البحرين هل تعيش مشكلة؟:

 

قد تستغربون من العنوان، لأن المشكلة مشهودة لكل عين، برغم ذلك حاول البعض أن ينكر وجود مشكلة في البحرين، وان يصور أن الأوضاع مستقرة تماماً، وأن كل شيء في هذا البلد على ما يرام، حتى أحرجه الواقع المثقل بالمشكلات المفعم بالمآسي وأسكته، وإذا استمرت المكابرة بالواقع وقلة الحياء بالبعض بالاستمرار على هذا الإنكار لم تكن حاجة لمناقشته، لأن الواقع الصارخ يكذبه بما فيه من مسيرات ومظاهرات شعبية لا تنقطع، وما تواجه به أساليب التعبير السلمية من ردود فعل عنيفة من السلطة، وهجوم شرس على كل مظاهر الاحتجاج والتعبير عن المطالب الشعبية، ومداهمة لبيوت الآمنين تقتحم عليهم غرف نومهم واخص حالاتهم الشخصية.

 

إنه إنكار يرده استمرار التوقيف والاعتقال بصورة متزايدة، ومسلسل المحاكمات الذي لا توقف له، واستباحة المناطق المختلفة ليلاً ونهاراً من القوات الرسمية المهاجمة، وهناك الإعلام الذي لا يفتر من وظيفة السب والشتم وكيل الاتهامات لأبناء الشعب الشرفاء، والتصريحات الرسمية المكثفة التي تظاهره، ولجنة تحقيق استدعاءها تعقيد الأوضاع كما يقولون لتمديد مدة تحقيقها. وكيف يجمع بين القول بأن لا مشكلة، وبين البحث عن حل؟!

 

ما هي المشكلة؟

 

قد يقال مشكلة مئات من السجناء، ألوف من المفصولين، فقد المواطن لأمنه، إصابات جرحى يصلون بالمئات، اختناقات، فقد مساكن، غياب خدمات مدنية كافية، تمييز في الإسكان في الخدمات في التوظيف.. الخ، والسلسلة هنا طويلة. فالمشكلة حقوقية وحلها بالإصلاح الحقوقي، ولابد أن تنتهي كل مظاهر الاحتجاج بإصلاحها.

 

والجواب، أن المشكلة الحقوقية قائمة ومتفاقمة، وثقيلة ومشكلة، وجادة ومؤلمة، ولابد لها من حل جذري لا سطحي، وشامل لا ناقص، ودائم لا مؤقت، ولكنها وبرغم كل ذلك ليست هي الأصل، وستبقى ما بقيت المشكلة الأصل في ظل الإهمال والتغاضي، وما دام يتجه الإصرار للقفز عليها وتجاوزها وكأنها من نسج الخيال.

 

كل المشاكل الحقوقية إفراز طبيعي للمشكلة السياسية، للتهميش السياسي، للإقصاء السياسي، للاضطهاد السياسي، لدستور واجهه الرفض الشعبي قبل ولادته ويوم ولادته، وفرضته القوة على الواقع رغم الإرادة الشعبية، وظل رفضه قائما إلى اليوم.

 

والحق السياسي هو أول حق للشعب في العلاقة بينه وبين الحكومة، والحق الأساس الذي لا يسلم معه أي حق آخر من حقوقه مع سلبه، ولا يمكن أن يضمن استرداد الحقوق الأخرى المسلوبة في ظل استمرار سلب هذا الحق.

 

الشعب الذي لا رأي له في دستور حكمه ولا القوانين التي تنظم حياته العامة، ولا تمثله سلطة نيابية منتخبة انتخاباً حراً عادلا، وتمارس صلاحياتها النيابية كاملة في ضوء قناعات شعبها المرتكزة إلى دينه وشريعته، وتقوم بدورها في الرقابة والمحاسبة وطرح الثقة ناظرة إلى مصلحته ،،، الشعب المجرد من كل ذلك، كيف يمكن له أن يحافظ على حقوقه، ويحمي نفسه من انتهاكات السلطة المتفردة، التي تملك القوة وتتحكم في الثروة وتشرع كما تشتهي وتهوى؟!

 

ما لم يسلم هذا الحق السياسي فلا سلامة لأي حق من الحقوق، وما لم تحل المشكلة السياسية فلا حل لأي مشكلة من المشاكل، والحل الذي اعتمده الميثاق للمسألة السياسية هو أن ( الشعب مصدر جميع السلطات )، وهذا التعبير تعبير مبين صريح غير قابل للتأويل، ولكن على المستوى العملي لم يعطى شيء من معناه الصريح، وقد عطلته المصلحة السياسية للسلطة بالكامل.

 

وكل الشعوب العربية اليوم متوجهة لاسترداد حقها السياسي، ومن لم يرتفع صوته مجلجلاً من هذه الشعوب بالمطلب السياسي مبكراً لظروفه الخاصة فهو في طريقه لأن يوصل صوته إلى كل العالم بهذا المطلب. وأي دائرة إقليمية تحسب حكوماتها أنها معفية من المطالب بهذا الاستحقاق الشعبي فهي واهمة جداً، ولابد للصمت أن يخترق، وللقيد أن ينكسر، وللحق أن يعلو، وللشعوب أن تنتصر.

 

كل الشعوب التي عاشت الحراك الثوري والسياسي لم يتراجع أحدها، والشعوب الأخرى في تتابع في لحاقها بهذا الحراك، لتزيد من قوته وفاعليته، وتصاعد من فورانه وتأثيره.

 

صار المطلب السياسي يملئ واعية هذه الشعوب ـ ومنها شعب البحرين ـ ويمثل همها وحاجتها العملية ويملك عليها شعورها، ولم يعد خاطرة عابرة وحلماً مما يداعب الخيال، وهو بذلك أقوى من أن يشهد تراجعا، أو يلتف عليه، أو تشغل عنه الدعايات والإختلاقات والمغالطات، أو تصرف عنه المسرحيات والترهات.

 

الحروب الخاطئة:

 

كل حرب لا تخدم الإنسانية، لا تقيم العدل، لا تتمشى وأحكام الشريعة الإلهية، لا ترضي الله سبحانه فهي خطيئة وخاطئة.كل حرب تشنها الطاغوتية العالمية والاستكبار العالمي لإذلال الشعوب والأمم، والسيطرة على الثروات، والتحكم في مصائر الدول، هي حروب ظالمة ومدانة ومن أكبر ألوان الفساد في الأرض. وقد واجهت أمتنا الإسلامية في مدة وجيزة لسنوات معدودة أكثر من حرب من هذا النوع، بدوافع مادية وتوسعية وطاغوتية سافرة، وبأسباب مفتعلة.

 

والأمة اليوم أكثر وعياً من أي يوم مضى، وجماهير أمتنا اليوم على فطنة بالأهداف الخبيثة لأي حرب تشن على أي بلد من بلدان هذه الأمة، وكل جماهير الصحوة الإسلامية ـ في طول البلاد الإسلامية وعرضها ـ ترى أن أي حرب تشنها قوة عدوانية على أي قطر من أقطار هذه الأمة هي حرب على الأمة كلها وتعني الأمة بكاملها، ورفضها لها على حد رفضها لضربها هي ولتهديم منازلها على رؤوس أبنائها.