في مهرجان «من أجل الوطن» بجزيرة سترة
الجمعة 14 رجب 1432ﻫ.ق 17 يونيو 2011م
بسم الله الرحمن الرحيم
افتتاحية
أحيّي صمود هذا الشعب، فشكراً وتحيّة.. وشكراً وتحيّة إلى سترة الصمود والإباء.. شكر وتحيّة إلى سترة الصمود والتحرّر والسلمية والوحدة الوطنية وإلى سترة الشهداء، شكراً لكم.
تحيّة شكر وإكبار وإعجاب لهذا الشعب المسالم الحاضر في سترة الخير اليوم، تحيّة إلى المرأة الحاضرة وإلى الأم التي دفعت بأبنائها وزوجها إلى الشهادة..
شكراً لكم يا أسر الشهداء في سترة وفي كل البحرين، قدّمتم دماءكم ودماء أبنائكم من أجل البحرين، فشكراً لكم.
ونكبر صبر الأمهات والآباء ومشاركتهم في هذه الحركة المطلبية، وحثّ أبناءهم وتشجيعهم على المطالبة بحقوقهم بطريقة سلمية.
ونواسي مئات الجرحى الذين لا يستطيعون الذهاب إلى العلاج ويعانون ليل نهار، ويجرون جراحهم من أجل البحرين.. فشكراً لكم.
نستحضر هنا معتقلينا جميعاً، وفي مقدمتهم آيات القرمزي ومحمد البوفلاسة وغيرهم.. فشكراً لكم.
نستحضر هنا سماحة الشيخ المحفوظ، والأستاذ حسن المشيمع والأستاذ عبدالوهاب حسين، والشيخ المقداد، وأبو ديب، وميثم السلمان، ود. علي العكري وغيرهم.. فشكراً لكم.
ونواسي الجرحى وأسرهم، ونتضامن مع المفصولين في القطاعين العام والخاص، ونستحضر في قلوبنا المعتقلين والمهاجرين وكل فرد تعرّض للظلم والتعدّي.
ألف ألف تحيّة إلى شعب البحرين المسلم الحرّ الكريم الصابر المحتسب الشامخ رغم الجراح، والمصرّ على المطالبة بحقوقه بسلمية حتى تحقيقها.. شكراً لكم.
تحيّة إلى كل من قدّم وضحّى من أجل الله ومن أجل البحرين.
لا عودة إلى ما قبل 14 فبراير 2011
اتّفق الجميع على أن هناك سلسلة طويلة من الإخفاقات والأخطاء على مدى عقود طويلة أدّت إلى وجود استياء شعبي عام لا ينكره إلا من كان يتمصلح من تلك الأخطاء. من هنا جاءت الرغبة الشعبية في التغيير إلى الأفضل، وقد عبّر عدد من المسؤولين عن أنه لا عودة إلى ما قبل 14 فبراير وعلى رأسهم سمو ولي العهد، عندما قال:أؤكد أن البحرين لن ترجع إلى الوضع الذي كانت عليه، لأن الشيء المؤكد في الحياة هو التغيير، اليوم نحن في حاجة ماسة جداً لأن نبادر في هذا التغيير.
فما هي جذور المشاكل التي كانت قبل 14 فبراير، ويجب عدم العودة إليها، وعلينا العمل على إصلاحها؟ وإلا فإن المشكلة السياسية وتداعياتها سوف تستمر بحكم المنطق القائل:ما دامت الأسباب موجودة فإن النتائج ستبقى موجودة أيضاً.
الجذر الرئيسي للأزمة فيما قبل 14 فبراير هو تهميش الإرادة الشعبية في صناعة القرار.
وتفصيل ذلك أن السلطة التنفيذية والتي يجب أن تعبّر عن إرادة الشعب والناخب في اختيارها، وفي إقرار برنامجها وتخضع إلى محاسبة لا تتوفر فيها أي من هذه الميزات، فالشعب بعيد كل البعد عن اختيار حكومته بأي معنى من معاني الاختيار، وبعيد كل البعد عن منح الثقة إلى الوزراء.
فالشعب والإرادة الشعبية ملغية بالكامل في هذا الأمر الحيوي والجوهري، وهذا خطأ إستراتيجي يجب إصلاحه حتى لا تتكرر الأخطاء الإستراتيجية، ولعمل ذلك لا بدّ من حكومة منتخبة من قبل الشعب أو بتعبير آخر "حكومة تمثل الإرادة الشعبية"، خاضعة للمسائلة والمراقبة في كل وقت، ويمكن عزلها في أي وقت بإرادة الشعب من خلال آلية دستورية واضحة متى ما فقدت الثقة التي مصدرها الشعب.
وفي السلطة التشريعية فإن الإرادة الشعبية مشوّهة ومهمّشة، فالمجلس المنتخب يتم انتخابه على أساس التمييز بين المواطنين والتفصيل الطائفي بدل المساواة في الحقوق، فالنائب مطر مطر يساوي لوحده في الكتلة الانتخابية التي يمثلها في دائرته المحافظة الجنوبية بستة نوابها، والمعارضة تفوز بالأغلبية الشعبية بنسبة تصل إلى أكثر من 60% وتحصل على أقلية في عدد مقاعد مجلس النواب.
وإرادة المجلس المنتخب المكوّن على أساس طائفي ومشوّه، ملغية بالكامل لحساب المجلس المعين الذي لا يمثل الشعب مقدار ذرة مهما قيل عنه غير ذلك في وسائل الإعلام، ومهما بلغت أدوات التلميع في افتراض الأدوار المثالية له. فالمجلس المعيّن لا يعني سياسياً سوى انتقاص الإرادة الشعبية ومصادرتها في أي وقت بضغطة زر.
فإن أردنا تجاوز جذور أزمة ما قبل 14 فبراير فإنه يجب أن ينطلق المجلس التشريعي من دوائر عادلة تمثل المساواة بين المواطنين، وأن يلغى الدور التشريعي للمجلس الذي لا ينبثق من صناديق الاقتراع ولا يمثل إرادة الشعب، وأن يتوقف تدخل السلطة التنفيذية في عمل السلطة التشريعية.
وهذا يعني "مجلس منتخب ينفرد بالصلاحية التشريعية والرقابية" بدون وجود أي مجلس معيّن، وبدون تدخّل من السلطة التنفيذية في التشريع.
وجذر أساسي آخر هو ما لعبته بعض الأجهزة الأمنية من دوراً سلبياً فيما قبل 14 فبراير 2011 وعملت على إخافة الناس بدلاً من حمايتهم، وملاحقتهم في أرزاقهم، وانعكس بعض عملها على قدرتهم على السفر إلى بعض البلدان المجاورة، ولم تساهم هذه الأجهزة بإيجابية في ترسيخ حماية القضاء ونـزاهته، فكان المواطن متزلزل الثقة في اللجوء إلى أي مركز شرطة أو نيابة عامة خوفاً من أن يتحول إلى متهم بدل صاحب شكاية وظلمة.
إن مجرد وجود هذا الشعور عند المواطن هو خلل يجب إصلاحه وصولاً إلى بناء ثقة كاملة في أن الأمن للجميع وأن القضاء سينصف من يلجأ إليه، وأنه في المستقبل لن يجد المواطن في نفسه وهو ذاهب إلى الشكاية وقد تحول من مدعي إلى مدعى عليه، كما يحدث للكثير ممن حاول اللجوء إلى القضاء للشكاية على بعض الأجهزة الرسمية.
إن جعل الأجهزة الأمنية في خدمة الشعب وليس الشعب في خدمة الأجهزة الأمنية، وبعث الثقة الكاملة في استقلال القضاء من الإصلاحات الرئيسية المطلوبة حتى لا تتكرر سلبيات ما قبل 14 فبراير 2011، لقد ذهل العالم من حقوقين ومراسلين ودبلماسيين من وضع الأطباء في المحكمة وهم يشتكون تعرضهم إلى التعذيب وسوء المعاملة.
إن الحوار والإصلاح والتحول إلى الديمقراطية يحتاج إلى نجاحها إلى مسؤولين يومنون بها، وقد كانت إحدى مشكلات الماضي عدم ايمان الكثير من المسؤولين في موقع القرار بالديمقراطية والإصلاح، ولتغيير ذلك نحتاج إلى من يؤمن بالإصلاح والديمقراطية أن يأخذ مكانه في المسؤولية.
من إجل إنجاح الحوار
لقد أضحت المطالب الشعبية واضحة وجليّة، وهي في البحرين مشابهة لما طالبت به الجماهير في المغرب والأردن، وقد تحقق لتلك الشعوب ما طالبت به في وقت قياسي، وكان لتفهم الملكين محمد السادس وعبدالله الثاني دور إساسي في هذه النتيجة، ونتطلع أن يلعب ملك البلاد نفس هذا الدور.
وقد رحبنا بالحوار كطريق عقلاني يجب أن يفضي إلى الاستجابة لمطالب الشعب العادلة، وأن لا يكون هناك أي إلتفاف عليها، فالشعب في درجة عالية من الوعي السياسي، والمجتمع الدولي يرصد الحوار ولا يمكن الضحك عليه بالصورة المفرغة من المضمون.
فالمطلوب هو الحوار الجاد الحقيقي الذي ينتج حلاً سياسياً عادلاً يستجيب لمطالب الشعب، ويحقق التقدّم نحو الديمقراطية الحقيقية.
ومطلوب لهذا الحوار توفير "مناخ الاحترام والحرية، والتجمع السلمي، وحرية الرأي بالطرق السلمية والتزام مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمعاهدات التي صادقت عليها البحرين"، كما جاء قبل يومين على لسان نائب وزير الخارجية الامريكية، ومن قبله على لسان الأمين العام للأمم المتحدة، والرئيس الأمريكي، والسيدة اشتون، ووزير الخارجية البريطاني وغيرهم من الدبلماسيين والسياسيين على مستوى العالم أجمع.
كما يتطلب تهيئة الأجواء إيقاف الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، المتمثلة في استمرار الاعتقالات والمحاكمات لنشطاء سياسيين، ووقف التحريض وبث الكراهية التي تقوم بها وسائل الإعلام الرسمية المرئية والمسموعة والمقروءة والتي تتناقض حتى مع التصريحات والإشارات الإيجابية من خطابات رسمية عليا وتسيء إليها.
إن المراقب المستقل للمشهد الرسمي يرى أن بعض المواقع الرسمية تعمل على تخريب الحوار بدل إنجاحه، وإلا فما معنى استمرار محاكمة الرموز السياسية وتقديم نواب الشعب للمحاكمة العسكرية؟! ودعوة ستين جهة للحوار وكأننا في حفلة اجتماعية؟! وإبعاد الشخصيات الرسمية المعتدلة والمتحضرة عن رئاسة الحوار، وترك قيادته إلى شخصية مختلف حولها؟!.
إن إنجاح الحوار يتطلب تهيئة أجواء لم تأخذ طريقها إلى الأرض حتى الآن، وإن أردنا النجاح لهذا الحوار فعلى الجهات الرسمية العمل الجاد على تهيئة الأجواء المناسبة لانطلاق الحوار واستمراره حتى الوصول إلى الحل السياسي والحقيقي والجاد كما يطالب المجتمع الدولي كله. في ظل الدعوة إلى الحوار لازلت الناس تفصل من أعمالها، وتسجن، لأنها ذهب إلى الدوار في الوقت الذي كان الذهاب إلى الدوار حق مشروع، فقد صرّح سمو ولي العهد أكثر من مرة بحق الناس في التواجد في الدوار، فقال "أنا أعرف أن الشباب في الدوار لهم رأي، وأنا بودّي قبل غد أن أخاطبهم مباشرة"، فلو ذهب سمو ولي العهد، فهل ستحاكمه المحكمة العسكرية؟!
وقال:"عندنا الآلاف يتجمهرون في الدوار بكل حرية وراحة ويعبرون عن آرائهم"، وفي هذا الكلام إقرار بمشروعية وجودهم بل الدعوة إلى التواجد والتعبير بحرية.
إن المئات من أبناء الوطن يحاكمون لأنهم تواجدوا في الدوار، ومئات ويفصلون من عملهم لأن لهم صورة في الدوار، فهل هذا يحضر لبيئة سليمة للحوار؟!
ومن هنا فإني أناشد سمو ولي العهد لإيقاف لجان التفتيش في الوزارات المختلفة والشركات الكبرى، وإصدار الأوامر بعودة كافة المفصولين إلى أعمالهم، ووقف جميع صيغ الإذلال بإجبار المواطنين على توقيع تعهدات واعتذارات على أمور أقرّت القيادة السياسية بكونها حقاً مشروعاً في التعبير عن الرأي والتجمع السلمي.
إن استمرار لجان التفتيش في الوزارات، واستمرار فصل وإيقاف الموظفين في القطاع الخاص والعام، والعقاب الجماعي على الهوية المذهبية لا يتناسب وتهيئة أجواء حوار ناجح، بل العكس من ذلك، ويثير سؤالاً لدى الرأي العام المحلي والأجنبي عن مدى الجدّية في الحوار المرتقب.
العدالة ذات العينين
إن العدالة مطلب للجميع لكن العدالة لها عينان، فكما تنظر إلى من فقد من رجال الأمن وتقدّم العديد من المتهمين للمحاكم، فلماذا لا تنظر العدالة إلى أكثر من 23 فقيداً من الشعب لم يقدّم أحد للمحاكمة بتهمة التسبب في قتلهم؟!.
وإن أحداث جامعة البحرين فصل فيها الطلبة المعتدى عليهم بدلاً ممن تسبّب في اقتحام الجامعة من غير الدارسين فيها والتي شهدت الصور والأفلام بوجودهم المريب.
إن المطلوب هو معرفة الحقيقة والعدالة والإنصاف بعد ذلك، وعبر آليات تلفّها روح التسامح والتسامي من أجل فتح آفاق الحياة المشتركة، وتطييب الخواطر وتحقيق أرضية الاستقرار والأمن للجميع، فالأوطان تبنى بالمحبّة والانفتاح والعدالة لا بالانتقام والتشفّي والظلم.
التمسّك بالوحدة الوطنية
إننا أشد الناس تمسّكاً بالوحدة الوطنية، فقد تسامينا ولمدة سنوات عن الردّ على الهجوم الإعلامي الزائف والمبرمج الذي ينطلق بمرأى ومسمع من جميع المسؤولين، وذلك لإبعاد الوطن عن التجاذبات الطائفية والسياسية غير المفيدة، وقد خلت أدبياتنا وبياناتنا وخطاباتنا من الكلام الجارح وعبارات التحقير والتشفّي وتنـزهنا عن السبّ والشتم، وتحلّينا دائماً بضبط النفس أمام سيل جارف نتن كريه من تلك الأمور. ولم يكن موقفنا في الترفّع عن الردّ على الإساءات إلا التزاماً منا بتعاليم ديننا السمحاء، وحبّاً في الوطن، وتغليباً لمصلحته العليا.
وها نحن اليوم ندعو إلى دولة المواطنة لا دولة الأُسر والطوائف والأعراق، ونمدّ يدنا إلى جميع الخيّرين من أبناء البحرين في المواقع الرسمية وغير الرسمية من أجل إيجاد حل سياسي عادل يحقّق التقدّم لبلدنا ويحقق الرفاه لشعبنا ويعزز التلاحم المجتمعي، وتلك هي الكلمة السواء التي يمكن أن تثمر خيراً لكل البحرينيين وتفرض على العالم احترامنا جميعاً.
ونكرّر الدعوة إلى ضرورة العمل على إيجاد مصالحة وطنية عميقة وشاملة كما فعلت جنوب أفريقيا والمغرب وبلدان أخرى حتى تدمل كل الجراح وينصف كل مظلوم وتستقرّ كل النفوس للأمن والعدل.
احترام الجاليات
دعونا في هذا اللقاء نعبّر عن شكرنا لجميع الجاليات التي عملت في البحرين وساهمت في بناء هذا البلد، وقد وجدوا من أهل البحرين الترحيب والتقدير، فإلى الجالية الهندية والبنغالية والأمريكية والبريطانية وغيرها من الجاليات التي تعيش جنباً إلى جنب مع بيوتنا وفي وسط أحيائنا كل التقدير والمحبّة والاحترام، فتلك هي العلاقة بين جمهور المعارضة وهذه الجاليات، وهكذا ستستمر إن شاء الله.
الدعوة للخير والمحّبة
لنكن - أيّها الأحبة الحضور والسامعين - من الداعين إلى المحبّة بين السنة والشيعة والمنادين بالإصلاح والداعين إلى الخير والعدل والمطبّقين له في سلوكنا العملي، فإن الله يطّلع إلى القلوب والنوايا، وينصر من عبادة المحبّ للخير والمحبّ لأخيه في الدين والإنسانية والوطن.
تجمعنا هنا من أجل البحرين، من أجل بحرين أفضل، من أجل بحرين ديمقراطية، من أجل بحرين لكل أبنائها.
إننا سائرون على الدرب، ومن سار على الدرب وصل، وإن غداً لناظره لقريب.
اللهم اجعل هذا البلد آمناً، وارزق أهله من الثمرات، وآمنهم من كل خوف، واجمع أهل البحرين على الخير والمحبّة.
الشيخ علي سلمان
الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية
تعليقات الزوار