مولد الحجّة المنتظر (عجّل الله فرجه)

 

في يوم الخامس عشر من شعبان تأتي ذكرى غالية عزيزة في الإسلام، إنه يوم ذكرى ولادة الإمام الحجّة المنتظر القائم، عجّل الله فرجه، ومكّن له، وهزم به الكفر والظلم والنفاق، وطهّر به الأرض من الرجس والطغيان.

 

وبورك للأمّة يوم هذه الذكرى، وجعله يوم انطلاقة ميمونة في تاريخ أمّتنا، وعهد زاهر جديد.

 

ويوم هذه الذكرى يوم وعي رشيد يمنع من استغفال الأمّة عن قيادتها الإلهية التي أكرمها الله بها، ولم يرضَ لها بديلاً عنها، ويمنع من تمييعها وتدجينها، واستلاب أصالتها، ومن ارتمائها في أحضان الغرب والشرق، والرضا بالقيادات الصغيرة.

 

ويوم يذكّر هذه الأمّة بحجمها وكرامتها وعزّتها، واختيار الله لها لقيادة العالم، وتعليم الناس، والإطاحة بالظلم، وإقامة العدل، وتحكيم كلمة الله في الأرض[1].

 

يوم للقضاء على اليأس الذي عملت الطاغوتية العالمية وآلتها العميلة في الأمة طويلاً على زرعه وترسيخه في نفوس الأجيال المتلاحقة من أبنائها وبناتها[2]، وعلى هزّ الثقة بعنف في داخل إنسانها بحيث لا تحدّثه نفسه إلاّ بالتبعية للغير، واسترضائه ليتوفّر على ضروراته في ذلّ ومهانة، من دون أن تأتي في نفسه خاطرة الحرية والعزّة والنصر والاستقلال والكرامة[3].

 

يوم لبعث الأمل الناهض القويّ المصحوب بالجد والسعي العملي والإصرار على مواصلة الطريق الشاقّ بالنصر والعزّ والكرامة.

 

يوم لانتفاضة الإرادة الإيمانية المكبوتة، واندفاعتها على طريق الهدى والنور والصلاح لتغيير ما على الأرض من سوء ونسف ما فيها من طاغوتية، وما تعاني من فساد، وما تضجّ منه وما تشكو منه من ظلم.

 

يوم للجدّ في العمل في سبيل لله، وإعداد النفس والأمّة لتحمل مسؤولياتها الجسام، وحسم معركتها مع الجور في الأرض لصالح الدين والقيم والإنسان، ولمجاهدة النفس أقوى مجاهدة لاجتثاث كل عوامل الضعف والوهن والخَوَر والانحراف منها حتى تستقيم على طريق البذل والجهاد والتضحية من أجل تصحيح كل الأوضاع، لا في بقعة ضيّقة وإنما في كل العالم.

 

يوم يلحتم بالأمّة المؤمنة بطريق الأنبياء وأئمة الهدى (عليهم السلام) على مستوى الفكر والشعور والعمل، ويجعل مواصلة هذا الطريق خياراً لا بديل له على الإطلاق.

 

ونهنّئ المجلس الإسلامي العلمائي على ما تبنّاه من موسم ثقافي سنويّ بمناسبة ذكرى مولد الإمام القائم (عجّل الله فرجه وسهّل مخرجه)، وهو موسم لائق لكل العناية والاهتمام من المجلس ومن كل المؤمنين، وتستوجب منّا جميعاً كل الدعم والمناصرة.

 

عزيز وأعزّ:

 

لئن كان عزيزاً على شعب مؤمن أن تُسلب منه لقمته، ويُصاب بالأذى في دنياه، وكان هذا يستثيره ويسترخص لمواجهته دمه وروحه، فإن كرامته ودينه وشعائر هذا الدين ومساجده وحسينياته وأوقافه أعزّ عليه من كل دنياه، وهو أكثر استعداداً للبذل في هذا الجانب، وأشدّ غيرة وفداءً وأسرع للتضحية[4].

 

فلا كلام عن مواكب ومجالس حسينية وأحوال شخصية وأوقاف، ولا يتحدّث في هذا ولا يتحدّى أهله فيه إلاّ من أراد بهذا البلد فتنة حارقة وناراً متسعّرة لا تهدأ.

 

ثم إنه لا يضرب على وتر المذهبية والطائفية إلاّ من ليس له حبّ لبلده، ولا رأفة له على أهلها، ولا يريد لها إلاّ سوء ليسلّمها بيد الفتنة العمياء والفوضى العارمة والحرب الطاحنة.

 

يعرف من يضرب على هذه الوتر أن أشدّ ما يثير الناس ويلهب مشاعرهم أن تمسّ مذاهبهم[5]، وأن يواجهوا فيها بالتحدّي والعدوان، وأن أسرع ما يفتّت المجتمعات ويحوّلها إلى تخندقات متواجهة هي الإثارات الطائفية، وأشدّ ما يكون إثارة من هذا محاولات الإلغاء والاجتثاث والتغييب والإزالة مادية كانت أو معنوية، وهو عمل إجرامي يُراد به استثمار دماء المسلمين الأخوة في سبيل أهداف سياسية قذرة رخيصة.

 

وليتذكّر من يريد استهداف المواكب والمجالس الحسينية والأوقاف والأحوال الشخصية ما كان من صدام العراق من موقف عدواني شرس، اعتمد البطش والتنكيل ومختلف أساليب الملاحقة والمطاردة لكل ما يمسّ الدين والحسين (عليه السلام) والأحكام الشرعية ومراقد الأئمة الأطهار وزيارتها وصلوات الجمعة والجماعة، وأن صدام قد انتهى، وبطشه قد فشل، وسعيه قد خاب، وعدوانيته إنما ارتدّت عليه، وأن الدين باق، والحسين مخلّد، والأوقاف عادت بيدها الأمينة ووظيفتها الدينية المحدّدة، واشتدّ الإقبال على الحسين (عليه السلام)، وضحّى الناس بأرواحهم الغالية في زيارته، وأعلنوها صريحة: جئناك زحفاً سيّدي يا حسين[6].

 

إن كل ما أعطاه رداء صدام للدين والحسين (عليه السلام) هو تنضيج الولاء الديني، وتأجيج الشعور المذهبي، والالتفات الشديد، وروح الفداء والتضحية للقضايا التي ركّز على محاربتها واستهدفها بالاجتثاث.

 

ويعلم الكل أن المذهب الجعفرية عدل المذهب السنّي في البحرين، وهما مذهبان محترمان، وله أصالة هنا من صدر الإسلام. وإذا كان التاريخ العريق والواقع الصارخ لا يكفي لحماية هذا المذهب من ألاعيب السياسة وأباطيلها وعدوانيتها[7]، فلا بدّ من نصّ دستوري صريح غير قابل للتأويل لإيقاف كل المحاولات العابثة المتعدّية على حرمة هذا المذهب وحرّيته، وقد أصبحت المطالبة بمثل هذه المادة ومثل هذا النص أمراً ضرورياً في ظلّ كل التعدّيات السافرة ومحاولات الاجتثاث والإلغاء وإنكار هذا المذهب من الأساس[8].

 

على أن هذه المحاولات لا تملك أن تلغي مذهباًَ أو تحرقه، وتغيّبه أو تقزّمه، خاصة في مثل هذا الزمن الذي اشتدّ فيه وعي الشعوب وعزيمتها، وقدرتها النفسية على الصمود، وإصرارها على استنقاذ الحق وصيانة الوجود.

 

وإذا كان هذا الضرب على وتر المذهبية بصرف النظر عن المسألة السياسية والحاجة الملحّة للإصلاح السياسي، فإنه يجب أن يُعلم أن حرمة الدين من صلب المسألة السياسية والإصلاح السياسي، وأن الإصلاح السياسي من أكبر هموم الدين ومطالبه[9]، وأن مسّ الدين يؤجّج الشعور بالحاجة إلى الإصلاح السياسي، ويوجب التشديد على المطالبة به، لا أنه يصرف عن همّه، وأن الانحراف السياسي يُخاف منه على الدين ويتهدّده، فلا يسكت الدينُ عليه، على أن الانحراف السياسي في نفسه انحرافٌ عن الدين، فلا يسع على الدين الحق إلاّ مواجهته.

 

إن حرف البوصلة عن المطلب السياسي أصبح أمراً مستحيلاً في وعي الشعوب.

 

ـــــــــــــــــ

 

[1] علينا أن ندرك أننا الأمة التي اختارها الله (عزّ وجلّ) لقيادة العالم، فنحاول أن نكبر، وأن ننمو بقدرٍ يؤهّلنا لهذه القيادة.

 

[2] الإسلام يريد أن يرفع همّة المسلمين، ويرسخ في داخلهم الشعور بالعزة، والكفر يعمل على الإطاحة بنفسية الإنسان المسلم.

 

[3] هكذا يريدون لنا أن نكون.

 

[4] هتاف جموع المصلّين: لبّيك يا حسين.

 

[5] هتاف جموع المصلّين: بالروح بالدم، نفديك يا إسلام.

 

[6] هتاف جموع المصلّين: لبّيك يا حسين. لو قطّعوا أرجلنا واليدين .. نأتيك زحفاً سيّدي يا حسين.

 

[7] لا عدوانية من السنّة، وإنما العدوانية من السياسة، السنّة أخوة لنا وأحباؤنا، ونحن معهم في كل ما يمسّهم من أذى، ولا نشكو أذى من إخواننا السنّة، إنما كل شكوانا من السياسة الغاشمة.

 

[8] هتاف جموع المصلّين: معكم معكم يا علماء.

 

[9] همّنا بالدين لا يخفّف من همّنا بالسياسة، ومسّ الدين يثيرنا جدّاً ضد السياسة، ويجعلنا ندرك مدى خطرها الكبير. ولأننا نعلم أنه لا سلامة للدين إلاّ بسلامة السياسة، ولا سلامة للدنيا إلاّ بسلامة الدين، فنحن لا نفكّك بين الدين والسياسة.