من حقائق الساحة العربيّة والمحليّة:

 

من قبل أكثر من سنةٍ تحرّكت الساحة العربيّة في اتّجاه الإصلاح والتغيير على يدِ شعوبها فيما يُصطلح عليه بالربيع العربي.

 

المُلاحَظ من هذا الحراك كلّه أنّه ليس كما كانت طبيعة الحركات السياسية والإنقلابيّة قبله والتي كانت تنطلق عن تدبير قيادة شخصٍ أو حزبٍ أو فئة متنفّذة وطلباً لمكاسبَ تتحرّك في دائرةٍ معيّنةٍ ضيّقة خاصّة.

 

امتاز الحَراك الذي عاشته السّاحة العربيّة هذه المرّة بأنّه حراكٌ شعبيٌ عامٌ منطلقٌ من معاناة الشعوب من وعيها وجهودها وتضحياتها ويعبّر عن آلام الشعوب وآمالها وطموحاتها ويسعى لاستعادة عزّة هذه الشعوب وكرامتها ; ولذلك لا يتوقّف عند وصول البديل الذي لا يحِّق أحلام الشعب وأمنياته رغم كلّ الكلمات المعسولة والألوان الزاهية وأساليب الخداع والشعارات الرنّانة.

 

انطلقت الشعوب تطلب الحريّة والانعتاق, العزّة والكرامة أن تسود قبل أن تسودها الحكومات, وللطبيعة الشعبيّة العامّة لهذا الحراك تجده لا يموت بموت رجلٍ ولا رجال ولا بسجن مئة ولا مئات ولا بتراجع حزب أو أحزاب ولا يَضعُف بمن يضعُف وخيانة من يخون. إنّه تفجر عامٌ بقوّته وسعته واشتداده لا تؤثّر على اندفاعته العارمة كلّ هذه الخسائر وكلّ هذه التراجعات.

 

هذا الواقع الذي رآه الجميع في عموم السّاحة العربيّة لا بدّ أن يؤكد للذّين يطمحون لإسكات صوت الشعب هنا عن مطالبه بأنّه لو مات كلّ علماء البلد ممّن يتمنّون موتهم أو غُيّبوا في السّجون أو هُجّروا, ولو خَلَت الساحة من كلّ رمزٍ من رموزها السياسيةّ فإنّ ذلك لا يقضي على حركة الشعب وإصراره [1] على مطالبه العادلة.

 

وجاء دور الأنظمة العربية التي خاضت الصّراع من حَراك شعوبها على تفاوت, فمنها ما حاول امتصاص الصّدمة بدرجةٍ وأخرى من الإصلاحات مبكّرة أو بعد حين بصورةٍ استطاعت تهدئة الأوضاع إلى حينٍ أو لم تستطع, ومنها من لم يعرف إلا استعمال لغة القوّة, ومنها ما يتجّه إلى السّماح بالمطالبة السلميّة بالإصلاح ويتعامل معها بمهارته السياسيّة في المُرواغة والالتفاف مع مضايقته للمطالبة محاولةً للتخلّص من إحراجها, ومنها من يُعاقِب على أصل المطالبة ويلاحق بالأذى كلّ صوتٍ ناقد وكلمةٍ تبوح بطلب الإصلاح.

 

والظّاهر أنّنا صرنا هنا إلى هذا المستوى الأخير, أن تُجرّم كلمةٌ تنطلق بمطالبة الإصلاح [2].

 

وهذا المنحى يزيد الإيمان بضرورة الإصلاح ; لأنّه يضيف إلى المحنة ويرفع من درجة القهر ويضاعف المشكلة ويزيد في التأزيم ويكثّف من حالة الاضطهاد.

 

قولنا أمام هذه الحالة: لا عنف ولكن لا تراجع عن الإصلاح, لا عنف ولكن لا تضحية بالمطالب, لا عنف ولكن لا عودة إلى الوراء, لا عنف ولكن لا بدّ من الحريّة والعزّة والكرامة, لا عنف ولكن لابدّ من حقوق المواطنة الكاملة, لا عنف ولكن لابدّ من أن تَصْدُق كلمة الميثاق بأنّ الشعب مصدر السلطات [3].

 

ذهب عشرات الشهداء إلى رحمة الله, ودخل السّجون مئات الأحرار والحرائر, وامتلأت ساحة الوطن من أنواع الانتهاكات التي ضاق بها الشعب, وهُدمت المساجد ولا زال يُمنع بنيانها والصّلاةُ في مواقعها, ولا زال الشُّرفاء والشريفات مغيّبين في حبسهم, ولا زال سماحة الشّيخ المحروس والناشط الحقوقي الخواجة يتهددهم الموت في المستشفى السّجن, ولا زال رجب النّاشط الحقوقيّ الآخر يُحتجز ويُحاكم, ولا زال قادة الرأي السياسيّ ممّن في السّجن يُتلاعب بمصيرهم, والرّعب التي تفرضه السلطة هو سيّد الموقف, والمطالب الحقوقيّة والسياسيّة معطلة...

 

" كلّ ذلك ولا حاجة إلى الإصلاح؟ " مقولةٌ يتنكّر لها الدّين والضمير والعرف العالمي والحسّ الإنساني والميثاق الوطني وكلّ دستورٍ فيه شمّةٌ من العدالة.

 

سؤالٌ يتطلّب جواباً موضوعيّاَ منصفاً من السلطة: كيف تباركون لأي سلطةٍ أنتجتها الديمقراطيّة في أي بلدٍ من بلدان الربيع العربي من خلال إرادة الشعب, ثمّ ترون أن مجرّد المطالبة بالديمقراطية من هذا الشعب جريمة لا تغتفر ولا بدّ أن تُواجَه بالعقوبة الصّارمة وأشدّ التّنكيل والعذاب؟ كيف تحاربون من أجل الديمقراطية في بلدانٍ من بلدان الربيع العربي وتقهرون صوت الحرية في هذه البلد؟

 

تمتلك السلطة الكثير من إمكانات البطش والتّنكيل وتنفيذ مشتهياتها في الناس ولكن كل المقادير محكومةٌ لمالكها الواحد الأحد الذي لا نفاذ لأمرٍ إلا بإذنه.

 

وإذا كانت المحاولة من كلّ التهديدات والتوعّدات أن يتخذ مؤمنٌ من أيّ سلطة ربّاً مع الله سبحانه يخافها خوفَه منه, ويرجوها رجاءه فيه, ويمتثل لإرادتها امتثاله لإرادته, فضلاً عن أن يقدّم لها أمراً أو نهياً على أمره أو نهيه, فهذا ممّا يستحيل على عقل المؤمن وإيمانه ونفسيّته التي بناها الإيمان [4], والله هو العاصم ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم.. إن تكن قويا فالله أقوى...ولا يمكن أن يقدّم مؤمنٌ رضا مخلوقٍ على رضا الخالق.

 

• وليسمح لي ملؤكم الكريم أن أعرض بصورةٍ مقتضبة لما نالني من التشكيك في جنسيّتي في حملةٍ من الافتراء المكشوف والتجنّي السّافر المتجاوز لحدود الدِّين والأدب واللياقة وكلّ عرفٍ إنساني.

 

حيث أراهُ طريقاً [5]للتّشكيك ليس في جنسيّة المئات من أرحامي فحسب ولا جنسيّة طائفةٍ بكاملها ; بل هو طريقٌ للتّشكيك في جنسيّة أيّ مواطنٍ أصليّ مغضوبٍ عليه من السلطة [6].

 

لكن لماذا يتجاوزني هذا التّشكيك والمئات من أهلي إلى كلّ مواطن مغضوبٍ عليه؟

 

ذلك لا لأني أمثّل غير نفسي أو أنّ لي امتيازاً على أيّ طفلٍ من أطفال الطّائفة أو الشعب.

 

ولكن لأنّ نسف ثوابت جنسيّتي مع ترسّخها يفتح الباب لنسف ثوابت الجنسيّة لأيّ واحدٍ يُرادُ التخلّص منه للعِداء السياسيّ.

 

يبعُد بيت جدّي الرابع عبد الإثنَيْ عشر -أي الأئمة الأطهار عليهم السلام- ( والمسمّى ابن عمّي المباشر باسمه وهو أبو الشهيد عبد الحميد) عن بيت الوالد والعمّ الذي تربّيت فيه حوالَيْ مئةٍ وخمسين قدماً فقط.

 

وأمّا عائلة المصلّي والتي ينحدر أجدادي منها والتي كانت قاطنةً في حيّ المصلّي المعروف الآن بـِـفـُــوَيـْـلـِـيد شمال الدراز [7] وفيه مسجد القَدَم الذي يقع قريباً من هذا الجامع, فإنّ هذه العائلة قد اضطرها الاضطهاد السياسيّ المعروف تاريخيّاً إلى الهُجرة من البحرين بعد أن صبّ رجالها عرَقَهم على أرض الوطن منذ مئات السنين إسهاماً في بنائها, وتركوا شواهد هجرتهم قائمة وقد وقفت فيمن وقف على آثارها , ومع ذلك [8] فإن أبناء العمومة والخؤولة من مباشرٍ وغير مباشرٍ ممّن يلتقون بنا ونلتقي بهم في جدٍ واحد يبلغون في الدُرازِ بالمئات, وإلى جنب أبناء وبنات من عاش من الأخوة حتّى سنّ الزواج والذين يُعدّون بالعشرات.

 

ولا فخر كالفخر بالإسلام ولا قيمة لنسبٍ من دون عملٍ صالح, فأسأل الله الحنّان المنّان لكم سلامة الدّين وزاد التّقوى, وشكوانا إلى الله وكفى بالله حاكماً ونصيرا.

 

مثل الكلام الذي نشر فضيحة من فضائح الإعلام الرسمي وصورة من صور الظلم البشع للمواطن.

 

ولي كلمةٌ إلى كلّ المؤمنين والمؤمنات من أبناء هذا الشعب الكريم:

 

أبلغكم أيها الأعزاء أنّه لا يرضيني ; بل يسوؤني, مسّني ما مسّني من سوء ظلم الظالمين أن يضطرب وضع هذا الوطن [9] أو أن أكون سبباً في أن تسيل قطرة دمٍ واحدة من أيّ مواطنٍ أو مقيمٍ كان من كان [10] وإنّي لشديدُ [11] الحرص على سلامة شبابنا ..نفسي لهم الفداء.

 

أما طريق المطالبة السلميّة بحقوق الشعب ونيل حريّته واسترداد كرامته وتصحيح الوضع فلا انقطاع له ولا يمكن التوقّفُ عن هذه المطالبة ..ذهب منها من ذهب وبقي من بقي.. [13] ولا حول ولا قوة للماضين وما النصر إلا من عند الله [14].

 

ــــــــــــــــــــــ

 

[1] هتاف جموع المصلّين: "هيهات منا الذلة ".

 

[2] هتاف جموع المصلّين: "لن نركع إلا لله".

 

[3] هتاف جموع المصلّين: "الله أكبر..النّصر للإسلام".

 

[4] هتاف جموع المصلّين: "لن نركع إلّا لله".

 

[5] لماذا أنا أتناول هذا وأعرض بهذا؟ -.

 

[6] هتاف جموع المصلّين: "فليسمع رأس الدولة: هيهات منّا الذلّة".

 

[7] هو الفريق الشمالي في الدراز-.

 

[8] ومع ذلك, مع هذه الهُجرة وكانت واسعة-.

 

[9] يسوؤني

 

[10] هتاف جموع المصلّين: "لبّيك يا فقيه".

 

[11] هتاف جموع المصلّين: "هل من ناصر مقاوم؟ لبّيك عيسى قاسم".

 

[12] هتاف جموع المصلّين: "بالروح بالدّم نفديك يافقيه".

 

[13] هتاف جموع المصلّين: "هيهات منّا الذلّة".

 

[14] هتاف جموع المصلّين: "نصرٌ من اللّه وفتحٌ قريب.