خطبة الجمعة: 28 جمادى الأول 1433هـ 20 أبريل 2012م.

 

كم هي الأزمات في البحرين:

 

الأزمات في البحرين فيما هو واقعها اليوم كثيرة، أزمة أمنية، أزمة اقتصادية، أزمة اجتماعية، أزمة أخلاقية، أزمة ثقافية، أزمة تربوية، أزمة دينية. والأساس لكل هذه الأزمات ومنبعها واحد وهي الأزمة السياسية المستفحلة.

 

أزمة سلطة لا تريد أن تعترف بإرادة شعب، بحقه، بإعطاء رأيه في شأن نفسه، في دستور حكمه، في انتخاب ممثليه، في تشكيل حكومته، بإرادته، في الانتفاع بثروته، في الاستفادة من ارضه، في الاسترزاق من بحره، في العدل بين أبنائه، في التمتع بحريته الدينية وحريته في التعبير عن معاناته واحتجاجه على المآسي التي يفرضها جهاز الحكم عليه.

 

أزمة سلطة متفردة مستبدة مستأثرة، ترى أن كل شيء لها ولا شيء لهذا الشعب، إلا ما تقدر أن من صالحها أن تتصدق به عليه.

 

أزمة سلطة لا تتقدم خطوة واحدة صادقة وجادة في تجاه حل الأزمة السياسية التي صارت تفرز العديد من المشكلات المعقدة وتفاقم منها وتزيد في خطورتها.

 

قامت بدعاية هائلة واستعراض اعلامي ضخم فيما يرتبط بلجنة تقصي الحقائق التي صنعتها على عينها، ولم تكن للشعب أي مشاركة في تشكيلها، وحينما جاء تقرير اللجنة منصفاً بدرجة ما بما فيه من إدانة لها بعددٍ من الجرائم، وانتهاكات لحقوق الإنسان وحق المواطنة ، والاستهانة بحرمة الدم والعرض والمال لأبناء الشعب، وتقدمت في تقريرها بعددٍ من التوصيات الحقوقية، بدأ الالتفاف على مقررات التقرير وتوصياته بما نسف قيمته العملية بدرجة كبيرة جدا .

 

وبدأ الوضع الحقوقي للمواطن أخيراً ينتكس من جديد بصورةٍ متزايدة، وعاد القتل العمد على يد السلطة، والتنكيل بالمشاركين في الاحتجاجات السلمية، وحملات المداهمات الليلة، والاعتقالات الجماعية، وكثافة سحب الغازات السامة للمناطق السكنية.

 

وما إن اقترب موعد الفورملا إلا وارتفعت حمة المداهمات والاعتقالات الجماعية ، وزادت هستيريا العنف على يد السلطة، وتصاعدت روح الانتقام على يد المنفذين لأوامرها حتى لكأن البلد في حالة حرب صارية.

 

مضى أكثر من عام على الحراك الشعبي الذي انطلق للمطالبة بالإصلاح، والحكومة تدير ظهرها لكل المطالب الشعبية العادلة، وتصر على مواجهتها بآلة القتل وأساليب العنف القاسية الفاشلة أمام صبر الشعب وتحمله، وإصراره على المضي في طريق عزته وحريته وكرامته واسترداد حقوقه المسلوبة مهما كلفه الأمر من غالٍ وعزيزٍ مما يرضى له دينه ببذله[1].

 

ماذا يريد الشعب، وماذا تريد السلطة؟:

 

ما يريده الشعب بالضبط أن يكون واحداً من الشعوب الحرة التي تملك قرار مصيرها، وتمارس حقوقها السياسية بصورة كاملة حفاظاً على كامل حقوق المواطنة الآخرى ومنها أمنه، وحريته الدينية ، وتمتعه بوضعٍ معيشيٍ كريم بما تتسع له عطاءات أرضه وجهده ، وبوضعٍ عادل منصف في كل المجالات، وكل هذه الحقوق اليوم مسلوبة منه محروم منها، حتى أن مطالبته بها جريمة في نظر السلطة والعقوبة عليها مفتوحة بلا حدود.

 

والسلطة تريد للشعب أن يبقى أسير إرادتها، وأن يقدم لها الاعتراف بحقها في استعباده، بل أن يسبح باسمها فضلاً عن سكوته عن حقوقه السياسية والمدنية، وعن نهب ثروته وهو جائع، وعن الاستئثار بأرضه وهو لا يجد المسكن الائق، وعن افساد اخلاقه، والاستخفاف بحرمة دينه والعبث بمقدراته ومضايقته في شعائره، تريد السلطة من الشعب بعدما اعطى في كل عمر حراكه الأخير ومن قبله من دم وأشلاء وأرواح طاهرة ونفوس كريمة، ومن أعدادٍ غفيرة من السجناء الأحرار الذين سلبوا حريتهم الخارجية ظلماً وذاقوا في سجونهم صنوف العذاب، ومن أقداس المال التي نالها السلب والنهب والمصادرة الظالمة والإتلاف من أجهزة الدولة وقوات أمنها، ومن بعد اهانة الأعراض والمقدسات، ومن بعد كل الويلات والمآسي التي ذاق طعمها المر الكبير والصغير من أبناء شعبنا، تريد السلطة من الشعب بعد كل هذا أن ينسى كل شيء، ويرضى باستمرار الوضع السياسي القائم بكل تبعاته الثقيلة، ويرجع إلى المنازل وكأن شيءً لم يكن[2]، ويستسلم للسيد والجلاد يفعل فيه ما يريد.

 

أمنية أبعد في الخيال من أماني الأطفال[3] أن يتراجع هذا الشعب، وأن ينسى كل شيء، ويصبر على الضيم إلى الأخير[4].

 

أمنية أبعد في الخيال من أماني الأطفال بل هو الشيء الأكثر بعداً من جنون المجانين.

 

مستحيل كل الإستحالة أن يلقي الشعب عصى السير إلى الخروج من اسره وعبوديته، وإلى حقه وعزته وحريته واحترام إرادته .

 

لا أحد، لا ظرف، لا شيء، لا ارهاب يمكن أن يتراجع بالشعب اليوم أو غداً عن هدفه.

 

وجد سباق السيارات أو لم يوجد، لانت السلطة أو اشتدت ، انصف العرب هذا الشعب أو ظلموه ، وقف أحد مع هذا الشعب أو لم يقف، فإنه قد قرر المضي في الطريق إلى نيل حقوقه واسترداد حريته وكرامته وإن خاض الف لجة، وإن قطع الف بيداء، وإن مر بالف مخاض، وتمادى الظلم في طغيانه، واسرف الحكم في القتل ما اسرف كل ذلك لن يتراجع بالشعب عن (...)[5].

 

إرادتان:

 

إرادة حكومة وإرادة الشعب، إرادة تسلط وإرادة انعتاق، إرادة استعباد وإرادة حرية، إرادة استئثار وظلم وإرادة عدل وانصاف، الأولى تعاند والثانية تقاوم وتجاهد ، وعلى ضمير الأمة وعلى الضمير العالمي أن يحكم ويتحمل مسئوليته، ومهما كان[6] فإن الشعب ماضٍ في طريق الإصلاح والتغيير، يدفعه إلى ذلك الدين الحق والضمير الحي والضرورة البالغة[7]. ماضٍ بلا جور ولا افساد ولا سوء نية، وإنما هي قضية الإصلاح التي لا تستقيم بدونها حياة ولا دين.

 

ـــــــــــــــ

 

[1] هتاف جموع المصلين : لن نركع إلا لله .

 

[2] هتاف جموع المصلين : هيهات منا الذلة .

 

[3] هذا الذي تتمناه الحكومة .

 

[4] هتاف جموع المصلين : لن نركع إلا لله .

 

[5] هتاف جموع المصلين : الله أكبر ، النصر للإسلام ، معكم معكم يا علماء .

 

[6] بأي حكم حكم هذا الضمير الصالح أو الفاسد ، وتحمل العالم مسئوليته أو لم يتحمل .

 

[7] هتاف جموع المصلين : لا تراجع لا تراجع .