قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ألا إنّ رجباً شهر الله الأصم وهو شهر عظيم، وإنّما سمي الأصم؛ لأنّه لا يقاربه شيء من الشهور حرمة وفضلاً عند الله، وكان أهل الجاهلية يعظمونه في جاهليتهم، فلمّا جاء الإسلام لم يزدد إلا تعظيماً وفضلاً، ألا إنّ رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي».(1)

 

إنّ شهر شعبان من الشهور الشريفة، وهو منسوب إلى سيد الأنبياء والمرسلين؛ المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله)، وفيه مناسبات عديدة ، منها ولادة الإمام الحسين (عليه السلام)، وولادة أبي الفضل العباس (عليه السلام)، وولادة زين العابدين؛ الإمام السجاد (عليه السلام)، وولادة علي الأكبر (عليه السلام)، وولادة صاحب الزمان؛ الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف).

 

وفي الحقيقة، إنّ شهر شعبان هو الشهر القمري الوحيد، الذي لم يوافق فيه شهادة أي إمام من الأئمة الأطهار (عليهم السلام).

 

أهمية شهر شعبان

 

يقول الإمام الخميني (قدس سره)، حول عظمة شهر شعبان:

 

«إنّ شهر شعبان هو مقدمة لشهر رمضان المبارك، حيث يستعد الناس فيه لاستقبال شهر رمضان المبارك، والدخول في ضيافة الله.

 

فأنتم عندما تريدون أن تذهبوا لضيافة شخص ما، غالباً ما تقومون بإعداد أنفسكم؛ لتكونوا على أفضل هيئة.

 

فتغيرون زيكم وتدخلون إلى مكان الضيافة وأنتم بهيئة أخرى، غير الهيئة التي كنتم عليها في منازلكم.

 

إنّ شهر شعبان أعد من أجل ترتيب الهيئة التي تتناسب مع الضيافة التي تقصدونها، وتعدون أنفسكم لها بالشكل الذي ينبئ عن وجود مقدار من الفرق في أوضاعكم وظواهركم عما كنتم عليه في منازلكم.

 

وإنّ شهر شعبان أعد من أجل أن يستعد المسلمون لضيافة الله، وآداب ذلك تظهر من خلال المناجات الشعبانية(2)».(3)

 

بركات شهر شعبان

 

يتحدث الإمام روح الله الخميني (قدس سره) في موضوع يتعلق ببركات شهر شعبان فيقول:

 

«توجد في هذه الأشهر الثلاثة؛ رجب وشعبان ورمضان المبارك، العديد من البركات التي أعدها الله للإنسان، وهو يتمكن من الاستفادة منها على أحسن وجه.

 

بالطبع، إنّ مبدأ كل تلك البركات المبعث النبوي الشريف، وما بقي يكون تابع له، ففي شهر رجب المرجب، تمر ذكرى المبعث العظيم، وولادة مولانا علي بن أبي طالب (سلام الله عليه) وبعض الأئمة (عليهم السلام)، وفي شهر شعبان تمر ذكرى ولادة الإمام سيد الشهداء (سلام الله عليه) وولادة الإمام صاحب الأمر (أرواحنا له الفداء) وفي شهر رمضان المبارك، نزول القرآن على قلب الرسول المبارك.

 

ومن المعلوم أن الألسن والعقول والأفكار لا تتمكن من سبر أغوار شرف ومكانة هذه الشهور الثلاثة.

 

إننا اليوم نعيش في شهر شعبان الشريف، وفيه المناجات الشعبانية التي تعتبر من أكبر المناجات وأعظم المعارف الإلهية، وهي من أعظم الأدعية التي يمكن للعارفين بها الاستفادة منها بمقدار ما يمتلكونه من معرفة».(4)

 

قداسة شهر رمضان وشعبان

 

لقد تعرض الإمام الخميني (رضوان الله عليه) من خلال حديثه مع مجموعة من مسؤولي النظام إلى قداسة شهر شعبان ورمضان المباركين ببيان قلبي رائع ولطيف فقال:

 

إنّ شهر رمضان المبارك يشتمل على ليلة القدر، ويشتمل شهر شعبان الشريف على ليلة النصف من شعبان التي تتلوها ليلة القدر؛ فإنّ شهر رمضان مباركاً لليلة القدر، وشهر شعبان مباركاً؛ لأنّ فيه ليلة النصف من شعبان.

 

كما أنّ شهر رمضان مبارك؛ لنزول الوحي فيه، أو بتعبير آخر أنّ معنوية رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت سبباً في نزول الوحي، وإنّ شهر شعبان شهر عظيم؛ لكونه استمرار للمعنويات الموجودة في شهر رمضان، وتتجلى في شهر رمضان المبارك ليلة القدر، التي جمعت فيها جميع الحقائق والمعاني، وإنّ شهر شعبان هو شهر الأئمة، وهو مواصلة لهذه الحقائق والمعاني.

 

ولقد أدى مقام الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بولايته العامة الإلهية بالأصالة، إلى بسط جميع البركات في الكون، كما أنّ شهر شعبان ـ الذي يعتبر شهر الأئمة (عليهم السلام) ـ أدى إلى استمرار هذه المعاني ببركة الولاية المطلقة التابعة لرسول الله (صلى الله عليه وآله).

 

كما أنّ أجواء شهر رمضان المبارك خرقت جميع الحجب، فنزل فيه جبرائيل الأمين على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبتعبير آخر، إنّ مقام الرسول (صلى الله عليه وآله) جعل جبرائيل الأمين ينـزل على دار الدنيا، وإنّ شهر شعبان هو شهر الولاية، وهو استمرار لجميع هذه المعاني.

 

إنّ شهر رمضان شهر مبارك فيه نزل القرآن الكريم، وشهر شعبان مبارك فيه انتشرت أدعية الأئمة (عليهم السلام).

 

إنّ شهر رمضان المبارك هو الشهر الذي نزل فيه القرآن، القرآن المشتمل على جميع المعارف، وجميع ما يحتاجه البشر، وشهر شعبان هو شهر الأئمة، وهو استمرار لهذه الحقيقة وهذه المعاني في جميع الأزمنة..

 

إنّ ما موجود في القرآن من أسرار، موجود في أدعية الأئمة أيضاً، فنحن نقرأ في الأدعية الشعبانية، معاني عرض حاجاتنا على الله تعالى:

 

«وَاجْعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاجابَك وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِك فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَك جَهْراً».(5)

 

فإنّ هذا الدعاء يتعرض إلى معنى (الصعق)، كما عرضه القرآن الكريم في قصة النبي موسى (عليه السلام)، حيث قال تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ﴾(6) حيث صعق موسى، فإنّ هذا الشهر هو شهر الصعق، وهو شهر يتطلب منا هذا الصعق، وهو شهر التجلي الإلهي للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وهو شهر التجلي الإلهي للأئمة (عليهم السلام) تبعاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله).

 

إن الإمام المهدي ـ سلام الله عليه ـ له أبعاد مختلفة، وإنّ ما يقع للبشر أحياناً من بعض أبعاده، وكما أنّ هناك بعض الأبعاد الخاصة بالقرآن والرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) التي تكون معلومة لدى البشر، توجد هناك معنويات في القرآن الكريم لم يكتشفها إلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته وممن أخذ منه.

 

وتوجد في أدعيتنا مسائل من هذا القبيل أيضاً؛ لأنّه كما أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) حاكم على جميع الموجودات بحسب الواقع، فإنّ الإمام المهدي أيضاً حاكم على جميع الموجودات.

 

فإنّ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) هو خاتم الرسل، والإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) هو خاتم الولاية، والرسول (صلى الله عليه وآله) خاتم الولاية العامة بالأصالة، والمهدي (عجل الله فرجه الشريف) خاتم الولاية العامة بالتبع.

 

وبالتالي، فإنّ هذان الشهران، من الشهور التي يجب علينا احترامها.(7)

 

نرجو من الله تعالى أن يجعلنا في ساحة شهر شعبان؛ شهر الرسول (صلى الله عليه وآله)، عوناً للرسول (صلى الله عليه وآله) من خلال إتباعه في هذا السفر، ويمكننا ـ من خلال المعرفة والتحرر من الأهواء ـ إزالة ما أصاب قلوبنا من غبار الدنيا وغرورها، وإعداد أنفسنا للدخول في ضيافة الله الكبرى، واستثمار بركات هذا الشهر العظيم.

 

ــــــــــــــــــــــ

 

(1) وسائل الشيعة: ج10، ص475.

 

(2) لقد نقل هذا الدعاء العالم الجليل القدر على بن طاووس في أعمال شهر شعبان عن الحسين بن محمد «ابن خالويه»، وقال إنّ أمير المؤمنين وأبنائه (عليهم السلام)، كانوا يقرؤون هذا الدعاء دائماً في شهر شعبان. (إقبال الأعمال، ص685)، (مفاتيح الجنان، أعمال شهر شعبان).

 

(3) صحيفة الإمام: ج‏13، ص31.

 

(4) صحيفة الإمام: ج‏17، ص456.

 

(5) مفاتيح الجنان، الأعمال المشتركة لشهر شعبان، المناجات الشعبانية.

 

(6) سوره الأعراف، الآية 143.

 

(7) صحيفة الإمام: ج‏20، ص248، 249، 250.