خطبة الجمعة: 5 صفر 1433هـ ـ 30 ديسمبر 2011م

 

اقتلوا شعوبكم:

 

تحرّك عددٌ من الشعوب العربية في سبيل واقعٍ جديد, وحاضرٍ مشرّف وغدٍ أفضل ينطلق من إصلاح الوضع السياسي الظالم في الأمة وتغييره, ومن تحقيق الانعتاق من الأسْرِ الخانق الذي تعاني منه شعوب الأمة على يد الأنظمة السائدة, وحالة التهميش التي تفرضها عليها والاستخفاف الذي تتعامل به معها, إذْ كل جَنَبات الحياة عند الإنسان يصيبها الضرَرُ والتصدّع والتأثّر بسبب سوء الوضع السياسي والخلل الداخل عليه.

 

تحرّك هذا العدد من هذه الشعوب لاسترداد كرامة الدين والإنسان وحريّته, وإنقاذ الثروات الوطنية من يد العبث والنهب والتلاعب, وهو تحرّكٌ لا رجعة فيه إلى الوراء ولا انحسار, وشعوب الأمة التي لم تلتحق بعد بحَراكِ الإصلاح والتغيير لاحقةٌ به لا محالة. وقطار التغيير مواصلٌ انطلاقته إلى آخر الطريق ولن توقفه قوّة غاشمة ولا تحايل ولا مكر, ولا كلّ ألاعيب السياسة, ولا موقف دولةٍ صغرى ولا دولةٍ كبرى في الأرض كلّها على الإطلاق.

 

ربيع الثورة العربي وحركات الإصلاح إنما وُلد كلّ ذلك من رحم الصحوة الإسلامية التي سرت في روح هذه الشعوب. وكلما حضر الإسلام في وعي شعبٍ وشعوره, كلما امتنع أن يردّ هذا الشعب رادٌ عن طريق العزة والكرامة والحريّة والمطالبة بالحقوق والتغيير الصالح والانعتاق.

 

منطلق الربيع العربي مخزونٌ من الشعور بالقهر والإذلال والحرمان والتهميش والكبت وفقد الأمن, وكل ذلك من عطاءات النظام السياسي العربي الغاشم منطلقه هذا المخزون وتلك الصحوة التي بعثت الوعي وأحيت الضمير, وحرّكت الإرادةَ وألهبت الشعور, والنجاحُ الحقيقي لحركات التغيير والإصلاح وتحقيق مستقبلٍ زاهرٍ كريمٍ رائدٍ للأمةِ مرهونٌ باستمرار هذه الصحوة وتعمقها وصدقيّتها في ميزان الدين وشدتها وتوسعها.

 

ع استمرار هذه الصحوة وتصاعدها يستحيل على أيّ نظامٍ من أنظمة الحكم الظالمة أن يكون في منأىً عن المواجهة والمطالبة بالإصلاح والتغيير. وفي ظلّ الواقع الجديد لشعوب الأمة لم يبقَ أمام الأنظمة الحاكمة المناهضة للإصلاح والتغيير إلا أن تستبدل عن شعوبها أو تستجيب لإرادتها.

 

يا رجال أنظمة الحكم الظالمة إذا أردتم أن يبقى لكم ظلمكم واستئثاركم بكنوز الأوطان واستعبادكم للنّاس فاقتلوا شعوبكم {1} واستبدلوا عنها شعوبا ميتةً ذليلة تقبل الأسر والاستعباد, ولن تجدوا بديلاً في الأرض اليومَ من هذا النوع. شعوبكم العربيّة المسلمة صار يستحيل عليكم بعد صحوتها وعلى من هو أشدّ منكم وأقسى أن يحكمها بالحديد والنار, ويقتل إرادتها ويُخمد في داخلها روح الثورة وطموح الإصلاح والتغيير.

 

سبيلكم الوحيد إذا عزّ عليكم الإصلاح والتغيير أن تحصدوا هذه الشعوب حصداً إلى آخرها إن أمكنكم ذلك ولن تستطيعون {2} وإلا فإن أيّ شعبٍ من الشعوب التي حركّها الشعور بضرورة التغيير على ضوء الإسلام لن تتراجع ما دام الدم سارياً في عروقها, ولن يطول سكوت أي شعبٍ من الشعوبِ المظلومة التي لم تهبّ بعدُ على الظلم والسكوت. وكلّ الاحتياطات الوقائية من التغيير لن تصمد أمام هبّة الشعوب وعزمتها وجديّتها, واستمراركم في الظلم يُفقِد شعوبكم الصبرَ ويستنهِضُ إرادتها.

 

على أي حكومة عربية ألا تصدّق نفسها بعد اليوم بأنّها ستبقى صاحبة الكلمة الوحيدة وسيّدة القرار والموقف, تتحكم في مصير شعبها كما يحلو لها أمّا الشعب فسيبقى مكتوفَ اليدِ مستسلماً سهل الانقياد حاكماً على نفسه بالقصور والمملكويّة والعبودية راضياً بالانبطاح.

 

 

 

وما بشأن البحرين هذه بعض نقاط:

 

لا ينتظر أحدٌ على الإطلاق من الشعبِ أن يعودَ إلى البيوت والمنازل من غير الإصلاح الذي نادى به ويرضاه. السياسة القائمة سياسة تجويع, تغييبٍ في السجون, ترويعٍ للآمنين, استباحةٍ للمناطق السكنية, تخوين, بثٍّ للفتنة الطائفيّة ,تهميش, تقتيل, إماتة. والحق أن يُحاكَم كلّ مسؤولٍ عن هذه السياسة.

 

كلّ نداءات الاعتراف بحقوق الإنسان ورعاية الحقوق الوطنيّة والإصلاح , والتي انطلقت وتنطلق من الداخل والخارج لم تلقَ أيّ استجابةٍ جديّة من قِبَلِ النظام لحدّ الآن. وعملية الالتفاف على مطالب الشعب والمرواغة التي يُتَعامَلُ بها مع هذه المطالب, والنداءات المتكررة بالاعتراف بالحقوق والإصلاح هي السياسة المتّبعَةُ التي لا دليل عن التخلّي عنها من النظام ; أن يقبل الشعب أن يكونَ ثمن عودة المفصولين من العمل والدراسة فرضَ شروطٍ مذّلةٍ لهم وبخسهم شيئاً من حقوقهم الثابتة {3} .

 

لا تعدّ إصلاحاً أيّ صورةٍ شكليةٍ للإصلاح لا تعتبر إرادة الشعب في وضع دستور واختيار ممثليه في المجلس النيابي واختيار حكومته ولا تضمن نزاهة القضاء وعدم تسييسه وتوفير أمن الشعب وحقّه في خدمة بلده في أي موقع من المواقع التي يمتلك كفاءتها والرغبة فيها. لا يوجد إصلاحٌ يستحقّ أن يُسمّى إصلاحاً, ويمكن له أن يعالج الظلم القائم والفساد المستشري بدرجةٍ مقبولة بسقف أقلّ من سقفٍ يعترف بإرادة الشعب ومرجعيّته في الحكم

 

وحريّة اختياره لدستوره وحكومته وممثلي إرادته, وبصورة نزيهةٍ بعيدةٍ عن المغالطة واللفّ والدوران والتزوير ومن غير قضاءٍ مستقلّ بعيدٍ عن تأثير السلطة التنفيذيّة وهيمنتها.

 

هناك حلّان لمشكلة العلاقة المتوترة بين الشعب والحكومة, حلٌّ يعتمدُ العدل ويقوم على إنصاف الشعب ويعيد حقوق المظلومين ويقتصّ من الظالم ويعترف للناس بحرمتهم وعزّتهم وكرامتهم وحقهم في إعطاء الرأي في شؤونهم العامة, واحترام وجهة نظرهم وألا يُحكموا بإرادةٍ فرديّةٍ أو فئويّةٍ أو عائليّة. وهو حلٌ يتطلّب إصلاحاً واسعاً شاملاً جذرياً وبصورة عاجلةٍ قبل فواتٍ الأوان.

 

أمّا الحلّ الثاني فيقوم على الإصرار على تكريس الظلم وفرض الهيمنة الغاشمة وإسكات الصوت والاستسلام لإرادة الطرف الآخر, والأسلوبُ المُعتمَد لهذا الحلّ هو الأسلوب الأمنيّ المتشدّد والمُسقِطُ لكلّ اعتبارٍ دينيٍّ أو خلقي أو عرفي حميد. ذلك الأسلوب الذي عاث في جنبات هذا الوطن فساداً لمدّة طويلة, ولم يُعقِب إلا مزيداً من الغليان ومزيداً من ترسيخ القناعة بوجوب المطالبة والإصرار على الإصلاح ودفعِ غائلة الظلم ومقاومته.

 

الحلّ الثاني وأسلوبه الذي يعتمده ساقطان, قد تجاوزهما الزمن وأفشلهما ربيع التحرّك العربي المنطلق من رحم الصحوة الإسلامية, وهما مُدانان بكل المقاييس الدينية والخلقية والعقليّة والعُقلائيّة وحسب المُواضعات الدوليّة والمصلحة الوطنية وما يمتّ بصلةٍ لقيمة الإنسان وكرامته. الذين يختارون الحلّ الثاني إنّما يختارون لهذا الوطن الفساد والفُوضى والدمار وأن يحترق إلى النهاية.

 

يا أصحاب الحلّ الثاني اعدلوا مّما أنتم عليه وكونوا أقرب إلى دين الله والحقّ والحكمة ومنطق العقل والضمير ومصلحة الوطن والاعتراف بكرامة الإنسان, ولا تشطّوا كلّ هذا الشَطَط ولا تظلموا كل هذا الظلم ولا تجنّوا الجنون كلّه.

 

ـــــــــــــــ

 

{1} هتاف المصلّين : هيهات منّا الذّلة.

 

{2} هتاف المصلّين : لن نركع إلا لله.

 

{3} هتاف المصلّين : هيهات منّا الذّلة