خطبة الجمعة: 5 جمادى الآخرة 1433هـ - 27 أبريل 2012م
السباق كشف عن قبح الظلم وانفصال السلطة عن شعبها التي حولت ساحة الوطن ساحة معركة!
ماذا بعد السباق؟!
مرّ سباق السيارات الذي استضافته الدولة وقد أُمِّن برعب الشعب، بما قد توهّمته بأن التستّر على فضائح الوضع به لا يتمّ إلاّ بذلك وبسجن خيرة من شبابه، وبشهادة ابن بار من أبنائه في صورة تنطق بوحشية القتلة وفقدهم كل حسّ ديني أو إنساني، وحقدهم الأسود على أبناء هذا الشعب وتدهور حادّ في الحالة الأخلاقية المتردية التي يعانون منها. أُمِّن بمزيد من الانتهاكات لحقوق الشعب وحرّيته وكرامته وأمنه والتضييقات على الشعب.
وماذا خلّف؟ هل حسّن الصورة في الإعلام العالمي؟ هل أقنع أحدًا في الداخل باستقرار؟ وهل انتهت الأزمات؟
بل كشف عن قبح أكبر من قبائح الظلم وانفصال السلطة عن شعبها، كيف وقد حوّلت ساحة الوطن ساحة معركة من قبل السلطة، وانتشرت الدبابات والمصفحات ونقاط التفتيش، وربط انفجارات في مناطق حساسة، واستمر أزيز الطائرات، وحصلت حالة استنفار في القرى.
ألم تنتهي الأزمات؟
لا بل وعدنا إلى ما تسمّى بحالة السلامة الوطنية على مستوى نقاط التفتيش، والمداهمات الجماعية، وتطويق المناطق، وانتشار حالة الرعب العام، الاعتقالات الجماعية.
هل احتضن الشعب السلطة؟ واقع الفعل الحكومي يوسّع من الفاصلة، ويزيد من عمق القوة.
هل استرضي الشعب؟ زادت تصرّفات السلطة في غضبه.
هل أمّنت السلطة الاستقرار والثبات؟
العنف لا يعطي ذلك، العنف لا يعرف استقرارًا، ونتيجته أنه من أين أتى لا يخلق إلاّ العنف. وكل نداءاتنا الصادقة بالسلمية وتأكيدنا عليها عن صدق وإيمان يخاف أن يفشلها عنف السلطة ويستهدف فيما يستهدف ذلك، هو عنف لا مبرّر له في دين ولا قانون ولا عرف وتحضّر.
أأبسط من حق الشكوى على الظلم والمطالبة بالحرّية المسلوبة لاسترداد الحق؟ وماذا تعني المسيرات والاعتصامات السلمية غير هذا؟ أأبشع ظلمًا من اعتبار الشكوى جريمة من مواجهة الضاجّين من الظلم والقتل والتعذيب؟ من اختطافهم من ساعات النوم وظلمة الليل لزنزانات وأقبية السجون؟
ما أجمع الدول الكبرى اليوم على الظلم، وما أشدّ استخفافها بكرامة الإنسان وتجاوزها بمقاييس والحق والعدل!!
كيف يُسكت على ظلم شعب مسالم بل يسالم عليه.. شعب كل جريمته شكواه في مسيرة أو اعتصام سلمي من ظلم لا يترك له حق إلا أنتهكه، ولا قيمة إلا سحقها، ولا وزن إلا استخفّ به، ولا كرامة إلا هدرها.. هذا كل الذنب!!
الذنب أن الشعب يشكو من ظلم يعانيه، شكواه تعبّر عنها مسيرته واعتصامه السلمي. أيّ حق من حقوق الدين والإنسانية والمواطنة يتوقّع العالم من سلطة تعاقب على الشكوى من الظلم؟!!
لغة السلطة هنا أن الشرعية وتأكيد واستمرار الشرعية وتثبيتها في فاعلية السيف! في الفتك والقتل! والتعذيب والسجن! في التنكيل لا في أمر آخر.
تشعر بأن العالم في دوله المادية الاستكبارية اليوم كلّه معها في هذه اللغة برغم شعارات الحرّية والديمقراطية والحق الإنساني التي تسوقها للخداع والتغرير والتوصّل للهيمنة على الشعوب والثروة.
هناك لغة قديمة قد حصل التسويق لها حتى على المستوى الديني، وهي لغة المادة اليوم بدوله الصغيرة والكبيرة، وفصيحها أن السيف الذي يسفك الدماء حتى تسيل أنهارًا ثم يحكم يكون حكمه شرعياً.
صحيح أن هذه اللغة هي لغة الغاب، لغة الحيوان الأعجم ولكنها أيضًا لغة الإنسان الذي يتخلّى عن دينه وقيمه وإنسانيته.
بدأ وعي يناهض هذه اللغة في كل الدنيا، ومع هذه اللغة إرادة جادّة، جهد عملي، تضحيات، تصميم، اندفاعية قوية تنتشر وتعمّ المجتمعات الإنسانية في مقاومتها، والمعركة ضارية ومكلفة ومستمرة، ولكن النصر فيها لروح التحرّر لا الاستعباد، لصوت العزّة والكرامة لا الإذلال، وللحقّ لا الباطل، وللشعوب التي طال فقرها لا للحكومات المتغطرسة. هكذا منطق التاريخ منطق الواقع، هكذا وعد الله، والله لا يخلف وعده.
تستطيع أيّ سلطة أن تكون جزّارًا متوحشًا تقتل من تقتل من شعبها، وتحدث في صفوفه تصفيات جسدية واسعة. ولكنها لا بدّ أن تعلم حينئذ أنها تضع نفسها وشعبها والوطن الذي تحكمه أمام أصعب الخيارات وأشدّ الطرق خطورة وأقصى العواقب.
مأساة وكارثة لا تأتي على طرف دون طرف، ولا تختصّ بفئة دون أخرى، وذلك لا تفعله حكومة لها شيء من رشد.
والمسار الذي تسلكه الأوضاع على أيدي السلطة هنا مسار جنوني لا عقل فيه، تصعيد أمني متواصل، قتل من النوع الوحشي البشع خارج القانون، قمع جماعي بلا هوادة، وإعراض تامّ عن الإصلاح، نشر لروح الرعب والهلع في نفوس المواطنين، واستعلاء فوق العادة لكل نداءات العقل والحكمة والقانون. إنه المسار الذي لا يستهدف إلا هدم المجتمع، وتدمير الوطن، وإغراقه في المأساة.
وتوصل السلطة من أمثلة تسلّطها واستخفافها بقيمة الإنسان وبحياة المواطنين إلى كل العالم من خلال إصرارها على أن يموت عبد الهادي الخواجة متفرّجة عليه وهو في قبضتها بحكمٍ ظالم قام على خلفية التعذيب، وكل موضوعه التعبير عن رأيه السياسي وذلك رغم النداءات المكثفة للإفراج عنه وعن جهات متعددة في العالم!
هذا صورة واحدة من صور العدل والحرّية والإنسانية التي يتمتّع بها هذا الشعب الكريم من عطاءات السلطة.
تعليقات الزوار