يوم الحسين (عليه السلام) يوم الإسلام:

 

كل أيام الحسين (عليه السلام) أيامٌ للإسلام، إمام عاش حياته لقضية التوحيد واستشهد من اجلها، وبقي في القلوب لتحيى القلوب بها، وضل يملئ ساحات الحياة لتنشد ساحات الحياة إليها، يومه الشهير يوم كربلاء ما كان إلا لله، وما وجد إلا للإسلام، وهو من أيامه الكبرى، وكلمته كلمته، ورايته رايته، ونصره نصره، وهزيمته هزيمته. ومن كان مع الحسين (عليه السلام) في أي يومٍ فهو مع الإسلام، ومن كان عليه في أي يومٍ كان على الإسلام، ذلك لأن الحسين (عليه السلام) لا يفترق عن الإسلام والإسلام لا يفترق عن الحسين (عليه السلام).

 

يوم كربلاء لشهادة لا إله إلا الله، ولتملئ هذه الشهادة بهداها كل ساحات الحياة، ولتقود حركة الإنسان، وتقضي على الطاغوتية في الأرض، وتذل المستكبرين، ولتستبدل عن الجهل علما، وعن الظلم عدلا، وعن الهوى حكماً للدين والعقل والحكمة، ولتمنع أن يستعبد إنسان إنسانا، وأن يدخل إنسان في عبادة إنسان، ويرضى بإلوهية الطاغوت.

 

يوم كربلاء لشهادة أن محمد رسول الله، وألا بديل للناس عن نهج الحياة الذي جاء به عن ربه، وعن دينه الذي ارتضاه له وللناس أجمعين، ولا قيادة لهم إلا من خط قيادته، ولا يأتمن أمرهم إلا من اقتداه، واهتدى بهداه، واستن بسنته، وأتقن فقه شريعته، ولم يكن له توجهٌ إلا لله.

 

يوم كربلاء يوم الحسين (عليه السلام)، لتنتهي قيادات السوء من وجود الأمة وفي كل العالم، ويختفي جميع الأقزام من موقع القيادة، ولا يهان الإنسان وتسحق كرامته ويستلب وعيه ويضلل عن هدفه، حتى لا تتحول الحياة الكريمة المسئولة للإنسان إلى مأساة وملهاء، بعيداً عن بناء الذات والسير على طريق الغاية الرفيعة التي ارتضاها الله سبحانه لعباده، وأهلهم لبلوغها، ومنح لهم نور هداها، وفتح واعيتهم عليها، ودلهم على طريق السلوك إليها.

 

يوم كربلاء يوم الحسين (عليه السلام)، لحرمان الطامعين من أهل الهوى والقامات الإنسانية القصيرة والمستويات المعنوية الحقيرة من التحكم في مصير هذه الأمة، والعبث بثروات الأرض وكنوزها وبعثرتها كما يشاء الهوى ويشاء الظلم ويشاء السفه وتحب الشهوات، وحتى لا يضرم الإنسان ويذل وتسلب إرادته ويخوف ويقلق وتقيد يداه بما أنتجته من أسباب قوة سيطر عليها الظالم، ومال تصبب من اجله عرقه، وأعطى قوته وشبابه وسرقته أيدي الظالمين.

 

يوم كربلاء يوم الحسين (عليه السلام)، من أجل ألا يكسر طغيان الظلم وشدة البطش الذي تمارسه القوى الحاكمة الظالمة إرادة الشعوب والأمم وتنهار نفسيتها، فتقع في الذل الدائم والهوان المقيم وتصاغ كما يشاء لها هوى الظالمين.

 

يوم كربلاء يوم الحسين (عليه السلام)، من أجل ألا يبقى الفهم الزور والتطبيق المكذوب بعنوان أولي الأمر على يزيد وأمثاله، حاكماً لعقلية الأمة ومهيمناً عليها ومؤثراً على إرادتها في مقاومة ظلم الظالم، وانحراف المنحرف، واستكبار المستكبر من حكام أمةٍ أراد لها الله عز وجل أن تكون الأمة الوسط التي لا تميل عن الحق والعدل والهدى ولا تفرط في شيء من ذلك، وأن تكون الأمة الشاهدة على سائر الأمم والمنارة لكل العالم.

 

فابقوا ذاكرين دائماً للحسين (عليه السلام) ويوم كربلاء، لتكونوا ذاكرين لاستمرار منشدين إلى إيمان الحسين (عليه السلام) وتقواه ووعيه وجهاده وثوريته، ودروس كربلاء المربية وأهدافها العظيمة وهي أهداف الإسلام التي تحكم بها الضرورة.

 

تنبيه لابد منه:

 

العمود الفقري لإحياء عاشوراء المنبر الرسالي الناجح وحضوره، والموكب العزاء الواعي الملتزم، وهما عمدة الإحياء وعليهما التعويل في الأكثر، وهناك أساليب إحياء مكملة، ولا قيمة لأي مظهر من مظاهر الإحياء لا يراعي أحكام الشريعة الإسلامية المقدسة.

 

تغيير الحكومة:

 

هناك مطالبات قوية بتغيير الحكومة، والمصير إلى حكومة من رأي الشعب، وهناك من يقول بأن تغيير الحكومة خطٌ أحمر!.

 

ويواجه الرأي الثاني هذا السؤال : خط أحمر هنا من فرض كتاب الله؟ من سنة رسول الله (صل الله عليه وآله)؟ من سيرة الصحابة؟ من سيرةٍ متشرعة؟ من حكم العقل؟ من سيرة العقلاء؟ من مواضعات العالم اليوم؟ من رأي الميثاق؟ من ثوابت أي دستور، أي مرجعية، أي مستند؟

 

وإذا كان لا شيء من ذلك، لم يبقى إلا الهوى والاحتكام إليه، والهروب من كل ما ينبغي الاحتكام إليه من متدينٍ يحترم الحق، أو إنسان يرضى بحكم العقل ويرضى بسيرة العقلاء.

 

والمصلحة الوطنية لا يمكن أن تكون على خلاف مقتضى الدين والعقل وسيرة العقلاء وكل المواثيق الصحيحة والدساتير القابلة للتعقل.

 

وغيبٌ هذا اللسان العملي لدولنا الخليجية الذي يقول : لتسقط كل الأنظمة غير المتوافقة مع شعوبها إلا نحن، فيجب ألا نطالب بالإصلاح، ومطالبتنا بالإصلاح خيانة، وردنا عليها لا يكون إلا بالقمع والقسوة.

 

لماذا هذا الاستثناء، هل له وجه؟. يقول النحاة بأن الاستثناء متصلٌ يكون فيه المستثنى من نوع المستثنى منه، ومنفصلٌ المستثنى فيه من غير نوع المستثنى منه. فهل دولنا تعيش حالة توافقٍ تامٍ مع مصلحة الشعوب وكرامتها وحريتها ومقررات دينها، وتنال كامل رضاها ولا ينقصها شيء من العدل واحترام حقوق الشعوب وكرامة الإنسان، ليكون استثناؤها من المطالبة بالإصلاح وللاستجابة له مقبولاً ومعقولاً حقيقاً بالرضى والاحترام؟!

 

دعوى هذا التوافق لا يعتقدها ولا يصدقها حتى مدعيها، الحكومة التي تقول أنها متوافقة تماماً مع مصلحة الشعب ومع كرامة الإنسان ومع حق المواطن هي لا تصدق ما تدعي.

 

وإذا كان الاستثناء من حق المطالبة بالإصلاح لدولنا ولزوم استجابتها لهذه المطالبة مع الإقرار منها بموجباته فهو ظلم على ظلم، وخطأ على خطأ، ومزيدٌ من الإصرار على الباطل.

 

ثم يا حكومة، لا لأحكام الإعدام، لا لبقاء أي معتقل من معتقل الحراك السياسي في السجن، لا لاستمرار المحاكمات، لا لتوقيفات، لا للاستمرار في الاستخفاف بحرمة المساجد ـ وتحويل مسجدٍ إلى حديقةٍ عامة جريمة في حق الإسلام والشعب المؤمن نشترك كلنا في آثمها ولا تقبل السكوت عليها ـ، لا لبقاء أي مسجدٍ من المساجد التي هدمت من غير اعمار سريع عاجل،،

 

لا لأي لجنةٍ حكومية تحت أي اسمٍ براق، ولا يعني قيامها إلا المراوغة والالتفاف، وتطويل أمد الأزمة وتعقيدها، والتقرير فيما أعلنه من انتهاكات حدثت في ظل الحكومة للمواطنين بدرجة مكثفة وبصور فضيعة أسقطها في منطق الحق والعدل والمصلحة الوطنية، ولم يبقى إلا مواجهة هذا المنطق بمنطق القوة الباطشة الغاشمة لحمايتها.