خطبة الجمعة: 12 جمادى الثانية 1433هـ - 4 مايو 2012م

 

بقاء العلّة بقاء المعلول:

 

ماذا أطلق الحراك السياسيّ الجماهيريّ الواسع في البحرين؟

 

أطلقه ظلم السلطة للشعب, الإمعان في الاستخفاف بحقوقه, قهر إرادته, الإعراض عن كل دعوات الحوار الجاد المنطلقة من شخصيات وجمعيات سياسية مخلصة من أبنائه, التآمر على وحدته عبر آليات تدميرية تضمّن منها ما تضمّن تقرير البندر, نهب أراضيه، والتضييق على لقمة عيشه, مصادرة حقّه السياسي في صوغ دستور حكمه, وانتخاب مجلسه النيابي انتخابًا حرًّا عادلاً قائمًا على قاعدة: صوتٌ واحد لكلّ مواطن, إسقاط قيمة التجربة النيابية بمجلس شورى معيّن ونوّاب بحكم المعيّنين, محاكم موقفها ثابت من تجريم أبناء الشعب وتبرئة أصحاب الجرائم والمعذّبين والقتلة من منتسبي أجهزة الدولة, إعلام رسمي تحريضي يهزأ بأبناء الشعب ويكيل لهم الاتهامات جزافًا ويبثّ الفتنة ويشقّ ويعمّق ظاهرتها, فساد اقتصادي واجتماعي وإداري وأخلاقي وعبث بقيم الدين.

 

أطلق هذا الحراك السياسي عذابات الشعب, معاناة الشعب, دين الشعب, ضمير الشعب, ونفاذ صبر الشعب, احترام الشعب لذاته, إحساسه بتحدّي إنسانيته, شعوره بامتهان كرامته, خوفه على مصيره, غيرته على وطنه.

 

كل أسباب هذا الحراك كانت جاهزة محليًا لا تحتاج إلى استيراد ولا إضافة, وكان الرفض مرافقًا لولادة الدستور الذي لا رأي للشعب فيه; بل كان الرفض سابقًا على ولادته لما عرف منها بأنها تمثّل مصادرة لإرادة الشعب, وأمل الدستور العادل، وأخذه بالإرادة الشعبية، وعودة الحياة النيابية في صورةٍ أكبر تقدّمًا وتحقيقًا للديمقراطية، والتأكيدات الرسمية التي كانت تعد بذلك، ولغة الميثاق المغرية هي التي كانت قد شكّلت أرضية المصالحة الوطنية بعد انتفاضة التسعينات, فعندما تبخّر كل ذلك كان لا بدّ أن تعود الانتفاضة بصورة أقوى، ويأخذ الحراك درجة أوسع وأقوى وأكثر امتدادًا.

 

ومضى على الحراك اليوم أكثر من سنة وشهرين, وكل الأسباب التي ولد في أحضانها وألهبت شرارته لم يتغيّر منها شيء, وما انضاف إليها من انتهاكاتٍ جديدة بشعة في العام المنصرم لا زال ينصبّ على رؤوس الشعب ليحوّل حياته إلى جحيم.

 

لم يتصحّح شيء على الأرض في أي من الوضع السياسي والوضع الحقوقي برغم كل ما قيل وما يقال على لسان الإعلام والدعاية الفارغة, وإذا بقيت العلّة بقي المعلول.

 

إنه ما دامت الأسباب التي انطلق منها الحراك باقية فالحراك باقٍ, قيام لا قعود بعده، ونهضة لا يعتريها فتور، وحراك لا يعرف التراجع حتى تتحقّق مطالب الشعب العادلة, هذا ما يقوله بقاء الظلم للشعب، وسلب الحقوق، ومصادرة الحريّات، وتهميش الإرادة الشعبية بل سحقها, والانتهاكات المتعددة، وتغييب الشرفاء من كل المواطنين في السجون، واستمرار المحاكمات الجائرة في أساسها، وقتل الأبرياء، وإغراق المناطق السكنية بالغازات السامّة القاتلة، وإذلال العمال والموظفين والطلاّب والمربّين، وبقاء الدستور المرفوض على ما كان، وقبر المسألة السياسية برمّتها والتي لا حلّ إلا من خلال حلّها. وهذا ما يقوله إباء الشعب وإيمانه بضرورة الإصلاح والتغيير، وما تدعو إليه الضرورة وتنادي به مصلحة الوطن، وما تقف وراءه الإرادة الحديدة للشعب وإصراره وصموده وصبره واستماتته في الدفاع عن موقعه وحرّيته وحقوقه, وما يتمتّع به من روحٍ تضحوية تصرّ على الحقّ ولا تعرف العدوان، وتستهدف الإصلاح ولا تريد في الأرض الفساد.

 

عنف السلطة المتزايد، وإعلامها المفضوح، والمشاريع الشكلية ومنها التعديلات الدستورية الساخرة بإرادة الشعب, كل ذلك لا يقدّم حلاً، ولا يوقف الحراك الشعبي السلمي، ولا يصرف عن المطالب.

 

الحلّ الوحيد هو تحقيق مطالب الشعب، وكل محاولات اللفّ والدوران، وكل أساليب العنف والشدّة والقسوة التي تمارسها السلطة لا تجدي شيئًا[1].

 

ـــــــــــــــــــ

 

 [1] هتاف جموع المصلّين: هيهات منّا الذلّة.