في أجواء القمع والبطش التي يتعرض له الشعب البحريني، تناول سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم بالنقد ضيق أفق السلطة وعبثية الخيار الأمني والذي تحول إلى أسلوب قهر واستفزاز طائفي مؤكدا على أنه "لا مشكلة عندنا مع إخواننا السنة في البحرين، وأننا نصر على الأخوة المشتركة بين المواطنين".
بمسجد الإمام الصادق بالدراز ألقى سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم خطبتي صلاة الجمعة، وكان الوضع المحلي وتطوراته محور خطبته. تساءل سماحته عن دوافع كل هذا الذي يحصل في البحرين: من يريد لهذا الوطن الصغير في أرضه، القليل في عدد مواطنيه، أن يكون وطنين، وطن فقراءٍ مدقعين وأغنياءٍ مترفين، وأميين ومتعلمين، ومتخلفين ومتقدمين، أسيادٍ ومسودين .. ومن يريد لهذا الشعب أن يكون شعبين، شعب جوعى وشبعى، وأقوياء وضعفاء، وعلماء وجهال، وأحرار وعبيد..
واستطرد الشيخ قاسم بالقول: ويرى ذلك ممكناً جداً، وفيه منفعة للوطن، وأن ذلك أحفظ لأمن البلد واستقراره ومنعته، فهو واهمٌ جداً ومخطئٌ جداً وضارٌ بالوطن كثيرا، وهو ممن لا يعرف زمانه ومكانه وعالمه، ولا يجيد فهم الواقع، ولا يعرف شيءً من تطور الأوضاع في المجتمع الإنساني، ولا يقيم رأيه أساس من خلق ولا إنسانية ولا دين ولا احترام وطن.
وعلق سماحته على بعض المنطق السياسي الذي يراد له أن يسود في منطقة الخليج: والذين يرون أن على البحرين أن تراوح مكانها سياسيا، ولا تتحرك قيد أنملة إلى الأمام، برغم التحرك السريع في العالم على هذا المسار إلى مسافاتٍ بعيدة، أو أن تكون السلحفاة البطيئة في هذا الاتجاه بين كل دول العالم، إنما هم يحتقرون البحرين، ولا يقيمون لها وزنا، ويهزأون بوجودها كله، وليس هذا من الإخلاص لها في شيء.
وأضاف: الذين لا يجيزون للبحرين أن تدخل في سباق شريف مع أي أختٍ من أخواتها الخليجيات في أي خطوة سياسية سباقة، وأن عليها ألا تكون نموذجاً في التقدم في هذا المجال على الإطلاق، ثم يرضون لها أن تكون النموذج الأول فيما يُسيء ويُخجل ويُعيّر بها أبناؤها من بين إخوانهم الخليجيين أو يسكتون على ذلك، إنما هم يسيئون للبحرين ولا يحسنون لها.. وهل من شرف هذه الدول وقوتها أن تتقدم كل الدنيا في الخير، وأن تبقى هي من بينها المتخلفة؟
وعن التأزيم السياسي وحجم الإرتكاسة التي انتهت إلى اعتماد المنهج الأمني لمعالجة الأوضاع قال آية الله الشيخ قاسم: كان هناك حديث رسمي طال زمناً عن التطور الديمقراطي والتقدم في مسيرة الإصلاح، وتوقف هذا الحديث، وصار إثماً سياسيا، ومحرماً من المحرمات، وجاء دور السياسة الأمنية القاتمة لتتفرد بالساحة، الموضوع لهذه السياسة معروفٌ في العادة، اعتداءات، تخريب، إتلاف وإلى ما ذلك.
وفي فضح عبثية القبضة الأمنية التي لجأت إليها السلطة وكشف أغراضها المستترة يقول: يتجسد هذا الحل من ناحية عملية في تطبيقات لا صلة لها بالغرض الأمني، ولا يمكن أن تفسر إلاّ بأغراض أخرى تدل هي عليها بطبيعتها.. ما صلة تكسير أبواب بعض الحسينيات، والعبث في محتوياتها المرة بعد الأخرى بالناحية الأمنية؟ ما علاقة ظاهرة العثور على جثث الأبرياء في أماكن متفرقة، في ظل الإنتشار الأمني الذي يغطي كل المناطق؟ وهي جثثٌ لأناسٍ لا دور لهم في الأحداث، ولا صلة لهم بالعمل السياسي، وآخر مثالٍ لذلك هو السيد حميد ابن السيد المحفوظ البالغ من العمر 56 سنة، والرجل ليست له عداءات شخصية، وقد خرج لاستنساخ بعض الوثائق الخاصة به أو بعائلته، ليوجد جثةً نصفها في كيس والنصف الآخر خارجه، بعيداً عن مقصده والطريق إلى ذلك المقصد، أين هذا من الغرض الأمني للمواطنين أو الدولة؟
اعتقال عدد متزايد من النساء، من طبيباتٍ ومن معلمات، هل فيه حماية للدولة من انقلابٍ عسكريٍ أو ما يشبهه؟. في مصر كانت ثورة، وفي تونس كانت ثورة، وبلغت الثورتان من أشدهما ما بلغتا والمرأة لم تُمس، وقد شاركت مشاركةً فعالةً عريضة والمرأة لم تُمس.
وتساءل سماحة بحرقة: البحرين الخليجية التي لا يناسبها التقدم الديمقراطي يناسب دينها وثقافتها، وحساسية الغيرة فيها على العرض، وشعارات كرامة المرأة ورعايتها، والشهامة العربية التي تعتز بها، أن يُغيب هذا العدد الكبير من نسائها الشريفات العفيفات في غياهب السجون، على بعدٍ من الآباء والأزواج والأمهات والبنين والبنات؟!
ثم قال: عجباً لقلب عالمٍ مسلم من أي مذهب أو مسلمٍ من سائر المسلمين ألاّ تأخذه غيرةٌ أو تنام له عينٌ بهدوء..
ما هي علاقة الغرض الأمني بالسؤال عن المذهب في نقاط التفتيش مما يتعرض له المواطنون؟
فصل المئات من وظائفهم، ومحاربتهم في الرزق للتجويع والإذلال ومضاعفة المشكلات، ووظائفهم وظائف مدنية لا سياسة ولا عسكرية، أي خدمةٍ يؤديها هذا الإجراء المتعسف لأمن الوطن والمواطن؟
إيقاف البعثات لعدد من الطلاب المواطنين ممن يدرسون في الخارج، ما دخالته في إيقاف التدهور الأمني لو كان موجودا؟
هذا الإرهاب المستمر في القرى والمناطق المختلفة، باقتحام قوات الأمن لشوارعها الفارغة وإطلاق زخات الرصاص في أي ساعةٍ من ساعات الليل، والإطلاق على من قد يضطره وضعه للعبور من شارع أو طريق في حين لا مظاهر استفزاز في هذه القرى والمناطق، هل تفسره الحاجة الأمنية؟
اعتماد الإعلام لغة الإثارة والإستفزاز والشماتة والتحريض، فيه حفاظٌ على الأمن ورعاية؟
وينهي حديثه عن هذه النماذج من الانتهاكات التي تستهدف طائفة بعينها، فيقول: هذه مفرداتٌ من الحل الأمني، والتي تشهد بأن غرضها ليس أمنياً على الإطلاق، وهي مفسدةٌ للأمن، ودلالتها مقرحة، وما هذه إلا أمثلة لا غير.
وهنا ينبّه سماحته إلى بطلان هذا الخيار وعدميته: اطلبوا أمن البلد من سكة أخرى غير هذه السكة، من طريق آخر غير هذا الطريق الخطير المدمر، هذا طريقٌ لا يمكن أن يستمر سلوكه طويلا، طريقٌ لم يعطي استقراراً لأي بلد، والأخذ به مرفوضٌ عالمياً بصورةٍ عامة.
وليخلص آية الله قاسم إلى: الحل السياسي هو الحل أولاً وأخيرا، وهو يرفع الحاجة إلى الإجراءات الأمنية، والإجراءات الأمنية لا ترفع حاجته بل تزيد في تأكيدها، أقول هذا حبٌ لهذا الوطن وأهله، والله من وراء القصد.
وختم سماحته خطبته بهذا التأكيد: أعلن للداخل ولشعوب المنطقة وللعالم كله، أنه لا مشكلة عندنا مع إخواننا السنة في البحرين، وأننا نصر على الأخوة المشتركة بين المواطنين، وأننا إنما نعاني من ظلمٍ سياسيٍ ومذهبيٍ من السلطة، ونطالب بالحقوق المشتركة الثابتة لكل مواطن، على أننا اليوم صرنا فاقدين للأمن وبصورة عامة.
تعليقات الزوار