اتّحدوا وتوحّدوا، فلا نصر في فرقة، ولا عزّة في تشرذم

 

خطبة الجمعة: 22 ربيع الثاني 1433هـ - 16 مارس 2012م

 

 

 

رسائل التاسع من مارس:

 

ألف تحيّة لجماهير شعبنا الواعية رجالاً ونساءً، شيبًا وشبانًا، ومن كل الأعمار من الذين عبّروا بإرادتهم الحّرة في مسيرة التاسع من مارس عن مطالبهم السياسية والحقوقية العادلة، في إعلان صريح بأنه لا تراجع عنها ولا تزحزح.

 

لقد كان احتشادكم الهائل لإبلاغ عدة رسائل إلى كل من له دخل في قضيتكم، وقد نجحتم كل النجاح في إبلاغ رسائلكم.

 

لقد احتشدتكم الحشد المهيب لتقولوا نحن رجالاً ونساءً صف واحد، لا يفرّق بيننا مفرّق من أجل عزّتنا وكرامتنا وخروجنا من رقّة الذلّ إلى الفضاء الفسيح، فضاء الحرّية والانعتاق الذي يشدّد عليه الدين.

 

احتشدتم بمختلف انتماءاتكم لتقولوا بأن اختلاف الانتماءات لا انعكاس له بشيء من الوهن على الموقف الوطني الموحّد الصلب الثابت من مطالبنا الوطنية العادلة.

 

احتشدتم - وإن كان هناك تباين بدرجة وأخرى في وجهات النظر العملية - لتقولوا بأن شيء من هذا لا يمكن أن يثلم وحدة الصف ووحدة الموقف ووحدة الكلمة المجاهدة، ولا يمكن أن يكون عائقًا في يوم من الأيام عن الدفاع المشترك عن الحقوق المسلوبة والحرّية المصادرة والكرامة المضيّعة، أو يكون مدخلاً لفرقة توهن من قوّة هذا الشعب وتسمح باستمرار إذلاله.

 

احتشدتم من كل الشرائح والمستويات الثقافية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية والعمرية، لتقولوا بأن هنا قضية أجمع عليها الشعب، وليست هي قضية شريحة من شرائحه أو فئة من فئاته لتتّهم بطيش أو تآمر أو خيانة.

 

احتشدتم بكل تلاوينكم وبشعاراتكم الوطنية الخالصة لتدحضوا فراء المفترين على أن للخارج يدًا في تحرّككم ومطالبكم الضرورية الوطنية.

 

احتشدتم لتقولوا ها هو الشعب في الشارع، ولا حلّ إلاّ بالرجوع إلى الشعب، ولا حلّ إلاّ باستفتائه.

 

احتشدتم لتقولوا للقوة الباطشة، وللخداع السياسي، وللإسناد الخارجي المعادي لمطالبكم، ولكل التجييشات التي تناهض إرادتكم، وللسكوت المخزي على ظلمكم: لا تراجع لا تراجع، لا تنازل لا تنازل[1].

 

احتشدتم لتؤيسوا كل من يراهن على تراخي إرادتكم وتراجع عزمكم لطول المدة وبُعد الطريق.

 

احتشدتم لتبرهنوا على سلميتكم وحضاريتكم وانضباطكم واستعدادكم لمواصلة البذل والتضحية والعطاء.

 

احتشدتم من أجل كل ذلك، وحقّقتم ما احتشدتم من أجله بكل نجاح. فألف تحيّة لوعيكم وعزمكم وتصميمكم ومثابرتكم، وإيمانكم بحقّكم، تمسّككم بقضيتكم، استرخاصكم للتضحية في سبيل الحقّ، نجحتم كل النجاح في إبلاغ رسائلكم[2].

 

ألف تحيّة لوحدتكم، عقلانيتكم، سلميتكم، مواصلتكم الطريق، نفسكم الطويل، إصراركم على مطالبكم، أخلاقيتكم العالية، وعيكم السياسي، ذلك كله هو سلاحكم في معركتكم العادلة التي تخوضونها من أجل حقّكم وحرّيتكم وعزّتكم وكرامتكم، ومصلحة وطنكم وأمنه واستقلاله وشرفه، وهو سرّ قوّتكم وطريق نصركم بإذن الله، فلا تفريط في شيء من أسباب القوّة وأسباب النصر، واتّحدوا وتوحّدوا، فلا نصر في فرقة، ولا عزّة في تشرذم[3].

 

لقد كنتم منسجمين جدًا في اندفاعكم، متدفّقين باحتشادكم الهائل في التاسع من مارس مع وعيكم الديني والوطني، وتمسّككم الشديد بعزّتكم وكرامتكم، وإيمانكم البالغ بحقوقكم السياسية والدينية والاجتماعية وسائر ما سُلب منكم من حق، وإصراركم على مواصلة الجهاد لتأخذ الأمور مجراها الصحيح ويحكمها الحق والعدل، وتكون لكم مكانتكم اللائقة.

 

إن الواقع الذي تحقّق على يدكم في التاسع من مارس ليفرض على الحكم أن يحترم إرادتكم، وإذا لم يحترم إرادتكم فهو الخاسر.

 

منطقان:

 

منطلق للحكومة، ومنطق للشعب.

 

منطق الحكومة في مواجهة المطالب الشعبية العادلة: سنستمر في القتل والتعذيب والقمع من أجل استمرار الظلم والاستفراد والأثرة[4].

 

منطق الشعب: سنستمر في المطالبة بالحقوق المشروعة، سنستمر في البذل والتضحية من أجل الحرّية والعزّة والكرامة، ومرجعية الشعب في تقرير المصير[5].

 

أحد المنطقين بغي وظلم، والآخر عدل وحق لا يعلوه غبار. وهل يشتبه مشتبه فيما هو منهما عدل وما هو جور؟ فيما هو منهما حق وما هو باطل؟ فيما هو من الطرحين يجب أن يختفي وما يجب أن يظهر؟ أن يستحي صاحبه أو يفخر؟

 

واضح جدًا ما هو المنطق الحق من هذين المنطقين، وما هو المنطق الباطل.

 

لقد أخطأ كل من كان في نظره أن يقابل الحضور الجماهيري الواسع النموذجي في التاسع من مارس بالعدوانية أو الاستخفاف والإهمال، نعم أخطأ.

 

لم يكن ذلك الحضور المتميّز المتنوّع المكثّف عدوانيًا ليقابل بروح من العدوانية، ولم يكن هازلاً ليقابل بالهزل، ولم يكن بكمّه وكيفه وتنوّعه قابلاً للإنكار والإهمال ليهمل، وليست قضيته قضية عابرة لتنسى أو سطحية يمكن تجاوزها.

 

إنها قضية شعب مصيرية، أعطاها من دمه وماله ونصبه وتعبه وعذاباته، وسجن أبنائه وبناته، وأمنه وجهده وجهاده، وقيامُه من أجلها ثابت، وحركته على طريقها لا قابلية فيها للتوقّف.

 

قضيتكم، مسيرتكم، منطقكم لا يصحّ أن يقابل أبدًا بالتبجّح على القدرة على الفتك والقتل وتحكيم السيف في الرقاب، وتوجيه الرصاص والقذائف للصدور والرؤوس، هذا التبجّح بالقوّة الباطشة ليس مما تقابل به مسيرة سلمية تنادي بالحقوق المشروعة الثابتة[6].

 

وليس فخرًا أن يتبجّح جيش بلد بقدرته على سفك دم أبنائه وحصدهم في ساعة أو ساعات، إن هذا التبجّح لهو أشدّ وأقبح العيب في بابه.

 

كما تستطيع الجيوش أن تقتل الأبرياء المسالمين من أهل الحق تستطيع ذلك الوحوش، وكما يمكن لجيش أن يصفّي شعبًا بناه لحماية الوطن من أعداء الشعب والوطن يمكن للحشرات والمكروبات أن تفعل ذلك، فهل هذا فخر؟ فأين مكان الفخر في هذا العدوان؟

 

الفخر لجيش يحمي العدل والحق والدين والحرّية والكرامة، ولشعب يقبل الموت في سبيل ذلك، وإن غلب على أمره وتأخّر نصره وضحّى بالكثير[7].

 

لقد قرّر الشعب بأن يواجه منطق القوّة المادية الباطشة وكل هذا التبجّح بكل صبر ورباطة جأش وبسالة، وروح تضحوية منفتحة، لا غرورًا ولا طيشًا وإنما هو إيمان بالحق والعدل، واستجابة للدين في الاعتزاز بالحرّية والكرامة. قرّر ألاّ تراجع بدون تحقيق مطالبه والاعتراف بموقعيته. وقرّر ألاّ حلّ وسجين من سجناء حراكه وثورته السلمية وراء القضبان من ينتظر الموت منهم وغيره[8]، لا حلّ ومحاكمة واحد من متّهمي الحراك الشعبي الحق باقية.

 

ليست انتخابات:

 

الحراك الشعبي، عذابات الشعب، تغييب أحراره في السجون، النيل من كرامة الأعراض، الاستنشاق القسري للسموم، خسارة الأموال، الدماء، الأشلاء، كل الفجائع والشدائد التي تحمّلها الشعب إنما هي من أجل أن يقول كلمته في رسم خطّه ومصيره وحكمه وسياسة وطنه، ويتمتّع بمرجعيته الحقيقية في ذلك كله.

 

هذا الهدف وكل الجهود والتضحيات المبذولة على طريقه، مصادرةٌ جذريًا في ظلّ أيّ صورة تأخذ شكلاً ديمقراطيًا ولو متقدمًا عندما يتم توزيع الجوازات البحرينية على مختارين من دول الخليج غير البحرين، بغرض إعطائهم حقّ الترشّح للحياة النيابية وللانتخاب بدرجة أولى، ليفقد صوت المواطن البحريني الحقيقي كامل قيمته، ويتحوّل المطالبون بالحقوق المضحّون من أجلها إلى أقلية ضئيلة في بحر مجموع الأصوات الانتخابية بما فيها كم كبير مستورد ليفسد العملية الانتخابية ويسحب منها قيمتها.

 

انتخابات من هذا النوع شكلية لا حقيقية، هازلة لا جادّة، حكومية لا شعبية، مفروضة لا اختيارية، ضارّة بالشعب لا نافعة، ولا يمكن أن تُقبل شعبيًا أو تنال من الشعب موافقته.

 

ــــــــــــ

 

 [1] تكبير المصلّين.

 

[2] هتاف جموع المصلّين: معكم معكم يا علماء.

 

[3] هتاف جموع المصلّين: هيهات منّا الذلّة.

 

[4] هتاف جموع المصلّين: لن نركع إلاّ لله.

 

[5] مسيرة سلمية عقلانية منضبطة.

 

[6] هتاف جموع المصلّين: لن نركع إلاّ لله.

 

[7] هتاف جموع المصلّين: لبّيك يا بحرين.

 

[8] هتاف جموع المصلّين: لا تراجع لا تراجع.