أقام المجلس العلمائي في البحرين، عصر اليوم السبت، ندوة جماهيرية تحت عنوان "المساجد لله" في منطقة السنابس، وعرضت في الندوة تقارير عن الإنتهاكات الصارخة خلال الأشهر المنصرمة، بحق المساجد ودور العبادة في البلاد، من هدم وجرف وإحراق، وتحدث في الندوة كل من رئيس المجلس العلمائي في البحرين آية الله الشيخ عيسى قاسم، وعضو المجلس العلامة السيد عبد الله الغريفي، اللذين أكدا على خيار الإصلاح الحقيقي لحل المآزق السياسية في البحرين ومن بينها قضية هدم المساجد ودور العبادة.

 

وتحدث رئيس المجلس العلمائي آية الله الشيخ عيسى قاسم عن المساجد لما "لها من خصوصية، وهي أوضح معالم التوحيد لله عز وجل"، وأضاف أن "الحسينيات تتبعها في ذلك"، ولفت الشيخ عيسى قاسم إلى أن "للوقفية أحكام شرعية، تتحكم في المنفعة بها، أو بالولاية عليها"، وأشار إلى أن "هناك حاكم شرعي، رضينا أم لم نرضَ، وهو الولي على الوقف إذا لم يتحدد، ولي على الوقف من الواقف"، وِشرح قائلاً إن "ولي الوقف محكوم لا حاكم، وليس له أن يتصرف فيه إلا طبقاً لأحكام الشريعة"، ولفت الشيخ عيسى قاسم إلى أن هدف الملتقى التأكيد على "الأحكام الشرعية بكل دقائقها، بخصوص قضية الأوقاف، وأن الأوقاف يجب أن تخضع للحكم الشرعي في كل أمر من أمورها، وليس لصغير ولا كبير أن يخرج بالوقف عن وظيفته أو يتعدى أحكامه"، وجدد رفض المشاركين في الملتقى "لكل ما حصل من تعدٍ على الأوقاف سواء من مساجد أو مآتم، وكل ذلك مرفوض وسيبقى مرفوض، وكل ذلك مقاوَم وسيبقى مقاوَم، وكل ذلك من شأنه أن لا يعطي شيء من البرود، فما دام هناك تعد على شيء من الأوقاف، ستبقى الأوضاع ساخنة"، وجزم الشيخ عيسى قاسم بأن "مس الأوقاف، مس لجنبة حساسة جداً لا يسمح مسها بأي لون من التصالح".

 

وتحدث الشيخ عيسى قاسم عن "الغرب الذي فصل بين الدين والدولة، وأبقى مملكة عريضة للكنيسة، وميزانية ضخمة"، وقارن ذلك "ببلاد المسلمين، حيث تنهب الأوقاف، وتصادر ميزانيتها أو توظف في صالح السياسة بشكل مقنن"، وطالب الشيخ عيسى قاسم "بإعادة بناء كل ما هدّم، وإصلاح كل ما خرب، وإرجاع كل ما صودر من أوقاف"، وشدد على أن المطالبة بذلك تبقى "مسؤولية هذا الأجيال، وكل الأجيال اللاحقة"، وأضاف أنه "مطلوب منا أن لا ننسى في أي يوم من الأيام، وعلى المواطنين الكرام أن يحفظوا في ذاكرتهم كل شبر كانت أقيمت عليه مؤسسة وقفية حتى تكون المطالبة مسؤولية كل الأجيال"، وتطرق الشيخ عيسى قاسم إلى "المطالبة بالإصلاح السياسي"، ودعا إلى إستمرارها وديمومتها، وخلص إلى أن "الشعب لن يسكت صوته، حتى تتحقق المطالب الإصلاحية الجدية، ولن يكون هذا البلد في الإتجاه الصحيح، حتى يأخذ مساره في الإتجاه السياسي وحتى تحترم الدولة هذا الشعب الأبي الكريم"، وخاطب الحاضرين بالقول: "تبقى كل التضحيات رخيصة إذا كانت في سبيل الله عز وجل، إننا هنا ليس للتخريب أو للفتنة، إنما للوئام والمحبة، ولكنه الوئام الذي يقوم على احترام خصوصية المذاهب".

 

وبدوره، حذر عضو المجلس العلمائي في البحرين العلامة السيد عبد الله الغريفي من قضية "الاستهداف الطائفي، الذي لا يمكن فصله عن مأزق أكبر، وهو المأزق السياسي"، وأضاف السيد عبد الله الغريفي أنه "ما لم يعالج هذا المشكل معالجة حقيقية، فسيبقى ينتج أزماتٍ وأزماتٍ على كل المستويات"، وشدد على أن "السلطة تتحمل مسؤولية كبرى في تحمل ما وصلت إليه حال البلد"، وأشار السيد عبد الله الغريفي إلى المأساة التي "يشعر بها مكون رئيسي بأن ما يواجهه من قمع أمني يأتي بحس طائفي، وما يصيبه من فتك وقتل محكوم بنفس طائفي"، وتمنى "أن لا تكون هذه القناعة صحيحة"، وإستدرك السيد عبد الله الغريفي، قائلاً: "غير أن الأمر الأكيد أن الاستهداف الطائفي موجود في البلد، وقد أكدته عملية هدم المساجد"، ولفت إلى "هدم وإزالة 30 مسجداً بالكامل" وتساءل "كيف نبرر كل ذلك؟"، وأكد السيد عبد الله الغريفي على "أهمية بناء ما تم هدمه"، وطالب "بمحاسبة من قام بذلك"، وشدد على أن "حماية الخصوصية المذهبية، لا يعني تكريساً للحس الطائفي، بل هو في سياق التصدي لمشروعات التأزيم الطائفي"، ورفض السيد عبد الله الغريفي "بقوة أي شكل من أشكال العصبية الطائفية، فلا مشكل لدينا مع أخوتنا من الطائفة الأخرى التي عشنا معها تأريخاً من المحبة والوئام والتواصل، مشكلتنا مع النظام".

 

وجزم السيد عبد الله الغريفي بأن "النهج الطائفي أمر مدمر لهذا الوطن، والتخلص منه يكون من خلال إصلاح سياسي حقيقي، وليس من خلال تغيير مرقع، أو برلمان مهمش، أو حوار مدجن، أو وعود مخدرة، أو مبادرات متعثرة"، وأضاف نحن "لسنا دعاة فتنة أو عنف، وإنما طلاب حق وعدل وإصلاح، وهذا أمر مشروع لكل الشعوب، فلا خيار إلا الإصلاح السياسي أما العنف، فلن يزيد الأوضاع إلا تعقيداً"، وأكد السيد عبد الله الغريفي أن "صوتنا سيبقى صارخاً، مصراً على الإصلاح الحقيقي الذي ينقذ هذا البلد"، ولفت إلى أن شعب البحرين "يبحث عن عزته وكرامته وحقوقه، ولا يمكن أن يصمت، أو أن يتنازل مهما كلفه ذلك ثمناً باهظاً"، وحدد السيد عبد الله الغريفي المعادلة "الصريحة والواضحة" بإصلاح سياسي حقيقي "يساوي أمناً وأماناً ورخاءً، ويساوي ثقة ومحبة ووحدة وتآلفاً وتقارباً"، ونبَّه إلى أن "الخيار الآخر .. نتائجه أخرى .. فأي الخيارين أولى يا أنظمة الحكم".

 

وفي الختام تلا السيد مجيد المشعل، البيان الختامي للندوة الجماهيرية "المساجد لله"، هنا نصه:

 

باسمه تعالى

 

البيان الختاميّ للندوة الجماهيرية

 

" المساجد لله "

 

?وأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا? (الجن:18)

 

تُمثِّل المساجد والحسينيَّات مواقع عبادة وذِكر لله سبحانه وتعالى، ومراكز تعليم وتربية لأبناء الأمَّة كلّ الأمَّة ، ومواقع خدمة للأمَّة بأجمعها في مختلف مساحات حركتها الثَّقافيَّة والاجتماعيَّة والحضاريَّة وغيرها ، وهي ممَّا لا شكَّ فيه تحظى بأعلى درجات الاحترام والتَّقديس في كافة الأديان والشَّرائع والقوانين، ويمثِّل الاعتداء عليها وانتهاك حرمتها، اعتداءً على الأمَّة في مواقع كرامتها المتقدِّمة، وانتهاكًا لمشاعر الحبّ والولاء والانتماء الصادق والعميق لمقدساتها.

 

من هنا ودفاعًا عن المقدَّسات، وتنديدًا بما وقع في البحرين من انتهاكات خطيرة بحقِّ دُور العبادة من مساجد وحسينيَّات وغيرها، واستنكارًا لاستمرار التَّجاهل الرَّسميِّ للموضوع مع خطورته وأهميته، وعدمِ تلمُّس أيّةَ خطوةٍ جِدِّيَّة في هذا السِّياق، وحمايةً لهذه المقدَّسات أمامَ كلِّ أنواع الإهانة والاعتداء، يأتي تنظيم هذه الندوة الجماهيريّة تحت عنوان ?الْمَسَاجِدَ للهِ?، والتي يُشارك فيها كبار العلماء في البلد، وذلك يوم السبت21 شعبان المعظَّم 1432هــ الموافق لـ 23/7/2011م.

 

وفي ختام هذه الندوة الجماهيرية نؤكّد على الأمور التالية:

 

1- ضرورةِ الحفاظ على الحرمة الثابتة لمواقع العبادة والطاعة كالمساجد والحسينيات، ووجوبِ احترامها والمحافظةِ على قدسيتها.

 

2- نستنكر جميع أنواع الانتهاكات والتعديات التي وقعت بالنسبة إلى المساجد والحسينيات، ونرى فيها تجاوزاً خطيراً وظلماً فاضحاً.

 

3- بقاءِ حكم المسجدية لجميع المواقع التي تمّ الاعتداء عليها وهُدمت، فلا تزول الوقفيات الشرعية بإزالة البناء أو هدمه، وتبقى الأرض وقفاً لا يجوز التعدي عليها.

 

4- نشدد على ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية وتعميق الأخوّة الدينية التي تميّز بها شعبنا الكريم.

 

5- نحمّل الحكومة مسؤولية إعادة بناء كلّ ما تمّ هدمه والتعدي عليه، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات وضمانِ عدم تكرار مثل ذلك.

 

6- ضرورةِ توثيق كافة أشكال الانتهاكات والتعديات على المساجد والحسينيات بالتنسيق مع الجهات المعنية.

 

7- سنبقى نُصِّرُّ على أن تبقى المساجد والحسينيات مراكز إشعاعٍ للدين والمعارف الإلهيّة، ومنابرَ حرّةً مستقلةً تصدع بالحقّ وتدافع عن العدالة.

 

8- نشدد على ضرورة الوقف الفوري لكلِّ أشكال التمييز الطائفي الذي يمثّل الأرضيّة والسبب لكثير من التجاوزات والتعدّيات الدينيّة والمدنيّة، ووجوب احترامِ الخصوصيّةِ المذهبيّة، وضمان استقلال الشأن الديني.

 

9- إنّ الحل مما يعاني منه البلد يكمن في إصلاح سياسيّ حقيقيّ يضمن العدالة ويوفّر الأمن والاستقرار والازدهار على مختلف المستويات.

 

10- كلّ التقدير والإكبار لشعبنا الأبي والغيور الذي وقف مدافعاً عن مقدساته، عن قرآنه ومساجده وحسينياته، كما نشكر المنظمات والشخصيات الدولية التي أدانت هذه الانتهاكات، كما نقدر ونثمّن وقفة الجمعيات السياسية والفعاليات الشعبية والمجالس البلدية ومجلس إدارة الأوقاف الجعفرية - السابق - وقفتها ضد هذه التعديات.

 

" هذا ومن يُعظِّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب "

 

" إنْ تنصروا الله ينصركم ويثبِّت أقدامكم "

 

المجلس الإسلامي العلمائي

 

21 شعبان المعظَّم 1432ﻫ

 

الموافق لـ 23/7/2011م.