قمعٌ أمني وإصرارٌ شعبي - دفاعنا عن مساجدنا المهدَّمة

 

عُنفٌ أمني يواجهه إصرارٌ شعبي:

 

العُنف، الفتك، البطش... لا زال مستمرًا في هذا البلد الذي أنهكته الأزمات السِّياسية والأمنيَّة الحادَّة والقاسية، مَنْ يتابع يوميات المشهد على الأرض يتألَّم لهذا الإسرافِ في استخدام القوَّة المفرطة، وقُرى ومُدن تُصبُ عليها حممٌ مِن الغازات صبًّا، ممَّا ينذر بكوارث مروِّعة، خاصة إذا تأكَّدت المقولات حول نوعية هذه الغازات، فيما تحمله من تهديداتٍ صحيَّةٍ مرعبة على المدى البعيد، وسواء صح هذا الكلام أم لم يصح، فالآثار الفعلية لهذه الحمم تشكِّل خطرًا مدمِّرًا لأبناء هذه المناطق، وخاصة المرضى والشيوخ والأطفال..

 

هل ما يحدث يعبَّر عن انتقامٍ مقصود؟ هل ما يحدث يعبِّر عن عقابٍ جماعي؟ وهل ما يحدث يعبِّر عن استباحةٍ لهذه القُرى والمدن؟

 

وإلَّا فماذا يعني اقتحام البيوت، وإرعاب النساء، وترويع الأطفال، والتكسير والتخريب، والسَّلب، والسَّطو..

 

 

 

بهذا الأسلوب يُصنع الأمن في هذا الوطن؟

 

وظاهرةٌ جديدةٌ بدأت تتحرَّك، ما حدث قبل بضعة أيامٍ في دار كليب، ومدينة حمد، مجموعاتٌ كبيرةٌ من المجهولين أو المليشيات تداهم البيوت، تكسِّر السيارات، تعتدي على النَّاس في الشوارع، هذه المجموعات تحمل السُّيوف، وأسياخ الحديد، والعصي، والحجارة... وكان هؤلاء يطلقون ألفاظًا طائفيَّة سيِّئة جدًا...

 

 

 

هنا نتساءل:

 

إنَّ هذا الذي يحدث، هل هو تحت علم الداخلية؟

 

إذا لم يكن ما يحدث بعلم الداخلية فتلك مصيبة، وهل يُعقل هذا؟

 

أعمال شائنة تمارس شهارًا جهارًا، ومن مجموعاتٍ كبيرة، تكون خافية على الداخلية، وهي تلاحق كلَّ صغيرةٍ وكبيرةٍ في هذا البلد؟!!

 

وإن كان ما يحدث بعلم الداخلية، وحمايتها، وتغطيتها، فالمصيبة أعظم، والويل كلّ الويل لشعب، يكون حرّاسُ أمنه هم الذين يحمون أعمال العبث والتخريب وإثارة الفتنة...

 

نريد كلمةً واضحةً وصريحة من الداخلية حول هذه الأعمال والاعتداءات.. وإنَّنا نكبر الموقف لأبناء دار كليب ومدينة حمد، حيث لم ينجرُّوا إلى المنزلق الطائفي... وعبَّروا عن وحدتهم وتلاحمهم، شيعة وسنَّة..

 

نعود إلى حديث العنف الأمني، فسياسة العنف مستمرة، وإذا كانت السلطة مُصرةً على هذه السِّياسة.. فإنَّ الشارع – هو الآخر – مصرٌ على الاستمرار في الحراك، في الرفض، في المطالبة بالحقوق...

 

وكلَّما اشتدت وتيرةُ القمع، اشتدت وتيرة الإصرار لدى الشارع...

 

ربَّما تراهنُ السلطة على لعبة الوقت، كون الاستمرار في العنف والبطش، كلَّما طال، فإنَّه سوف ينهك قوى الشارع فيسقط، ويتراجع، ويصمت، ويضعف، وينهزم، هذا رهانٌ خاسر، ورهانٌ واهم، فما عادت سياسات البطش، والقمع قادرة أن تُسكت صرخاتِ الشعوب، وحَراكات الشعوب، وثوراتِ الشعوب، واهمةٌ كلَّ الوهم الأنظمة التي تراهن على الخياراتِ الأمنيَّة، صحيحٌ أنَّ هذه الخيارات ربَّما أطالت عمر المعاناة لدى الشعوب، إلَّا أنَّها لا تُسقط الشعوب، بل تزيدها إصرارًا، وصمودًا، وعنفوانًا، وتحدِّيًا، خاصة تلك الشعوب التي تشرَّبت مفهوم (العزَّة الإلهيَّة) ومفهوم (الشَّهادة)، ما دامت المطالب عادلة، وما دامت الأساليب مشروعة، وما دامت الوسائل صحيحة...

 

إذا كانت السلطة في هذا البلد مصرَّة على الخيار الأمني بكلِّ استحقاقاته المدمِّرة.. وإذا كان الشارع هو الآخر مصرٌّ على الحَراك والمطالبة... فإلى أين تتَّجه المعادلة؟

 

تقول السلطة: أوقفوا حَراك الشارع، يتوقَّف الخيار الأمني.. ما دام هناك شارع غاضب، رافض، مندِّد، فلا خيار إلَّا قبضة الأمن.. ولكي تبرِّر السلطة نفسها هذا الخيار تحاول أن تقمِّص الحَراك الشَّعبي بكلِّ أشكاله عناوين أخرى، إرهابًا، عبثًا، تخريبًا، إخلالًا بالأمن، تآمرًا... إلى آخر التوصيفات.

 

وفي المقابل يقول الشارع – قوى وجماهير -: أوقفوا القمع، بادروا بمحاسبة الجناة الذين عذَّبوا، وفتكوا، وقتلوا... ابدأوا إصلاحًا سياسيًا حقيقيًا، عالجوا كلَّ الأزمات، فسوف يكون للشارع خيارٌ آخر..

 

هكذا تتحرَّك المعادلة.. سلطةٌ مصرَّة على خيارها.. شارعٌ ما عاد يثق بالوعود، فالتجارب علَّمته الكثير الكثير، فلا يريد أن تهدأ صرخاته حتَّى يطمئنَّ كلَّ الاطمئنان إلى مآلات الأمور...

 

وهنا يطرح هذا السؤال: كيف تُحلُّ هذه الجدلية، وهل المبادرة بيد السلطة أو بيد الشارع؟

 

ممَّا لا إشكال فيه أنَّ المبادرة بيد السلطة، وكلَّما تأخَّرت هذه المبادرة تعقَّد الأمر، وتصاعدت وتيرة الخطاب في الشارع، واختلفت سقوف المطالب، وربَّما يصل الأمر إلى درجة اليأس من كلِّ إصلاحٍ، وعندها تدخل الأوضاع منعطفها الأصعب...

 

 

 

دفاعنا عن مساجدنا المهدَّمة:

 

أطلق المجلس العلمائيّ حملة (الدفاع عن المساجد المهدَّمة) داعيًا إلى حَراكٍ متنوع الفعَّاليات دفاعًا عن هذه المساجد.. فلا يجوز شرعًا الصمت والسكوت ما دامت بيوت الله قد انتهكت حرماتها، وخرِّبت، ومنع المؤمنون من أن يذكروا اسم الله فيها، يجب أن نبقى مدافعين عنها، مطالبين بإعادة بنائها، والتعويض عن كلِّ الخسائر، والاعتذار لهذا الانتهاك الصَّارخ، والاعتداء الآثم، وما دام هناك مسجدٌ واحدٌ مهدَّم، فالمسؤولية الشرعية تفرض على كلِّ القادرين أن يمارسوا دورهم في العمل من أجل إعادة بناء هذا المسجد.

 

حَراكنا في الدفاع عن مساجدنا المهدَّمة يأخذ عدَّة أشكال:

 

1- أن يبقى خطابُ التنديد والاستنكار، والمطالبة بإعادة البناء مستمرًّا، من خلال المسجد، المنبر الحسيني، أيَّ موقعٍ آخر يمكن أن يتحرَّك منه هذا الخطاب، منطوقًا، أو مكتوبًا، أو بأيِّ أسلوبٍ آخر.

 

2- أن يبقى حَراكُ الشارع مستمرًّا في رفض هذا العدوان السافر على بيوت الله، وعلى المقدَّسات الدينيَّة، ولا يسمح بأن يصمت صوت الشارع ما دامت المساجد مهدَّمة، مستباحة، مهدورة الكرامة.

 

3- أن يمارس علماء الدِّين دورهم في إقامة الصلوات جماعة في مواقع المساجد المهدَّمة، وأن يُصرُّوا على ذلك، وعلى المؤمنين أن يُلبُّوا نداء الجماعات في هذه المواقع.

 

4- يجب على إدارة الأوقاف الجعفرية أن تُمارسَ دورها في توثيق الأراضي، والضَّغط على الجهاتِ الرسمية في التعجيل بإنهاء هذا الملف، الذي سبَّبَ، وسوف يسبِّب تداعياتٍ خطيرة في الشارع.

 

5- ننبِّه إلى وجوب الحفاظ على حُرمة هذه المواقع، فهي مساجد وإن هدِّمت، فلا يجوز أن تُنجَّس، أو يمارس فيها ما يتنافى مع المسجديَّة، أو يغيَّر عنوانها إلى حدائق وغيرها، فالمسجديَّة لا زالت قائمة، ولا تزول بهذا اللون من الهدم أو الاعتداء والانتهاك.

 

أمّا ما أعلن عنه رسميًّا من البدء بإعادة بناء أربعة مساجد، فهذا أمرٌ لا يطمئن النّاس، ما لم يصدر إعلانٌ رسمي عن وجود مشروعٍ لإعادة بناء كلِّ المساجد، وأن تتحرَّك الإجراءات العمليَّة الجادَّة الصَّادقة، وأن يتم التنسيق مع إدارة الأوقاف الجعفرية مع القائمين على شؤون تلك المساجد في المناطق، وإلَّا فهي محاولة للتمويه، والتخدير، وإسكات النَّاس، خاصة بعد أن واجهت هذا العمل الشَّائن في الاعتداء على أماكن العبادة تنديدات دولية، وحقوقية، ممَّا أوقع النظام في حرجٍ شديد فيجب الحذر من أيّ خطوة لا ترقى إلى مستوى التحرّك الجادّ والحقيقي لإعادة البناء، وإنهاء هذا الانتهاك...