التضحية والعطاء. وحركية التعبئة وروحها العامة ومضمونها قائم على أساس الإسلام، والتعبئة سبقت الثورة ومهدت لها فأنتجتها بوصفها أرضاً لانتصارها، وهي بعد ذلك ضمانة لديمومتها وحفظها وتحصينها ضد التحديات الخارجية والمنزلقات الداخلية.

 

وهذا ما يضعنا أمام أصل آخر من أصول النهضة يتمثل بإشراك الشعب في المواجهة والاستمداد من طاقاته الجبارة، وعدم قصر المقاومة على الأطر المؤسسية حتى لو كانت في أعلى درجات الكفاءة والتخصص.

 

 8 - تفعيل قانون القلة

 

من الأصول الأخرى التي أعادت الروح التعبوية تشييدها في الأمة وتفعيلها فيها، من خلال منهج الإمام الجهادي، هي إعادة دور القلة المؤمنة في بحر الضلال والانحراف. فخطورة التصحيح والتغيير ومستقبلهما تكمن في الخطوة الأولى التي غالباً -بل دائماً- ما تكون من نصيب قلّة قليلة تقود حركتها إلى تجميع القوى الخائفة والمترددة والراكدة من ورائها. وبدون القلة، التي تكسر حواجز الخوف وتنزع الهيبة الراكزة في نفوس الكثرة وتبني الأفكار، فإن عملية التغيير يقضى عليها أن تبقى تمنيات حالمة ونظريات في مطاوي الكتب، وبحسب تعبير الإمام: «الأفكار تبدأ صغيرة، ثمَّ تكبُر، ثمَّ يتجمع حولها الناس، ثمَّ تكتسب القوة، ثمَّ تأخذ بيدها زمام الأمور» [22]. هذه قاعدة مطّردة هي أقرب ما تكون إلى السنّة الشاملة التي لا تستثني أحداً: «ففي كل العالم على مرّ العصور كانت الأفكار تتفاعل عند مجموعة من الأشخاص، ثمَّ يكون تصميم وتخطيط، ثمَّ بدء العمل ومحاولة نشر هذه الأفكار وبثّها من أجل إقناع الآخرين تدريجياً» [23] والمبادرة هي أبداً بيد قلة تزرع الأمل بإمكان التغيير وتمسك بيدها زمام المبادرة.  

 

وفي إشعاع نور صاعد يستلهم الإمام أفق العمليات التغييرية الكبرى على مسرح تاريخ النبوات وتاريخ الإسلام، فيسجل في نغم يوصل بين الحاضر والماضي: «السلام على إبراهيم خليل الله الذي هاجم الأصنام وعبّادها وحده، ولم تخفه الوحدة أو ترعبه النار، والسلام على موسى الذي رفع عصاه في وجه الفراعنة ولم يخش أحداً، والسلام والتحيات على محمد حبيب الله الذي انتفض وحده وحارب الكفار الظالمين حتى آخر ساعات حياته، ولم يشك من قلّة العدد والعدة، والسلام على مسلمي صدر الإسلام الذين هاجموا سلاطين الروم وإيران الجائرين بقليل من الإمكانيات ولم يسمحوا للخوف أن يتغلغل لقلة الناصر. والسلام الخالد على علي بن أبي طالب الذي حارب الجلادين المتلبسين بلباس الإسلام والقداسة دون أن يخشى قوةً ما، والسلام على الحسين بن علي الذي ثار بأنصاره المعدودين للقضاء على ظلم الغاصبين للخلافة ولم يفكر بمساومة الظالم على الرغم من ضآلة العدد والعدة» .

 

بعد مقاطع أخرى يوصل الإمام الحاضر بالماضي، ويؤسس لحركة الأمة التعبوية الجهادية الحاضرة بالتواصل مع جذورها العميقة في أنموذج النبوات وأصول الإسلام، فيصحح ما كان مقطوعاً في الأذهان والنفوس وفي واقع المسلمين، فيقول: «إن أصحاب الدنيا يعتبرون ما صدر من أولياء الله العظام هؤلاء، مخالفاً للعقل والشرع، فعقلهم يرفض الثورة بالعدة القليلة وشرعهم لا يسمح بذلك» .

 

أما نهج الإمام في التحريك والنهضة، فقد أعاد هذا القانون إلى حيز الفاعلية والحضور.

 

أهمية هذا القانون أنه يلغي تلك الأحكام المتسرعة العجلى التي بادرت وتبادر إلى إلغاء الفاعليات الحركية والحزبية والتجمعات النخبوية. فكل هذه الوجودات تتحول إلى ضرورة لا مناص عنها لإطلاق شرارة الحركة في الشعوب وتفجير طاقاتها المخزونة، بشرط أن تعي دورها هذا ولا تتخلى عنه، والأدهى أن لا تتحول أداة لتجميد الأمة والحؤول دون انطلاقها أو إلى وجودات بديلة للشعوب ذاتها، كما حصل ذلك لبعضها فعلاً، فقاد إلى أحكام متسرعة وعجلى بضرورة التخلي عن هذه الكيانات بالكلية.

 

تفتح هذه النقطة أفقاً واسعاً لمعالجة الوجودات الحركية والحزبية الإسلامية في بلاد المسلمين، من زاوية الإثارة التي بين أيدينا أو من زوايا أخرى، وهو ما يستدعي بحثاً مستأنفاً ليس هذا محله.

 

 9 -عنصر التضحية

 

تقوم فكرة التضحية والفداء والاستشهاد في الدين الإسلامي على مرتكز اعتقادي يؤمن بفناء هذه الحياة الدنيا والخلود في الحياة الأخرى، لذلك تُهدُّ الشهادة - وهي من مراحل الفداء المتقدمة - فوزاً، وفي ذلك يحدثنا الإمام بعد استشهاد المفكر مرتضى مطهري في 2/5/1979، بقوله: «إن أحد دروس العقيدة الإسلامية ومدرسة التوحيد هو أن رجال هذه المدرسة يعتبرون الشهادة فوزاً عظيماً لهم (يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً)» .

 

ثم يتقدم الإمام خطوة إلى الأمام، وهو معلم الأخلاق العظيم، وفاتح دروب الشهادة والفداء أمام قوافل الشهداء في عصرنا الإسلامي الحاضر، فيقول إنهم «يستقبلون الشهادة لأنهم يعتقدون بأن وراء هذا العالم المادي عوالم أسمى وأنور من هذا العالم. هذا العالم سجن المؤمن، وبعد الاستشهاد يخرج المؤمن من السجن، هذا هو أحد الفروق بين مدرستنا، مدرسة التوحيد، وبقية المدارس الأخرى، فشبابنا يتمنون الشهادة وعلماؤنا الأعزاء يتسابقون إلى الشهادة» .

 

ثم ينقل الإمام هذه القيمة الاعتقادية إلى حيزها العملي في تجربة الدولة الإسلامية، ويطلق إرادة التحدي فيقول: «الذين لا يعتقدون بالله ولا باليوم الآخر يجب أن يهابوا الموت، يجب أن يخافوا من الشهادة. نحن تلاميذ مدرسة التوحيد لا نهاب الشهادة، فليجربونا كما جربوا بالفعل» .

 

كلما تحين فرصة للحديث عن الثورة الإسلامية في خصائصها ومزاياها نرى الإمام يحرص على تبيان خصوصية دوافعها مقارنة بغيرها من الثورات والانقلابات السياسية، ففي الذكرى الثامنة للانتصار، وبعدما تحدث عن الثورتين الفرنسية والروسية وأبان دوافعهما المادية، انتقل سماحته إلى الثورة الإسلامية فقال: «فالثورة التي قمنا بها وقام بها شعبنا، كانت منذ اليوم الأول، ومنذ الهتاف الأول فيها، من أجل الإسلام، لا من أجل الوطن ولا من أجل الشعب ولا من أجل السلطة، بل جاءت من أجل إنقاذ الإسلام من شر القوى الكبرى والمجرمين الأجانب... هذا الدافع الإسلامي ملحوظ بوضوح عند شبابنا وعند عامة الناس إلا ما شذّ وندر، فعند ملاحظة هذا التسابق نحو الشهادة بكل شوق لدى عامة الناس في هذه النهضة، وعندما نسألهم وهم متوجهون إلى الجبهات وكلهم شوق وحماس: لماذا تذهبون إلى الجبهة؟ يجيب كل واحد منهم: نذهب من أجل الإسلام وفي سبيل الله. ولكن إذا وجهنا هذا السؤال إلى جندي روسي مثلاً، فسيجيب: أقاتل من أجل السيطرة على هذا البلد، أو من أجل أن أبسط نفوذي» .

 

تتجسد القيم والدوافع في الفهم الإسلامي من خلال المواقف والأعمال، وأفضلها ما يكتسب القدرة على التغيير العام، كما حصل في إيران حينما تجلّت القيمة التغييرية للتضحية في إنهاء عهد الطاغوت وانتصار الثورة الإسلامية. وبعد النصر عملت الروح ذاتها في فعلها التغييري والحركي على إدامة النصر ودفع المخاطر ومواجهة التحديات، بدءاً من مشكلات الداخل وانتهاء بالأشكال الإقليمية والدولية التي اكتسبت فيها عدوانية السنوات الثماني موقعاً كبيراً ومتميزاً.

 

هذه العلائق والجدل المحكم القائم بين هذه الأصول يعبر عنه الإمام الراحل في حديث له في الذكرى الثامنة للانتصار، فيقول: «إن شباب إيران إنما يتوجهون إلى الجبهات طالبين الشهادة، لأنهم يرون الشهادة فوزاً عظيماً، وإن اعتبارهم الشهادة فوزاً عظيماً ليس لأنهم يموتون وينالون الشهادة قتلاً، إذ إن الطرف الآخر يُقتلون أيضاً، ولكن المقصود هو الدافع الإسلامي لديهم، فعندما يكون القتل من أجل الإسلام عند ذلك يشعر الإنسان باللذة لا بالحزن» .

 

في المناسبة ذاتها أضاف الإمام لضيوفه موضحاً: «أنتم تشاهدون أن إيران تتعرض كل يوم للقصف ويسقط الكثير من الأطفال والنساء والشيوخ الآمنين قتلى، تتهدم البيوت على رؤوسهم، لكن بالرغم من ذلك تراهم عندما يخرجون من تحت الأنقاض يهتفون بوجوب استمرار الحرب حتى النصر» . تحديات قاسية مثل هذه يرافقها ضغوطات اقتصادية وخلل كبير في الخدمات كالماء والكهرباء والهاتف، من الممكن أن تدفع الشعب نحو النكوص والتقهقر لولا رصيده من انتمائه العقيدي وهويته الدينية والدافع الإسلامي للحركة.

 

نحن الآن نكتب هذا الكلام في أجواء مفعمة بالأمن والاسترخاء ووفرة الخدمات، في حالة أشبه ما تكون بالميوعة إذا ما قورنت بتلك الأجواء، لكن عندما كانت مشاهدها تمر في لحظة الفعل ومن خلال الميدان، فقد كانت تبعث - وقد كنّا شهوداً على ذلك - بنبض المقاومة والحركية والمواجهة في جسد الشعب، وتجعل العالم الخارجي ينظر باندهاش وذهول، حتى صرح أكثر من مراقب أجنبي بأن ما كان يجري هو «الجنون» بعينه، ووصفه بعضهم بـ«جنون الخمينية» ، أما نحن فلم نَرَ فيه إلا الإسلام وروح الاستشهاد وذلك النزوع الحسيني المتجذّر الوضّاء.

 

ربما كانت هذه المشاهد هي من بين العوامل التي كوّنت غربة العقل الغربي في إدراك جوهر نهضة الإمام وماهية الحركة التي أطلقها في هذا الشعب، وحركيات الدفع الهائلة لقيادة الإمام وحضوره في الساحة حتى كتب أحدهم في مجلة (ديرشبيغل) الألمانية مرة ناصحاً أمريكا والدول الأخرى أن لا تقوم بأي «حركة في إيران مادام الخمينيّ حياً، لأنه يتمتع بقوة خفية تفوق كل القوى الموجودة في العالم» [24].

 

هذه الغربة منظوراً إليها من خلال قيمة التحول الذي شهده الشارع الإيراني على مستوى الاستعداد للتضحية والعطاء، هي التي أشار إليها الإمام الخمينيّ نفسه في لقائه الصحفي مع مراسل مجلة «تايم» الأمريكية «فان فورست» في السابع من يناير عام 1980، عندما قال له: «النقطة المهمة التي ينبغي أن تتركز في أذهاننا أن هناك فهماً جديداً. فإيران اليوم ليست تلك التي كانت تحت حكم الشاه، معجزة حدثت. في النظام السابق شرطي واحد كان يجبر كل التجار في السوق المركزي أن يرفعوا أعلاماً للإعلان عن عيد ميلاد الشاه، هؤلاء الناس أنفسهم وقفوا ضدّ الدبابات والمدافع بأياديهم الخالية، ولا يزالون يلبسون الأكفان حتى الآن. تعال إلى هنا، إلى قم ليكون بمقدورك أن تتكلم فيما بعد عن استعدادهم للشهادة. إن أمة تغيّرت على هذا النحو لن تُهزم، السيد كارتر لم يفهم هذا التغيير بعد» [25].

 

الإمام رجل نهضة، هو صانعها وهو قائدها، لذلك يحرص في كل فكرة وموقف على التكامل والشمول والامتداد عبر المساحة الإسلامية الكاملة لشعوب الأمة، وعندما لا يتعلق الأمر بخصوصية معينة، فإن خطابه النهضوي يمتد إلى شعوب العالم المستضعفة في أقاصي الأرض. هذا المعنى نجده واضحاً في حديث سماحته إلى ضيوف الذكرى الثامنة للانتصار حيث حمّلهم (رحمه الله) مسؤولية نقل الروح التي تسري في النهضة الإسلامية بمفاهيمها ومعانيها السامية إلى شعوبهم، وفي ذلك يقول سماحته: «عليكم أيها الضيوف الأعزاء أن تنقلوا هذه المفاهيم، وهذه المعاني السامية لشعوبكم، وتوضحوا لهم الأمور، قولوا لهم إن شباب إيران إنما يتوجهون إلى الجبهات طالبين الشهادة» . وبعد أن يتحدث عن الروح التضحوية لدى شباب الجبهات من المدافعين عن الإسلام يقول الإمام مخاطباً ضيوف الذكرى الثامنة للانتصار: «ومن هنا أدعوكم إلى الإمعان في حالة هذا الشعب وانقلوا لشعوبكم ما تشاهدونه من أحوال هذا الشعب عسى أن تتشبع فيهم هذه الدوافع الإلهية فيتخلصوا من هيمنة القوى الأجنبية» .

 

لنتمعن كيف يقرن الإمام الراحل بين إلهية الدوافع وبين الانعتاق والتخلص من الهيمنة، وكيف يكون الدافع الإلهي أرضية للتضحية، والتضحية أرضية للتغيير والنصر. وهذا هو عين ما نعنيه بالبعد التغييري/ النهضوي في رؤية الإمام التضحية والفداء.

 

 10- الإطار القُدسي

 

تتعامل بعض الاتجاهات الفكرية والتغييرية مع الإسلام في العالم العربي والإسلامي بوصفه أيديولوجية نضال، تستفيد من قدراته على التجييش وبثّ الحراك الاجتماعي، لتسقط بذلك قيمته الوحيانية (من الوحي) وموقعه بوصفه آخر رسالات السماء إلى الإنسان.

 

يضمُر الجانب الغيبي والتعبدي في هذه الاتجاهات، ويصار إلى تقسيم الإسلام إلى حقل «رجعي جامد» يضم الغيبيات والعباديات، وآخر «تقدمي متحرك» يضم الاجتماعيات والثوريات. كما تختفي في إطار هذه النظرة لغة القربة والتكليف والواجب الشرعي والثواب والعقاب، على حساب تضخيم جوانب الحركة والمواجهة والجهاد، ويتحول الإسلام نتيجة هذا النمط من التعامل وما يستتبعه من تعضية إلى ساحة مفتوحة على قراءات لا حصر لها، ماركسية راديكالية وليبرالية وعلمانية غربية مستمدة من واقع العلوم الاجتماعية وما تفرزه من منهجيات، بعد أن صار جزءاً من الموروث الاجتماعي للأمة ومفردة في هويتها الثقافية وتكوينها الحضاري الحاضر، وليس دين الله الموحى به إلى خاتم النبيين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلّم.

 

ليست قليلة هي الدراسات التي تعاملت مع الإنجاز الخمينيّ على مستوى المواجهة والثورة ثم الدولة والنهضة من هذا المنظور العملياتي (البرجماتي)، ولم تَرَ في الإمام الخمينيّ إلا قائداً سياسياً واجتماعياً «أحسن» توظيف موروث شعبه الديني والثقافي متمثلاً في الإسلام والقيم المذهبية الشيعية، لتحريك مواجهة ناجحة مع النظام الملكي بلغت إلى درجة إسقاطه، ثم إقامة نظام سياسي بديل راح يتقاطع مع المصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة[26]، تماماً كما حصل للإمبراطور الياباني الشهير ميجي (1868- 1912) في إرساء البنية الحديثة لليابان باستثمار الموروث البوذي وقيم طبقة الساموراي، ولماوتستونغ في الصين والمهاتما غاندي في الهند وهكذا.

 

أقول باختصار: إن هذه قراءات متعضية للإسلام وللإنجاز الخمينيّ، أقل ما يقال فيها إنها مخاتلة تحجب ما لا تريد وتكشف ما تريد، ومن ثم فهي لا تقدم إلاّ صورة زائفة غير أمينة للإنجاز. ومادام الغرض من هذا المقال هو تقديم خطوط عريضة ومادة خام فحسب، فسنكتفي بعدد من الأصول والمبادئ والمرتكزات التي تؤطر الإنجاز الثوري والنهضوي للإمام الخمينيّ، من خلال نصوصه مباشرة:

 

1- نهضة الإمام وفعله الثوري عملان دينيان صرفان ينطلقان من الإسلام ويتحركان على أساسه، ويفرزان أطرهما في الفعل والحركة من خلال مبادئه العقيدية والتشريعية، خاصة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (داخلياً)، والدفاع الشرعي عن المظلومين والانتصاف لهم ومجاهدة المعتدي (خارجياً). يقول في وقت مبكر من انطلاق مواجهته للنظام الملكي عام 1963: «يجب أن يكون هدفنا محدداً، إنه الإسلام» [27]. والأوضح منه قوله: «فالثورة التي قمنا بها وقام بها شعبنا منذ اليوم الأول، والهتاف الأول كان من أجل الإسلام، لا من أجل الوطن ولا من أجل الشعب ولا من أجل السلطة،بل جاء من أجل إنقاذ الإسلام» [28].

 

بيد أن الإمام يعي تماماً أن صورة الإسلام تنصرف في ذهن البعض إلى تلك الموروثات التاريخية الماثلة في استغلال الحكام والسلاطين والأمراء والخلفاء والعلماء من صنف وعاظ السلاطين، فتجعله متماهياً بالأنظمة الاستبدادية ورموزها موصولاً بوعاظ السلاطين والمتحجرين ورؤاهم وفتاواهم، فترتد صورتهم في وعيهم إسلاماً قامعاً متخلفاً متحجراً حامياً الأنظمة ومعطلاً للانعتاق من التبعيات، ومعيقاً لمقاومة الشعوب ونهضتها، مكرساً التخلّف والجمود، وغير مطاوع لتيارات العصر ومستجداته. على هذا كله دعا الإمام إلى الإسلام المتحرر من هذه الأثقال والقيود، المعبّر عنه في خطاب الإمام بـ «الإسلام المحمدي» دون «إسلام أمريكا» أو «إسلام وعاظ السلاطين» أو «إسلام آل سعود» أو «إسلام رضا بهلوي» أو «إسلام صدام» أو «إسلام هارون الرشيد» أو «إسلام بني أمية» ، وكلها صيغ في التعبير مستخدمة في نصوص الإمام وواردة في خطابه.

 

2ـ عندما يكون الإسلام هو المنطلق وهو الهدف، فستنتظم علاقة الإمام بفعله الثوري وحركته النهضوية في إطار التكليف والواجب الشرعي، وكذا من يتحرك في فلك النهضة. فهو يتحرك لمواجهة النظام الملكي نصحاً في البدء ومواجهةً شعبية دموية في النهاية تفضي إلى إسقاطه واستئصاله على هدي لغة التكليف والواجب الشرعي، وكذا في كل حركة وسكنة: «إنني وتنفيذاً للواجب الشرعي أحذّر الأمة الإسلامية والشعب الإيراني من الخطر المحدق بالقرآن الكريم، وأعلن أن الإسلام في خطر» [29]. كما قوله أيضاً: «إنني بحكم أدائي لواجبي الشرعي أذكركم بمصائب...» [30].

 

هذه اللغة تخفف بعض الشيء من وطأة حسابات النصر والهزيمة بمفهومها المادي الصرف، لتجعل الواجب الملقى على الإنسان المسلم هو العمل والسعي الدؤوب دون توقف حتى وهو يواجه أخطاراً جساماً كالتضحية بالنفس، لكن من دون أن تلغي تماماً الحسابات الموضوعية التي تقرّها سيرة العقلاء وتدخلها الشريعة في حسابها. والأهم من ذلك أنها توفر مقياساً للحكم على القائد نفسه، إذ من غير المعقول أن يتحدث القائد للآخرين بلغة التكليف والواجب الشرعي ويجعل نفسه خارج هذا المنطوق وبمنأى عمّا يمليه من لوازم، حيث يحدثنا الإمام بقوله: «هل يقدر الخمينيّ وأمثاله أن يقولوا شيئاً يخالف مصلحة الإسلام الذي كابد لإحيائه نبي الإسلام، وضحى لأجله أئمة الهدى...؟ إن الخمينيّ يخطئ فيما لو أراد الحديث بما يخالف الدين الإسلامي» [31] وذلك في إشارة منه إلى أجواء المساومة التي غطت فعل السلطة الشاهنشاهية في التعامل معه عشية انتفاضة خرداد وبعدها.

 

هذه اللغة هي الأقدر من غيرها لكي تفسر لنا الفَرادة المتميزة في هذه الشخصية وصلابتها الهائلة وإصرارها الكبير في المواجهة، وإمساكها زمام المبادرة دون خوف أو تردد: «إن الخمينيّ سيواصل طريق الجهاد ضدّ الكفر والظلم والشرك وعبادة الأصنام حتى لو ظلّ وحيداً، وسيسلب النوم من أجفان المستكبرين والعملاء بعون الله تعالى» [32]. هذا الحزم والإصرار الذي يصدر عن شيخ أشرف على التسعين، وليس من شابٍ في أواسط عمره وعنفوان شبابه، هو وليد لغة التكليف ومنطق الواجب الشرعي.

 

3- تخضع لغة التكليف لأطرها الشرعية متمثلة تحديداً بالتكييفات الفقهية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بوصفها أسمى الفرائض وأساسها في حفظ كينونة المجتمع داخلياً، ثم بمبادئ الدفاع الشرعي والجهاد الابتدائي وضوابطهما، بوصفهما التكييف الفقهي لممارسة فعل المقاومة والحفاظ على كيان المجتمع والشعوب والأمة بازاء ما تواجهه من تحديات متمثلة اليوم بالاستعلاء الأمريكي والعدوانية الصهيونية.

 

أكتفي بهذا الإلفات إلى الأطر الشرعية لممارسة الفعل التغييري الثوري دون الدخول في تفصيلات تكييفاته الفقهية وما تثيره من تفاصيل[33].

 

4- ما نفهمه من المنطق الإسلامي حاجة الفعل الثوري والتغييري إلى المنطلق الفقهي الذي يصدر عنه، وهذا ما تؤمنه مبادئ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومسائل الدفاع والجهاد الابتدائي. أما آليات الفعل وبرامج الممارسة ووسائل التنفيذ فهي تدخل في الموضوعات المتروكة للمكلف وللشعب وللأمة، تختار منها ما يناسب إمكاناتها وما يسمح به التقدم في عصرها، شريطة أن تبقى هذه الآليات والوسائل رهينة الصحة الشرعية بحيث لا تخرج من دائرة المباح إلى الحرام وما إلى ذلك.

 

بيد أن الثابت مع ذلك أن وسائل الدفاع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلما كانت مألوفة للأمة كانت الجدوى من الفعل أكبر، والنتائج أعمق وأشمل. لهذا كله سعى الإمام الخمينيّ إلى تفعيل ما هو مألوف ثقافياً واجتماعياً لدى شعبه بحيث تجتمع عليه الأغلبية دون إحساس بالغربة، فكان تركيزه في تجييش الطاقات الشعبية واستثارتها على دور العلماء والمساجد والحوزات، وصلاة الجمعة والجماعات، وموسم الحج، وشهر رمضان ويوم القدس، باثاً في أثناء ذلك الروح في قيم عليا بقيت مقصيّة في مداها الاجتماعي العام، مثل الشهادة والتواصل أو التآخي الاجتماعي، والإيثار والصبر، بل مفهوم التكليف نفسه ولغة الواجب الشرعي.

 

لكن ما بقي متألقاً على طول الخط بدءاً من انتفاضة خرداد، مروراً بأحداث ثورة شباط، ثم مخاضات بناء الدولة وما مرت به من مواجهات داخلية وخارجية، لا سيما الحرب العراقية-الإيرانية، هو واقعة الطف وكربلاء ويوم الحسين في عاشوراء الذي تحول إلى «ثابت» له حضوره الضخم في الخطاب الخمينيّ في كل الأدوار، حتى لم ينس أن يحث على عدم التخلي عنه في وصيّة الختام: «من ذلك، أن لا تغفل [الأمة] عن مراسيم عزاء الأئمة الأطهار، وبخاصة سيد المظلومين والشهداء حضرة أبي عبد الله الحسين... ولتعلم أن تعاليم الأئمة عليهم السلام لإحياء هذه الملحمة التاريخية الإسلامية... إنما هو بأجمعه يمثل صرخة الشعوب البطولية بوجه الحكام الظلمة على مرّ التاريخ وإلى الأبد... وهي صرخة بوجه ظلَمَة العالم» [34]. وهذا ما انتبه إليه عدد كبير من الدراسات حول النهضة والإمام وإن لم يحسن بعضها فهم ذلك ولم يقوَ على هضمه[35].

 

5- عندما يكون الإسلام هو المنطلق والهدف ولغة التكليف والواجب الديني هي الإطار، فإن إيران تتراجع في النهضة لتتقدم عليها هموم المسلمين ومصائب البلاد الإسلامية، بل هموم المستضعفين ومشكلاتهم. وإذا ما تم الحديث عن استقلال إيران وبنائها، فذلك يحصل من أجل خدمة الإسلام وقضايا المسلمين، ولكي تتحول إلى قاعدة صلبة في مشروع النهضة الشاملة: «علينا أن نصنع من إيران بلداً مستقلاً سياسياً وعسكرياً وثقافياً واقتصادياً، ومتحرراً من الاتكاء على أمريكا والاتحاد السوفيتي وبريطانيا، هذه القوى الطامعة» [36].

 

بيد أن هذا البناء الرصين لا يعطي الإقليم الإيراني ميزة على غيره من بلاد المسلمين، وإنما المفروض أن يتحول إلى نقطة ارتكاز لتوسيع دائرة النهوض: «نحن لا نفرق بين إيران وسائر البلدان الإسلامية، ونرى الدفاع عن جميع المسلمين واجباً دينياً، وسنتصدى إذا تمكنا لكافة الجبابرة في العالم، وإننا لا نستطيع أن نفرق بين مسلم حبشي وآخر إيراني لأن الإسلام لا يقرّ ذلك، ولا فضل لأحد إلا بالتقوى» [37].

 

ما دامت قضية دعم المسلمين -كل المسلمين- هي استحضار لواجبٍ ديني، فلا معنى لتخلف هذا الواجب أو تعطله تحت أية ذريعة كانت. لذلك عاد الإمام يركّز هذا المنطق في لحظة عصيبة ربما كانت هي الأكثر حراجة فيما واجهه خلال السنوات العشر الأخيرة من عمره. ففي الذكرى السنوية الأولى لمجزرة البيت الحرام بمكة المكرمة، وبعد يومين اثنين من موافقة إيران على القرار (598) القاضي بوقف إطلاق النار على جبهة الحرب العراقية-الإيرانية، وجّه الإمام بياناً سياسياً أعاد فيه تأكيد قواعد الموقف الإسلامي للنهضة إزاء عدد كثير من القضايا. عن دعم المسلمين مثلاً قال سماحته: «إنني أعلنها صريحة أن الجمهورية الإسلامية في إيران تقف -وبكل وجودها- إمكاناتها لأجل إحياء الشخصية الإسلامية للمسلمين في كافة أرجاء المعمورة» [38].

 

أجل، لا موضوعية لإيران، بل الهدف هو الإسلام، والهم الإسلامي يسع المسلمين بأجمعهم، ويمتد ليشمل دائرة المستضعفين من غير المسلمين، بل هو هم إنساني بالمطلق، حيث كان الإمام يطمح إلى بناء جبهة عريضة وعامة تضم في قاعدتها المسلمين والمستضعفين في مواجهة العلو الغربي: «علينا أن نعد أنفسنا لتكوين جبهة قوية إسلامية-إنسانية بنفس اسم ومميزات إسلامنا وثورتنا، لمواجهة جبهة الشرق والغرب المتحدة، فنحتفل بسيادة المحرومين والحفاة في العالم» [39]. إذا ما بدت هذه النصوص غريبة أو ناشزة مع مساحةٍ ما من منطق الدولة التي تركها الإمام، خاصة مع ازدهار استراتيجيات اقتصاد السوق بوجهه الاستهلاكي القبيح والانفتاح على مقولة «المجتمع المفتوح» بمعناه الرأسمالي الاستهلاكي، وما قاد إليه ذلك من تخلخل في القيم ونمو لنزعة قومية تعلن عن قناعتها صراحة ودون مواربة «إيران للإيرانيين» [40]، فإن الأمانة في البحث تدعونا أن نعلن أن هذه هي الجوانب المحكمة في نهضة الإمام التي أراد لإيران أن تتحرك على هديها، إذ ماذا نفعل وبين أيدينا نص يسجل فيه الإمام: «إن هذه الثورة قد قامت بالدرجة الأولى من أجل العالم الإسلامي، وبالدرجة الثانية من أجل المحرومين والمستضعفين... وبهذا المعنى أن الثورة الإسلامية الإيرانية ليست فريدة ومقتصرة على نفسها، بل هي بداية ثورات تماثلها في الهوية والميزات» [41].

 

6- في ظاهرة الإسلام السياسي تحول إنشاء الدولة وبلوغ السلطة إلى هدف، بل تحولت أطروحة الدولة الإسلامية في بعض أدبيات وأعمال تيارات هذه الظاهرة ورموزها إلى وثن يحجب الحالة الدينية ويغيبها. بديهي أن المشروع الخمينيّ لا يلغي أطروحة الدولة ولا ينفي وجوب السعي لإنشائها: «علينا... أن نسعى لوضع حجر الأساس للدولة الإسلامية» [42]، بل يجعل وجودها رهناً بتنفيذ أوامر الله وبسط العدل، وإذن فهي وسيلة يراد بها «تنفيذ أمر الله وإقرار النظام العادل» [43].

 

مع ذلك كله تبقى الغاية هي الإنسان وتحريره من الأغلال، والأمة وفتح طريق التكامل أمامها، وما إقامة العدل إلا هدف متوسط لهدف أعلى وغاية أسمى هي الانغمار في حركة معرفية تكاملية تصعد بالإنسان نحو الله: ?يا أيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه?[44].

 

بتعبير واضح ليست الغاية من وراء رسالات السماء وبعث الرسل والأنبياء تشييد الحكم الديني وإقامة القسط، بل الحكم وسيلة وإقامة العدل هدف متوسط لغاية أكبر تتمثل بتفجير طاقات الإنسان وسوقه صوب التكامل. أجل، الأنبياء جاءوا «يبسطون العدالة، والعدالة الاجتماعية هي رهن أيديهم، وجاءوا ليؤسسوا الحكومة، الحكومة العادلة، بيد أن ذلك ليس هو المقصد، إن هذه كلها وسيلة لكي يبلغ الإنسان مرتبة أعلى، ومن أجل ذلك جاء الأنبياء» [45].

 

هنا بالتحديد يكمن ختام القصيدة بالمطلع، فالأساس «لمقصود الأنبياء العظام، وللتشريع والشرائع وتأسيس الأحكام ونزول الكتب السماوية خاصة القرآن الشريف... هو نشر التوحيد» [46]، كذلك أيضاً: «الدعوة إلى معرفة الله وبيان المعارف الإلهية، من الشؤون الذاتية والأسمائية والصفاتية والأفعالية، والأهم من ذلك كله توحيد الذات والأسماء والأفعال» [47].

 

هذه هي الغاية التي عبّر عنها الإمام في واحد من أهم بياناته للأمة قبل أقل من عام من وفاته، بقوله: «نحن عازمون على إعلاء كلمة لا اله إلا الله على قمم الكرامة والمجد الشامخة» [48].

 

 الخاتمة

 

1- أعرف تماماً غربة هذه المبادئ والأصول في ظل الأجواء التي ترين على مساحة واسعة من الأفق في العالم العربي والإسلامي، ولا سيما على مستوى المنتديات الحكومية والرسمية، وأتفق تماماً مع النص الذي يسجل فيه صاحبه: «ما أشد حاجتنا إلى الثوار وما أكثر حديثنا عن الثورات. في عصر غاب فيه الثوار ينظر فيه إلى الثورية كظاهرة اجتماعية غير مستحبة ونزعة فكرية شاذة، حتى خلت الساحة من الثوار» [49] اللهم إلا تلك الومضات التي تشع بها الأعمال الجهادية في هذه البقعة وتلك، وهي قليلة على كل حال ولا تقاس بحاجة الأمة في ظل تراكم الظلم والتخلف ولا تنسجم بالتالي مع دواعي التغيير.

 

2- هذه التي مرت ليست بلاغات ثورية ولا أمنيات أو تطلعات حالمة، كما أنها ليست أفكاراً نظرية لمشروع مرتقب في التغيير والنهضة -وما أكثرها!-، وإنما هي تعبير عن مُنجز قد تحقق وواقع كنا بأجمعنا شهوداً عليه. فقيه ينطلق من حاضرة العلم الإسلامي بمدينة قم الإيرانية، وقد شارف على الستين، يدخل في مواجهة محدودة مع النظام المركزي في طهران تنتهي بحريق شعبي يلهب مراكز بعض المدن الكبرى وتؤدي إلى اعتقال القائد الناهض ثم نفيه.

 

لم يستكن الفقيه الثائر ولم يستسلم بل بادر إلى العمل الجاد الدؤوب من منفاه، تستوطنه عزيمة لا تلين ويعلوه إصرار الأنبياء وصبرهم، فحرك شعبه في نهضة عارمة لم يشهد لها العالم الإسلامي مثيلاً خلال عقود، تحولت إلى ثورة جارفة تعدّ بحقّ واحدة من أندر الثورات الشعبية خلال قرنين، أسقطت عرش الطاووس وأنهت حكم نظام تابع هو من أصلب الحلقات في أنظمة التبعية وأقواها، لتستبدله بنظام بديل انبثق عنه دستور ومؤسسات لدولة دينية عصرية ترتكز إلى تكييفات اجتهادية فقهية متنورة وأصيلة.

 

على أن الأهم من إنجاز الدولة وبناء أطرها دستورياً ومؤسسياً هو النهضة التي انطلقت بموازاتها في العالم الإسلامي، ولم تكد توفر إقليماً من أقاليمه إلا وشملته بنبضها الحركي ووهجها الوضّاء، واستقطبت إليها الجميع وتركت تأثيراتها الفكرية والشعورية على التيارات المهمومة بالنهضة والتغيير من الاتجاهات كافة: «خلقت الثورة الإيرانية تغييراً في المنطقة كلها، حتى أن التنظيمات الفلسطينية والليبراليين واليساريين من الكتّاب والمثقفين ابتداء من أدونيس حتى عالم الاجتماع المصري القبطي اليساري سابقاً أنور عبد الملك، جميعهم شاركوا الإسلاميين إعجابهم بالثورة الناجحة، وبأبعاد التغيير الثوري في العالم العربي والإسلامي» [50].

 

إذن نحن أمام منجَز تحققَ على أرض الواقع وليس بازاء بلاغات ثورية أو مشاريع نظرية تنتظر فرصتها الموائمة لإثبات فاعليتها من اختبارات الواقع. نحن أمام تجربة دخلت الاختبار وخرجت منه ناجحة، بقدر ما يرتبط الأمر بالمواجهة وإسقاط النظام وتأسيس الحكم البديل في العقد الخمينيّ. وهذا ما يمنح هذه المبادئ والأصول في نظرية التغيير وفكر المواجهة أهمية مضاعفة، من دون أن يعني ذلك المبادرة لاستنساخها وإسقاط خصوصية الشروط في كل إقليم على حدة.

 

3- لا تزعم هذه المحاولة أنها قدمت نموذجاً تنظيرياً متكاملاً، وإنما حسبها أن تكون خامات وبذوراً لعمل تأسيسي منشود يمكن أن يتحول إلى منظومة نظرية متكاملة في التغيير والمواجهة، إذا سنحت لها العدة المنهجية اللازمة والإحاطة الفكرية. كما لا نزعم أن المبادئ والأصول التي ذكرت قد جاءت جامعة مانعة بالمعنى المنطقي، إذ ربما تداخلت فيما بينها ومن ثم لم ترع ضوابط القسمة المنطقية، والأهم من ذلك أنها لا تزال مفتوحة لإضافات أساسية تستوفي جوانب أخرى من التجربة. بيد أننا نستطيع أن نسجل باطمئنان بأن ما مرّ معنا يمثل «محكمات» في خط الإمام ونظرية المواجهة أو منظومة النهضة الخمينية على نحو أعم، تقاس بها «المتشابهات» وترجع إليها.

 

أجل، هذه المبادئ والأصول هي حتى اللحظة من «المحكمات» ، ويبدو أنها ستبقى كذلك في المدى المنظور ما لم يطرأ على المشهد تغيير مفاجئ.

 

وما دمنا نعيش أجواء النهضة في مناخات النص الخمينيّ ونتفيأ ظلالها، فمن المهم أن نختم بنص استنهاضي للإمام الراحل يستشرف فيه مآلات العالم الإسلامي خلال القرن الهجري الحاضر: «أيها المسلمون في كل أرجاء العالم.. أيها المستضعفون الراسفون في قيود الظالمين انهضوا، وتعاضدوا متحدين، ودافعوا عن الإسلام وعن مقدراتكم، ولا تهابوا ضجيج الطواغيت، فهذا القرن هو بإذن الله القادر قرن غلبة المستضعفين على المستكبرين، وغلبة الحق على الباطل» [51].

 

 الهوامش:

 

ملاحظة: عدتُ في نصوص الإمام إلى ما بين يدي من ترجمات عربية في الأغلب ولم أرجع إلى النصوص الفارسية إلا قليلاً، تيسيراً للجهد وحرصاً على إنجاز المقال في موعده المقرر. أما النصوص التي لم أرجعها إلى مصادرها مباشرة فقد أخذتها مما أصدرته وزارة الإرشاد الإسلامي ومنظمة الإعلام الإسلامي في إيران، مما سيأتي توثيقه في الهوامش.

 

 ------------------------------------------------

 

 [1] بيان الإمام لموسم حج 1400هـ.

 

[2] نداء الثورة الإسلامية: عرض لطائفة من نداءات الإمام الخميني إلى أبناء العالم الإسلامي، إعداد محمد علي حسين، وزارة الإرشاد الإسلامي، ص 67.

 

[3] المصدر نفسه، ص 88.

 

[4] الإمام الخميني في مواجهة الصهيونية، بيان أصدره الإمام بتاريخ جمادي الآخرة سنة 1384هـ، ص 35.

 

[5] خطاب ألقاه الإمام بمدينة قم في 20/جمادي الآخرة/ 1384هـ، المصدر السابق، ص 34.

 

[6] المصدر نفسه، ص 36.

 

[7] المصدر نفسه، ص36.

 

[8] المصدر نفسه، ص59.

 

[9] المصدر نفسه، ص 69، 85.

 

[10] أنظر: موقف الإمام الخميني تجاه إسرائيل، دار التوجيه الإسلامي، الكويت؛ قضية فلسطين والصهيونية في رؤية الإمام الخميني، محمد تقي تقي بور، منظمة الإعلام الإسلامي، طهران 1412هـ ؛ إيران الإسلامية والقضية الفلسطينية، د. جلال الدين مدني، مؤسسة سروش، طهران 1405هـ ؛ الإمام الخميني في مواجهة الصهيونية، وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران 1403هـ ؛ الإمام في مواجهة الصهيونية: مقتطفات من خطب الإمام الخميني حول الصهيونية، منظمة الإعلام الإسلامي، طهران 1403.

 

[11] الإمام في مواجهة الصهيونية، ص 53. وإذا كان دعم الاستعمار الغربي للكيان الصهيوني تأسيساً وبقاءً واضحاً للجميع خاصة الاستعمارَين البريطاني ودوره في التأسيس والأمريكي ودوره في البقاء، فيمكن لمن يعتوره الشك في دور الاتحاد السوفيتي سابقاً أن يعرف أن موسكو و ليس لندن أو واشنطن هي أول من اعترف بهذا الكيان في الأمم المتحدة عند إعلانه عام 1948. للمزيد من التفاصيل عن دور موسكو، ينظر: موسكو وإسرائيل: دراسة مدعمة بالوثائق لجهود موسكو في خلق إسرائيل وإبقائها، د. عمر حليق، الدار السعودية للنشر.

 

[12] الإمام في مواجهة الصهيونية، ص 55.

 

[13] من لقاء للإمام مع مجلة «غد أفريقيا» ، الإمام في مواجهة الصهيونية، ص 81.

 

[14] المصدر نفسه، ص 73.

 

[15] المصدر نفسه، ص 87 من لقاء للإمام مع صحيفة «العالم الثالث» الألمانية.

 

[16] المصدر نفسه، ص 105.

 

[17] المصدر نفسه، 102-103.

 

[18] المصدر نفسه، ص60.

 

[19] كإطلالة على بعض التيارات وموقفها من المسألة الثقافية ينظر في تعريف الثقافة ومعانيها ودورها: ثقافتنا في ضوء التاريخ، عبد العروي، ط 2، بيروت 1988؛ نحو نظرية للثقافة، د. سمير أمين، بيروت 1989؛ نظرية الثقافة، ترجمة د. علي سيد الصاوي، سلسلة عالم المعرفة، رقم 322، الكويت، تموز/1997؛ نهاية اليوتوبيا: السياسة والثقافة في زمن اللامبالاة، راسل جاكوبي، عالم المعرفة، 269، أيار/2001.

 

[20] نهاية اليوتوبيا، مصدر سابق، ص 50-51.

 

[21] الدين والثقافة الوطنية، د. حسن حنفي، مكتبة مدبولي، القاهرة، ص 192-193(هذا الكتاب هو الجزء الأول من ثمانية حنفي الموسومة: الدين والتراث في مصر).

 

[22] الحكومة الإسلامية، الإمام الخميني، منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى، ص 119.

 

[23] المصدر نفسه.

 

[24] جوانب من أفكار الإمام الخميني، تأليف محمد جواد المهري، وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران 1402، ص48.

 

[25] تنظر الترجمة الكاملة للقاء في: مجلة الوحدة، العدد 199، شباط/ 1997، صفحة 34- 37.

 

[26] بين يدي وأنا أكتب هذه السطور قراءة ماركسية صرفة تقدم الإنجاز الخمينيّ في إطار ثوري تقدمي من خلال إسلام متحرر عرف الخمينيّ كيف يوظفه اجتماعياً وسياسياً، ينظر: العملية الثورية في الإسلام، د. أميل توما، دار الفارابي، بيروت 1981.

 

[27] الإمام في مواجهة الصهيونية، ص28 والخطاب يعود إلى 10/4/1963.

 

[28] خطاب الإمام الخميني، مجلة سروش للعالم العربي، العدد 71.

 

[29] الإمام في مواجهة الصهيونية، ص 17-18.

 

[30] المصدر نفسه، ص 34 والكلام يعود إلى تاريخ 18/شباط/1971.

 

[31] المصدر نفسه، ص 19.

 

[32] من بيان سماحته إلى حجاج بيت الله الحرام في موسم حج سنة 1407هـ.

 

[33] ينظر كمدخل فقهي عام لرؤية الإمام: تحرير الوسيلة، ط 4، 1403هـ، كتاب الأمر بالمعروف والنهي والمنكر، والفصل الذي كتبه في الدفاع عن بيضة الإسلام، ص 398 -419. لكن ينبغي أن نأخذ بنظر الاعتبار أن رؤية الإمام على مستوى التكييف الفقهي شهدت تطورات هائلة بعد هذا النص الذي كتبه الإمام عام 1384هـ عقب انتفاضة خرداد ونفيه من إيران، إذ وفرت ثورته وتأسيس الدولة ومخاضات الحرب العراقية-الإيرانية موضوعات هائلة في إثراء الرؤية فقهياً.

 

[34] الوصية السياسية الإلهية للإمام الخميني، طبعة مؤسسة الحج والأوقاف و الأمور الخيرية، ص14.

 

[35] أنجز كاتب هذه السطور دراسة لفلسفة الشعائر الحسينية ودورها في نهضة الإمام. ينظر: الشعائر الحسينية، جواد علي كسار، مؤسسة الثقلين الثقافية، بيروت 1422هـ.

 

[36] من حديث للإمام بتاريخ 11/ تموز/1979.

 

[37] النص من خطابٍ للإمام، مجلة سروش للعالم العربي الصادرة عن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، العدد61.

 

[38] من بيان سماحته بتاريخ 5/ذي الحجة/1408هـ.

 

[39] بيان الإمام بتاريخ 5/ذي الحجة/1408هـ.

 

[40] كتحليل من داخل منظومة الثورة وفي إطار الدفاع عن مشروعها الفكري، يلحظ كتاب فرامرز رفيع بور «توسعة وتضاد» (التنمية و التعويق) بجزأيه، والذي يعدّ أبرز تحليل لتحولات العقد الأخير في إيران وما تركه ازدهار نمطيات اقتصاد السوق بوجهه الاستهلاكي من تأثير على الواقع الاجتماعي وقيم المشروع الخمينيّ، و الكتاب بجزأيه ينوف على مئتين وألف صفحة.

 

[41] مختارات من أقوال الإمام الخميني، ترجمة محمد جواد المهري، وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران 1403، ج2، ص 8.

 

[42] الحكومة الإسلامية، ص 120.

 

[43] المصدر نفسه، ص 54.

 

[44] الانشقاق/6.

 

[45] تفسير سورة الحمد، ص 174 بالفارسية.

 

[46] القرآن كتاب الهداية، ص 29 بالفارسية.

 

[47] المصدر نفسه.

 

[48] بيان الإمام بتاريخ 5/ذي الحجة/1408هـ.

 

[49] الثقافة العربية وعصر المعلومات: رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي، د. نبيل علي،سلسلة عالم المعرفة، الرقم 279، الكويت ديسمبر/2001، ص 36.

 

[50] الطائفية السياسية في العالم العربي، د. فرهاد إبراهيم، القاهرة 6991، ص 371.

 

[51] من بيان لسماحته بتاريخ 6/9/1891 عن: الإمام في مواجهة الصهيونية، ص 431.