صوت شعبنا لن يخفت، مطالبته بحقّه لن تتوقّف، انطلاقته لن تتراجع، اندفاعته لن تخف

 

 

 

خطبة الجمعة: 7 جمادى الأولى 1433هـ - 30 مارس 2012م

 

تمترس فاشل

 

بدل أن يستجيب الحكم للمطالب الشعبية العادلة، ويستجيب للإجماع الشعبي العريض الذي يقف وراءها، صار يبحث عن كثير من التحسينات أمام حركة الشعب للتمترس وراءها، وكل تحسيناته تتساقط أمام لغة الحقّ التي يتمتع بها الشعب، وإصراره على الوصول إلى أهدافه المشروعة، وإرادته الحديدية، وأساليب مقاومته السلمية، وسخائه بأغلى التضحيات من أجل دينه وحرّيته وكرامته وحقوقه الثابتة التي لا جدال فيها.

 

وإن أيّ تحصّن وتمترس يُتّخذ لإحباط مطالب الشعب سوف لن يصمد إن شاء الله أمام وعي الشعب وإرادته وتصميمه.

 

تمترسَ الحكم ببطش القوّة الغاشمة حتى بالغ في ذلك وأسرف، بالعقوبات الجماعية التي لا حساب فيها لكبير أو صغير أو مريض، بالتيئيس، بالتخوين، بالتهديد، بالتسقيط، بالوعود الكاذبة، بالمواعيد الزائفة، بالمحاربة في اللقمة وفصل ألوف الموظفين والعمال والطلاب - بدعوى عمالة الأعداد الجماهيرية الواسعة للأجنبي والتدخّلات الخارجية في الشأن الداخلي، وهو الشيء الذي ارتكبه النظام نفسه بالاستعانة بالجيوش المجاورة لقمع الشعب، والشعب من كل ذلك بريء براءة الذئب من دم يوسف -، بشراء الإعلام الخارجي المناهض للحقّ وبثمن باهض من أموال الشعب، بمزيد من التنازلات لدول قريبة وبعيدة وعلى حساب الشعب وعزّة الشعب واستقلال البلد، لإعلام داخلي بالغٍ في الزيف والبهتان، بأخطر ورقة تهدّد أمن المجتمع كلّه وعلى مدى طويل وتشعل فتنة لا تكاد تنطفئ وهي ورقة الطائفية، بورقة الاختلاف في الانتماءات الفكرية والسياسية.

 

والورقتان الأخيرتان تستهدفان ثقة المجتمع بعضه ببعض، وتفتيت اللحمة الوطنية، وعزل المعارضة، وأن يسود الشك المتبادل بين مختلف الفئات الاجتماعية، وتتحارب القوى المختلفة، لتكون الحكومة هي الطرف القويّ الوحيد الذي يُحكم السيطرة على جميع الأطراف الأخرى، وتتمّ له الهيمنة الغاشمة على الأوضاع، ويسدّ طريق الإصلاح والتغيير.

 

وكم تتحمّل الأدوات الحكومية - من خطباء وكتاب وغيرهم - من مسؤولية ثقيلة بين يدي الله سبحانه فيما يؤدّونه من دور تخريبي من بثّ الفرقة، وتشتيت الكلمة، وزرع الفتنة، وإشعال نار الحقد، وإيقاد نار الحرب بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد والأمّة الواحدة، تآمرًا على الجميع وكيدًا بهم، ومناصرةً للظلم وتثبيتًا له وتوسيعًا من رقعته، وحرصًا على الدنيا وتزلّفًا للقوّة الغاشمة وطلبًا للمال.

 

وكل الجهود التخريبية للحكومة وعملائها، وإن استطاعت أن تزرع روح الشك في مساحة من المجتمع وأن تظلّل جزءً من الرأي العام، إلا أن الحركة الشعبية قد بنت جدارًا وطنيًا متينًا، وجبهة قويّة مقاومة تصرّ على الوصول إلى حقوق الشعب المسلوبة، وتمتّعه بحقّه الثابت في الحرّية والكرامة وتقرير المصير، بمن في هذه الجبهة القويّة الصامدة من رجال ونساء[1]، وإسلاميين وغير إسلاميين، وشباب وكبار، وتوجّهات مختلفة وحّدهم جميعًا ظلم السلطة الذي ينال الجميع، واستبدادها واستئثارها بالقرار والثروة، والمبالغة في البطش وسفك الدماء وإزهاق الأرواح، والاستخفاف بحرّية الإنسان وكرامته، والإصرار على تهميش الشعب والتعامل معه تعامل السيّد مع العبيد.

 

سيبقى هذا الجدار الوطني الذي انبنى سميكًا متينًا مقاومًا على سماكته ومتانته ومقاومته، وستزداد الجبهة الوطنية الصلبة قوةً وتماسكًا وصلابة، أمام كل المحاولات للسلطة وأقلامها المأجورة وإعلامها التخريبي المستهدفة لإحداث الخلخلة فيها، وفتح بعض الثغرات في جدارها السميك لتتخلّص من ضغط مقاومتها وتفشل الحراك الشعبي القادر.

 

ستبقى هذه الجبهة الوطنية الواعية المتراصّة عنيدة على محاولات التفتيت، وستواصل مقاومتها حتى ينال الشعب حقوقه الكاملة[2].

 

ستبقى هذه الجبهة واعية لكل ألاعيب السلطة وإعلامها التخريبي، رافضة لأيّ استجابة لمطالب السلطة في تفتيتها للحمة هذا الشعب.

 

وستبقى جماهير الشعب المجاهدة على جهادها وتراصّها وبذلها وتضحيتها حتى تحقيق النصر، دون أن ترتدّ بها عن طريقه كل المحاولات، وإن النصر لآتٍ بإذن الله.

 

قضية التعويضات

 

لقد أتلفت السلطة أرواحًا كثيرة، ولازالت تتلف الأرواح، وأموالاً وممتلكاتٍ شعبية هائلة، ولازالت تتلف مزيدًا من الأموال والممتلكات. تلك الأرواح وتلك الأموال والممتلكات تصدّى الرصد لبعضها، ولم يتصدَّ لبعض آخر لسبب وسببٍ آخر.

 

أرواح المواطنين ليست معروضة للبيع في سوق التجارة، ولا يعوّض عنها المال، ولا يصحّ أن تُطمع المتبادلة عنها به القاتلَ في مزيد من القتل والاستخفاف بحرمة الدماء. والسلطة التي تتحدّث مضطرّة عن التعويضات بالطريقة التي تخطّط لها لازالت على عدم احترامها لحق الحياة للمواطن، ولازالت تزهق أرواح الناس وهم في بيوتهم بالغازات السامة آمنين، وتعرّض آخرين للموت في المسيرات السلمية.

 

فما قيمة الحديث عن التعويضات في ظل هذا الوضع المستهتر بالحرمات، والإصرار على سفك دماء الأبرياء؟ وماذا يوجع السلطة أن تقتل وتعوّض عن الأرواح الغالية بشيءٍ من مال الشعب الذي بيدها لا من مالها؟

 

لا بدّ في القتل من تسمية القاتل والآمر بالقتل، وبعد ذلك يرجع الأمر إلى وليّ أمر الدم ليختار ما خيّره الله فيه[3].

 

الأموال المنهوبة والمسروقة والممتلكات التي أتلفها رجال السلطة لا بدّ من تعويضها، حتى لا يزداد التمادي في الاستيلاء الظالم على أموال المواطنين والإتلاف لممتلكاتهم بروح من الاستخفاف واللامبالاة، وأن يكون التعويض مكافئً عادلاً. ففرق بين أمرين.

 

ونرجع لمسألة النفوس والأرواح، فإنها لن تصان إلا بالانتقال إلى وضعية سياسية عادلة يُحترم فيها حق الشعب وكلمته، ويخاف فيها الظالم من عاقبة ظلمه، والقاتل القصاص العادل منه، وتكفّ فيها يد المسؤولين عن النهب والسرقة والفتك بالأرواح تحت وطأة لغة العدل وعدم المحاباة[4].

 

صوت هذا الشعب أقوى

 

سيبقى صوت هذا الشعب مجلجلاً عاليًا، رافعًا ظلامته بكل قوّة كما هي تضحياته وبذله في سبيل قضيته، وسيبقى كل ذلك أقوى من كل المحاولات التي تعمل على طمس هذه القضية، وتضييع حقّ هذا الشعب، وإجهاض حراكه، وإبقائه تحت المحنة والعذاب، وإذلال السلطة وقسوتها.

 

إن الضغوط الممارسة على إهمال القمة العربية في بغداد لقضية البحرين من جدول أعمالها ما هي إلا واحدة من محاولات وخطوات عملية عدة متكررة لتغييب هذه القضية عن الأنظار وطمس معالمها، وإعطاء الفرصة السانحة المفتوحة للحكم هنا بالتصرّف المطلق الغاشم لإسكات صوت الشعب بكل الأساليب القمعية والوحشية[5].

 

صوت شعبنا لن يخفت، مطالبته بحقّه لن تتوقّف، انطلاقته لن تتراجع، اندفاعته لن تخف، كبرياؤه لن تكسر، وإرادته لن تفلّ، صموده لن يلين، مطالبه لا بدّ أن تتحقّق، سعيه لا بدّ أن يفلح ويتحقّق الأمل.

 

وإن القمة العربية وإن أهملت ذكر القضية البحرينية ومحنة هذا الشعب ومطالبه العادلة، والإفراط في القوّة التي تمارسه السلطة والعقوبات الجماعية التي تنفّذها في حقّه إسكاتًا لصوته الحرّ الذي لن يخفت، إلا أن رفعها لشعار الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وحق الشعوب في العدل والحرّية والكرامة يدين أغلب أنظمتها[6]، ويعترف بمشروعية حركة الشعوب المطالبة بالحق والحرّية، ويفتح الباب واسعًا أمام الربيع العربي ليستكمل مهماته الضرورية في الساحة العربية ويعمّ كل شبر منها بالإصلاح والتغيير، فللشعوب أن تقول للأنظمة: من فمك أدينك.

 

فبوركت الحركة التحرّرية للشعوب، والاعتماد على الله، وما النصر إلا من عنده، والعزّة لله ولرسوله وللمؤمنين.

 

ــــــــــــ

 

[1] تكبير المصلّين.

 

[2] يعملون على التفريق بين الرجال والنساء، ويعملون على التفريق بين الإسلاميين وغير الإسلاميين، ويعملون على التفريق على كل المستويات. لا بدّ أن نبطل كل هذه المحاولات، وللشعب وعي كافٍ لإبطالها.

 

[3] لا بدّ أن يرجع إلى وليّ أمر المقتول الشهيد، ليختار ما خيّره الله في أمر قاتله.

 

[4] ما لم يتصحّح الوضع السياسي فلا تعالج مسألة الدماء والأعراض والأموال بأيّ طريقٍ من الطرق، وبأيّ تعويضٍ من التعويضات.

 

[5] هتاف جموع المصلّين: هيهات منّا الذلّة، لن نركع إلاّ لله.

 

[6] أغلب أنظمة القمة العربية مدانة بلغتها نفسها، حيث تعترف بحق الشعوب في الحرّية والكرامة والعدل بينما تمارس على الأرض ما هو فيه إذلال الشعب ودوس كرامته وسحق دينه ومصلحته.