ميّزات مدينة قم المقدسة

 

أرى من اللازم في بداية حديثي في هذا الاجتماع العظيم لأهالي قم الأعزّاء أن أتطّرق إلى أهمية هذه المدينة لنا وللمجتمع الإسلامي، وإن كان بينكم الكثير ممّن يقف على أهمية هذه المدينة، لكن يلزم التصريح بذلك في هذه الفرصة المتاحة.

 

إنّ إحدى الخصوصيات المهمة لهذه المدينة العزيزة, هي أنّها بُنيت حول مرقد شريف لإحدى النساء المنتجبات من آل البيت (عليهم السلام) وهي السيد فاطمة المعصومةJ ، وإن كان ماضي هذه المدينة يرجع إلى أبعد من هذا، إلاّ أنّ هذه المدينة معروفة طوال الإثني عشر قرناً الماضية بالمدينة المحتضنة لمرقد بنت موسى بن جعفر(عليه السلام).

 

وهذه ميزة مهمّة.

 

وهناك ميزة أخرى لهذه المدينة المقدسة علاوة على الميزة المذكورة, وهي وجود قبور المئات من العلماء الكبار والعظام والأولياء والمحدَّثين والشخصيات الإسلامية الفذّة.

 

هاتان ميزتان قيّمتان، إلاّ أنّهما لا تنحصران بمدينة قم، فهناك مدن أخرى في إيران أو في سائر البلدان الإسلامية تتمتّع بميزات شبيهة لهاتين الميزتين.

 

إلاّ أنّ لمدينة قم ميّزات منحصرة فيها، لا تشاركها فيها أيّة مدينة أخرى.

 

إحداها هي الماضي الطويل أي (1200 عاماً) أو أكثر, لاتّباعها وارتباطها بأهل البيت (عليهم السلام).

 

فقم كانت تُعرف بمدينة أهل البيت (عليهم السلام) دوماً، ولا أعلم مدينة أخرى بهذه الميّزة.

 

نعم كانت بعض المدن كالكوفة والمدينة المنورة مرتبطتان بأهل البيت G قبل قم، إلاّ أنّ أعداء أهل البيت (عليهم السلام) سلبوا منهما هذه الميزة.

 

أمّا مدينة قم، فقد اشتهرت في العالم الإسلامي ـ منذ أن أسّس فيها الأشعريّون والمحدَّثون والعلماء الكبار والأعيان أوّل حوزة علمية شيعية محضة ـ بأنّها مدينة أهل البيت (عليهم السلام).

 

لهذا ترون هجرة الشخصيات من مناطق مختلفة في العالم الإسلامي إلى قم للتوطّن فيها، فقد هاجر الكثير من تلامذة المحدَّثين المعروفين، ومن جملتهم تلامذة «يونس بن عبد الرحمن» و«إبراهيم بن هاشم» من الكوفة إلى قم وتوطّنوا فيها، وإن كان فيها الكثير من المحدَّثين قبل أن يهاجر هؤلاء إليها، فهؤلاء ليسوا من مؤسّسي هذه الحوزة، بل انجذبوا إليها.

 

ولو ذهبنا أبعد من ذلك، فعندما توجّه الإمام علي بن موسى الرضا (عليه آلاف التحية والثناء) في أواخر القرن الثاني الهجري نحو إيران وقصد خراسان، كانت قم معروفة بولائها لأهل البيتG ، فهذه ميزة متجذرة ومختصة بأهالي قم طوال (1200 عاماً)، والثقافة الإسلامية والولاء لأهل البيت (عليهم السلام)، ليست ظاهرة جديدة على هذه المدينة.

 

إنّ ولاء أهالي قم والعلماء وكذا الأمراء الذين حكموا هذه المدينة أمثال آل صفي متجذّر على مدى إثنى عشر قرناً، أي منذ أن بُنيت إحدى معالم حقائق الإمامة والولاية في هذه المدينة وفاح عطرها في أرجاء العالم الإسلامي.

 

الميزة الثانية التي تخصّ هذه المدينة هي احتضانها لأكبر حوزة علمية شيعية طوال التأريخ، فلم تكن لدينا في أي بقعة من العالم وطوال تأريخ الحوزات العلمية الشيعية حوزة علمية أكبر من هذه الحوزة المباركة التي أسّسها المرحوم آية اللّه الحائري (رضوان اللّه تعالى عليه)، وتعاظمت وعلا شأنها في عصر المرحوم آية اللّه العظمى البروجردي، ثم بلغت القمة ببركة الإمام العظيم والثورة الإسلامية العظمى.

 

والميزة الثالثة لهذه المدينة هي التحرك العظيم لأهالي قم من أجل الثورة، فالثورة ابتدأت في مقطعين تاريخيين، الأولى: عام 1341 ﻫ . ش [1962م] عندما نطق مدرس وعالم مجهول لدى جماهير الشعب ومبتعد عن المناصب الدينية، بكلمة الحق في المسجد الأعظم، وكان الأهالي والشباب والتجّار والمثقفون وطلبة المدارس في مدينة قم أوّل من بايعه، وتضامن مع الحوزات العلمية، لقد تحمّل أهالي قم عام 1341 ﻫ. ش [1962م] الكثير من المشاق في سبيل الثورة.

 

كذلك في عام 1342 ﻫ . ش [1963م] عندما فرض عملاء النظام الملكي ـ بإرعابهم الناس ـ حظر التجوّل في هذا الصحن الشريف والمدرسة الفيضية وساحة الآستانة [ساحة الروضة الشريفة] وشارع إرم، وضربوا المعمّمين بهدف قتلهم إن وجدوهم في الشوارع، وأطلقوا النار على من يدافع عنهم.

 

ففي ذلك اليوم مدّ أهالي قم يد الأخوة والبطولة إلى الحوزة العلمية ودافعوا عن الإمام العظيم الراحل وعن الثورة.

 

والثانية: عام 1356 ﻫ. ش [1977م] حيث بدأ القميّون التحرّك والكفاح العام للشعب الإيراني ضد النظام البهلوي العميل والفاسد، وسقط أوّل شهداء الثورة في شوارع جهارمردان وإرم وصفائية وفي ساحة الآستانة، وكان أوّل أب وأم للشهداء من أهالي هذه المدينة الذين وثّقوا وحدتهم وأخوتهم مع الحوزة العلمية.

 

أيّها الأعزاء ! يا شباب قم ! أيّها الرجال والنساء المؤمنون والثوريون في عش أهل البيت (عليهم السلام) وحرم الولاية، إنني أوّد اليوم أن اُلقي نظرة على الثورة التي أنتم أهلها، وأقوم بتقييمها منذ الانتصار حتى يومنا هذا، ومن اليوم فصاعداً.

 

إنّ الخيمة الرئيسية للحركة العظيمة للثورة الإسلامية مستقرّة هنا، لهذا فإن أنظار العالم متّجهة نحو قم.

 

فأنصار الثورة والإسلام يحبّون قم، والمستكبرون والظالمون والأشرار يعادوها ويقبّحون كل شيء فيها[1].

 

ــــــــــــــــــــ

 

[1] كلمة الإمام الخامنئي في حشود غفيرة من أهالي مدينة قم المقدسة، بتاريخ: (11 رجب 1416 ﻫ ـ ق).