آية الله قاسم: لا عدول عن السلمية، وإذا لم يجدي مع يد المعتدي على العرض إلا قطعها فلتقطع

 

خطبة الجمعة: 3 ربيع الأول 1433هـ 27 يناير 2012م

 

التعصب للباطل لا يبقي لصاحبه سمعاً ولا بصرا، وهناك من يتعصب ابتداء للحق، ثم يخلو به تعصبه عن حدود الحق ومقتضاه، ويتحول إلى عصبية للذات يضيع بها النظر الحق والتقيد به، وتنصب الرؤية عنده على رضا النفس وتكون الاستجابة لهواها.

 

والتغالب السياسي الدنيوي من أشد ما يدعو للتعصب الأعمى والبقاء فيه مع الحق، ولو كان لله يحتاج إلى نفوس عالية الإيمان والبقاء فيه مع الحق ولو كان ذلك التعصب ابتداء لله[1]، ولذلك لا يعجبُ الإنسان من حالات الانفلات الإعلامي المسرف في البعد عن الأخلاق والدين في هذه الصراعات، ممن لا يرون وراء الدنيا وزينتها شيء آخر أو لا يحضر لهم من ذلك أي ؟؟؟.

 

ولأترك هذا الأمر، لأذكر بعض النقاط:

 

• السلمية هي خيار الذي كررنا مناشدتنا به، ولم نعدل عنه، ولا وجه للعدول عنه، ولازلنا ندعو إليه. وفي الوقت الذي كنا نكرر فيه هذه الدعوة كنا إرهابيين ودعاة فتنة ومتآمرين في إعلام الآخرين، وسيبقى هذا البهتان مستمراً ما دامت مطالبة بالإصلاح والحقوق.

 

إن رفضنا للإرهاب الذي شهدته مناطق من الساحة الإسلامية بوزن وما هو أشد من رفضنا للمنكرات الكبيرة، وأشد من إنكارنا لشرب الخمر واكل الميتة على فضاعتهما.

 

ومن نادى بالسلمية أكثر مما نادينا؟، ومن طالب بضغط الأعصاب أمام عنف السلطة أكثر مما طالبنا؟، وكم ساءة بنا الظنون من أعزاء لنا لشدة ما شددنا عليه من أمر السلمية وعدم الرد على الاستفزازات القاسية الظالمة من السلطة، وما كان ذلك ليواجه إلا بالاتهام بالإرهاب والعنف والتأمر والعمالة، وكل ذلك لم يغير من منهجنا ولم نتعامل معه بردة فعل غاضبة، وكل ذلك لن يغير من إخلاصنا لهذه الأرض وإنسانها ولن يعدل بنا إلى سلوك آخر.

 

• ولكن أمن الإرهاب والخروج على السلمية والانزلاق في العنف أن يدافع الإنسان عن عرضه الذي يشهد العدوان عليه؟ وهل تعني السلمية أن ترى عرضك يعتدى عليه فتبتسم لهذا العدوان وتصافح فاعله، أو أن تسكت على انتهاكه وأنت قادر على الدفع عنه؟[2].

 

أعطوني شريعة سماوية أو أرضية تقول بذلك، أعطوني دستوراً أو قانوناً أو عرفاً إنسانيا يقر ذلك؟ فليخرج مسئول من المسئولين الكبار في الدولة أو عالم من علماء الأمة يأمر الناس بأن عليكم لو شاهدتم من يعتدي على أعراضكم أن تحيوه وتكرموه، أو تسكتوا على عدوانه وقذارته وإن أمكنكم دفعه[3}. هذا كلام لا يقوله إلا مسخ، ولا يمكن أن يقوله إنسان.

 

• ماذا يفعل صاحب العرض لدفع العدوان عن عرضه؟ إن كفى الزجر اكتفى به، وإن لم يكفي انتقل إلى ما يكف به العدوان عن عرضه مما دون القتل من غير أن يزيد على المطلوب، وإذا لم يجدي مع يد العدوان إلا قطعها فلابد أن تقطع[4].

 

وعن الكلمات الفاحشة والاستهتار اللفظي بالأعراض والقذف فإن لكل من ذلك حكمه، وأعراض المؤمنين ليست الشيء الرخيص الذي يترك لبذاءة البذيء وسخف السخيف وجهل السافل ويمر دون أدنى مواجهة، فعلى الدولة أن توقف عن أعراض المؤمنين كل ذلك وإلا تتحمل المسئولية.

 

• يحتجون بخروج المرآة في مسيرة أو مشاركتها في اعتصام لتبرير ما يرتكب في حقها من مساس بالشرف والكرامة!، وهل تبيح مشاركة المرآة في المسيرة والاعتصام إنكارا منها للمنكر وأمراً بالمعروف، ومطالبة بالحقوق والعدل والإصلاح، وإنهاء الظلم وسفح الدم الحرام والاعتقالات الظالمة أن تستباح حرمتها ويدنس شرفها وتهدر كرامتها، وكل ذلك ليمرر أنها خرجت في مسيرة أو شاركت في اعتصام؟!

 

لكأنكم تقولون أن على المرأة إما أن تسكت عن المطالبة بالحق وتتحول إلى حجر أصم وشيطان اخرس، وتتخلى عن كل مشاعر البنوة والأخوة والزوجية والأمومة فلا تبالي بما يقع على أبيها وأخيها وزوجها وابنها من ظلم وضيم وقتل وتعذيب وسجن وملاحقة وفصل من العمل والدراسة، وتتفرج على مشاكل كل أحبتها، أو أن تقبل ويقبل كل هؤلاء الأحبة أن تترك لألوان التعديات ومنها ما يمس شرفها ويهدر كرامتها وينتهك حرمتها!.

 

أي منطق أكثر اعوجاجاً من هذا المنطق، وأي فكر أشد انحرافاً من هذا الفكر، وأي سياسة اجهل من هذه السياسة، وأي امتهان لكرامة الإنسان أقبح من هذا الامتهان، وأي انتهاك للحقوق أفضع من هذا الانتهاك؟، إما أن تسكت أو حل قتلك وسلبك وانتهاك عرضك![5].

 

ومن الذي يستخف بحرمة النساء ويهدر كرامتهن، من يسكت على خروج المرآة في احتشامها تنكر المنكر وتأمر بالمعروف وتطالب بالحق والكرامة، أو من يدفع بها إلى المراقص والحفلات الغنائية المثيرة المختلطة ويسوق للفنادق بسلعة الفجور؟!

 

وهل اقتصرت الكلمات النابية البذيئة والألفاظ الساقطة والقذف والسب والشتم والتعديات الأخرى ممن تسمونهم برجال الأمن على المشاركات في المسيرات والإعتصامات؟، كم نالت المرآة وهي في المنزل وأمام زوجها وفي الحسينية من هذه الشتائم والبذاءات؟، بعد الجمعة السابقة حدث ما حدث في بيت واحدٍ من أكابر المؤمنين وكان التعدي بالكلمات الساقطة على من هو أعز عليه من الناس[6].

 

ولكن كل صدق الناس كذب، وكل كذبكم صدق والبرهان عندكم هو لغة التهديد والقوة.

 

ـ أيها المسئولون يا أنصار هذه الاستفزازات ـ فليعرض أحدكم على نفسه أن لو اعتدى أحدٌ على عرضه بفعلٍ شائن ماذا سيفعل؟ هل سيصمت؟ سيسامح الفاعل؟ سيمرر الأمر وكأن لم يكن من شيء؟

 

راجعوا تقرير بسيوني وما ذكره من قتل وتعذيب وهتك للأعراض، واذكروا ماذا أحدثتم للمساجد وللقرآن الكريم وما قيمة المال عند قوات أمنكم[7]، يا له من عدل لا يقاس به عدل في حاضر ولا ماض من حياة الناس، ويا له من خلق رفيع لا يساويه خلق، وتقوى بالغة لا تجاريها تقوى.

 

• الجندي عندنا محترم الدم كغيره، الشرطي عندنا محترم الدم كغيره، رجل الأمن عندنا محترم الدم كغيره، ولا يسلب أي من هذه العناوين عنه حرمة دمه ـ هذا ثابت لا نقاش فيه ـ، ولكن الدفاع عن العرض واجب، ومن رأى عرضه يفتك به فداه بنفسه، فكيف لا يواجه من يريد الفتك بعرضه لو لم يدفعه عنه إلا بمقاتلته.

 

هل للشرطي حكم خاص في الإسلام دون غيره يستثنيه عما يجري على من سواه؟[8].

 

في الآصل حرصنا على دم الشرطي وغيره أشد من حرصكم، ولكن ما أجراه الإسلام على غيره يجري عليه ولم يطلق الإسلام يد أحد في مال أو عرض أو نفس وبلا حساب.

 

إننا لحريصون على أن يسود البحرين كلها الانضباط لا أن يعمها العشوائية والانفلات، وأول من عليه أن ينضبط هي الأجهزة الأمنية ومنتسب الدولة في كل مواقعهم، وأي انضباط لرجل الأمن الذي تتحدثون عنه في ضوء ما يعاني منه الناس من تعديات، والحكم الذي يريد أن يجنب الوطن الشر والدمار والخراب عليه أن لا يدير بظهره للإصلاح الحقيقي ولا يسوفه، ولا يستبدل عنه بما لا يغني، ولا يعتمد القوة الباطشة التي لا تبقي مكاناً للثقة ولا مجالاً للتفاهم وتقطع السبيل بينه وبين الناس[9].

 

نريد للبحرين ألا تكون على ما هي عليه اليوم من سوء، ولا تريدون لها إلا مزيداً من السوء والدمار وأن تغرقها الكوارث، وإنكم لواجدون من طلاب الدنيا وعبيدها من لا يريد لكم إلا ذلك، ومن يزين لكم ذلك ويحثكم عليه، والناس قد تم يقينهم بأنه لابد من الإصلاح.

 

_______________________

 

[1] يحتاج إلى نفوس عالية الإيمان شديدة التورع والتقوى، {اهدنا الصراط المستقيم} هذه الهداية على طريق الصراط المستقيم ليس طلبا للهداية الابتدائية وإنما هو طلبٌ للهداية الاستمرارية.

 

[2] هتاف جموع المصلين : هيهات منا الذلة.

 

{3} هل تبقى مصداقية لمثل هذا المسئول في العالم؟! هل تبقى قيمة لعالم يقول هذه الكلمة؟!

 

[4] هتاف جموع المصلين : الله أكبر، النصر للإسلام، لن نركع إلا لله.

 

[5] هتاف جموع المصلين : هيهات منا الذلة.

 

[6] هتاف جموع المصلين : هيهات منا الذلة.

 

[7] راجعوا وتذكروا ذلك، ماذا أبقيتم؟، والآن تعلنونها صرخة استنكار مقيتة وقحة في وجه الدفاع عن العرض ممن يرى الاعتداء على عرضه رأي عين، أرى الاعتداء على عرضي رأي عين واصمت؟!، أي إنسان ينطق بهذا المنطق؟! ألا من حياء؟!

 

[8] عندنا، عليك أن تواجه أي عدوان على عرضك على مالك في بيتك إذا هجم عليك من هجم، عليك أن تدافع عنه بمقدار ما يدفعه ولا تزيد على مقدار ما يدفعه عن عدوانه، إلا الشرطي فتترك له أن يفعل ما يشاء فيك وفي عرضك، أقضية يقرها أحد في العالم؟!

 

[9] أسلوبكم في التعامل القاسي مع الناس ومع كل كلمة منكرة للمنكر شأنه أن يقطع السبيل بينكم وبين الناس نهائياً ولا يبقي أي صلة.