بقلم: محمد صادق الحسيني

 

ليست هي الحرب تماماً، ولا هو السلام المستحيل أصلاً مع نظام عنصري مقيت يلهث للخروج من صورته المهشمة على يد الراحل ماد مغنية صانع انتصاري ايار وتموز اللذين نحضر للاحتفال بهما, بل هو الانحدار المتسارع لهذا الكيان نحو الزوال بيقين سيد المقاومة صواريخ إيران الجديدة العابرة منها للفضاء كما الأخرى المحطمة لأسطورة اسرائيل التي لا تقهر. وتؤكد أنباء مفاجآت إيران والتي كشف عنها القائد السابق لحر س الثورة الجنرال محسن رضائي عندما قال: اذا سمعتم بأن مدى صواريخ ايران قد تجاوزت الثلاثة آلاف كيلومترا فصدقوها.

 

يبدو المشهد من حولنا مثير للغاية، سفن حربية إسرائيلية تجوب البحار شاقة طريقها عبر عباب المضائق العربية لتلتحق باستعراضات الأساطيل الأميركية في خلجاننا، وسط تهديدات متصاعدة لإيران، في وقت تقول فيه الأخيرة إن كل سفنهم وبوارجهم وأساطيلهم وكذلك من يحميهم أو يؤويهم ستكون صيداً سهلاً كما يؤكد القادة الايرانيون على الدوامً. ‏

 

ورغم حشد طلائع السفن الحربية الإسرائيلية، والتحامها بالأساطيل الامريكية التي تصول وتجول في هذه المياه، فإننا نسمع ثمة من يقول إن الهدف الحقيقي من وراء كل هذه الاستعراضات إجبار إيران على تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات في بغداد.

 

في هذه الأثناء فان امر العمليات اليومي الواضح لقوات مثلث المشهد الدمشقي الشهير بات واضحا وشفافا لا ريب فيه: واجهوا التهديد بالتهديد واضربوهم بنفس حجم الضربة الموجهة اليكم وان تجرأوا على اشعال الحرب ضدكم فاقتلوهم حيث ثقفتموهم على قاعدة العين بالعين والسن بالسن والبادي اظلم.

 

ويأتي هذا الامر في ظل توازن رعب دبلوماسي وسياسي وإعلامي وأمني واضح المعالم افرزته مفاوضات الخمسة زائد واحد مع ايران وقبلها معادلة ما بعد مضيق هرمز وما بعد بابا عمرو حيث كرست فيه طهران كلاعب اساسي في المشهد الاقليمي بل وتجاوزت فيه المسرح الاقليمي إلى الساحة الدولية ما يجعلها اليوم واحدة من بين الدول الكبرى في العالم التي تمتلك تلك التقنية العالية في مجال علوم الذرة كما في مجال علوم الفضاء كما في منظومة الدفاع الصاروخية.

 

وكما هو معلوم أيضا فقد كشفت طهران قبل مدة ليست بالبعيدة عن تصنيعها لصاروخين جديدين متطورين نزلا إلى سوق الإنتاج: الأول وهو "طوفان 5" المضاد للدروع والذي قالت التقارير الاستخبارية الإيرانية إنه سيضع حداً نهائياً لحلم الميركافا الإسرائيلية والثاني وهو صاروخ "قائم" الذي سيسدل الستار نهائياً على قدرات طائرة الاباتشي الأميركية كما صرحت مصادر عليمة في الحرس الثوري والجيش الإيراني.

 

والأهم‏ مما سبق تصنيع القوات الايرانية شبكة ردع اليكترونية محلية الصنع معقدة للغاية تستطيع ليس فقط صد الصواريخ الموجهة نحو الاراضي الايرانية بل وحرفها عن مسارها الاصلي وإعادة توجيهها بالاتجاه الذي تقرره ايران كما ورد في تصريحات وزير الدفاع والقوات المسلحة.

 

هذه التطورات وغيرها التي لا تزال في أول الطريق الطويل في أسرار الحرب الإيرانية الأمريكية الباردة كما يقول العارفون ببواطن الأمور، هي التي تجعل إيران مصرة أكثر من أي وقت مضى على رفض تقديم أي تنازل مبدئي عن حقوقها الثابتة في مجال التكنولوجيا النووية بالرغم من استمرارها في مد يد الحوار الى من يقبل من الدول الكبرى بشروطها التكافؤية بعيداً عن الاملاءات المسبقة كما تحلم واشنطن أو تل أبيب وهو ما اعاد التذكير به امين المجلس الاعلى للأمن القومي الايراني سعيد جليلي قبل ايام من مفاوضات بغداد بالقول الصارم : احذر الدول الكبرى من القراءة الخاطئة لما يجري من حولنا واللجوء إلى التقدير السيئ للموقف, فما يضيق وينفد هو وقت

 

الضغوط وفرض الاملاءات وليس وقت المباحثات والحوار.

 

إنها معركة الاستقلال الثانية الشاملة التي لا يريد أن يفهمها البعض، بينما يكابر الغرب العنصري والاحتكاري عن الاعتراف بها وان اجبر في محطلات عديدة على الاذعان لها بالإكراه في اطار حوار الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان ولكن تحت ظلال السيوف.

 

بعد التأسيس للجمهورية الفتية بأشهر قليلة قالها الإمام الخميني الراحل بلغة التشديد وهو يخاطب الكادر والنخبة السياسية في البلاد: (لقنوا أنفسكم بأنكم قادرون وستكونون فعلا قادرين).

 

ما يقارب الثلاث سنوات مرت على محاولة الانقلاب المخملية التي سقط فيها العديد من الخواص والنخبة الإيرانية وبعض الطبقة سياسية التي حكمت إيران على مدى العقود الثلاثة الماضية والإمام السيد علي الخامنئي لم يرف له جفن وهو يستمع إلى التقارير التي كانت تهول وتزبد وترعد وتحذر من أخطار سقوط إيران وانهيار النظام، وكان جوابه واحدا على الدوام (اطمأنوا لا شيء من هذا سيحصل بل اننا نزداد قوة). ‏

 

وهاهي احداث الثورات العربية المحيطة بإيران من مصر الصابرة والمجاهدة إلى البحرين المحاصرة لكنها المثابرة ايضا تؤكد حضور الجماهير المليونية في الميادين والساحات رغم ضجيج البائسين والسذج من أصحاب الغفلة الكبيرة منهم والصغيرة!. ‏ ‏ ‏

 

إن موازين القوى الحالية والتي في طريقها للتبلور بعد انتخابات مصر العظيمة وبعد خيبة أمل الإسرائيليين في سقوط الدولة السورية وثبات الثوار اليمنيين والبحرينيين ستحول هي الاخرى المنصات والدروع الصاروخية مجرد كتل من الحديد الخردة.

 

أما سفنهم وبوارجهم المتبخترة في البحار والمحيطات فهي لم تعد سوى صيد سهل للصواريخ الإيرانية المتطورة، هذا فضلا عن جنودهم وضباطهم المنتشرين في الجهات الإيرانية الأربع والذين لم يتبق لديهم من خيار سوى مشاريع اسرى هذا ان افلتوا من العقاب والموت المحقق في ظل تزاحم النيران.

 

صحيح أنهم لا يزالون يملكون قوة تدميرية كبرى، قد لا تملكها إيران، لكن الصحيح أيضا وكما قلنا ثمة قوة اكبر تصلح للصمود كما لتحقيق الانتصار أيضا ألا وهي قوة اليقين، فما بالك إذا كانت مسلحة بآخر ما توصل إليه الغرب من لعبة التكنولوجيا وعلومها على السواء!. ‏

 

العالم في عام 2012 على موعد مع التغيير فعلا، لكنه لم يعد بالضرورة من نوع التغيير الذي نادى به أوباما، فالجميع يستعد للمنازلة الكبرى وإن لم يحن موعد الحرب بنظرنا بعد.