خطبة الجمعة: 14 جمادى الأولى 1433هـ - 6 أبريل 2012م

 

• أحسن الله عزاء المؤمنين في ذكرى شهادة البضعة الصديقة المعصومة فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعظّم أجرهم. وكلما مرّت ذكرى الطاهرة المعصومة (عليها السلام) كلما كان علينا أن نقتبس من مشكاة نورها وهداها، وأن نتشبّث بها قدوة على صراط الله العزيز الحكيم.

 

الدم الفوار

 

دم الشهادة دمٌ فوار، فورانه في القلوب يثيرها، يوقضها، يحييها، يلهبها، يشعلها، يبعث فيها الحركة والاندفاعة على خط الجهاد والمقاومة من أجل المبادئ والحقوق والقيم الرفيعة، ويقوّي فيها روح التضحية والفداء والصمود.

 

دم الشهادة دمٌ منبت بروح العزّة والكرامة، ومنبت للوعي واليقظة، ومنبت للإحساس ببشاعة الظلم والعدوان، ومدى هوله في حياة الناس، وواجب مدافعته وسدّ منابعه وغلق أبوابه.

 

ما أشدّ وهم وغباء من يحاول إسكات ثورات الشعوب وقبر مطالبها العادلة، بمزيد من سفك الدم الحرام، بتصوّر أنه يردع الآخرين عن الإقدام على الشهادة[1]، الأمر على العكس، فلا شيء يغذّي حركة الشعوب ويلهب ثوراتها كما هو دم الشهادة وفاعليته النافذة في العقول والنفوس.

 

وأقبح ما ترتكبه حكومة من جرم في هذا الأمر أن تبالغ في سفك دم شعب ملتزم بالسلمية في حراكه كما عليه الشعب هنا، ما أشدّ حرمة المؤمن في الإسلام وما أهونها في منطق الحكم في بهذا البلد، ما أغلى الدم الحرام في دين الله وما أرخصه على يد هذا الحكم.

 

حكم ينطلق في قتله المفتوح للأبرياء واستباحته لدماء الشعب من أحد منطلقين، منطلق ألا إسلام ولا مبادئ دينية ولا قيم، أو أن هذا الشعب شعب حشرات ضارّة لا بدّ من أن تباد[2].

 

هناك حالة استهتار في استخدام العنف من قبل السلطة، وتجاوز لأيّ إحساس بقيمة الإنسان وحق المواطنة، سُحب من الغازات السامة تغطّي المناطق السكنية في أيّ وقت من ليل أو نهار، في حالة صمت تعمّ المناطق المستهدفة والناس في منازلهم، إنه العبث بصحة الناس بحياتهم، بمشاعرهم، بأمنهم، بكرامتهم، بقيمتهم الإنسانية، سخرية بالدين، بالخلق، بالأعراف، بالقوانين، بكل المقدرات في الذوق العقلائي السليم.

 

إنه استهتار، لعب صبيان، تسلية أطفال ما يمارس من إغراق المناطق السكنية المسالمة بغيوم من سموم.

 

إنهم يريدون أن يقولوا إننا هنا، إننا أقوياء، فرسان، أسود، أبطال، أشاوس. أنتم يا شعب خافوا، ارعبوا، اصمتوا، اصبروا على الضيم، ايئسوا من نيل الحقوق، لا تفكّروا في الإصلاح، لا تتطلّعوا إلى ما تتطلّع إليه كل شعوب الدنيا من الحرّية والكرامة، إننا غزاة، مرتزقة من أجل إذلالكم، قتلكم، تصفيتكم، ظلّوا في بيوتكم قابعين خائفين مرعوبين، لا بدّ أن تركعوا وتستكينوا خانعين لأيّ حكم يصدر في حقكم وتسلّموا تسليم العبيد[3].

 

تبقون على كلمتكم لن نركع إلا لله[4]. وكان جواب هذا الشعب دائمًا وسيبقى أبدًا بلا تغيير هيهات منّا الذلّة[5].

 

هذه السياسة الجاهلية الغاشمة الحمقاء صارت إلى تزايد لمؤشرين، مؤشر من قمة العرب تمثّل في التغييب الكامل لقضية هذا الشعب وكأنها غير موجودة أو كأن هذا الشعب غير موجود، هذا أو أن أذن أكثر العرب صمّاء عن كلمة الحق وعن استغاثة المظلوم أو أن الظالم لا ينتصر إلا للظالم.

 

والمؤشر الآخر من حامية الديمقراطية في العالم ورائدة التحرّر للشعوب، التي تدفع بالجيوش والأساطيل الحربية لإنقاذ إنسان الأرض من قبضة الديكتاتورية المتسلّطة حسب دعايتها، أمريكا التي تغزو بلدان العالم باسم الدفاع عن الديمقراطية وحرّية الشعوب، تعطي للديكتاتورية في البحرين أكثر من مؤشر عملي وأكثر من تصريح مطمئن، ودافع بممارسة مزيد من قمع الشعب لخنق صوته المطالب بالديمقراطية والحرّية.

 

التصريح بأن الديكتاتورية في البحرين حليف استراتيجي لأمريكا حيث يطلق في الظرف الذي ينكل فيه الحكم الحليف بالشعب، ويمعن في قهره وإذلاله، وقتل أبنائه، وخنق حرّيته، وقمع مسيراته السلمية، ومصادرة حرّية التعبير عن معاناته، مؤدّاه أن ألف شعب وألف حرّية وألف ديمقراطية لا تساوي قلامة ظفر الحليف العزيز[6].

 

العودة إلى القتل بالرصاص الحيّ المتعمّد، وفي صورة اغتيال شخصي واضح لمصوّر يحمل آلة تصوير فقط لتوثيق ما يجري في المسيرة، الشهيد لا يشارك حتى في رفع الشعارات، لا يحمل حتى حجرًا صغيرًا، تأتيه الرصاصة المتعمّدة لتنهي حياته في مأساة[7].

 

يجري هذا ويتزايد قمع الشعب وإغراق المناطق بالسموم وتتدهور صحة الخواجة إلى حدّ الموت، كل ذلك على إثر المؤشرين من القمة العربية حامية الدين والحق، ببركة الضغط الخاص لتغييب مظلومية شعبنا عن جدول أعمال القمة، ومن أمريكا رائدة الديمقراطية والحرّية في العالم حسب زعمها.

 

ومعروف لدى العالم، أن الديمقراطية والحرّية ورقة إعلامية تستخدمها السياسة الأمريكية لإسقاط حكومات وأنظمة لا تلتقي ومطامعها، والبحث عن أنظمة بديلة تحاول فرض هيمنتها عليها نجحت أو لم تنجح في ذلك، بغض النظر عن مدى ديمقراطية المستبدل والبديل، وتحرم الديمقراطية وحرّية الشعوب في السياسة الأمريكية في البلاد المحكومة للأنظمة الديكتاتورية الموالية الراضية بإمرة البيت الأبيض وسيادته.

 

تذكير

 

أعيد التذكير بأن علينا أن نحرص على رصّ الصفوف، وتجنّب أيّ خطأ يحدث الخلخلة فيها، والنأي عما يوقعنا في شيء من المخالفة الشرعية، والإخلال بالخلق الإسلامي الرفيع، مما أخذته شريعة الله علينا ألا نرمي أحدًا بسوء من غير علم، وأن لا نمسّ شخصية مؤمن من غير حق.

 

لك أن تحترس، أن تتوقّى، ألا تنفتح على من لا تعرف، أن تحتفظ بسرّك عمن لم تحصل لك ثقة تامة به فضلاً عمن تجهله أو تشكّ فيه، لك كل ذلك، بل عليك كل ذلك، ولكن ليس لك تقضي على شخصية مؤمن اجتماعيًا بإطلاق الكلمة غير المسؤولة فيه، وأن تحطّم سمعته من غير بيّنة ولا دليل.

 

وللكلمة في الشريعة حدود كما للعمل، فليس للمسلم أن يطلق الكلمة متى شاء وكيف شاء من غير مراجعة هذه الحدود، هذا من جهة.

 

ومن جهة أخرى، فإن الناس ليسوا سواء في المستوى الفكري والنفسي والبدني والإرادة والجرأة والإقدام، فالناس على درجات، والحراك الشعبي لا يتقوّم بالأقوى فحسب، وإنما يتقوّم بكل المستويات وبكل الجهود، ولو بقي الأقوى وحده لما تحقّق على يده المطلوب.

 

ولو أسقط من هو الأقلّ منك دورًا، لحق لمن هو أكبر منك دورًا أن يسقطك.

 

والمشارك بشيء من الجهد خيرٌ من غير المشارك، والمتعاطف خيرٌ من المعادي، والمحايد خيرٌ من المحارب، شجّع على الخير، ولا تهاجم من هو أقلّ منك جهدًا، أو من كان له تعاطف، أو من يقف موقف الحياد، فربما أسأت بذلك إلى الحراك، وثلمت من رصيده، بل وخلقت له أعداء كانوا معه على درجة من الصداقة.

 

الموت يحدق بحياته

 

عبدالهادي الخواجة من المحكومين ظلمًا بالسجن المؤبد، حكمًا قالت عنه التقارير - كما قالت عن غيره من أحكام كل الرموز والعلماء والشباب - بأنه قائم على باطل من تعذيب لا يحتمل داخل السجون، واعترافات تحت الضغط المكثف الذي يفوق طاقة الإنسان، وعقوبة لا موضوع لها حيث إن موضوعها التعبير عن الرأي السياسي الذي تكفله الدساتير وحقوق الإنسان والأعراف الدولية.

 

وتفيد الآراء الاختصاصية منظمة إليها الحقوقية، بأن الحالة الصحّية لعبدالهادي الخواجة بالغة الخطورة وأن الموت يحدق به[8]، وفي ذلك ما ينذر بأزمة حقوقية ووطنية سيّئة جدًا، وانعكاسات الأمر السلبية لا تخفى، وموته يمثل جريمة من جرائم الحكم التي لا تغتفر، وتدهور خطير جدًا في الوضع الأمني للوطن.

 

وستبقى البحرين في دوامة من المشاكل والأزمات المتلاحقة، وفي منزلق خطير حتى يستجيب الحكم للمطالب الشعبية العادلة، وهذه الاستجابة لا تحتاج إلى تدخل عسكري من أي جهة من الجهات، وفي أيّ تدخل من هذا النوع مخاطر مضاعفة يرفضها هذا الشعب، ولا حلّ في تجييش جيوش لإسكات صوت الشعب الذي لن يسكت إلا بحلٍّ مرضٍِ.

 

استجابة الحكم في البحرين لما هو مقتضى العدل وتحقيق مطالب الشعب يحتاج إلى ضغط جدّي من حلفائه الاستراتيجيين، بدل الكلمات والمواقف المشجّعة له على عنفه وتعنّته. هذا والأمر كله بيد مسبب الأسباب ومالك كل سبب، وما التعويل إلا عليه لا على من سواه، ومن بعد توفيق الله وعونه وتسديده الأمر يعتمد على مصابرة هذا الشعب وجهاده.

 

ـــــــــــــــــــــ

 

[1] هتاف جموع المصلّين: بالروح بالدم نفديك يا شهيد.

 

[2] هتاف جموع المصلّين: هيهات منّا الذلّة.

 

[3] هتاف جموع المصلّين: لن نركع إلا لله.

 

[4] هتاف جموع المصلّين: لن نركع إلا لله.

 

[5] هتاف جموع المصلّين: هيهات منّا الذلّة.

 

[6] هتاف جموع المصلّين: الموت لأمريكا.

 

[7] هتاف جموع المصلّين: لبّيك يا شهيد.

 

[8] هتاف جموع المصلّين: نطالب بالإفراج عن الخواجة.