Skip to main content

الشهيد المجاهد عدنان محمد حسن

التاريخ: 04-08-2007

الشهيد المجاهد عدنان محمد حسن

بطاقة هوية   الاسم: عدنان محمد حسن‏   محل وتاريخ الولادة: البيسارية 10/6/1972م   الوضع العائلي: متأهل وله ثلاثة أولاد   مكان وتاريخ الاستشهاد: جباع  28/2/1999م   تعودت الشمسُ أن تشرق على موعدٍ معه وهو ينتظرها في بداية يومٍ جديد

بطاقة هوية

 

الاسم: عدنان محمد حسن‏

 

محل وتاريخ الولادة: البيسارية 10/6/1972م

 

الوضع العائلي: متأهل وله ثلاثة أولاد

 

مكان وتاريخ الاستشهاد: جباع  28/2/1999م

 

تعودت الشمسُ أن تشرق على موعدٍ معه وهو ينتظرها في بداية يومٍ جديد... وعند تلون الأصيل يتدثرُ بحمرتها المنسكبةِ في أعماق البحر ليقلب صفحة آخر النهار، منتظراً في اليوم الآخر موعد شروقها ثانيةً..

 

صادق العهد الذي مذ حمل السلاح وعد ربه أن يلقاه مضرجاً بدمه، ممنياً روحه أن تكون بركب الصالحين الخلص الذين {صدقوا ما عاهدوا الله عليه}. فكان نعم الصادقين ونعم المهاجرين يرتلون عشقهم الرباني في سوح الجهاد..

 

لم يزل هدوءه يهبُ‏ّ مع نسمات الربيع، يزرع في أحواض القلب ورود الذكريات الندية، لطالما كان الشهيد عدنان مزارعاً بارعاً يحرثُ الأرض بأصابعه العاشقة للتراب ويبذر بين أتلامها شتولاً سرعان ما تنمو وتؤتي أكلها كل حين.. الشمسُ والتراب حُبّان اجتمعا في قلبه ولم يفرقهما سوى الهواء الذي تطاير جسده بين ذراته عندما استشهدَ كما تمنى دائماً..

 

مذ كان طفلاً يرافق والده إلى مسجد قريته "البيسارية"، ويقفُ في الصفّ الأول للمصلين صلاة الجماعة، كان يشعر الآخرين دوماً أنه كبر ولم يعد صغيراً. يضع نفسه في خدمة أهله وأخواته الخمسة الأكبر منه، وينفذ كل ما يُطلب منه بحبّ‏ٍ وصمت. كان يكفيه أن يبصر بسمة الرضا ترتسم على شفاه من يحب ليشعر بسعادة عارمة تطفو على أمواج روحه، وكثيراً ما كان يقوم بإصلاح الأجهزة الالكترونية التي تتعطل بمهارةٍ وإتقان ما دلّ على دقة ملاحظته وصبره وتجلده لتعلم الأشياء واكتشافها.

 

خمسة عشر عاماً قضاها عدنان في قريته، كان يذهب خلالها إلى مدرسة "الجهاد" في البابلية المحاذية لقريته سيراً على الأقدام، ويحتفظ بمصروفه اليومي في حصالته الخاصة ليفتحها والده عندما تحتاج أخواته لشراء حاجيات، ولم يطلب يوماً شيئاً لنفسه فهو يكتفي بالقليل، وفي فصل الصيف يبحثُ عن عمل ليساعد والده في تأمين لقمة العيش، فهم عائلة مؤلفة من عشرة أفراد يرزحون تحت نير الاستضعاف من جهة ونار الحرب من جهة أخرى..

 

عندما أنهى الصف الثالث المتوسط، عمل صيفاً في ورشة للميكانيك في مدينة صور، وقد لفتت صاحب الورشة سرعة بديهته وحسن تصرفه وتعلمه السريع للمهنة، ما جعله ينصح والديه أن يتركاه عنده في الورشة بدلاً من المدرسة لأن طريق احترافه لهكذا مهنة قصيرة جداً.. وفعلاً هكذا كان، وعندما نزلوا إلى بيروت في العام 1985 فتح محلاً للعمل في مهنته، لكنه بعد عام واحد سلمه لرفيقه لينتسب هو إلى صفوف حزب الله..

 

عام 1987 التحق بصفوف المقاومة الإسلامية، وشارك في العديد من الدورات العسكرية التخصصية التي أهّلته ليكون من المجاهدين الأوائل على الثغور، أولئك المجاهدون الذين رفعوا رايات النصرِ على المواقع قبل انسحاب الجيش الصهيوني بسنوات..

 

كان عدنان يقضي معظم أوقاته في الجنوب على المحاور المتقدمة، وقد عرف بمبادرته وهمته العالية، وعشقه لخدمة الأخوة في الجبهة، فكان يهيئ لهم الطعام ويزرع بعض الخضار في أحواضٍ أهّلها لذلك، وعندما يعود إلى بيروت يستأنس بحرثِ الحاكورة الصغيرة أمام منزلهم والتي زرعها بالعديد من أشجار الفاكهة التي لا يزال ثمرها يُحلي طعم الحياة في اللحظات المرّة، أو يقوم بزيارات اجتماعية لجيرانه ويتشاور معهم بأمور الحي والسبل إلى تحسين أوضاعهم..

 

أما عندما يكون لوحده فيسافر إلى مكان لا أحد يعرفه، حتى يكاد لا يشعر بشي‏ء حوله ولم يفضِ يوماً بسريرته لأحد، فسكوته العميق وسريته منعتا أهله التعرف إليه جيداً، فكان عدنان الابن والزوج رجلاً أكثر تميزاً بعد استشهاده وقراءة سطوره الغامضة..

 

عندما أراد أن يتزوج، أخبر شريكة عمره أنه لا يترك طريق الجهاد إلا وقد حُمل شهيداً، ولم يستطع أن يبتعد لحظة عن ساحة الجهاد، فصبيحة يوم عرسه التحق بإحدى الدورات في البقاع، ثم ما لبث أن غادر منزله إلى المحور، ثم إلى إيران.. هكذا تلونت أيامه؛ من محور إلى دورة تزيده خبرة، إلى درسٍ، إلى دعاءٍ، إلى تشييع شهيد..

 

رزق الشهيد بثلاثة أولاد: فتاة وصبيين، كانت حوراء ابنته البكر تنتظره أن يأتي من العمل على أحر من الجمر، فكلما عاد من المحاور اختبأ في غرفةٍ وانتظرها ليفاجئها، ويلعب معها وأخيها محمد.. أما صغيره "علي" فقد تركه وهو في الأشهر الثلاثة الأولى من عمره، فيسمع حكايا والده الجميلة من أخوته وأمه.. أطفال عدنان إلى الآن ينتظرون عودته كل يوم، على الرغم من أنهم يعلمون أنه في الجنة..

 

كان للشهيد عدنان شرف المشاركة في أغلب عمليات المقاومة الإسلامية العسكرية والنوعية، وعرف بإقدامه وشجاعته كغيره من المقاومين الأشاوس الذين أذاقوا الجيش الإسرائيلي مر الهزيمة، وكان يحلو له رؤية راية المقاومة تزرع على المواقع، وإذا كان من المشاركين في إحدى العمليات المصورة فإنه كان ينتظر عرضها على التلفاز بشغفٍ ليرى عظمة إخوانه وبأسهم البتار..

 

قبل فترة قصيرة من استشهاده كان يخبر شقيقته أنه يتمنى أن يتقطع جسده إرباً ويتناثر في الهواء، وكأن ذلك التمني الصادق كان دعاء عفوياً طرق به باب الاستجابة..

 

وأتى ذلك الصباح الذي انتظره عدنان دائماً.. كان شروق الشمس منظراً آخر، لاقاه هذه المرة لقاء مودع لصديق ألفه دوماً، رسم ضوءها المشع على أطراف الدنيا بأهداب عينيه الذابلتين، وببسمة مطمئنة؛ ونظر ناحية الغروب الذي لن يرى جماليته ذا النهار، فبعد قليل سيتوجه إلى الجنوب..

 

وقفَ يتودع من حبات تراب الحقل، من الورود المفتحة الجميلة، من الأغصان المنتظرة أيار لتزهر، من حنايا المنزل الذي خبأ فيه تعبه ووحدته فأنبت بعض الألفة على قلبه الغريب في هذه الدنيا..

 

في كل مرة يخرج فيها عدنان من المنزل يكون وداعه وداع من لن يعود، لكن هذه المرة أحس الجميع بحرقة ولوعة لغيابه، وصارت النظرات تلاحقه كلما تلفت قبل أن يغادر..

 

توجه إلى والده وسأله ما إذا كان يحتاج لشيء فشكر أبوه الله على نعمه، وكعادته مدّ عدنان يده إلى جيبه ووضع في جيب أبيه مبلغاً من المال دون أن يعده، وودّعه.. ولم يكن من عادته التوجه إلى الجنوب بسيارته، غير أن هذه المرة ركب السيارة فسأله والده عن السبب، فأجابه؛ سأتوجه أنا والسيارة إلى الجنوب، إذا عدت تعود معي، وإن لم أعد لا تعود.. مشت السيارة وعدنان ينظر خلفه ليرفع يده ملوحاً بالوداع لوالده..

 

في الثامن والعشرين من شباط 1999، فجَّرت المقاومة الإسلامية عبوة ناسفة بموكب قيادي صهيوني عسكري أمني رفيع المستوى مؤلف من بضع آليات مصفحة لدى مروره على طريق مرجعيون حاصبيا عند نقطة الهرماس، ما أدى إلى مقتل قائد قوات الاحتلال في لبنان ايرز غيرشتاين مع ثلاثة آخرين وجرح ثلاثة.. إزاء هذا العمل الجهادي المميز والضربة الموجعة التي تلقتها القوات الإسرائيلية قام الطيران الحربي الإسرائيلي بالتحليق المنخفض فوق تلال عاملة وقصف العديد من الأودية والأحراش، أدت قذيفة منها سقطت بالقرب من قرية جباع في إقليم التفاح إلى استشهاد الشهيدين عدنان حسن وحسين عبد الله مغنية، حيث كانا يقومان بالتصدي للطائرات، وقد تناثرت أشلاء الشهيد عدنان في الهواء كما تمنى ولاقى وجه ربه بجسد ذراته سبحت بعز قدسه في الهواء..

 

من وصية الشهيد عدنان حسن‏

 

إخواني في حزب الله:

 

ينتابني إحساس في قلبي يدفعني أن أتلفَّظ بما يدور في سريرتي وما يعشقه قلبي في محاكاتكم وتذكيركم؛ أوصيكم بتقوى الله ونظم أمركم والحفاظ على الأمانة الملقاة على عاتقكم وصية السيد عباس الموسوي رحمه الله وباقي الشهداء الكرام، وهي حفظ المقاومة الإسلامية والرسالة السماوية وتلبية نداء الواجب المقدس الذي طالما لبيتموه ملء إرادتكم غير مكرهين ولا مجبرين بروح حسينية آثرتم على أنفسكم التضحية والإخلاص لبارئكم مطمئنين لقضاء الله حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.. 

 

لقد عرض على الشهيد فاروق العديد من الفرص التي يحلم بها أي شابٍ ناجح يسعى لتدعيم مستقبله المعنوي والمادي، وفتحت أبواب السفر مشرعة أمامه لمتابعة دراساته العُليا، لكنه بقي في الوطن، ليكمل طريق الجهاد، وليستشهد غريباً ويدفن جسده غريباً، غير أن ذكراه الطيبة، وذكرياته التي يلهجُ بها أهله ورفاق دربه في المقاومة الإسلامية وفي التعبئة التربوية وبين تلامذته في المدرسة، تبقى منارةً تُضيء فينا زوايانا المظلمة..

 

 

 

احدث الاخبار

الاكثر قراءة