الجمهورية الإسلامية ومجلس الخبراء

مناظرة كتابية بين حجة الإسلام شريفي وحجة الإسلام قاضي زاده (الجمهورية الإسلامية) تجربة جديدة في الأنظمة السياسية في العالم، وقد تأسست ببركة الثورة الإسلامية للشعب الإيراني بقيادة الإمام الخميني(قدس سره)، وقد تميّز هذا النوع من النظام السياسي بحاكمية الشعب في إطار قيم الإسلام وأحكامه. لكن منذ بداية استقرار هذا النظام لازالت شبهة التعارض بين (حاكمية الشعب) و(حاكمية الدين) تطرح باستمرار وعلى رغم الإجابات المتكررة لازالت تطرح هذه الشبهة بأشكال جديدة، كما أنّ التفسيرات المتنوعة في بيان كيفية التلائم والانسجام بين المفهومين لازالت تطرح من ذلك الحين والى الآن. لذا فإن مجلة (الحكومة الإسلامية) واستجابةً لتوقّعات بعض قرّائها جعلت موضوع (الجمهورية الإسلامية) محوراً لمناظرة كتابية بين اثنين من الباحثين في هذا المجال ليتم طرح تفسيرين مختلفين إلى جانب بعضهما لبيان تلائم هاذين المفهومين فيما بينهما. وقد دفعنا قرب انتخابات مجلس خبراء القيادة في دورته الرابعة إلى ضمّ موضوع(مجلس الخبراء موقعه وملاك مشروعيته) إلى الموضوع السابق في هذه المناظرة لنطرح رؤيتين مختلفتين في مجال دور الشعب في هذه المؤسسة. ونحن إذ نشكر حجة الإسلام كاظم زاده* وحجة الإسلام أحمد حسين شريفي* لإجابتهما المشتركة على أسئلة المجلة ندعو المهتمّين والمعنيين بهذه الأبحاث إلى مطالعة هذه المناظرة المنشورة في مجلتنا ضمن عددين، هذا وتعلن المجلة استعدادها لمتابعة أمثال هذه المباحث. الحكومة الإسلامية التعارض بين (الجمهورية) و(الإسلامية) مجلة الحكومة الإسلامية: ما هو برأيكم منشأ شبهة التعارض بين (الجمهورية) و(الإسلامية) وكيف يمكن الإجابة على هذه الشبهة؟ شريفي: إنما يصحّ تصور التعارض بين الجمهورية والإسلامية إذا كان هذان المفهومان ناظران إلى مقام ومنزلة لا تسعهما معاً. بتعبير أفضل أن نقول بأصالة كل منهما على صعيد(المشروعية) و(حق إعمال الولاية والحكومة) بمعنى أن نعتقد بأن كلاًّ من القانون الإلهي(الإسلامية) ورأي الأكثرية(الجمهورية) منشأ للمشروعية وحقّانية الحكومة، حينئذ سوف لا نجد حلاًّ إلاّ أن يدّعي مُدّع بأن الله قد فوّض حقّه إلى الناس وجعل لهم الحرية في وضع القانون والحكومة. ولا ريب في مخالفة الادّعاء المذكور لصريح القرآن والروايات، ولا نحتاج إلى الاستدلال وذكر الشواهد على ذلك، وعليه فإن الذي يتورط بمشكلة التعارض هذه في بعض الموارد هو من يسعى بشتى السبل إلى جعل إرادة الناس في عرض الإرادة الإلهية، ويعتقد بأن كليهما منشأ للمشروعية، ولا يجد أي حلّ لهذا التعارض؛ لكن إذا اعتقدنا بأن الجمهورية ناظرة إلى شكل وقالب النظام السياسي أو بمعنى تأثير رأي الأكثرية في (تحقق) النظام السياسي، وأنّ الإسلامية ناظرة إلى محتوى ذلك ومنشأ لاعتبار القوانين وحق إعمال ولاية الحكام حينئذ سوف لا نواجه تعارضاً لنفكّر في معالجته. قاضي زاده: طُرح موضوع التنافي بين الجمهورية الإسلامية منذ الأيام الأولى لطرح مسألة ولاية الفقيه في الدستور، وولّد خلافات كثيرة في نقاشات خبراء الدستور، ويرى دعاة التنافي أنّ السبب في عدم تلائم المفهومين هو كيفية تحديد موقع ممثّلي الشعب في مجلس الشورى الإسلامي ـ ويعتقدون بوجوب أن يكون للشعب القرار الأخير في النظام الجمهوري الإسلامي ولا يرون الدستور صريحاً وقائلاً بذلك. وفي المقابل فإن القائلين بالانسجام بين الجمهورية والإسلامية لا يرون أي تضاد بين العمل طبقاً للإسلام والأحكام الإسلامية في المجال السياسي وبين دور آراء الشعب في بناء الحكومة وتعيين الحكام. وقد ظهرت مجموعة أخرى لاحقاً تقول بالتنافي أيضاً، لكن هذه المجموعة بدلاً من الإشكال على نظرية الإمام والدستور ـ رعاية لميلها إلى إسلامية النظام ولما تظهره من ميل تجاه آراء الإمام الخميني(قدس سره) ـ لجأت إلى تحريف أقوال الإمام والنصوص القانونية زاعمة أنّ ذلك تأويل وتفسير لها. وعلى كل حال نقول باختصار: توجد ثلاث تيارات رئيسية في موضوع التلائم بين الجمهورية والإسلامية: التيار الأول: يرى إمكانية الانسجام بين الجمهورية والإسلامية، ووقوعه، ولا يعتقد التياران الآخران بذلك؛ لذا يرجّح أحد التيارين الجمهورية على الإسلامية، ويرجّح الآخر الإسلامية على الجمهورية. ويرتكز أصحاب التيار الجمهوري على أنّ الإسلام قد سكت في موضوع الحكومة والدولة أو فوّضه إلى الناس، لذا اعتقدوا بأن لازم العلمانية الدينية أو تفويض الميدان السياسي إلى الناس هو لزوم أن يكون المنشأ لجميع الصلاحيات واتخاذ القرارات هو رأي الشعب. وبالنتيجة لزوم تحرير الإرادة الشعبية من جميع القيود، في حين أنّ (الجمهورية الإسلامية) تقيّد إرادة الشعب وتردعها عن تنفيذ مقاصدها في المجالات السياسية المختلفة، لكن لا ينادي أصحاب هذا التيار بحرية الأهواء النفسية مطلقاً أو الحرية الجنسية والشذوذ الجنسي.. مثلاً كما ينسبه إليهم بعض منتقديهم، لكنهم على كل حال يرون في وجود البناء الخاص للدولة وظروف القيادة الخاصة والرقابات المفهومية والمصداقية والحكمية لمجلس صيانة الدستور على قوانين الدولة والانتخابات و.. موانع عملية لحقوق الشعب السياسية، ويصفونها بأنها مخالفة للجمهورية، حتى إنّ بعضهم يقول: إنّ الاشتراك في التصويت على الدستور يعني صوّتوا على أن لا يكون لكم دور في إدارة البلد. ويقرأ أصحاب التيار الإسلامي الإسلام قراءة خاصة، ويعتقدون بشمول دائرة الحكم الإلهي لدوائر إدارة الدولة، ولا يرون حقّاً للناس فيه، ويحصرون دور الشعب بدور التأييد والفعالية، وأنّ المشروعية من الله ولا دخل للشعب فيها. وبالنتيجة إذا توفرت للدولة الإسلامية شروطها الخاصة فالدولة مشروعة سواء وافق جميع الشعب أو لم يوافقوا على أصل النظام الإسلامي، أو على مسؤولي النظام الحاليين. ولقد لجأت هذه النظرية نظراً للأدلة المختلفة التي تطرحها على مشروعية ولاية الفقيه بوصفها نيابة عن الأئمة المعصومين ـ طبعاً في قراءة خاصة ـ إلى التفكيك بين مفهوم المشروعية ومفهوم المقبولية، وقللّت من شأن الشعب إلى حدّ لا يكون فيه مفهوم (الجمهورية) عدلاً لمفهوم(الإسلامية) إطلاقاً، وتغيّر بكل فخر تعبير(حاكمية الشعب الدينية) إلى (حاكمية الدين الشعبية) وبعبارة أفضل أقصى ما تكون عليه الحكومة الإسلامية بالنسبة إلى الشعب هو أن تكون (شعبية النزعة) أو (ذات شعب) لا(شعبية الحاكمية). من الواضح أنّ لكلا النظريتين قراءة خاصة للجمهورية والإسلامية شملت جميع الميادين الحكومية؛ مما دفعهما إلى التزاحم وعدم ترك أحدهما المجال للآخر. وتتقوّم النظرية الثالثة بهذا المبنى: وهو تصوير الجمهورية وحاكمية الشعب في صورتين إحداهما(الجمهورية المطلقة) والأخرى(الجمهورية المقيدة) والأولى لا تنسجم مع الإسلام، وأما الأنظمة الجمهورية المقيّدة فهي جمهورية أيضاً وذات سوابق متعددة في العالم، فلا الشعب يكون مطلق العنان ويفرض إرادته ـ عن طريق التصويت ـ مقابل التعاليم السياسية في الإسلام عن طريق التصويب، ولا أن يتجرد من أي دور سوى تأييد النظام السياسي. كما أن أصحاب التيار الثالث في قراءتهم للإسلام وتعاليمه السياسية يعترفون بوجود دور مهم للشعب في إعطاء المشروعية للحكام، وأنّ الإسلام يعتبر الناس أصحاب اختيار. وعلى أساس هذه النظرية تتوفر إمكانية الجمع بين الجمهورية والإسلامية، ويصرّح الأصل السادس والخمسون من الدستور بهذه النكتة: (الحاكمية المطلقة على العالم والإنسان لله، وقد حكم الله الإنسان أيضاً على مصيره الاجتماعي ويعمل الناس هذا الحق الهبة الإلهية بالطرق المبنية في الأصل الآتية). وفي نقد مباني التيار الجمهوري نقول: إنّ الجمهورية في النظام السياسي يمكن طرحها بناءً على المدارس والآراء السياسية المختلفة، فإن أردنا تعيين حدود الجمهورية من منطلق النظرية الفلسفية الإنسانية ونظراً إلى مذهب الديمقراطية الليبرالية فمن الطبيعي ليس هناك ما يقيّد إرادة الإنسان؛ سوى إرادة إنسان آخر، ونتيجة ذلك الركون إلى رأي الأكثرية في جميع المجالات القانونية سواء تنافى ذلك مع الدين أو لا، أو تنافى مع الأخلاق والعدالة والحرية أو لا، بخلاف المدرسة الإسلامية التي تنظر إلى الإنسان على أنه ـ في نظام الخلقة ـ مخلوق وعبداً لله وهو أشرف الموجودات عدا خالقه ومعبوده. على الإنسان في حياته أداء حق الإرادة العليا؛ ولذا فإن إرادته التشريعية مقيّدة وخاضعة قهراً للإرادة الإلهية. وقد أُذعن بسيادة الشرع على جميع مناحي الحياة، ولزوم إطاعة قوانين الله تعالى؛ ولهذا وصف أحد الكتّاب العرب النظام السياسي الإسلامي بعنوان(سيادة الشرع) و(سلطة الأمة) وهيئت الغفلة عن مكانة الإنسان في النظام الإلهي الأرضية لظهور الجمهورية المطلقة. وهناك من يرى إلى جانب إذعانه بالإرادة الإلهية العليا أنّ التعاليم الدينية ساكتة تماماً في مجال الحكومة، واصطُلح على أصحاب هذا القول أنصار العلمانية الناعمة(أي يستنبطون العلمانية من النصوص الدينية) هذه النظرية أيضاً غير صحيحة وتحتاج إلى دراسة مستقلة. نقد التيار الإسلامي: إنّ المسلك الإسلامي يواجه مشكلات متعددة أيضاً سواء في المبنى أو في تأويل وتفسير النصوص القانونية، وآراء الإمام مبنائياً، وهم مجبورون على التنازل عن مشروعية إعمال ولاية الفقهاء واجِدي الشرائط؛ وذلك لعدم صحة القول: بأن جميع الفقهاء رؤساء للدولة الإسلامية، لكن لنفيهم دور الشعب في تعيين الحاكم الإسلامي لجأوا إلى القول بنظرية الكشف: والتي تعني وجود فقيه واحد هو الأفضل قد جعلت له الولاية مسبقاً، ويأتي الشعب والخبراء للكشف عنه. وعلى هذا الأساس إن لم يكشفوا عن (الأفضل في الواقع) أو ظهر بعد مدة من هو (أفضل) يكون إعمال ولاية الأمر غير مشروع ومن باب الخطأ في تعيين مصداق الأفضل. ومن ناحية أخرى فإن الإبهام يسود علاقة الناس بمجلس خبراء القيادة، وعلاقة هذا المجلس ببقية الخبراء ممن لم يصوّت لهم أو لم يشتركوا في الانتخابات أليس هؤلاء خبراء؟ وهل يحتاج الكشف أمراً زائداً على الخبرة؟! ماذا تقول هذه النظرية إن صوّت أعضاء مجلس الخبراء الموجودين بصفتهم معتمدي الشعب لـ(أ) لكن أعلن خبراء أكثر عدداً وأشد فضيلة أنّ (ب) هو الأكفأ للقيادة؟ ما هو المعيار في تعيين القائد من بين شخصين أو أكثر متساويين في شرائط القيادة تماماً أو كان لكل منهم رجحان في إحدى الجهات تجعلهم جميعاً محتملي الأفضلية؟ هذه الإبهامات النظرية تكشف عن لزوم رفع الاختلاف بين الخبراء والشعب في انتخاب القيادة دفعة واحدة، وسيكون الشعب هو المرجع الذي لا بديل عنه. ومن جهة أخرى فإن هذه النظرية تسند مشروعية كل شيء ـ بما في ذلك الدستور ومجلس الخبراء نفسه ـ إلى حكم القيادة. ومن هنا تجعل النظام السياسي في معرض تغييرات خطرة، لو فرضنا أن لا يرى القائد الدستور مناسباً فطبقاً لهذه النظرية يمكن إلغاء الدستور بنصف سطر من القيادة، في حين أناط الدستور الحالي تغيير أصل من أصوله أو زيادتها ونقيصتها برأي الشعب بعد طيّ المراحل المختلفة وإمضاء القيادة، كما أنّ بعض أصوله غير قابلة للتغيير مطلقاً. ومن ناحية أخرى فإن مسألة تأويل وتوجيه آراء الإمام مسألة واضحة البطلان أيضاً، ومن المؤسف جداً تصنيف أقوال الإمام وسيرته العملية في الاهتمام بالشعب والاعتقاد بالتأثير الجِدّي لآراء الشعب ضمن (مجازات الإمام) و(متشابهات كلام الإمام). هذه النظرية هي التي دفعت مجموعة أخرى غير موالية للنظام والإمام إلى تفسير مجازات الإمام وتزويرها، وهنا يلتقي فريقان متضادان ويتحدان في نوع التعاطي مع آراء الإمام ويجرّد كلاهما كلام الإمام عن الحقيقة! في الموارد التي أعلن الإمام فيها بصراحة(نحن لاحق لنا، الباري تعالى لم يعطنا الحق، نبي الإسلام لم يعطنا الحق في فرض أي شيء على شعبنا) وفي تفسير جمهورية النظام أيضاً كان يراها بمعناها العرفي والعالمي: (أما الجمهورية فهي بذلك المعنى من الجمهورية في كل مكان. لكن هذه الجمهورية تستند إلى دستور وقانون هو قانون الإسلام.. الاختيار للشعب وشكل الجمهورية هو الجمهورية الشائعة في كل مكان). فإن وصلنا بتفسير هذه المجموعة للجمهورية إلى نفي أي دور مؤثر للشعب فَلِمَ كان التأكيد على هذا اللفظ؟ إذ لا تكفي تقوية النظام الإسلامي وتفعيله من قِبَل الشعب في إطلاق الجمهورية عليه. جميع الأنظمة السياسية تذعن يقيناً بالدور الفعال للشعب والأنظمة المستبدة أيضاً إن تماشت مع الشعب كان أكثر نجاحاً. في الحقيقة نسأل هذه المجموعة: ما هو الفرق في دور الشعب في الحكومة بين النظام السياسي الدكتاتوري والنظام السياسي الإسلامي؟ فهل يرون تفاوتاً في هذا المجال بعد نوع التفسير المطروح من قِبَلهم؟ التفكيك بين (مقبولية) النظام السياسي و(مشروعيته)؟ مجلة الحكومة الإسلامية: هل يمكن التفكيك بين (مقبولية) النظام السياسي و(مشروعيته)؟ قاضي زاده: يجب تجنّب الألفاظ المبهمة والمشتركة في تبيين النظرية؛ وذلك أنّ المشروعية في الفكر السياسي هي المقبولية، مشروعية الحكومة هي المبرّر الذي يرى به الحاكم إعمال حاكميته سائغاً، وهي الدافع في إطاعة الشعب للحاكم أيضاً، والمشروعية هي الفقه الإسلامي في مطابقة إرادة الشارع، من هنا إن كان المراد من المشروعية هو المشروعية في الفكر السياسي فهي ترجمة LEGITIMACY وهي عين المقبولية، لكن إن أريد بها مطابقة إرادة الشارع فيمكن افتراض التفاوت بينهما، كما لو لم يقبل الشعب بالحكومة الإلهية المنصوصة فتكون الحكومة مشروعة لكن غير مقبولة؛ هذا إذا فرضنا إرادة الشارع أمراً منفصلاً عن إرادة الشعب. وأما إذا اعتبرنا أنّ إقبال الشعب وانتخابه من شرائط تحقق إرادة الشارع فأيضاً تتلازم المقبولية مع المشروعية في الخارج، وإن لم يكونا متّحدين مفهوماً. وإن ذهبنا في تفسير الجمهورية الإسلامية إلى أنّ المشروعية للحاكم تتمثل بالفقيه الجامع للشرائط الذي يتمتع بالإقبال الشعبي حلّت آراء الشعب إلى جانب شرائطه الأخرى، وكما تخدش مشروعية إعمال الولاية بزوال العدالة أو العلم كذلك تظهر أزمة المشروعية بزوال آراء الشعب وإقبالهم. شريفي: لأجل الإجابة على هذا السؤال يجب أن نعرف أولاً ما المراد من (المقبولية) و(المشروعية)، معنى المقبولية واضح نسبياً لذا لا توجد في تعريف هذا المصطلح سوى اختلافات قليلة جداً، المقبولية بمعنى(موضع الرضا والقبول العام). وأما لفظ المشروعية فله معان واستعمالات متعددة، وما لم نشخّص محل البحث بشكل صحيح فمن المحتمل قوياً أن نقع في فخ مغالطة الاشتراك اللفظي، وقد يكون لكل شخص بحكم ما لديه من تلقّ خاص لهذه الكلمة جواب لهذا السؤال يعتبره الطرف المقابل بحكم ما لديه من تلقّ آخر خاطئاً وغير مقبول. تستعمل كلمة (المشروعية) أحياناً بنفس معنى (المقبولية) تماماً، ومن الواضح إذا كانت المشروعية بهذا المعنى فلا يمكن إطلاقاً التفكيك بين للمقبولية النظام السياسي ومشروعيته. وذهب بعض الكتّاب أيضاً، إلى أنّ المشروعية بمعنى (الشرعية) وقال: (مشروعية الحكومة هي الصفة التي يجب أن تتصف بها الحكومة لتكون شرعية). فإذا كان المقصود من المشروعية هذا المعنى فحينئذٍ تكون نسبتها مع المقبولية نسبة العام والخاص من وجه، بمعنى قابلية علاقة المشروعية والمقبولية للإنفكاك من الطرفين. وأحياناً تستعمل المشروعية بمعنى (القانونية) أيضاً ويجب أن نبحث عن منشأ قانونية النظام السياسي لندرس بعد ذلك النسبة بين المشروعية والمقبولية في هذا الاستعمال. إذا قلنا بمنشأ آخر لقانونية النظام السياسي غير الرضا والقبول العام ففي هذه الصورة أيضاً ستكون النسبة بينهما نسبة العام والخاص من وجه أيضاً، بهذا الشكل: قد يكون النظام السياسي قانونياً وفاقداً للمقبولية، ومن الممكن أن يكون قانونياً وفي نفس الوقت يتمتع بالرضا والقبول العام، وقد لا يكون قانونياً لكنه يتمتع بالإقبال العام مع ذلك. وأما إذا كان منشأ القانونية هو الرضا العام ففي هذه الصورة ستكون النسبة بين المشروعية والمقبولية نسبة التساوي مصداقاً؛ وذلك لأن كل شيء فيه المقبولية فهو بهذا المعنى مشروع وقانوني أيضاً، وكل شيء ليس فيه المقبولية فهو غير مشروع ولا قانوني أيضاً. وأحياناً يكون المقصود بالمشروعية هو (الحقّانية) يعني(حق إعمال الولاية) من قِبَل الحاكم، ويلاحظ أحياناً أنّ بعض الكتّاب يُقلل من شأن هذه المسألة ويصفها بأنها نزاع لفظي، ويسعون إلى إثبات عدم استعمال المشروعية في عرف علماء السياسة! وبقطع النظر عن هذه الدعوى يجب الالتفات إلى أنه حتى لو لم تستعمل المشروعية بهذا المعنى في عرف علماء السياسة الغربيين لكن تبقى مسألة حقّانية الحكومة وحق إعمال ولاية الحاكم على قوّتها، وكسؤال جِدّي وأساسي مطروح في مقابل كل نوع من أنواع الأنظمة السياسية ولا يوجد مُبرّر منطقي لتجاوز الإجابة عنه. على كل نظام سياسي الإجابة على هذا السؤال: ما هو منشأ الحقّانية الذي تراه لنفسك؟ وهذا هو معنى المشروعية محل البحث والاختلاف بين مختلف علماء السياسة. وعلينا، لكي نوضّح محل البحث، ونفهم أصل المسألة بشكل أدق، تقديم مقدمة؛ نعلم جميعاً أنّ عمل(القانون) الرئيسي وهدفه الأساسي هو إيجاد الحدود لحريات الإنسان وحقوقه. لقد أذعن الجميع بضرورة وجود القانون، ولا يتردد أحد أنّ نتيجة فقدان القانون حصول الفوضى وانهيار المجتمع والنظام الاجتماعي. إلاّ أنّ المسألة المحورية التي تطرحها المدارس السياسية المختلفة؛ هي لِمَن ولأي مقام ومصدر يكون حق التقنين؟ ما هو أو من أين نشأ هذا المنع والنهي والحدود؟ وبتعبير آخر ما هو منشأ (حقانية) الحكومات؟ وعلى هذا الأساس عندما يطرح الحديث حول مشروعية النظام السياسي فالمقصود هو السؤال عن الحق والمبرّر الذي بموجبه أقدم النظام السياسي على سلب حريات الشعب أو تحديدها؟ وما هو مبرّر انقياد الناس لتلك القوانين أو تقنينها، وعليه فمن الواضح أنّ المقصود بالمشروعية في هذا البحث هو (الحقانية) والمفهوم المقابل للمشروعية في هذا الاستعمال هو (الغصب). وعلى كل حال طرحت نظريات مختلفة في مجال معيار مشروعية الحكومة والحكام وعلى سبيل المثال ذهب البعض إلى أنّ معيار ذلك هو القوة، وأطلق مناوؤا العقل هؤلاء صيحة(الحق لمن غلب) وجعل البعض الآخر المعيار في الحقّانية هو المصلحة العامة والنفع الجماعي مطلقين الشعار الطفولي(من ربحه أسبق فحقه أكثر). وجعلت مجموعة ثالثة المعيار في المشروعية هو الرضا العام والعقد الاجتماعي ورأي الأكثرية، ورفعت شعار (الأكثرية معيار الحقانية) المعادي للعقل والدين. على أساس النظرية الأولى تكون النسبة بين مشروعية النظام السياسي ومقبوليته هي العام والخاص من وجه، وأما على أساس النظرية الثالثة وعلى أساس النظرية الثانية بمعنى من المعاني، فالعلاقة هي التلازم وعدم إمكان التفكيك بينهما، لكن من الواضح عدم إمكان الانتصار لأي من هذه النظريات فلا القوة ولا النفع ولا الكثرة يمكن أن تكون معياراً للحقانية، فلا يمكن إعطاء حق الحكومة والتقنين لفرد أو أفراد وتسليطهم على رقاب الناس وأموالهم استناداً إلى أي من هذه المباني، ولا يمكن عدّ حكومة يزيد وهارون الرشيد وهتلر وصدام وبوش حكومات حقّة ومشروعة، والقوانين الصادرة عنها مرضية لله تعالى ومطابقة للواقع والمصلحة الواقعية والحقيقية للإنسان لأنها تستند إلى إحدى المعايير المتقدم بيانها. طبقاً لعقيدتنا وعلى أساس نظام الإسلام التوحيدي فإن المنشأ الوحيد للمشروعية وحقانية الحكومة هو الله تعالى فقط، وتستلزم الربوبية التشريعية والتوحيد في التشريع المنبثقة من الربوبية والتوحيد في التكوين أن يكون جميع شؤون الحكومة منتسباً ومستنداً إلى الإذن والإرادة الإلهية. وعلى كل حال النسبة بين مشروعية النظام السياسي ومقبوليته في هذا المعنى ليست هي التساوي دائماً، أي من الممكن أن يتمتع الفرد أو الأفراد بمشروعية الحكومة لكن لا تقع حكومتهم موضع مقبولية الناس، ولا يميل الناس إلى تفويض أمورهم إلى ذلك الفرد أو الأفراد كما في حكومة الإمام علي(ع) طوال خمسة وعشرين سنة بعد رحيل النبي(ص). ومن ناحية أخرى قد تجتمع المشروعية والمقبولية في محل واحد كحكومة الإمام علي(ع) في الأربع أو الخمس سنوات الأخيرة من عمره الشريف. ومن الممكن أن تتجرد الحكومة من المشروعية لكن تحظى بالمقبولية العامة كما في أكثر الحكومات الموجودة في العالم. أما في (الجمهورية الإسلامية) فإن هذين العنصرين متلازمان، بمعنى أنّ مشروعية الحكام وقوانينهم من الله تعالى ولهم مقبولية شعبية منقطعة النظير، في نفس الوقت الفقيه الجامع للشرائط له حق الحكومة من قِبَل الله تعالى وبواسطة الإمام المعصوم سواء كان له مقبولية شعبية أو لا، نعم، تحقق واستقرار حكومته يتوقف على المقبولية الجماهيرية والإقبال الشعبي على الحكومة الإسلامية. فاتضح أنّ الحقانية وحدها لا تضمن استقرار الحكومة وتحققها، كما أنّ تحقق الحكومة ووجودها لا يلازم إعطاء المشروعية للحكام وللقوانين التي يصدرونها. في نظام الجمهورية الإسلامية يجب أن يكون كلا العنصرين إلى جانب بعضهما. ملاكات ومعايير الإسلامية والجمهورية؟ مجلة الحكومة الإسلامية: ما هي برأيكم ملاكات ومعايير الإسلامية والجمهورية؟ وما هي نقاط الاشتراك والافتراق بينهما؟ شريفي: معنى المصطلحين واضح، (الإسلامية) تعني مطابقة أحكام الإسلام و(الجمهورية) تعني مطابقة رأي الأكثرية، ويستعمل المصطلحان في موارد مختلفة؛ لكن الظاهر أن المقصود بالسؤال هو ملاك ومعيار الإسلامية والجمهورية في النظام السياسي. في هذه الصورة فإن (إسلامية) النظام السياسي بالمعنى الدقيق للكلمة هي أن تكون جميع أركان حاكمية ذلك النظام السياسي ـ الأعم من الحاكم والقوانين الحكومية ـ مبتنية على القانون الإلهي والمطابق للإسلام و(الجمهورية) في النظام السياسي هي قبول أكثرية أفراد ذلك المجتمع لتحقيق وتنفيذ القوانين والأحكام الإلهية، وبتعبير أفضل يمكن أن نقول: الإسلامية ناظرة إلى محتوى النظام السياسي ولتأمين جانب المشروعية فيه. والجمهورية ترتبط ببنائه وقالبه ولتأمين بُعد المقبولية فيه. نقطة الاشتراك بينهما هي عندما يكون محتوى النظام السياسي على أساس القوانين الإسلامية وموضعاً لقبول أكثرية الشعب أيضاً. ونقطة الافتراق بينهما هي عندما لا يرغب الشعب بتحقق وتطبيق الأحكام والقوانين الإسلامية، وبتعبير أفضل عندما يقدمّون رغباتهم ورغبات الآخرين على الإرادة الإلهية. والمسألة الجديرة بالاهتمام هنا: هي إمكانية تغيّر شكل الحكومة وبنائها طبقاً لظروف الزمان والمكان، فلم يفرض الإسلام العزيز هيكلية خاصة في هذا المجال، أي لم يلزم في البعد الايجابي بناءً وهيكلية خاصة للحكومة وهذا بالطبع دليل على كمال الدين الإسلامي وليس مؤشراً على ضعفه، لقد أوجب تطور المجتمعات البشرية المتواصل وظهور الحاجات والضروريات الجديدة التي تحتاج وضع حلول عملية جميعاً أن يمتنع الإسلام الذي يدّعي الخلود والخاتمية عن طرح شكل وبناء إلزامي لتحقق الحكومة فيمكن القول: إنّ الإسلام يرى أنّ بناء الحكومة في كل زمان ومكان تابع للظروف الخاصة في ذلك الزمان والمكان، ويرجع تشخيص ذلك إلى ولي المسلمين المنصوب من قِبَل الله. وأما في البُعد السلبي فإن الإسلام قد أنكر بعض أشكال الحكومة، وعلى سبيل المثال يمكن القول بناءً على مباني النظرية الكونية والنظرية المعرفية والقيمية في النظام الإسلامي: إنّ الإسلام يرفض مطلقاً بعض أشكال الحكومة من قبيل الدكتاتورية والأنظمة الملكية والوراثية؛ فإنها مرفوضة طبقاً للمعارف الإسلامية. قاضي زاده: معيار الإسلامية هو الاعتقاد بأفضلية إرادة الشارع والأحكام الإلهية في مجال الحكومة، فإن قُبلت مرجعية الدين لوحظت في ما يجري على الساحة الحكومية فقد أُمّنت إسلامية النظام. الجمهورية أيضاً بمعنى تأثير الإرادة الواقعية للشعب في تعيين الحاكم والمسؤولين، وفي الموارد التي يرد فيها النص من الشارع يرجع تشخيص المصالح ووضع القوانين إلى الناس، وبكلمة واحدة نقول: إنّ القدرة الحقيقة للناس. الفرق بين الديمقراطية والجمهورية مجلة الحكومة الإسلامية: ما الفرق بين الديمقراطية والجمهورية، وما هي نسبتها إلى الجمهورية الإسلامية؟ قاضي زاده: الديمقراطية هي حكومة الشعب على الشعب، وتُعرف بخصائص معيّنة مشتركة من قبيل الفصل بين السلطات(الثلاث)، حرية الأحزاب، حرية التعبير، حرية الانتخابات، حاكمية القانون، تحصيل رضا الناس وتغيير السلطة بالطرق السلمية، الجمهورية أيضاً نظام خاص يولي أهمية خاصة لمكانة الشعب في السلطة، وفي الحقيقة هو النظام المعتمد على الشعب. لقد تبدّلت الأنظمة الديمقراطية حالياً إلى مدارس ومبانٍ خاصة في نظرية المعرفة وعلم الاجتماع، ومن هنا ظهرت الديمقراطية الليبرالية والنخبوية والبرلمانية و.. كانت الجمهورية اسم عام يصدق على جميع تلك المدارس. الإمام الخميني كان يحترز من استعمال اسم الديمقراطية؛ والسرّ في ذلك على ما يذكر هو: الإبهام في هذا المفهوم، وتنوع المباني ومدارس الديمقراطية، وبالنتيجة فإن حاكمية الأمة والديمقراطية والجمهورية بالخصائص المتقدم ذكرها هي متساوية، وقابلة للجمع مع النظام الإسلامي، أما إذا كانت مدرسة ذات مبانٍ خاصة، متمثلة بنظرية محورية الإنسان ونحوها فإنها لا تقبل في نظام الجمهورية الإسلامية. شريفي: هذا السؤال نسيج من ثلاث أسئلة على الأقل. السؤال الأول: ما هو الفرق بين (الديمقراطية) و(الجمهورية)؟ السؤال الثاني: ما هي النسبة بين النظام (الجمهوري) و(الجمهورية الإسلامية)؟. السؤال الثالث: ما هي النسبة بين (الديمقراطية) و(الجمهورية الإسلامية)؟ ونجيب الآن عن السؤالين الأوليين بنحو الإجمال، ثم نركّز بحثنا في السؤال الثالث الذي يتمتع بأهمية أكبر. ولبيان العلاقة بين الديمقراطية والجمهورية يجب في البداية معرفة معنى كل من هذين الاصطلاحين: فتارةً يكون المقصود بالديمقراطية هو الجمهورية واتّباع رأي الأكثرية، ولكن تارة يكون النظام الديمقراطي أعم من النظام الجمهوري بهذا النحو. تقسّم الحكومات الديمقراطية: إلى ملكية مشروطة، وجمهورية، في الملكية المشروطة أو الملكية المقيّدة يكون الملك أو الملكة على أساس القانون هو الحاكم، وتتم جميع الاقدامات الحكومية باسمه وليس للشعب أيّ دور في تعيينه لا مباشر ولا غير مباشر، والمثال البارز لهذا النوع من الديمقراطية هو النظام السياسي في بريطانيا واليابان. وأما في الأنظمة الجمهورية فيتم تعيين الحاكم والكثير من المناصب الحكومية المهمة عن طريق التصويت المباشر وغير المباشر للشعب، ويجدر القول: بأن علماء السياسة أيضاً يرون أنّ الجمهورية أعم من الديمقراطية، حيث قالوا في تعريفها: الجمهورية: (تطلق على الحكومة الديمقراطية أو غير الديمقراطية التي بوساطتها يتم انتخاب من ستكون بيده مقاليد الحكم عن طريق التصويت المباشر أو الغير مباشر لمختلف طبقات الشعب، ولا دخل للتوارث في ذلك، وتختلف مدة تولّي مقاليد الحكم بحسب الموارد). جواب السؤال الثاني: الحكومة الجمهورية أحد أنواع الحكومات المختلفة، الحكومة الجمهورية عنوان عام لكثير من الأنظمة السياسية، وبشكل عام يستعمل هذا النوع من الحكومة في مقابل الحكومة الملكية غالباً، وينتخب الحكام في الأنظمة الجمهورية بواسطة الشعب بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولا تكون الحكومة بنحو الوراثة، وتكون مدة تولّي الحكم محدودة ومعّينة غالباً، ويكون الحكام مسؤولين تجاه القانون والمجتمع كسائر أفراد الشعب؛ ومن هنا ليست لديهم أية حصانة داخلية. لكن في نفس الوقت الحكومة الجمهورية: أولاً: ليس لها شكل واحد وإنما يمكن أن يكون لها في كل بلد شكل خاص، على سبيل المثال في بعض الجمهوريات ينتخب رئيس الجمهورية بواسطة آراء الشعب المباشرة، وفي بعض الجمهوريات الأخرى بواسطة آراء نواب البرلمان ـ وتقسّم الجمهوريات غالباً إلى قسمين (الجمهورية الرئاسية) و(الجمهورية البرلمانية). وثانياً: تنسجم مع المضامين المختلفة والمتضادة أحياناً، مثلاً الأنظمة الشيوعية ترى نفسها جمهورية أيضاً، ومن أبرز أمثلة ذلك جمهورية الصين الشعبية والاتحاد السوفيتي السابق، بل سُمّي العراق برئاسة المجرم صدام الأبدية جمهورية. مع ذلك يعدُ النظام الجمهوري ـ بالمعنى الواقعي أي الذي يعتمد آراء الأكثرية ـ مطلوباً نسبياً من بين أنواع الأنظمة والحكومات التي جربتها البشرية حتى الآن ومقارنة بالأنظمة الملكية والدكتاتورية وأمثالها، ويظهر أنّ هذا النوع من الحكومة لا يتعارض ولا يتضاد مع الحكومة الإسلامية وبالإمكان عرض الحكومة الإسلامية في قالب (الجمهورية) إذا حافظنا على الحدود والقوانين الإسلامية. ويمكن طرح الشواهد والقرائن من النصوص الدينية لإثبات مطلوبية هذا البناء والشكل من الحكومة من وجهة نظر الإسلام، لكن إن كان المتوقّع من الجمهورية شيئاً أكبر من القالب والظاهر وأردنا المحتوى المتمثل بآراء الأكثرية والآراء العامة فحينئذ لا تلتقي (الجمهورية الإسلامية) مع (الجمهورية) إطلاقاً. يقول الإمام (قدس سره) ـ بوصفه مؤسس نظام (الجمهورية الإسلامية) ـ في هذا المجال: (ليست الحكومة الإسلامية من طراز أي من الحكومات الموجودة، فليست مثلاً استبدادية ويكون رئيس الدولة مستبداً .. الحكومة الإسلامية لا استبدادية ولا مطلقة بل هي مشروطة لا بالمعنى المتعارف الفعلي لها مما يكون تصويب القوانين تابعاً لآراء الأشخاص والأكثرية بل مشروطة بمعنى تقييد الحكّام فيها في الإدارة والتنفيذ بمجموعة من الشروط المعيّنة في القرآن والسُنّة. مجموعة الشروط هي أحكام الإسلام وقوانينه التي يجب تطبيقها ومراعاتها. من هنا فإن الحكومة الإسلامية هي حكومة القانون الإلهي على الناس، وفي هذا يكمن الفرق الأساسي بين الحكومة الإسلامية والحكومات المشروطة الملكية والجمهورية: في أنّ مَنْ يتولّى التقنين في مثل تلك الأنظمة هم ممثلوا الشعب أو الملك في حين تختص القوة المقننة واختيار التشريع في الإسلام بِيَد الله تعالى، والقوة المقننة الوحيدة هو الشارع المقدس، ولا يحق لأيّ أحد أن يقنّن قانوناً واحداً ولا ينفذ أي قانون غير حكم الشارع..)[1] بعبارة أخرى: إن كان المقصود من الجمهورية هي الحكومة التي ينتخب حكّامها بواسطة الانتخاب المباشر أو غير المباشر للشعب ويكونوا مسؤولين أمام الشعب يتقلّدون الحكم في مدة زمنية محدودة لا بنحو الوراثة، فإن جميع هذه الخصائص موجودة بشكلها الكامل والأتم في الجمهورية الإسلامية ولا يوجد أي تعارض أو تضادّ بينهما، لكن إن كان المقصود من الجمهورية أن يتمّ تعيين محتوى القوانين أيضاً بموجب رغبة وإرادة الشعب، ويكون الشعب هو منشأ مشروعية الحكّام وحقّانية إعمال القدرة من قِبَلهم. فمن الواضح حينئذٍ عدم سنخية هذا النظام مع نظام الجمهورية الإسلامية. جواب السؤال الثالث: للديمقراطية ماضٍ طويل يرجع إلى خمسة قرون قبل الميلاد على الأقل حسب ما جاء في تاريخ الفكر البشري المكتوب، بالطبع قد اتخذ هذا النوع من الحكومة أشكالاً مختلفة في طول التاريخ؛ ولهذا يقسّم بجهات مختلفة إلى أنواع متعددة: الديمقراطية المباشرة وغير المباشرة، الديمقراطية المشروطة والمطلقة، الديمقراطية المدرسية وغير المدرسية، الديمقراطية متعددة الأحزاب، وديمقراطية المشاركة، والديمقراطية الشعبية وأمثال ذلك، الديمقراطية الليبرالية والديمقراطية الاشتراكية والديمقراطية البرلمانية جميع ذلك من أنواع الديمقراطية المختلفة التي تلتقي وتفترق مع بعضها البعض. وعلى هذا حينما يسأل عن النسبة بين الديمقراطية والجمهورية الإسلامية فيجب ملاحظة المقصود بالديمقراطية على وجه التحديد أولاً؛ ليتمّ تشخيص موافقتها أو مخالفتها للجمهورية الإسلامية بشكل تام. أحياناً يكون المقصود بالديمقراطية حرية الناس في اختيارهم ولا يوجد من يفرض عليهم شكلاً خاصاً من الحكومة أو حاكماً معيّناً؛ ومن الواضح أنّ الإسلام لا يخالف هذا المعنى من الديمقراطية مطلقاً، فإن الإسلام أيضاً يعتقد بحرية الإنسان ولا يجيز لأحد التعامل بالإجبار والدكتاتورية والإكراه. وبالطبع هذه الحرية في الإسلام حرية مقترنة بالمسؤولية أي أنّ الإسلام يرى الناس أحراراً مسؤولين، بمعنى أنهم أحرار ولهم الانقياد للقوانين والأحكام الإلهية الموجبة للسعادة، كما أنّ لهم اقتفاء خطوات الشياطين الموصلة إلى تعاسة الآخرة والموجبة لفناء الدين، وإنما ينالوا السعادة الحقيقية إذا انقادوا لقوانين الله وأحكامه، وإن استجابوا لنداء الشيطان واتبعوه فقد اشتروا النار والعذاب الأبدي لأنفسهم. وإن كانت الديمقراطية بمعنى الرجوع إلى الآراء العامة كمقياس لمقبولية القوانين ولمعرفة رضا الناس بها فمن الواضح أنّ مثل هذا الأمر ضروري في تحقق الحكومة الإسلامية. فإنما تتحقق الحكومة الإسلامية إذا كانت مقبولة من قِبَل الشعب أو الأغلبية الشعبية، وإلا فإن لم يقبل بها الشعب فمن الواضح لا تتوفر الإمكانية لتحقيقها. وكمثال لذلك، لم يقبل الناس الحكومة العلوية مدة خمسة وعشرين سنة بعد رحيل النبي(ص) ولم يطلبوها، وبالنتيجة لم يُقِمْ الإمام الحكومة. وأحياناً يكون معنى الديمقراطية حرية تأثير الناس في تعيين مصيرهم في إطار الأحكام الإلهية والقوانين الإسلامية، وجلي أيضاً أنّ هذا المعنى من الديمقراطية لا مخالفة فيه للجمهورية إطلاقاً، كما أنّ دستور الجمهورية الإسلامية يؤيد ويؤكد بشكل واضح على هذا المعنى من حاكمية الشعب، هذا المستوى الكبير من التأكيد على دور ودعوة مراجع الدين الناس للمشاركة في تعيين مصيرهم التي تصل إلى حد اعتباره واجباً شرعياً أحياناً هذا كله يدل على تأييد الإسلام والجمهورية الإسلامية لهذا المعنى من الديمقراطية. أما إن كان المقصود بالديمقراطية ذلك النظام السياسي الذي طرحه علماء أمثال روسو في القرن السابع عشر والثامن عشر وحظي بتأييد أكثرية العلماء الغربيين لاحقاً وتجلّى في الآونة الأخيرة بنظام الديمقراطية الليبرالية فهو وإن كان يلتقي مع النظام الجمهوري الإسلامي في بعض المشتركات لكن لا يُعدّ نظام الجمهورية الإسلامية ديمقراطياً بهذا المعنى إطلاقاً. علينا القول: أننا وإن عثرنا على مشتركات بين نظام الجمهورية الإسلامية ونظام الديمقراطية الليبرالية ولكن لا نتمكن بالحيلة والتلبيس أن نضع هذا النظام في قالب ونعتقد بأنه نظام ديمقراطي ليبرالي. توضيح ذلك: إنّ لنظام الديمقراطية الليبرالية الغربي مبانٍ وأُسس يتنافى أكثرها مع النظام الإسلامي وحاكمية الشعب الدينية. ولنبيّن بعض أهم الأصول والمباني والفرضيات التي يؤمن بها هذا النوع من الديمقراطية ونقارنها مع الفكر الإسلامي والجمهورية الإسلامية: أول فرض في الديمقراطية الليبرالية هو قبول العلمانية وعدم دخالة الله والدين في الميدان السياسي. في الحقيقة لقد بدأت الموجة الجديدة المنادية بالديمقراطية في العالم الغربي مقترنة باعتقاد علماء الغرب وعامة الشعب هناك بعدم كفاءة المسيحية في إدارة جميع أبعاد الحياة وخصوصاً الاجتماعية منها وإقناعهم بفقدان حاكمية الدين في مجال السياسة والاجتماع الكفاءة والأهلية اللازمة، فوقعت بعض المجتمعات ـ بعزلها للدين ـ في أحضان الديكتاتورية، وسرعان ما انكشف عدم فاعليتها عملياً؛ مما دفع أغلب المجتمعات الغربية إلى الاعتقاد بأن الديمقراطية هي العلاج الوحيد للأزمات السياسية والاجتماعية، وأيقنوا بلزوم تفويض جميع أركان الحكومة إلى الشعب، وأنّ البشر أنفسهم أعرف بتشخيص مصالحهم ومفاسدهم الواقعية، وعلى هذا الأساس أصبح من اللازم إدارة المجتمع على أساس رأي الأكثرية، كما أنّ منشأ حقّانية القانون هو رأي الأكثرية أيضاً. وعليه فإن العلمانية ليست أحد أصول الديمقراطية فحسب بل هي منشأ الموجة الجديدة المُطالِبة بالديمقراطية أيضاً. وعلى هذا فإنّ تضارب رأي الأكثرية مع العلمانية وُصِف بأنه مخالف للديمقراطية، وصنّفت الحكومة الدينية القائمة على أساس رأي الأكثرية بأنها غير ديمقراطية، كما حصل هذا في الجزائر في عقد التسعينات عندما فاز حزب إسلامي ـ جبهة الإنقاذ الإسلامية ـ بالأكثرية في الانتخابات الحرة التي أشرف عليها مراقبون دوليون حيث وصف الغرب بأن هذه الانتخابات غير ديمقراطية، ووصف قمع الإسلاميين وسجن قادتهم وإلغاء الانتخابات بأنه عمل ديمقراطي. وعندما صوّت الشعب الفلسطيني لصالح مناضلي حماس لم ترفض الدول المنادية بالديمقراطية هذه الانتخابات فحسب بل رأت الشعب الفلسطيني مستحّقاً لأنواع العقوبات والمقاطعات والتهديدات بسبب نوع انتخابه. الأصل الرئيسي الثاني للديمقراطية الليبرالية هو تبنّي عدم الواقعية في مجال القيم ونفي واقعية المبادئ والقيم. وواضح أنّ هذا الأصل يستتبع الكثير من القضايا المعرفية والأخلاقية والسياسية. إنّ النظرية التي ترفض الواقعية في مجال القيم الأعم من القيم الأخلاقية والسياسية والقانونية تستند إلى أنّ القبح والحسن وما ينبغي ولا ينبغي لا منشأ لها ولا مبنى في عالم الواقع ونفس الأمر. وبالطبع فإن مدارس نفي الواقعية تشمل عدداً كبيراً من المدارس. لكن على كل حال من أساسيات الديمقراطية (بهذا المعنى) أنّ القيم من الأمور الاعتبارية الجعلية والذوقية ولها جذور في ميل وإرادة الأكثرية. بتعبير آخر لا حسن ولا قبح وراء آراء الناس وميولهم وإرادتهم. الأصل الرئيسي الثالث للديمقراطية متفرّع عن الأصل الثاني وهو الاعتقاد بالنسبية على صعيد القيم. ومن الواضح أنّ نفي الوجود الواقعي للقيم والاعتقاد بأنها أمور اعتبارية وذوقية يؤدي إلى الاعتقاد بالنسبية المعيارية والمعرفية. وعلى هذا الأساس قد يتحوّل الشذوذ الجنسي في مجتمع إلى إرادة عامة ويكون قبيحاً في رأي مجتمع آخر، ففي هذه الصورة وعلى ضوء نسبية القيم يكون الشذوذ الجنسي أمراً حسناً وقيماً للمجتمع الأول وقبيحاً ومذموماً في المجتمع الثاني، على كل حال الأصالة في الأنظمة الليبرالية تابعة لإرادة البشر وكل شيء تابع لآراء وميل الناس، وفي النتيجة فإن كل شيء قابل للتغيير والتحوّل. الأصل الرئيسي الرابع للديمقراطية أنّ مشروعية الحكومة متقوّمة بآراء الشعب، ولا يوجد أي شيء آخر وراء ذلك؛ لحقانية ومشروعية الحكومة، وكل أبناء الشعب لهم الحق بالنسبة لجميع شؤون الحكومة، ويمكن توجيه هذا الحق بالنحو الذي يريدون ويتنازلون عنه لأي فرد أو أفراد يشاؤون. والآن إذا أردنا مقارنة نسبة الديمقراطية بهذا المعنى إلى الجمهورية الإسلامية والحكومة الدينية فمن الواضح لا نستطيع القول بالتطابق إطلاقاً، وذلك: أولاً: لا يمكن بأي نحو التوفيق بين الإسلام والعلمانية، وإن انسجمت العلمانية مع المسيحية فإنها في تعارض وتضاد مع مجمل الأحكام الإسلامية، ومع روح التعاليم والمعارف الإسلامية. ثانياً: إنّ أحكام الإسلام وقوانينه لها جذور في المصالح والمفاسد الواقعية ، والنفس الأمرية ولا تتبع الرغبات والأذواق الفردية والفئوية مطلقاً، بتعبير آخر حسب الفكر الإسلامي فإن للقيم جذوراً في الموجودات، وغير تابعة للجعل والاعتبار وأذواق الأفراد والمجتمعات. إذاً لا تأثير لرأي الأكثرية والإرادة العامة في القوانين الإسلامية، وطبقاً للنظام التوحيدي والقيمي في الإسلام يختص حق الحاكمية والتشريع بالله تعالى والناس موظّفون باتّباع قوانينه وأحكامه، ولا يقيمون وزناً لرغباتهم وأذواقهم أمام الإرادة الإلهية، والقرآن الكريم يؤكّد بقوله: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}[2] . ثالثاً: النسبية المعيارية والمعرفية أمور مرفوضة وباطلة وإنما يدافع الإسلام عن كون القيم مطلقة، وطبعاً يدافع عن الاطلاقية الواقعية لا الاطلاقية الافراطية التي يعتقد بها أمثال عمانوئيل كانت، بمعنى أنّ الإسلام يرفض نسبية القيم الناظرة إلى الأذواق والرغبات الفردية والفئوية، وأما النسبية الناظرة إلى الظروف الواقعية والنفس الأمرية فيقرّها؛ فإن كثيراً من الأحكام والقوانين الإسلامية نسبية بهذا المعنى، وأما النسبية التي تعدّ من أصول الديمقراطية فهي النسبية الناظرة إلى الأذواق والرغبات العامة لا النسبية الناظرة إلى الظروف الواقعية والتي تنسجم مع الاطلاقية والاعتقاد بالحقائق المطلقة. رابعاً: بأي حجة يكون للناس حق التقنين؟ من أين جاءوا بهذا الحق؟ من أعطاهم مثل هذا الحق؟ وعلى فرض أنّ لكل فرد من البشر مثل هذا الحق والسيادة على الذات ما هي الذريعة لفرض إرادة الأكثرية على الأقلّية ممن قد يصل عددهم إلى أكثر من خمسين في المئة من أفراد المجتمع؟ ألَمْ يقال في النظام الديمقراطي: إن إرادة الناس تصنع القانون، فعلى أساس أي دليل عقلي ومنطقي تكون إرادة الأقلّية لا تصنع القانون؟ بتعبير آخر حتى إذا سلّمنا أنّ للإنسان مثل هذا الحق وله أن يتنازل به لمن يشاء فغاية ذلك أن يقال: إنّ لكل فرد التنازل للحكومة والحكام عن حق التصرف والولاية على نفسه لكن مجرد هذا لا يجيزهم مطلقاً في التصرف في أمور الآخَرين وسلب حقوقهم وحرياتهم أيضاً. الفارق المهم الآخر بين الديمقراطية والحاكمية الدينية للأمة: هو أنّ (الحرية) في الديمقراطية أصل وهدف أيضاً، وأما في الجمهورية الإسلامية فإنه وإن لم يمكن أخذ حرية البشر منهم ولا يمكن إجبارهم وإكراههم لكن لا أصالة للحرية، والهدف من الحكومة الدينية وحاكمية الشعب الدينية هو وصول البشر إلى القرب الإلهي والكمال الحقيقي؛ وتكون الحرية بمثابة الآلة للوصول إلى هذه القيم النهائية والغائية الثمينة. بتعبير آخر قيمة الحرية في النظام الإسلامي قيمة آليّة وغيرية، وأما في الديمقراطية فقيمتها ذاتية وغائية. وللإمام (قدس سره) في هذا المجال كلام شفاف جداً، حيث يقول(نحن لا نريد الحرية التي لا يكون فيها إسلام، نحن لا نريد الاستقلال الذي لا يكون فيه إسلام، نحن نريد الإسلام نريد الحرية في ظل الإسلام، ونريد الاستقلال في ظل الإسلام، بماذا تنفعنا الحرية والاستقلال بلا إسلام؟ في الوقت الذي لا يكون فيه الإسلام ولا بني الإسلام وحينما لا يكون قرآن الإسلام وتكون آلاف الحريات وتكون الدول الأخرى ذات حرية أيضاً فإننا لا نريد هذه الحرية... إنّي أرى المصائب لشعب إيران بسبب الأشخاص المتشدّقين بصيحات الحرية، إنّي أرى التعاسة، تعاسة شعبنا بانفصاله عن القرآن وأحكام الله وعن صاحب الزمان، نحن نريد الحرية في ظل الإسلام نريد الاستقلال في ظل الإسلام مطلبنا الأساسي هو الإسلام..)[3] نظراً لِمَا تقدّم من المطالب يعلم أنّ دعوى البعض بأن الإمام لم يكن موافقاً على إضافة لفظ الديمقراطية إلى الجمهورية الإسلامية لأسباب نفسية ولعدم رغبته في استعمال الألفاظ غير الدينية، وإلاّ فإنه(قدس سره) كان يعتقد بمحتواها هذه الدعوى لا تنسجم مع الفكر التوحيدي والإسلامي للسيد الإمام أن سبب رفض الإمام ومخالفته الشديدة جداً والصلبة في إضافة قيد (الديمقراطية) إلى (الجمهورية الإسلامية) إنما يرجع إلى عمق نظره ومعرفته بمباني وجذور الحكومات الديمقراطية الإمام يعلم جيداً أن المباني والركائز الفكرية للنظم الديمقراطية لا تنسجم مع الفكر الإسلامي. نظرة الإمام لمقولة الجمهورية والإسلامية؟ مجلة الحكومة الإسلامية: كيف تقيّمون نظرة الإمام لمقولة الجمهورية والإسلامية؟ شريفي: اسمحوا لي قبل كل شيء أن أشير إلى مسألة تمهيدية لها دور أساسي في فَهْم الفكر السياسي للسيد الإمام في هذا الباب، والتي لو غُفِل عنها لأوجب انحراف الفهم أو سطحيته: إنّ القيم ـ الأعم من القيم الأخلاقية والدينية والسياسية ـ يمكن تقسيمها إلى مجموعتين هما(القيم الغائية)و(القيم الآلية) توضيح ذلك: إنّ الهدف النهائي والقيمة الغائية وكمال وجود الإنسان في الفكر الإسلامي الأعم من الفكر السياسي أو الأخلاقي أو الفقهي أو العرفاني والفلسفي هو القرب الإلهي(وهذه المسألة ملحوظة جليّاً في كلام الإمام ويصدقها كل من له أدنى معرفة بأفكار هذا العظيم) في المقابل تصّنف جميع الأمور الأخرى في جملة القيم الآلية، ويمكن تقسيم القيم الآلية حسب نظرية مشهور العدلية إلى مجموعتين القيم الذاتية والغيرية. العدالة على أساس نظرية العدلية ذات قيمة نفسية ولها بالقياس إلى قيمة القرب الإلهي يعني بالقياس إلى القيمة الغائية قيمة آلية، والأكل والنوم اللذان لا قيمة لهما في نفسيهما يمكن أن يكون لهما قيمة بالقياس إلى قيمة القرب الإلهي، أي إنْ وظَّفا في سبيل الوصول إلى الهدف؛ لصارا صاحبي قيمة ايجابية، وإنْ أُبعْدِا الإنسان عن هذا الهدف لكان بلا قيمة أو عُدّا صاحبي قيمة سلبية. إذاً القيمة الغائية في النظام السياسي الإسلامي عبارة عن القرب الإلهي، ومن ناحية أخرى يكمن الطريق الوحيد للوصول إلى هذا الهدف أيضاً في العمل بالإسلام والشريعة والقيم الإسلامية. إذاً تتوقف قيمة رأي الأكثرية على مدى ميلها إلى هذه القيمة الغائية، والتفتوا إلى أنّ رأي الأكثرية لا يملك قيمة ذاتية، وعلى الأقل لا تجد مسلماً يعتقد بقيمة ذاتية لرأي الأكثرية، بل قيمته من سنخ القيم الآلية الغيرية بمعنى أنه إنْ كان رأي الأكثرية يصبّ في جهة تلك القيمة الغائية فله أيضاً قيمة آلية إيجابية وإن لم يصب في هذه الجهة فسيكون ذا قيمة آلية سلبية. إذاً ليس فقط لا تتبع قيم النظام السياسي في الإسلام رأي الأكثرية بل قيمة رأي الأكثرية منوطة بميلها الايجابي للقيم الإسلامية. وقد يظنّ البعض أنه لو رأى شخص أنّ القيمة الغائية هي القرب الإلهي وقيمة باقي الأمور منوطة بمدخليتها في هذا الطريق حينئذٍ يعتبر التوسل بأي وسيلة للوصول إلى هذا الهدف مشروعاً، وقد يلجأ من أجل الوصول إلى السلطة إلى تزوير الانتخابات أو رفض نتائجها واللجوء إلى القوة والإجبار، هذا التصور الخاطئ ناشئ أيضاً من عدم فَهْم المباني الفكرية السياسية في الإسلام، فإنه لا يوجد عالم إسلامي يرى أنّ الهدف بهذا المعنى مبرراً للوسيلة إطلاقاً، وطبقاً للنظام القيمي والسياسي في الإسلام لم يعتبر اتخاذ أي وسيلة للوصول الى ذلك الهدف وتحقيق القيم الإسلامية والوصول إلى القرب الإلهي مشروعاً ومباحاً؛ وذلك لأن القيم في النظام الإسلامي ليست منوطة بالحسن الفاعلي فقط بل يلزم وجود الحسن الفعلي أيضاً. بمعنى أنه لا يكفي في القيام بأي عمل توفّر الداعي الإلهي فيه بل يجب أن يكون العمل في نفسه ذا قيمة فعلية. لكن ما هو الطريق لتشخيص الحسن والقيمة الفعلية في الأعمال؟ أي من أين نعرف أنّ الفعل ذا قيمة فعلية في نفسه؟ ولأجل الوصول إلى تشخيص ذلك يوجد طريقان: الأول: الرجوع إلى العقل السليم، والثاني: الرجوع إلى الشرع الوصي الإلهي المعصوم وكلام من اصطفاهم الباري من الأولياء، ومن الواضح والبديهي جداً أنّ الله لم يأذن لأي أحد حتى أعظم أنبيائه في أن يحكم عوام الناس بالحيلة والمكر، ولا يحق شرعاً وأخلاقاً لأي نبي أو إمام أو فقيه أو مسؤول في النظام الإسلامي استخدام أنواع التلبيس والحيل لخداع الناس والجلوس على كرسي الرئاسة والحكومة بضعة أيام، إننا نعتقد أنّ استخدام الأساليب المكيافيلية في الانتخابات والدعايات الانتخابية باطل ومخالف للشرع الإسلامي. المسلم الواقعي لا يسمح لنفسه إطلاقاً التوسل لأجل الوصول إلى المنصب والمقام الفاني بالأساليب المكيافيلية من الضحك والبكاء الكاذبين أحياناً بهدف إلفات الأنظار وتحريك العواطف غير الواقعية للناس، وبتطميعهم وطرح الحلول غير الناضجة وغير الأخلاقية لجمع الآراء نحوه أحياناً، أو اللجوء إلى التهديد والتشويه أحياناً أخرى، أو مداهنة المتجاهرين بالفسق وتوجيه أعمالهم المخالفة للشرع عملياً... مثل هذه الأعمال تخالف العقل وتخالف الشرع أيضاً ولا يمكن التوسل بالواسطة والوسيلة غير المقدسة بهدف الوصول إلى الهدف المقدس. بعد هذه المقدمة الطويلة نسبياً والضرورية نقول في الجواب عن السؤال المتقدم: بأن حديث الإمام(قدس سره) حول الجمهورية والإسلامية والنسبة بينهما يتحلّى بالصراحة الكاملة ويرى الإمام أنّ الجمهورية ناظرة إلى شكل الحكومة والإسلامية ناظرة إلى محتواها. وتعبير آخر كان يعتقد أنّ الجمهورية ناظرة إلى مقبولية النظام الإسلامي والإسلامية ناظرة إلى منشأ مشروعيته، وأعطى الأصالة بالمعنى الذي طرحناه في المقدمة إلى إسلامية النظام، وأعتقد أنّ الجمهورية هي القالب المناسب لتحقق الحكومة الإسلامية في الوقت الحاضر، والمؤسف أنّ هذه الحقيقة البديهية في كلمات الإمام وحديثه تعرّضت إلى التشكيك والإنكار من بعض الأفراد. إذاً لننبّه على نماذج من كلمات الإمام في هذا المجال دون إضافة أي توضيح: يقول السيد الإمام قبل بضعة أشهر من انتصار الثورة في حديثه مع مراسل جريدة فيجارو وفي جوابه عن هذا السؤال: ما هو النظام الذي تريد إنشاءه بدلاً من نظام الشاه؟ (ليس المهم هو الشكل القانوني للنظام بل محتواه هو المهم. ومن الطبيعي أن نختار الجمهورية الإسلامية، وقبل كل شيء أننا نعقد آمالنا على المحتوى الاجتماعي لنظامنا السياسي في المستقبل).[4] وقال في حديث لأعضاء مجلس صيانة الدستور في 30 تير 1359: (عليكم الرقابة على القوانين ... وعليكم دراسة القوانين بحيث تكون إسلامية مئة في المئة.. اجعلوا الله نصب أعينكم فإن من يستحق ملاحظته هو الله لا الشعب. إنّ كان مئة مليون شخصاً بل جميع الناس في العالم في جانب وشخصّتم مخالفة ما يقولونه لحكم القرآن وكلام الله فاثبتوا وقدّموا كلام الله؛ ولو تمرّد عليكم الجميع، هكذا كان يعمل الأنبياء مثلاً، ماذا فعل موسى في مقابل فرعون غير هذا العمل؟ هل كان له مؤيدون؟.. اصمدوا ولا تفكروا بشيء غير الإسلام والقرآن)[5]. شريفي: يقول السيد الإمام في لقائه أعضاء مجلس الشورى الإسلامي بتاريخ 6/خرداد/1360(..إن تنكّبتم عن طريق الإسلام فإن طالب العلم هذا الجالس أمامكم سيعارضكم بكل قوة، جميع الأمة الإسلامية أيضاً تريد الإسلام.. إن تعدّى رئيس الجمهورية حدوده المقررة في الدستور خطوة واحدة فإنّي سأعارضه؛ وإن كان جميع الشعب موافقين.. على الجميع التقيّد بقبول القانون وأن كان على خلاف آرائهم عليهم الإذعان بأن الميزان الواجب علينا إتّباعه هو الأكثرية وتشخيص مجلس صيانة الدستور وعدم مخالفته للقانون وعدم مخالفته للإسلام أيضاً.. ولا يعترض أحد على الرأي الهادي، تقولون لا لقد أخطأوا فيما قالوا لكن نحن في مقام العمل نذعن، ورأينا أنه ليس كذلك لكن في مقام العمل نحن ملتزمون، لا مانع من هذا مطلقاً. طبعاً إن كانت القضايا مسائل إسلامية وكنتم مخالفين لها في الرأي فيجب ردعكم بقوة! إما إن كانت مسائل سياسية أو مسائل أخرى وقلتم لقد أخطأوا فلا بأس، فمن الممكن أن يخطأ مليون من الناس أيضاً لا بأس بذلك لكن في الوقت الذي تعتقدون بخطئهم عليكم الإذعان بذلك ولا طريق آخر أمامكم )[6]. وقال الإمام مخاطباً مجموعة من أعضاء ومنتخبي الشعب في مجلس خبراء الدستور: (لو قال جميعكم قولاً مخالفاً لمصالح الإسلام لانفسخت نيابتكم عن الشعب ولا يقبل منكم، وسنضرب بعرض الحائط كل كلام مخالف لمصالح الإسلام)[7] (لا يخاف أعداؤنا من الجمهورية إنما يخافون من الإسلام، لم يتلقَّ هؤلاء ضربة من الجمهورية بل تلقّوها من الإسلام، وليست الجمهورية هي التي صفعتهم على وجوههم ولا الجمهورية الديمقراطية بل ولا الجمهورية الديمقراطية الإسلامية بل كانت الجمهورية الإسلامية...)[8]. (... من ضحّى بدمائه هم شبابنا الذين نزلوا في الشوارع، هم نساؤنا اللواتي نزلن في الشوارع.. ويجب النظر هل كان هؤلاء الأشخاص ديمقراطيين؟ هل كان مذاقهم ومسلكهم ديمقراطياً؟ هل أرادوا جمهورية مثل ما يريد الاتحاد السوفيتي؟ فالاتحاد السوفيتي جمهورية أيضاً، هل أراد أولئك المضحون مثل الجمهورية التي تريدها الدول المعادية لنا؟ أمريكا جمهورية أيضاً، شعبنا الذي قدّم الدماء صاح الله أكبر، صاح جمهورية إسلامية! هل الإسلام دفعه إلى مثل هذه التضحية والفدائية أو المعنى الذي يريده السوفييت؟ أو المعنى الذي يريده الأمريكان؟! أو المعنى الذي تريده إسرائيل؟! هؤلاء أيضاً جمهوريون..)[9]. (.... لم يكن عدوّنا محمد رضا خان فقط نحن عدوّنا كل شخص لا يكون مسيره مسير الإسلام بأي اسم وعنوان كان، كل شخص يريد الجمهورية فهو عدوّنا؛ لأنه عدو الإسلام. كل أحد يضمّ الديمقراطية إلى جانب الجمهورية الإسلامية فهو عدوّنا، كل واحد يقول الجمهورية الديمقراطية فهو عدوّنا؛ لأن الإسلام لا يريد ذلك)[10] (نحن نريد الإسلام .. من قام بهذه النهضة هو من قال: أرى الشهادة فوزاً، هل كان يرى الشهادة من أجل الديمقراطية فوزاً؟!.. هل هتف أبناؤنا من أجل الجمهورية الموجودة في الاتحاد السوفيتي من أجل الجمهورية التي يريدها الشيوعيون؟ هل قدّمنا الدماء من أجل هذه الجمهورية؟! هل قدّمنا الدماء من أجل جمهورية الغرب؟! نحن إنما قدّمنا الدماء من أجل الإسلام)[11]. (لقد أذعن أعداء الثورة أنّ هذه الجهة(إسلامية النظام) جهة أصيلة، وأنها المطلب الأصلي التي يجب القضاء عليه، وقد بدأوا الهجوم على هذا الحصن بالأقلام والأقوال.. وإنما هجموا على جهة الإسلامية)[12] (يحكم في الإسلام شيء واحد وهو القانون،.. وينبغي أن يكون كل مكان هكذا بأن يحكم فيه القانون أي يحكم الله ، وحكم الله الحاكم واحد وهو الله والقانون، القانون الإلهي والآخرون وسائل لتنفيذه، ولو أرادوا أن يقولوا شيئاً من عند أنفسهم، النبي الأكرم رأس عالم الإمكان يخاطبه الله تعالى بأنه لو قلت شيئاً مخالفاً لِمَا أقوله لقطعت وتينك، لأخذتك وقطعت عرق ظهرك من أجل أن تطبق ما أراده الإسلام وحينئذ تكون أنت منفذ قوانينه..)[13] قاضي زاده: إنّ مصادر فَهْم فكر الإمام في هذا المجال متعددة، الآثار الفقهية المكتوبة كمباحث ولاية الفقيه في كتاب البيع، الفتاوى المرتبطة بهذا البحث في كتبه الفتوائية مثل تحرير الوسيلة، الحوارات في فترة باريس والقليل منها في طهران، خطاباته العامة بعد الثورة، أجوبته الخاصة لرسائل المسؤولين والأحكام الخاصة المرتبطة بها، ونص الدستور المؤيد من قِبَل الإمام ويعتبر حصيلة نظريات الإمام. البعض لا يلتفت إلى سعة المصادر هذه في تحليل فكر الإمام ويكتفي بالإشارة إلى مصدر واحد بل إلى جملة واحدة ويحلل نظرية الإمام طبقها؛ ولذا تطرح قراءات متضادّة لفكر الإمام، والبعض أيضاً يرجّح النصوص العلمية والفتوائية أو يلجأ بمعيار لزوم متابعة المتأخّر تاريخاً إلى ترك الآثار العلمية. وبالنظر إلى مجموعة نظريات الإمام الخميني(قدس سره) نطرح المطالب التالية: 1ـ من المسلّم أنّ الإمام قد أعاد النظر وغيّر آراءه في جزئيات نظريته السياسية وكانت له بعض الإضافات فيها. في كتاب البيع يفتي الإمام بولاية جميع الفقهاء، وعند التعارض يرى ولاية الأسبق هي المشروعة، في حين لا يرى ولاية الأسبق في نظام الجمهورية الإسلامية في إيران جزماً، بل ذهب إلى مشروعية ولاية الفرد المنتخب وذلك في رسالة كتبها في أواخر حياته لمجلس إعادة النظر بالدستور، حيث كتب فيها: (إن صوّت الناس لصالح الخبراء لكي يعيّنوا مجتهداً عادلاً لقيادة حكومتهم وهم أيضاً عيّنوا فرداً للقيادة فهو مورد قبول الناس قهراً حينئذٍ يكون وليّاً منتخباً للناس وحكمه نافذاً)[14]. ويمكن القول: إنّ طرح النظريات وكيفية الاستنتاج من الأدلة الفقهية في الظرف الذي يكون الحد الأقصى لتلقّي الفقهاء هو إعمال ولاية الفقيه في ظل حكومة الجائر يختلف عنه في ظرف استقلال الفقهاء والناس وسيطرتهم على الدولة بجميع أبعادها؛ لهذا السبب فإن مواجهة المشكلات كانت تدعو الإمام الخميني(قدس سره) إلى طرح نظريات جديدة أو التصريح ببعض نواحي الغموض في الفكر. كلّنا نعلم أنّ شعار بعض الأحزاب في السنين الأولى للثورة هو مشروع إسلام الرسالة العملية، وكان تلقّي البعض تجاه هذا الشعار أنّ الرسالة العملية قادرة على أن تحل محل مجلس الشورى الإسلامي وتكون مرجعاً قانونياً لإدارة الدولة، وبعد فترة طرحت مسألة الأحكام الثانوية بعناوين الضرر والاضطرار و.. وفوّض الإمام تشخيص الموارد إلى أكثرية الآراء في مجلس الشورى ولم يتيسّر أيضاً إدارة الدولة بالعناوين الثانوية والأولية، وطرح الإمام بصراحة المصلحة كإطار للأحكام الحكومية. وكان هذا المثال لبيان عدم غرابة التحوّل الملاحظ في نظريات الإمام في التحدّيات العينية التي يواجهها النظام الجمهوري الإسلامي والإشارة إلى أنه أمر طبيعي. نظراً إلى هذا المطلب يظهر أنّ الجمهورية والإسلامية أيضاً قد تعرّض لهما الإمام بشكل جِدّي، فيما طرحه من نظريات في أوج زمان الثورة وبعد الانتصار ومن خلال سيرته العملية وأنه (قدس سره) قد تناولهما إلى جانب بعض بنحو يمكن الاعتقاد أنّ النظام الذي كان يصبو إليه الإمام يتقوّم بدعامتي الإسلامية وحاكمية الأمة، وأعلن أنّ مشروعية القادة مشروعية إلهية شعبية. وإن سألتم الإمام: إن أعلن الشعب ـ بالإجماع أو الأكثرية ـ رفضهم لأعمال الولاية من قِبَلكم وشخّص مثلاً أنّ فقيهاً آخر هو الجامع للشرائط، فهل ترون ولايتكم شرعية أو تسلّمون قيادة الدولة إلى الفقيه الآخر بكل رضا؟ فماذا سيكون جواب الإمام؟ يظهر من خلال تصريحات الإمام وسيرته خلال العشر سنوات التي تصدّى فيها للقيادة أنه سيحكم بمشروعية أعمال الولاية من قِبَل الولي المنتخب جزماً. في جواب رسالة المجلس المركزي لأئمة الجمعة في البلاد حيث سُئل حول شرط إعمال الولاية من قِبَل الفقيه الجامع للشرائط؟ أجاب الإمام: (له ولاية في جميع الصور لكن تولّي أمور المسلمين وتشكيل الحكومة منوط برأي أكثرية المسلمين كما أشير إلى ذلك في الدستور، وكان يعبّر عنه في صدر الإسلام بالبيعة مع ولي المسلمين)[15]. هذه الجملة تفرق بين الولاية والتولّي، فالولاية أمر يلاحظ إثبات الإمام له في حق الفقيه الجامع للشرائط في كل الصور من خلال نظرياته قبل الثورة أيضاً، لكن تولّي أمور المسلمين أو إعمال الولاية على مستوى إدارة الدولة فقد أحيل في هذه الفقرة وبشكل صريح إلى الدستور وعلى أرضية تصويت أكثرية المسلمين. ولازم هذا القول أنّ فقدان أكثرية آراء المسلمين سواء في بداية التولّي أو في استمراريته يصيّر التولّي أو إعمال الولاية غير مشروع. مشروعية النظام على أساس رأي الشعب أو مقبولية النظام؟ مجلة الحكومة الإسلامية: في رأي الإمام (قدس سره) هل أنّ مشروعية النظام على أساس رأي الشعب أو مقبولية النظام؟ قاضي زاده: نظراً لِما جاء من توضيحات لمفهومي المشروعية والمقبولية فإن الجواب واضح. فإن إعمال الولاية المحدودة له حكمه الخاص ولا علاقة له برأي الشعب، لكن إعمال الولاية وتولّي أمور المسلمين متوقف على رأي الشعب. مشروعية النظام الإسلامي تبتني على حفظ الشروط الشرعية للقائد والتي منها تصويت الأكثرية الشعبية عن طريق آليتها وهي وساطة خبراء القيادة. شريفي: يتصور البعض أنّ كلمات الإمام الخميني حول منشأ المشروعية للحكومة الإسلامية متشابهة وذات وجهين بهذا الشكل:الإمام أحياناً ـ وخصوصاً قبل استقرار النهضة ـ كان يتكلم عن المشروعية الإلهية، لكن بعد استقرار النهضة ـ وخصوصاً في السنوات والأشهر الأخيرة من عمره ـ كان يعتقد أن منشأ مشروعية الحكومة الإسلامية هو إرادة الشعب وآرائه. يلجأ هؤلاء لإثبات مدّعاهم إلى الاستناد إلى بعض كلمات الإمام التي تؤكد على دور الشعب في الحكومة الإسلامية ونبذ الإجبار والدكتاتورية ونحو ذلك، مثل هذه الاستدلالات والقراءات تنشأ في الحقيقة من عدم فَهْم معنى المشروعية وعلاقتها بالمقبولية، والحق أنّ نظرية المشروعية الإلهية لا تستلزم الدكتاتورية ولا تتنافى مع اختيار الشعب وحريتهم إطلاقاً، ليس حسب رأي الإمام فقط بل حسب آراء جميع علماء الشيعة، الإمام لم يعتقد إطلاقاً بتلازم المشروعية الإلهية مع الدكتاتورية لا قبل الثورة ولا بعدها، ولا في بداية النضال ولا في أواخر عمره المبارك؛ ليتصور أنه (قدس سره) إذا أكّد على دور الشعب وحريتهم واختيارهم فمعنى هذا العدول عن مباني نظرية المشروعية الإلهية للحاكم والحكومة الإسلامية. ولا شك في أنّ فَهْم فكر الإمام في هذا المجال لا يتحقق إلاّ ضمن نسيج المعارف الإسلامية الأصيلة وسياقاتها. لقد كان الإمام الخميني(قدس سره) من أكبر العلماء في تاريخ التشيّع، وكان الإسلام وحده هو نظام فكره ومحتوى حركته وغاية همّه، وكان الفكر التوحيدي في الإسلام مستوعباً لجميع أبعاده الفكرية والاجتماعية(الأعم من الفقه والفلسفة والعرفان والأخلاق والسياسة) لقد كان رجلاً يطلب كل شيء لله وحده، ويرى كل فكر وحركة لا تكون في هذا الطريق باطلاً وعبثاً وشيطانية. بتعبير أفضل الهدف الغائي والنهائي للإمام في جميع حركاته وسكناته هو القرب الإلهي والوصول إلى مقام العبودية لله تعالى، لقد كان التكليف الشرعي محوراً لوجوده. ويبدو أننا نحتاج لتصديق هذا المطلب إلى ذكر الشواهد من أقوال هذا العظيم وسيرته، فإن كل من يعرف آثار الإمام وأفكاره يصدّق ذلك، وأنقل نموذجاً واحداً من أقوال الإمام في هذا الباب يبيّن كيف كان هذا العارف بالله والموحّد الكبير قد ربط جميع القيم الاجتماعية والسياسية بنظريته الكونية ونظامه التوحيدي ليستخرج الكثير من القيم الاجتماعية والسياسية من مبدأ التوحيد. الإمام في جوابه لسؤال مراسل جريدة تايمز الإنجليزية يقول: (عقائدي وعقائد جميع المسلمين هي ما جاء في القرآن الكريم أو على لسان النبي وقادة الحق الذين جاءوا من بعده: إنّ أصل تلك العقائد ومصدرها هو أهم عقائدنا وأفضلها وهو أصل التوحيد، نحن نعتقد أنّ خالق العالم وجميع العوالم والإنسان ومبدعهم هو الذات الإلهية المقدسة، وأنّ الله هو الخبير بجميع الحقائق والقادر على كل شيء ومالك كل شيء، هذا الأصل يعلّمنا إنّ على الإنسان التسليم مقابل الذات الإلهية المقدسة فقط، وأن لا يطيع أي إنسان آخر إلا إذا كانت طاعته طاعة لله تعالى، وعلى هذا فلا حق لأي إنسان إجبار غيره من البشر على التسليم مقابله، ونحن تعلّمنا أصل حرية البشر من هذا الأصل الاعتقادي، وأنه لا يحق لأي فرد حرمان الإنسان أو المجتمع، أو الشعب من الحرية بأن يضع له قانوناً وينظم سلوكه وعلاقاته بناءً على إدراكه ومعرفته الناقصة كثيراً أو وفقاً لميوله ورغباته ومن منطلق هذا الأصل نحن معتقدون بأن التقنين للبشر بِيَد الله تعالى فقط. كما أنّ الله تعالى قرر قوانين الكون والخلقة، وأنّ سعادة الإنسان والمجتمعات وكمالها مرهونة بإطاعة القوانين الإلهية التي اُبلغ بها البشر عن طريق الأنبياء، وأنّ انحطاط البشر وسقوطهم يكمن في سلب حرياتهم وخضوعهم للآخَرين. وفقاً لهذا المبنى على الإنسان أن يثور ضد قيود الأسر وسلاسله وبوجه من يدعوه إلى هذا الأسر؛ ليحرر نفسه ومجتمعه لكي يسلّموا جميعاً لله ويكونوا عبيده. ومن هنا يبدأ نضالنا الاجتماعي ضد قوى الاستبداد والاستعمار، ونستلهم أيضاً من أصل التوحيد الاعتقادي أنّ البشر سواسية أمام الله تعالى هو خالق الجميع والجميع مخلوقاته وعبيده، الأصل هو تساوي البشر وأنْ لا ميزة للفرد على الفرد الآخر إلا بمعيار وقاعدة التقوى والعصمة من الانحراف والخطأ. إذاً لابد من مكافحة كل ما يخلّ بالمساواة في المجتمع ويحكّم الامتيازات الفارغة فيه، وبالطبع فإن هذه هي البداية وبيان لناحية محدودة من هذا الأصل، وأصولنا الاعتقادية والتي كتب العلماء في توضيح كل منها وإثباته كتباً ورسائل مفصّلة في طول تاريخ الإسلام)[16] لأجل فَهْم فكر الإمام لابد من التأمّل في النظام الفكري لدى هذا العظيم وهندسته، فليست أفكاره السياسية أجنبية عن أفكاره الفلسفية والفقهية والأخلاقية والعرفانية، بهذا المعنى: إنّ فَهْم أفكار الإمام السياسية لا تتيسّر دون فَهْم عرفان الإمام وأخلاقه، بدون فَهْم فلسفة الإمام وفقهه وذلك أنّ جذور القيم السياسية والحقوقية والاجتماعية كامنة في نوع نظرة الأفراد للكون والإنسان والخالق والمعرفة. اعتقاد الإمام بالنظام التوحيدي والربوبية التشريعية لله تعالى، وخلود الإنسان، وتلقّي القرب الإلهي، والوصول إلى السعادة الحقيقية والأبدية كنهاية للسير والسلوك العرفاني والأخلاقي للإنسان، وكذلك اعتقاده بمحدودية القوى الإدراكية للبشر في تشخيص طريق السعادة وفَهْم جزئياته ومصاديقه، هذان الاعتقادان الظاهران في حياة الإمام لا يجيزان لأي أحد أن ينسب للإمام أنه (قدس سره) قد فوّض مشروعية وحقّانية الحكومة ووضع القوانين إلى إرادة الناس ورأي الأكثرية. يبدو أنّ نسبة هذه الرؤية ـ التي ذكرتها ـ إلى الإمام (قدس سره) لا تحتاج إلى ذكر شواهد من كلمات الإمام إطلاقاً، فمن يقرأ نظرة الإمام للكون والإنسان ويقرأ أيدلوجية الإمام ويتأمل ولو قليلاً في نظامه الاعتقادي والأخلاقي فإنه لا ينسب إلى الإمام سوى تلك النظرة، ولكن يحسن ـ مع ذلك ـ أن نشير إلى بعض نصوص كلمات الإمام في هذا المجال: (لقد جعل الله الفقيه وليّاً للأمر، الإسلام جعله وليّاً للأمر)[17]. (يجب أن يحظى رئيس الجمهورية بتأييد الفقيه)[18] (ولاية الفقيه هي ولاية رسول الله. ليست مسألة ولاية الفقيه أمراً أوجده مجلس الخبراء ولاية الفقيه أمر شرّعه الله تبارك وتعالى، وهو ولاية رسول الله عينها، وهؤلاء يخافون ولاية رسول الله)[19] (يقول البعض: (نحن نرفض تدخّل الولي في الأمور.. نحن نرفض أن يتدخّل من عيّنه الإسلام) هؤلاء إن كانوا ملتفتين إلى لازم هذا المعنى لحُكِم بارتدادهم لكنهم غير ملتفتين)[20] ويقول في مورد تعيين الحكومة المؤقتة: (إنّي إذ عينّته حاكماً فلست إلا إنساناً صاحب ولاية من الشارع المقدس وبموجبها عينّته)[21]. (إن لم يكن هناك فقيه إن لم تكن ولاية الفقيه فهو طاغوت، أما الله وأما الطاغوت، إنّ لم يكن بأمر من الله، إن لم يكن رئيس الجمهورية منصوباً من قِبَل الفقيه فرئاسته غير مشروعة وإذا صار غير مشروع فهو الطاغوت. إطاعته إطاعة للطاغوت والدخول في حكومته دخول في حكومة الطاغوت، وإنما يزهق الطاغوت إذا نصب شخص بأمر الله تبارك وتعالى)[22] (للفقهاء جامعي الشرائط نيابة من قِبَل المعصومين في جميع الأمور الشرعية والسياسية والاجتماعية وتولّي الأمور في الغيبة الكبرى موكول إليهم..)[23] يقول السيد الإمام في مراسم تنفيذ حكم رئاسة الشهيد رجائي: (.. ولكون مشروعيته إنما تتمّ بتنصيب الفقيه ولي الأمر فإنّي أنفذ رأي الشعب الشريف وأنصّبه لرئاسة الجمهورية الإسلامية، ويبقى هذا التنصيب والتنفيذ على قوّته مادام في خط الإسلام العزيز ومتّبعاً لأحكامه المقدسة.. وإن عمل على خلاف ذلك ـ لا سمح الله ـ فسأسلب منه المشروعية..)[24] وللسيد الإمام في جوابه للسادة عباس خاتم يزدي، توسلي، عبائي، كشميري و قاضي عسكر حديث صريح وغير قابل للتأويل يختم بالبطلان على جميع تفاسير دعاة الجمهورية واتّباع الأكثرية لنظريات الإمام حول مشروعية النظام الإسلامي، ومتن السؤال بهذا النص: (بعد إهداء التحية والسلام في أي صورة تكون للفقيه الجامع للشرائط الولاية على المجتمع الإسلامي؟ وجاء الجواب القصير والصريح جداً من الإمام بهذا النص: (له الولاية في جميع الصور، لكن تولّي أمور المسلمين وتشكيل الحكومة منوط برأي أكثرية المسلمين كما نصّ على ذلك في الدستور أيضاً وعبّر عنها في صدر الإسلام بالبيعة مع ولي المسلمين)[25]. (الولاية) ناظرة إلى المشروعية ويقول عنها الإمام: للفقيه الولاية في جميع الصور، يعني سواء أراد الناس أو لا، وسواء صوّتوا له أو لا و(التولّي) ناظر إلى المقبولية، ويقول فيها الإمام: الفقيه لا يستطيع تشكيل الحكومة بدون الإقبال الشعبي. فمع الالتفات إلى أنّ صوت الإمام لازال في مسامعنا ولازلنا نستذكر جيداً جميع قرائن كلامه الحالية والمقالية فإن الاستنتاج من حديث الإمام الصريح هذا أنّ مشروعية ولاية الفقيه برأي الأكثرية! أو أنّ لرأي الأكثرية وإرادتهم دوراً في مشروعية الولي الفقيه فماذا عسانا نستنتج من كلمات الأئمة، وكيف نستخرج المعارف الإسلامية منها والحال أننا لا نملك الآن كثيراً من القرائن الحالية والمقالية لكلماتهم(عليهم السلام)؟! قول الإمام (الميزان رأي الشعب) مجلة الحكومة الإسلامية: ما معنى قول الإمام(الميزان رأي الشعب) وما هي حدوده؟ شريفي: وكأن بعض الأفراد عند بحثهم في مشروعية النظام الإسلامي من وجهة نظر الإمام (ره) يستذكرون جملة واحدة من كلامه وهي أنّ سماحته قال: (الميزان هو رأي الشعب). بهدف توضيح مقصود الإمام بهذه الجملة علينا بيان عدة أمور: أولاً: إنه حتى لو سلّمنا أنّ هذه الجملة حول معيار مشروعية النظام الإسلامي لكنه ذكر هذه الجملة مرة واحدة في طول عمره المبارك، وفي المقابل نبّه مرات عديدة وبأشكال مختلفة على أصالة القوانين الإسلامية ومعياريّتها. وتقتضي قواعد فَهْم المتن ومراد المتكلم العقلائية تفسير كلماته حول موضوع معيّن، وبضم بعضها إلى جانب بعض، والسعي إلى تجنّب التناقض والتعارض فيما بينها قدر الإمكان، وواضح أننا لو اعتقدنا أنّ هذه الجملة ناظرة إلى بحث المشروعية فلا تكون معارضة لمئات الأحاديث الصادرة منه والتي تؤكد على ميزانية الأحكام الإسلامية فقط ـ كما في قوله(الميزان هو أحكام الإسلام)[26]ـ، بل تعارض جميع نواحي حياته ولا تنسجم مع نظامه الفكري والعقيدي. وعليه فإن العقل يقضي أن نعتقد بأن هذه الجملة ناظرة إلى بحث مقبولية النظام السياسي، وأنّ الجُمَل أمثال (الميزان هو أحكام الإسلام) ناظرة إلى بحث مشروعية النظام السياسي الإسلامي. ثانياً: وإن صدرت هذه الجملة من الإمام ولا يتردد أحد في ذلك لكن لم يخطر في مخُيّلة أحد قبل العقد الأخير بأن مقصود الإمام منها هو بيان معيار حقّانية الحكومة الإسلامية ومشروعيتها، والحال أنّ مراد الإمام لم يكن شيئاً من هذا القبيل إطلاقاً. ولاشك في أنّ من فَهَم هذه الجملة على النحو المذكور يكون قد حرّف كلام الإمام بقصد أو دون قصد، ويكفي الرجوع مرة واحدة إلى ذلك الكلام الذي جاءت فيه هذه الجملة لنقف بوضوح ليس على أنّ مقصود الإمام عدم توقف مشروعية النظام الإسلامي على رأي الأكثرية فقط، بل له معنى على العكس من هذا تماماً، وأنه يؤكد في هذا الحديث كراراً على أنّ معيار المشروعية هو الإسلامية لا الجمهورية، ويؤكد الإمام كراراً قبل هذه الجملة وبعدها أيضاً على أننا نريد تحكيم الإسلام، وفي نفس الوقت الناس أحرار في أن يصوّتوا لهذه الرغبة أو لا، وسوف نتبع أي رأي يقول به الناس، لكن إن كان مخالفاً للإسلام فلا نقبله إطلاقاً أي لا نعتقد بمشروعيته. والآن يحسن أن ننقل هنا قسماً من هذا الخطاب الذي جاءت فيه تلك الجملة، ونترك الحكم للقرّاء الأعزاء. السيد الإمام في خطابه بكادر القوة الجوية بتاريخ 25 خرداد 1358 يقول: (.. كونوا يقظين أيها الأخوة! اعرفوا أعداءكم. يريدون منع إقرار الدستور طبقاً لِمَا يحكم به الإسلام، يجب أن يُبيّن علماء القانون الغربيون آراءهم؟.... أم يُبيّن المتغربون آراءهم ؟ كلما أردنا تدوين دستور الجمهورية أو الجمهورية الديمقراطية.. فلكم أيها المتنوّرون الغربيون صلاحية إبداء الرأي، لكن كلما أردنا نحن كتابة القانون الإسلامي أو أردنا طرح مسائل الإسلام فليس لكم الصلاحية في ذلك... ليس لكم علم بالقرآن ولا بالسنّة ولا بالإسلام، ونحن لا نجيز لكم التدخّل في المعقولات.. أنتم لا ترغبون في أن يكون أحد الدساتير إسلامياً.. لكن أمة الإسلام أمة إيران لا يمكنها إتباع هوى النفس لا تستطيع ترك القرآن وقبول الدستور الغربي... نحن لا نجيز لمن لا علم له بقوانين الإسلام التدخّل في الأمور.. نعم، له حق الرأي وليصوّتوا على رفض الإسلام كما فعلا صوّتوا، هم مختارون في التصويت.. نحن بعد أن يمر بخبراء الإسلام.. ويمرّ برجال الدين.. نطرحه على الرأي العام أيضاً فنفس الشعب ميزان نفس الشعب لا حق له في الرأي ولكن وكيل الشعب له ذلك؟! ما هذا الخطأ؟! بأي حق يقرر شخص واحد عن 35 مليوناً؟ بأي حق يقرر خمسون أو ستون شخصاً عن شعب مكون من 35 مليوناً؟ هذا الحق لأجل أنكم تريدون التصويت رأيكم ميزان، رأي الشعب. الشعب يصوّت بنفسه أحياناً، وأحياناً يعيّن مجموعة لتصوّت: ما في الحالة الثانية صحيح... دعوا الذرائع واخشوا الله، لا تمزحوا مع الشعب، كيف لا تعيرون وزناً لرأي الشعب.. اعتنوا بالشعب هل علينا إتباع برامج الغرب؟ ندع الإسلام؟ نتّبع الغرب في كل ما يقوله؟ الغرب كان ولا يزال على هذا الشكل.. هم يكتبون الدستور؟ هم يصوّتون؟ المتغرّبون يصوّتون؟ الميزان هو أنتم.. نحن نقول أنّ الشعب يعيّن أفراداً لتفحّص هذا الدستور المكتوب ليطرحوا أي رأي وقول، سواء كانت آراؤهم مخالفة للقرآن أو موافقة، غايته أننا لا نقبل بالمخالف منها وأنتم أيضاً في صدد أن تقوموا بهذا العمل.. البعض يقول الشعب لا علم له، نحن نقول أنتم لا علم لكم.. وذلك لحاجتكم هنا إلى معلومات إسلامية، والبعض منكم لا علم له بها إطلاقاً. البعض منكم لا يعلم عدد الصلوات!.... المسألة الأساسية أنّ علينا جميعاً، عليكم أنتم الجيش، عليّ أنا طالب العلم، المراجع العظام، العلماء الأعلام، الجامعيين، الكسبة، الفلاّحين، الإداريين الموظفين علينا جميعاً الالتفات إلى لزوم وضع الدستور، نحن إذ صمّمنا على تطبيق الإسلام فعلينا صياغة هذا الدستور.. يريد البعض اليوم أن يمنع من تحكيم الإسلام في هذا البلد، أنا أطلب من الجميع أني أرجو من الشعب الإيراني أقبل أيادي الشعب الإيراني، إنهم يريدون تضييع الإسلام)[27]. فهل يجرؤ أي عقل سليم على تفسير هذا الكلام بهذا السياق والنسيج ويفسّره بأن مشروعية الحكومة الإسلامية وحقّانيتها متوقفة على رأي الأكثرية؟! إنّي لا أتردّد مطلقاً في أنّ مقصود الإمام بهذه الجملة بيان تأثير إرادة الشعب في تحقيق أحكام الإسلام وليست في سياق حقّانية النظام الإسلامي ومشروعيته. ومن الواضح أنّ لرأي الشعب تمام التأثير في تحقيق الحكومة الإسلامية. قاضي زاده: معنى هذه الجملة واضح إلاّ إذا أردنا تصويرها مبهمة؛ لكي نستنتج منها معاني خاصة، وعلى كل حال فقد ذكرت لها تفسيرات متعددة. قال البعض: هذه القضية خارجية لا حقيقية يعني أنّ الإمام لَمّا رأى الشعب في عصره متديّناً وموالياً لمبادئ الثورة الإسلامية قال: (الميزان رأي الشعب) ولا تصدق هذه الجملة في جميع العصور. وقال البعض الآخر: بنسبية هذه الجملة، أي في مقابل كيد الأعداء الميزان رأي الشعب لا في مشروعية النظام الإسلامي. وآخرون قالوا: إنّ هذه الجملة من مجازات الإمام يعني كما أنّ قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)[28] مجاز كذلك هذه الجملة مجاز لا حقيقة، وبعض آخر ذهب هذا المذهب لكن بنحو آخر حيث فسّرها بعدم الصدق وبعنوان المقدمة لاستفتاء الشعب. لكن جميع هذه التفسيرات لم تأخذ جميع آراء الإمام بعين الإعتبار، فإن التفتنا إلى مجموع آراء الإمام في مجال تديّن الحاكم ومسؤولي النظام الإسلامي، ومجال اتخاذ القرارات الكبرى، وعلى أساس هذه الجملة فلا نرى قيداً لها سوى أحكام الشرع وإرادة الشارع. إذا نظرنا إلى القوانين الأساسية والعادية لشاهدنا جيداً أنّ الميزان هو رأي الشعب، انتخاب القائد، ورئيس الجمهورية وأعضاء المجلس ـ المجالس الأخرى وبعض الموارد من قبيل تأييد الدستور والتصويت على إعادة النظر في القانون و... جميع ذلك إنما يتمّ بواسطة الآراء المباشرة أو غير المباشرة للشعب. دور الشعب في نظام الجمهورية الإسلامية مجلة الحكومة الإسلامية: ما هو دور الشعب في نظام الجمهورية الإسلامية بغض النظر عن حجم تأثير رأي الشعب في المشروعية؟ شريفي: ظنّ البعض أنّ الطريق الوحيد لتقدير الشعب وتأمين الحقوق والحريات الواقعية له هو إشراكه في مشروعية الحكومة الإسلامية، في حين أنه من غير اللازم لتكريم الشعب أنْ نضعه في مكانة خاصة بالله تعالى وإعطاء منزلة الربوبية لهم، وتفويض حق التشريع والتقنين والأمر والنهي والمنع والزجر إليهم. إنّ حقّانية الحكومة حق إعمال ولاية الحكم لا دخل له بالشعب وأكثرية آرائهم إطلاقاً. لا يمكن التوقّع من الشعب أن يعطوا أحداً شيئاً هم فاقدون له ذاتاً وأساساً. لكن للشعب مكانة خاصة في سائر المسائل الحكومية من قبيل فعالية النظام الإيجابية، تعيين المسؤولين والرقابة المستمرة على أعمالهم، والأهم من الكل دور الشعب المنقطع النظير في أصل تحقق الحكومة الإسلامية؛ فلا ريب في أنّ للشعب ودعمه دوراً أساسياً كبيراً في تحقق حكومة النبي الأكرم. يقول القرآن الكريم في هذا المجال (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين)[29] ولأمير المؤمنين (ع) حديث مشهور جداً عن دور الشعب في تحقق الحكومة الإسلامية إذ يقول:( لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر.. لألقيت حبلها على غاربها ولسقيتُ آخرها بكأس أولها..)[30]حديث من هذا القبيل يكشف عن الدور الأساسي للشعب في ظهور وتثبيت الحكومة الإسلامية. النبي الأكرم(ص) أيضاً يقول في وصيته لأمير المؤمنين(ع): (يا ابن أبي طالب لك ولاية أمتي فإن ولوّك في عافية ورجعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم، وإن اختلفوا عليك فدعهم وما هم فيه)[31]. ينفي هذا الحديث بشكل صريح دور الشعب في إضفاء المشروعية على ولاية الوالي من جهة ويظهر دور الناس في إضفاء العينية والتحقق الخارجي للحكومة الإسلامية من جهة أخرى. وكذلك في النظام الإسلامي أولاً يكون للشعب دوراً فعال ولا بديل عنه في تحقيق ولاية الفقهاء جامعي الشرائط، فإنه وإن كانت ولاية الفقيه الجامع للشرائط من قِبَل الله تعالى وبواسطة التنصيب العام من الإمام المعصوم لكن تحقق الولاية وعينيتها منوطة بإرادة الشعب. لقد أعطى الإسلام العزيز والدستور في الجمهورية الإسلامية المدوّن على أساس الموازين الإسلامية دوراً بارزاً جداً للشعب في تعيين وانتخاب المسؤولين. في النظام الإسلامي لم يُفوّض للشعب (حق) الرقابة على عمل المسؤولين فقط بل طبقاً لتعاليم الإسلام ونظراً إلى فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكبرى فإن جميع الشعب(مكلّفون) برعاية الموازين والرقابة المستمرة والدائمة على عمل المسؤولين ومنعهم من تخطّي الموازين القانونية والشرعية. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحقيقة نوع من الولاية التي تكون لجميع الناس بالنسبة إلى بعضهم البعض، ولجميع المسؤولين والعاملين بالنسبة إلى الشعب وللشعب بالنسبة إلى العاملين، ومن الواضح عدم وجود مثل هذه الولاية والرقابة في أي من الأنظمة الديمقراطية. مضافاً إلى جميع ذلك فإن من يقلق على الشعب ويهتمّ لأمره لو تأمل قليلاً لوجد أنّ الطريق الوحيد لإعطاء الشعب قيمته الواقعية هو الرجوع إلى التعاليم والأحكام الإسلامية والسعي في سبيل تحقيقها. الإسلام والتعاليم الإسلامية هما اللذان جعلا قمة العقل ورأس الدراية بعد التديّن في الرحمة والمحبة وحب الخير لجميع الناس صالحهم وطالحهم[32]. وهذا نبي الإسلام(ص) يقول: (الخلق كلهم عيال الله فأحب الخلق إلى الله أحسن الناس إلى عياله)[33]. في الحكومة الإسلامية فقط وفي ظل التعاليم الإسلامية إذا تُعدّي على حقوق المرأة ولو غير المسلمة أو أُسيء لها يقول الحاكم: فلو أنّ امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندي جديراً)[34]. ونسأل بصدق أي الأنظمة التي ترى مشروعيتها مرهونة برأي الأكثرية يمكن أن نرى منها هذا الأمر؟ هل يتحلى الشعب بهذه المكانة في الأنظمة الديمقراطية الغربية التي تعتقد بأن مشروعيتها منوطة بإرادة ورأي الأكثرية؟ لماذا نلتمس من الأجنبي ما هو موجود عندنا؟ ملاك مشروعية ولاية الفقيه مجلة الحكومة الإسلامية: ما هو ملاك مشروعية ولاية الفقيه؟ وما هو دور مجلس الخبراء في ذلك؟ قاضي زاده: تبتني مشروعية ولاية الفقهاء وفقاً للأدلة الروائية على توفّر مجموعة شروط من قبيل الفقاهة والعدالة، لكن يظهر أن هذه الأدلة ناظرة إلى ولايات جزئية في ظل حكومة الجور، ولا أقل من ظهور مثل هذا السؤال والجواب سواء في مقبولة عمر بن حنظلة أو المشهورة أو في التوقيع الشريف. كما أنّ الفقهاء وإن اختلفوا في سعة الصلاحيات وضيقها في عصر الغيبة إلا أنهم لم يختلفوا في مسألة أنّ للفقيه الجامع للشرائط (الفقاهة والعدالة) ولاية أو أذن في التصرف من جانب الشارع. لكن لا تكفي الشرائط السابقة لتولّي الفقيه لأمور المسلمين، ولا يمكن القول بالنصب العام لجميع الفقهاء لقيادة دولة واحدة، فلابد من شرط آخر. طرح الفقهاء في الخمسين سنة الأخيرة قيوداً خاصة تعدّ على الترتيب تكاملاً تدريجياً على صعيد التنظير للمسألة، في البداية طرح عنصر الفقيه الأسبق أو إعلان الاستعداد لإعمال الولاية ـ ثم قيد(الفقيه الأعلم) و(مورد قبول الناس) فاكتفي بالأعلم فقهياً ـ أو كونه قد سُلِّمَ بمرجعيته للتقليد ـ وبالإقبال الشعبي، ثم اتخذت الأعلمية معنى آخر وتبدّلت بـ(الأصلح) أو الأعلم في مجال إدارة المجتمع وأخيراً ذكر قيد: (الفقيه المنتخب) كشرط لمشروعية إعمال الولاية. والبحث عن أدلة النظرية الأخيرة طويل لا يسعه هذا المجال، لكن على هذا المبنى يتضح موقع الخبراء بكل جلاء، ويكون واجبهم المُوكَل إليهم من قِبَل الشعب هو بذل الجهد والتشاور لتحقيق شرط القيادة الأخير(الانتخاب) ودورهم في تعيين وانتخاب القيادة مطلوب، ويعدّ أحد الطرق العقلائية في فَهْم القبول العام والانتخاب الشعبي، وتكمن مشروعية إعمال ولاية القيادة في انتخابها من قِبَل الخبراء. إنْ لم يحظَ القائد بانتخاب مجلس الخبراء فحاله في مجال الحكومة والدولة لا يختلف عن سائر الفقهاء جامعي الشرائط. شريفي: اتضح جيداً من خلال الإجابات عن الأسئلة السابقة توقّف المشروعية والحقّانية في أية حكومة ودولة على النصب الإلهي، الحكومة الأعم من الحكومة النبوية أو العلوية أو حكومة الفقهاء والعلماء الإسلاميين ـ ونصب الحاكم من قِبَل الله تعالى تارة يكون مباشراً مثل نصب الأنبياء، وتارةً يكون مع الواسطة وبصورة غير مباشرة مثل نصب الأئمة والفقهاء ـ فنصب الأئمة من قِبَل النبي الأكرم ونصب الفقهاء جامعي الشرائط من قِبَل الإمام الغائب لإدارة المجتمع الإسلامي في عصر الغيبة. ولا دور هنا لمجلس الخبراء في إضفاء المشروعية لولاية الفقيه، والعمل الحقيقي للخبراء هو كشف الفقيه الواجد للشرائط وإعلان ولايته للناس، العمل الحقيقي لمجلس الخبراء هو عمل البيّنة الشرعية وتراكم البيّنات، ومعلوم أنّ البيّنة لا دور لها في إيجاد الأمر مورد الشهادة إطلاقاً، عمل البيّنة (الشهادة) على (الأمر الواقع) لا (الإيجاد والجعل) للأمر الواقع. وببيان آخر خبراء القيادة هم الخبراء القادرون بحكم تخصّصهم على تشخيص الفقيه الواجد للشرائط أي تشخيص من أيّدت صلاحيته لقيادة الأمة الإسلامية من قِبَل الله تعالى وتعريفه للناس، لذا لا دور لمجلس الخبراء في إضفاء المشروعية للولي الفقيه إطلاقاً. مشروعية مجلس خبراء القيادة في طول مشروعية ولاية الفقيه مجلة الحكومة الإسلامية: هل أنّ مشروعية مجلس خبراء القيادة في طول مشروعية ولاية الفقيه أو في عرضها؟ وهل ترتبط مشروعية مؤسسة مجلس الخبراء وقراراته بتأييد الولي الفقيه ورضاه؟ شريفي: استعملت كلمة (المشروعية) في هذا السؤال بنحو الاشتراك اللفظي في ثلاث معان مختلفة: المشروعية بمعنى (الحجية) والمشروعية بمعنى (حق إعمال الولاية) والمشروعية بمعنى (الاعتبار القانوني) ويتضح الجواب عن السؤال المذكور بمجرد الالتفات إلى الاختلاف الموجود بين هذه المعاني الثلاثة، بعبارة أخرى السؤال المذكور ناشئ من عدم رعاية الاستعمال الدقيق لكلمة (المشروعية) ومن استعمالها غير الاصطلاحي في المعاني المذكورة الأمر الذي أدى إلى الوقوع في فخ (مغالطة الاشتراك اللفظي). توضيح ذلك: عندما نتحدّث عن مشروعية مجلس خبراء القيادة فإنما نتحدّث في الحقيقة عن (حجية) تشخيصهم في معرفة الفقيه الجامع للشرائط، أي نريد أن نعلم بأي دليل يكون تشخيص الخبراء ذا اعتبار وحجية، لكن عندما نتحدث عن مشروعية ولاية الفقيه فلا نريد البحث في حجية ولاية الفقيه، وإنما نتحدث عن (حق إعمال الولاية) بواسطة الفقهاء جامعي الشرائط، بعبارة أخرى نتحدث عن (حقانية) حكومة ولاية الفقيه الجامع للشرائط. إلى هنا علمنا أنه لا يبقى مجال للسؤال: هل أنّ مشروعية مجلس الخبراء في طول مشروعية ولاية الفقيه أو في عرضها؟ فإن أعضاء مجلس الخبراء من حيث الخبرة لا ولاية لهم على أحد، فإنه إن قلنا أنّ ولايتهم في عرض ولاية الفقيه فعلينا البحث عن المخلص في موارد تعارض ولايتهما وإن قلنا أنها في طول ولاية الفقيه ظهرت شبهة الدور وأمثالها. الوظيفة الأصلية لمجلس الخبراء هو تشخيص الفقيه الجامع لشرائط قيادة الأمة الإسلامية وتعريفه للناس، ثم الرقابة الدائمة عليه؛ بهدف الوقوف على استمرار وجود الشرائط المعتبرة للقيادة فيه، ومشروعية عملهم أو بتعبير أدق(حجية) عملهم ناشئة من الأحكام والقوانين الإسلامية والقواعد العقلائية التي اعتبرت البيّنة الشرعية حجة، وتنشأ حجية البيّنة من حجية رأي ذوي الاختصاص والعالم لغير المتخصص والجاهل. وبالنسبة إلى مشروعية مؤسسة مجلس الخبراء ومقرراتها فكما أشرنا، المشروعية هنا بمعنى(القانونية) قانونية هذه المؤسسة ومقرراتها، ولا علاقة لها بالمشروعية بمعنى (حق إعمال الولاية) أو المشروعية بمعنى (الحجية). وبالنسبة إلى دور رضا الولي الفقيه في قانونية هذه المؤسسة ومقرراتها فيجب التعرّف على ماهيّة عمل خبراء القيادة وماهيّة قرارتهم، فكما قلنا: إنّ الوظيفة الأساسية لمجلس الخبراء هي تشخيص وتعيين القائد والرقابة عليه؛ بهدف الوقوف على استمرارية توفّر شرائط القيادة فيه، وتندرج جميع قرارات هذا المجلس في هذا الإطار أيضاً ولا يخرج أي قرار عن إطار هاتين الوظيفتين وإلا اعتبرت غير قانونية. قراراتهم جميعها تهدف تحقيق المستوى الأكبر والأفضل لذلك الدور الأساسي المتوقّع منهم وهو البيّنة الشرعية، أو معرفة الفقيه الجامع للشرائط؛ ومن الواضح أنّ عمل البيّنة خارج من الأساس عن حدود الأمر والنهي أي خارج من دائرة الولاية. رضا الولي الفقيه وعدم رضاه لا دور له في عمل الخبراء واختصاصهم، وعليه فلا يعمل مجلس الخبراء بصفته مجلساً للخبراء ومن حيث كونه شاهداً تحت ولاية أحد، لكن الخبراء بصفتهم مواطنين في الجمهورية الإسلامية متساوون مع باقي أفراد الشعب الإيراني في الانضواء تحت أوامر ولاية الفقيه، ويجب أن لا تكون قراراتهم مخالفة للشرع والدستور. مضافاً إلى ذلك يوجد منع قانوني من تدخّل الولي الفقيه في قرارات مجلس الخبراء، فكما جاء في الأصل مئة وثمانية من الدستور لا حَقَّ للقائد في التدخّل في قرارات مجلس الخبراء: (يجب سنّ القانون المختص بعدد الخبراء وشروطهم وكيفية انتخابهم والنظام الداخلي لاجتماعاتهم للدورة الأولى بواسطة فقهاء مجلس صيانة الدستور الأول على أن يصوّت عليها بالأكثرية ويصادق عليه قائد الثورة، وما بعد هذا يناط أي تغيير وإعادة نظر في هذا القانون واتخاذ سائر القرارات المرتبطة بوظائف الخبراء بصلاحية الخبراء أنفسهم). قاضي زاده: علمنا من جواب السؤال السابق أنّ مشروعية مجلس الخبراء لا في طول مشروعية القيادة ولا في عرضها وإنما مشروعية إعمال ولاية الولي الفقيه في طول مجلس الخبراء. وهذا المطلب محل نظر باللحاظ النظري وباللحاظ القانوني أيضاً، فنظراً إلى نقد نظرية الكشف الذي تعرّضنا له في أجوبة الأسئلة السابقة فإن انتخاب وتعيين القائد بواسطة مجلس الخبراء، وفي صورة عدم انتخاب مجلس الخبراء فلا يمكن لأي فقيه جامع للشرائط تولّي أمور المسلمين(إلا في الموارد الاضطرارية ذات الحكم الخاص). ومن ناحية قانونية أيضاً يرتبط مجلس خبراء القيادة ارتباطاً طولياً بالقيادة، أي لا توجد جهة فوق هذا المجلس تكون قرارات المجلس تحت اختيارها. حتى تفويض الرقابة على انتخابات مجلس الخبراء أيضاً من قرارات مجلس الخبراء نفسه، وإنما يقبل التغيير بقرارهم أيضاً، وأما مؤسسة القيادة فهي في طول مجلس خبراء القيادة على صعيد انتخاب القائد وعلى صعيد الرقابة الدائمية لضمان بقاء شروط القيادة أيضاً. مشروعية إعمال ولاية (الفقيه المنتخب)؟ مجلة الحكومة الإسلامية: ما هي أدلة مشروعية إعمال ولاية (الفقيه المنتخب)؟ قاضي زاده: إعمال ولاية الفقيه المنتخب مشروع طبقاً للمباني المختلفة في مشروعية إعمال ولاية الفقيه، فمن يرى النصب العام للفقهاء جامعي الشرائط ـ لجميع مستويات إعمال الولاية ـ يرى الفقيه المنتخب من مصاديق ذلك، و يبيح إعمال الولاية من جميع الفقهاء ومنهم الفقيه المنتخب. ومن يرى التصرف في الأمور العامة ليس على أساس الاعتقاد بالنصب بل من باب الأذن في التصرف في الأمور الحسبية أيضاً يرى الفقيه من مصاديق الفقهاء الجامعين للشرائط المأذونين في التصرف. ومن يرى من الناحية النظرية أنّ إدارة الدولة حق وواجب على الفقيه الأعلم أو الفقيه الأصلح، وأنّ أدلة النصب باللحاظ العنواني نصب عام لكن باللحاظ المصداقي منطبقة على فرد خاص في كل زمان يرى أنّ انتخاب فقيه خاص كاشف عن النصب الواقعي ـ لا جاعل ـ ولذا فإن الفقيه المنتخب هو الفقيه المكشوف ويحق له إعمال الولاية. في نظرية المشروعية الإلهية ـ الشعبية في قيادة الدولة الإسلامية التي أوضحناها سابقاً ـ يعتبر قيد الانتخاب ضرورياً لأعمال الولاية. وعلى كل حال فإن المباني المشهورة لعلماء الشيعة متّفقة على إعمال ولاية الفقيه المنتخب، وإنْ ذهب البعض إلى صحة إعمال ولاية الفقيه الجامع للشرائط غير المنتخب أيضاً(النظريات الثلاث الأولى). ولا يرى البعض أيضاً من ناحية نظرية انتخاب الخبراء المنتخبين من الشعب الطريق الوحيد للكشف (النظرية الرابعة). بعبارة أخرى فيما عدا نظرية المشروعية الإلهية ـ الشعبية للدولة والقيادة تجيز جميع النظريات وتحكم بمشروعية إعمال ولاية الفقيه غير المنتخب، وترتبط المشروعيتين الدينية والسياسية للولي الفقيه مع بعضهما في النظرية الخامسة دائماً. شريفي: أرى أنّ هذا السؤال أيضاً لم يطرح بشكل دقيق؛ وذلك أنّ المشروعية والحقانية ناظرة إلى مرحلة الثبوت والانتخاب ناظر إلى مرحلة الإثبات، ومرحلة المشروعية وحق إعمال الولاية قبل مرحلة الانتخاب والمقبولية الشعبية كما لو سئل : (ما هو منشأ حلاوة الحلوى التي يراها الناس حلوة؟) والحال أنّ الصحيح إبدال السؤال إلى سؤالين الأول: (ما سرّ حلاوة الحلوى؟) والثاني: (كيف يمكن للناس إدراك حلاوة الحلوى؟) في محل الكلام أيضاً يوجد سؤالان الأول: (ما هو منشأ مشروعية ولاية الفقيه؟) وجوابه كما أوضحنا كثيراً أنّ مشروعية أية ولاية منوطة بإذن وإجازة الله المباشرة أو غير المباشرة، والسؤال الثاني: (ما هو طريق الناس لتشخيص الحاكم الحقيقي والمصداق الواقعي (للنصب العام) من قِبَل المعصوم في عصر الغيبة؟) وجوابه: إنّ على الأفراد الاطمئنان برضا الله تعالى بحكومة وولاية شخص خاص، بأي طريق حصل لهم ذلك الاطمئنان، وأنّ الرجوع إلى الخبراء وإن لم يكن الطريق الوحيد لتشخيص المصداق الحقيقي للنصب العام لكن هو أحد أكثر الطرق عقلائية في هذا المجال. ميزة الخبراء المنتخبين عن غير المنتخبين التي تؤهّلهم لانتخاب القائد؟ مجلة الحكومة الإسلامية: ما هي ميزة الخبراء المنتخبين عن غير المنتخبين التي تؤهّلهم لانتخاب القائد؟ وما هو منشأ مشروعية انتخابهم؟ شريفي: إنّ حجّتنا العقلية لتشخيص الولي الفقيه هي الرجوع إلى الخبراء الواقعيين، ولا فرق في مقام الثبوت بين الخبراء الواقعيين المنتخبين والخبراء الواقعيين غير المنتخبين، أما كيف يمكن تشخيص الخبراء الواقعيين؟ هنا لا طريق سوى الرجوع إلى الشعب، الناس مكلفّون بحكم العقل في تشخيص الخبير الواقعي، فهل تمكنوا من تشخيصه أو أخطأوا فيه؟ فهذا بحث آخر. ومن الواضح أنهم حتى لو أخطأوا فهم معذورون إن سلكوا الطريق المعقول لذلك، المهم هو السعي نحو تشخيص وانتخاب الخبير الواقعي. ويجب الالتفات في هذا السياق إلى: أولاً: قد يوجد لأمر واحد مئات وآلاف المتخصصين وأهل الخبرة، وواضح أنّ الرجوع إلى جميع هؤلاء مع محدودية الإمكانات أمر يستتبع الكثير من المشاكل، وقد يبعدنا أحياناً عن المقصد الأصلي. هنا العقل يحكم بلزوم البحث عن الأفضل من بينهم، بنحو يمكننا أخذ الشهادة منهم ونطمئن بالحصول على هدفنا. في مسألة تشخيص القائد الواقعي والفقيه الجامع للشرائط كذلك نجد أنفسنا أمام الكثير من الخبراء وذوي الاختصاص، ومن الواضح أنه لو أمكن الاستفادة من جميع آرائهم لكان الاطمئنان بنتيجة شهاداتهم ومتعلقها أكثر، لكن مثل هذا الأمر غير مقدور، وعليه يحكم العقل بالجد والدقة في اختيار المجموعة الأفضل من بينهم. ثانياً: إنّ فلسفة وجود مجلس الخبراء هو إعلان الدعم المُبكّر من قِبَل الشعب للقائد، الشعب إذْ انتخب أفراداً واطمئنّ بتشخيصهم فلا شك في انقياده للقائد الذي تمّ انتخابه من قِبَلهم، وواضح أنّ مثل هذا الهدف إنما يتحقق في ظل انتخاب أفراد معينين من قِبَل الشعب وهم الأفراد مورد الاطمئنان. ثالثاً: (الجمع مهما أمكن أولى من الطرح) لَمّا كان انتخاب جميع الخبراء غير ممكن عملياً، وفي نفس الوقت كلّما زاد عدد البيّنات الشرعية في مسألة تعيين وتشخيص القائد زاد الاطمئنان الحاصل فالطريق المعقول لتأمين هذا الهدف أن يستخدم مجلس الخبراء المنتخب أساليب خاصة تضمن استثمار سائر ذوي الخبرة والاختصاص أيضاً، وبهذا يتمّ إسهام جميع أهل الخبرة وإن لم يكونوا أعضاء في مجلس الخبراء في أمر انتخاب القائد والرقابة على دوام توفّر الشروط فيه. رابعاً: الفلسفة الوجودية لمجلس الخبراء هي المنع من حصول الفوضى الاجتماعية وإعمال الأذواق الشخصية والحزبية في أمر تعيين القائد، ومن الضروري لنَيْل هذا الهدف العمل على تقنين دور الخبراء بهذا النحو، وهو أن يكون الملاك هو العمل بخصوص رأي الخبير الذي تمّ اختياره من قِبَل أكثرية المجتمع وفقاً للموازين الشرعية والقانونية. وكلمّا شخّص مثل هؤلاء الأفراد فقيهاً لمنصب القيادة وجب على الجميع اتّباعه، ولا أثر لمخالفة أي فرد خارج دائرة الخبراء في هذا المجال. قاضي زاده: الجواب واضح جداً طبقاً لنظرية المشروعية الإلهية ـ الشعبية. شروط القائد متعددة منها الانتخاب من قِبَل الناس، هذا الانتخاب يمكن أن يكون مباشراً أو غير مباشر، الخبراء المنتخبون هم أفراد متخصصون يعملون وكالةً عن الشعب في تحقيق شرط الانتخاب لأحد الفقهاء جامع الشرائط وإعلانه للناس، في حين أنّ الفقهاء غير المنتخبين ليس لهم مثل هذه الوكالة. بتعبير أفضل القائد المنتخب من قِبَل الخبراء المنتخبين، منتخب من قِبَل الشعب قهراً، لكن القائد المنتخب من قِبَل الخبراء غير المنتخبين ـ حتى لو كانوا من حيث العدد أكثر ومن حيث الاختصاص أكثر خبرة ـ غير منتخب من قِبَل الشعب، وإن تحققت فيه المشروعية الإلهية فإنه لم تتحقق المشروعية الشعبية، ولا يحق له إعمال الولاية حسب النظرية الإلهية ـ الشعبية في المشروعية، ومن ناحية قانونية أيضاً يمكن توضيح موقع الخبراء المنتخبين بشكل دقيق في الدستور، فطبقاً للدستور المقنن حدّد وظائف ومسؤوليات خاصة لهم ومنع باقي الخبراء من التدخل فيها. في النظريات الأخرى المنافسة وخصوصاً النظرية القائلة بكشف الفقيه المستجمع للشرائط من قِبَل الخبراء فإن الأمر مختلف، وتوضيح ذلك باختصار: إنّ النظريات أمثال أنّ الخبراء بمثابة الشهود(من باب شهادة البيّنة) أو بمثابة رأي الخبرة(حجية حدس الخبير لغيره) أو بمثابة محقق الشهرة(الطريق العقلائي للكشف) أو النظرية القائلة أنه بمثابة حصول الاطمئنان أو العلم من شهاداتهم، أو بمثابة حكم جميع الخبراء أو بعضهم بقيادة الفقهاء! أو بمثابة الحكم العقلائي في التزاحم أو احتماله بانتخاب أحد الفقهاء جامعي الشرائط، أو بمثابة تحقق حفظ النظم في المجتمع، هذه النظريات أطلق عليها العلماء اسم مباحث فقه الحكومة وولاية الفقيه المعاصر، لكنها إنما تبيّن موقع الخبراء فقط ولا تبيّن الخبراء المنتخبين، وهي قاصرة عن بيان الفرق بينهما، وفي قولهم المشهور: إنّ انتخاب الخبراء من باب الشهادة أو قول الخبرة مشكلات حقيقية. فلو فرضنا بعد إعلان أعضاء مجلس الخبراء آرائهم لو أعلن عدد أكبر من الخبراء الآخَرين أو مَنْ هم أكثر خبرة رأياً آخر في القائد فما العمل تجاه شهاداتهم هذه ؟ وخصوصاً في الوقت الحاضر حيث لا يرغب الكثير من الفقهاء ومراجع التقليد الانتماء إلى مجلس الخبراء فإن احتمال وجود مَنْ هو أكثر خبرة خارج مجلس الخبراء أكبر. إن لم يكن للانتخاب الشعبي أثر في عالم الثبوت، وكان كشف القائد من قِبَل الخبراء مرهوناً بشروطهم الثبوتية، فما هو الفرق بين الخبراء المنتخبين وغيرهم؟ وقد التفت أحد الفقهاء المُنظّرين إلى هذه المسألة وقال: (باقي الخبراء ملزمون على أساس التعهد أمام الدستور بأن لا يبدون رأياً مخالفاً) هذا الحل وإن كان دليلاً على فطنة هذا الفقيه الجليل إلا أنه لا يحل هذه المسألة، وذلك: أولاً: إنه ارجع المسألة إلى المجال القانوني وليس له إلا أن يوضّح رأيه في كيفية التعهد الشرعي أمام الدستور. ثانياً: لا ينفع الحل المذكور في صورة كثرة الخبراء الذين لم يتعهدوا الالتزام بالدستور. ثالثاً: أي نص في الدستور يمنع الخبراء غير المنتخبين من طرح الرأي المخالف بعد انتخاب الخبراء المنتخبين للقائد؟! كما أنّ مسألة تحقق الشهرة بواسطة آراء الخبراء أو حصول الاطمئنان والعلم من ذلك أيضاً ليست من مصاديق التلازم الشرعي أو العرفي، بل على العكس؛ فإنه يمكن أن تتحقق الشهرة والاطمئنان من طريق آراء الخبراء غير المنتخبين، وعدم تحقق ذلك من آراء المنتخبين. والنظرية القائلة: إنّ أعمال الفقيه الأعلم الأصلح للولاية لسنوات بناءً على حكم أحد الفقهاء أو مجموعة منهم ـ أصحاب صلاحية أقل طبعاً ـ وتشبيه ذلك بحكم الحاكم برؤية الهلال بعيدة جداً ومحاولة لا تثمر شيئاً. النظرية الوحيدة القابلة للاعتماد نسبياً: هي نظرية الحكم العقلائي في فرض التزاحم، أو احتماله، أو الحكم العقلائي بهدف حفظ النظم ومنع الفوضى والاختلاف، هذه النظرية تقرّبنا من نظرية المشروعية الإلهية ـ الشعبية. تعطي لانتخابنا أثراً عقلاً، وإن جاء بعد انتخاب الخبراء مَنْ هم أعلى درجة من حيث الخبرة وملتزمون باختيارهم ويعيّنون وكلاء عنهم لانتخاب القائد. قال أحد المنظّرين للكشف: (على كل حال لا طريق سوى الرجوع إلى رأي الأكثرية وإن لم توجد وكالة ولا عقد اجتماعي وإنما مجرد التوافق على الخبراء) لكن السؤال هو ما هو تأثير التوافق الشعبي الصرف على الخبراء في كشفهم للواقع؟ وخصوصاً أننا نعلم بوجود خبراء أفضل خارج مجلس الخبراء؟ وعلى كل حال فإن موقع الخبراء بحث دقيق جداً وواضح طبقاً لنظرية المشروعية الإلهية ـ الشعبية. وفي النهاية نشير إلى هذا المبنى: وهو إنّ البعض يرى أنّ مشروعية خبراء القيادة مرتبطة بحضور هذا الأصل في الدستور، وأنّ مشروعية الدستور بتصديق المرحوم الإمام الخميني (قدس سره) ويعتقد أنّ الدستور باللحاظ الشرعي ليس ميثاقاً وطنياً لا يقبل التغيير في بعض الأصول ويحتاج تغيير بعض أصوله إلى اجتياز مراحل متعددة منها التصويت العام بل هو حكم ولائي ـ إلى جانب باقي الأحكام الحكومية للقائد ـ ويمكن تغييرها بالتشخيص الاحتمالي للقائد. يظهر أنّ هذا الكلام حاك عن نوع من التهافت بين مختلف مستويات التنظير أو بين النظرية والتطبيق. (الاجتهاد) من شرائط أعضاء مجلس الخبراء؟ مجلة الحكومة الإسلامية: هل ترون (الاجتهاد) من شرائط أعضاء مجلس الخبراء؟ ولماذا لا يمكن لمتخصصي سائر الاختصاصات العضوية في هذا المجلس؟ قاضي زاده: للخبراء وظيفتان: أ ـ اختيار القائد بشرائط: الاجتهاد المطلق ، العدالة، الفهم السياسي ـ الاجتماعي الصحيح، التدبير، الشجاعة، الإدارة والقدرة الكافية للقيادة، ومع تعدد الأفراد يختار الأكفأ سياسياً وفقهياً. ب ـ تشخيص .... شروط القيادة. على هذا الأساس نرى أنّ شروط الخبراء في قانون خبراء القيادة كالتالي: 1ـ الاشتهار بالتدين والوثوق واللياقة الأخلاقية 2ـ الاجتهاد المتجزّي. 3ـ الفهم السياسي والاجتماعي والاحاطة بمسائل العصر. 4ـ الاعتقاد بنظام الجمهورية الإسلامية. 5ـ عدم وجود سابقة سياسية أو اجتماعية سيّئة. أن تلقي المقنن مبني على أن عضو مجلس الخبراء يجب عليه أن يحرز بنفسه شرائط القيادة بالوجدان وبالطرق التي تؤدي إلى العلم، والاجتهاد في ذلك، وعدم الاعتماد على قول الخبير، ومن هنا اكتفي في الاجتهاد بكونه قادراً على تعيين الوالي الفقيه الجامع لشروط القيادة. إن لاحظنا شرائط القائد وعضو مجلس الخبراء بالتناسب، فإن الشرط الأول والرابع والخامس للخبراء تؤمّن أمانة العضو وتنزّهه عن الخيانة، والانتخاب على أساس الحب والبغض الشخصي والسياسي وغيرها، هذه الشروط الثلاثة تتماثل مع شرط العدالة والتقوى في القائد نوعاً ما، والشرط الثاني والثالث مختصّان بالخبراء، فالشرط الثاني لتأمين تحقق الاجتهاد والفهم الفقهي الأمثل، والشرط الثالث لتأمين تحقق الفهم السياسي الاجتماعي للقائد وأفضليته على الآخَرين في ذلك. وذكرت للقيادة شروط أخرى كشرط الشجاعة، والإدارة، والتدبير، والقدرة الكافية للقيادة، وهذه الشروط الأربعة الضرورية في القائد غير مشروطة في الخبراء، ولعلّ شرط الإحاطة والإلمام بمسائل العصر مماثل لها. وعلى كل حال فإن هذه الشروط مهمة جداً، خصوصاً حالياً؛ إذ يكتفى فقهياً بالاجتهاد المطلق ولا يحتاج إلى الأعلمية الفقهية للقائد، فإما أن نعتقد حصول قوة الانتباه والتدبير والإدارة والشجاعة بالاجتهاد الجزئي، والفهم السياسي الاجتماعي وتكفي هذه الشروط، أو أنّ نقول أن تشخيص الإدارة والشجاعة يحتاج إلى تخصص أيضاً وتشخيص الحد الأدنى اللازم من هذه الشروط في القائد أمر ليس بالسهل. في هذه الصورة نحتاج إلى إضافة الخبراء السياسيين والاقتصاديين والعسكريين إلى الخبراء الفقهيين لننجح في إحراز هذه الشروط واستمرارها. شريفي: احتمل أنّ المقصود بهذا السؤال توضيح المبنى العلمي والعقلائي لموافقتنا ومخالفتنا لهذا القانون الذي ينص على الاجتهاد، وكشرط لازم للعضوية في مجلس الخبراء، وأُبيّن الجواب بذكر مثال: ما هي أكثر الطرق عقلائية لمعرفة عالم الكيمياء الأول في البلد؟ هل نذهب إلى المزارعين أو التجار أو العمال أو السياسيين وأبطال الرياضة وأمثالهم ليعرّفوا لنا عالم الكيمياء الأول في البلد؟ هل هذا العمل عقلائي؟ لا ريب أنّ الجواب هو النفي، هذا الأسلوب ليس غير عقلائي فقط بل أن تحلي مخاطبونا، بالفعل والإنصاف لامتنعوا عن إجابتنا من الأساس ولأحالونا إلى ذوي الخبرة والاختصاص في هذا المجال. لذا يبدو أنّ أفضل الطرق وأكثرها عقلائية هو السؤال من الكيميائيين ليعرّفوننا على عالم الكيمياء الأول والأبرز في البلد، ولتحقيق هذا الأمر توجد عدة طرق: الأول: أن نطلب من كيميائي كل منطقة تعيين العلماء الأبرز من بينهم، ثم نجمع العلماء المنتخبين من كل المناطق ونختار الأفضل من بينهم وهكذا حتى نصل إلى انتخاب أفضل الموجودين. والطريق الآخر: هو جمع الكيميائيين المعروفين من كل منطقة ـ نظراً للمعرفة الإجمالية التي يكون عليها الناس في كل منطقة تجاه علماء الكيمياء فيها ـ لينتخب أفضل عالم كيمياء في البلد. كذلك في مسألة تعيين القائد، فكما قلنا: إنّ عمل الخبراء هو تشخيص وتعيين أفضل وأقوى وأنسب فقيه لولاية الأمر في الأمة الإسلامية، واجب مجلس الخبراء الأصلي هو تشخيص الفقيه الواجد للشرائط وتعريفه كقائد للجمهورية الإسلامية، والعقل يحكم بأن من له صلاحية العضوية في مجلس الخبراء إنما هو الخبير بالقائد، وإنما يحصل الاطمئنان برأيه إذا كان خبيراً واقعاً أو يرى الناس خبرته في هذا المجال. الآن لابد من التعرّف على شرائط وخصائص القائد، طبقاً للأصل (109) من الدستور، شرائط وصفات القائد عبارة عن: 1ـ الصلاحية العلمية اللازمة للإفتاء في مختلف أبواب الفقه. 2ـ العدالة والتقوى اللازمة لقيادة الأمة الإسلامية. 3ـ الفهم السياسي والاجتماعي الصحيح، التدبير، الشجاعة، الإدارة والقدرة الكافية للقيادة. ويحظى بعض هذه الشروط الثلاثة بأهمية خاصة وهو الشرط الأول (القدرة الفقهية) والشرط الثالث(الفهم السياسي). وكما جاء في بقية هذا الأصل: ( في صورة تعدد واجدي الشروط المتقدمة يقدّم الأقوى فهماً في السياسة والفقه).ونظراً إلى أنّ الأصل المذكور لم يشترط في القائد الاجتهاد الفقهي فقط وإنما إضافة العدالة والتقوى والفهم السياسي والاجتماعي والإدارة والتدبير وأمثالها فلابد من توفر هذه الشروط بمستوى مقبول في أعضاء مجلس الخبراء أيضاً. وإلا فمن كان من الخبراء مجتهداً فقط ولا علم له بالسياسة والمسائل الاجتماعية والثقافية فمثل هذا الشخص لا يصلح ليكون خبيراً في القيادة، وهكذا إن كان محيطاً بالقضايا السياسية والإدارية لكن لا يمتلك قدرة الإجتهاد في المسائل الدينية فإنه لا يصلح ليكون خبيراً وعارفاً بالقيادة. وتوجد طرق متعددة أيضاً لانتخاب خبراء القيادة ونشير هنا إلى طريقين: الأول: إن وجد في كل منطقة مجموعة من خبراء القيادة نطلب منهم اختيار المجموعة الأفضل من بينهم، ثم نجمع هذه المجاميع المختارة من كل المناطق ونطلب منهم اختيار الأفضل من بينهم ليشكّل مجمعاً للخبراء، وهم بدورهم يعرّفون الفرد الأقوى والأنسب كقائد للمجتمع الإسلامي. والطريق الآخر: نظراً إلى قلّة العارفين والخبراء بالقيادة في كل منطقة نطلب من عموم الناس انتخاب الأفراد المعتمدين عندهم، ثم نجمع منتخبي كل المناطق في مجلس ليقوموا باختصاصهم، وإن كان الطريق الأول من هذين الطريقين يبدو هو الأصوب، لكن الطريق الثاني لأسباب هو الأرجح في الوضع الحالي. من جملة هذه الأسباب أن لا يتّهم أعداء الإسلام النظام الإسلامي بالاستبداد، وعدم الاعتناء بالشعب كما يحاولون الآن إشاعة مثل هذا الجو المسموم، مضافاً إلى ذلك فإن الطريق الثاني يشعر أفراد الشعب بإسهامهم في أعمق القضايا الإدارية والحكومية. وقد يطرح هذا التساؤل: أليس الأنسب في مجلس الخبراء نظراً إلى تعدد الصفات الواجب توفرها في القائد أن يكون مركباً من مجموعة من الاختصاصين في المجالات المتعلقة بالقيادة؟ لو أعملنا قليلاً من الدقة لأصبح الجواب عن هذا السؤال واضحاً وذلك: أولاً: أشرنا أنّ (الاجتهاد ليس الشرط الوحيد في أعضاء مجلس الخبراء، بل المرشّح الصالح لهذا المجلس هو من تحلّى بحدّ النصاب من جميع شروط وخصائص القيادة؛ لذا جاء في النظام الداخلي لمجلس الخبراء لزوم أن يتوفر في المرشّح الفهم السياسي والاجتماعي والتقوى مضافاً إلى شرط الاجتهاد؛ لأنه كما أشرنا الوظيفة الرئيسية لخبراء القيادة هي تعيين القائد والرقابة على استمرار توفر الصفات فيه، ولا يقدر على تشخيص ذلك إلا مَنْ تحلى بقدر موجب للاطمئنان من صفات القيادة، فإن القيادة في الجمهورية الإسلامية ليست منصباً دينياً فقط، بل مضافاً إلى ذلك لها صلاحيات ووظائف سياسية وإدارية واجتماعية مهمة جداً؛ وعليه فلابد من أن يتوفر في خبراء القيادة نصاب محدد من الإحاطة السياسية والاجتماعية والإدارية. ثانياً: إنّ الاستعانة بذوي جميع الاختصاصات لا يعني وجوب كونهم جميعاً أعضاء في مجلس الخبراء بل من الممكن أن يستعين المجلس في لجانه التخصصية بخبراء من خارج دائرته بما يدعم المجلس في الوفاء بواجبه. ثالثاً: التصويت على القائد رأي بسيط وغير مركب، أي على المصوّت أن يراعي جميع شروط القيادة في تصويته لا بعضها فقط، وإلا فإن أراد كل شخص تحديد القائد من منظاره الخاص مثلاً العسكري ونظراً لتخصصه من الطبيعي أن يختار الفرد الأقوى في القضايا العسكرية، ولا يهمه إن كان هذا الفرد كفوءً في المسائل الأخرى الإدارية أو الدينية أو السياسية أو لا، أو الفرد السياسي يختار الأقوى في المسائل السياسية دون مراعاة كفاءته الإدارية والدينية والعسكرية، في حين أنّ التصويت على القائد أمر بسيط ناظر الى جميع الشروط المندرجة في الدستور. رابعاً: علينا أن لا ننسى أننا نريد تعيين خبراء القيادة في نظام الجمهورية الإسلامية أي النظام المبتني على أحكام وقوانين الإسلام، وإن كان القائد في هذا النظام يلزم أن يتحلى بشروط متعددة من الفقاهة والعدالة والإدارة، ولكن وكما يفهم من ذيل الأصل مئة وتسعة من الدستور فإن هذه الشروط ليست في مستوى واحد، ويكمن الفارق بين هذا النظام والأنظمة الأخرى في الشرط الأول وهو الفقاهة، فإن العدالة والشجاعة والإدارة والسياسة موجودة في جميع الأنظمة الإسلامية إلى من هو عارف بالفقاهة والاجتهاد وإنما يقدر على تشخيص هذا الشرط الفقيه والمجتهد فقط. مجلس الخبراء قادر على رقابة القائد؟ مجلة الحكومة الإسلامية: هل مجلس الخبراء برأيكم قادر على رقابة القائد؟ ما هو نوع هذه الرقابة وما هو إطارها من الناحيتين الفقهية والقانونية؟ شريفي: لاشك في أنّ الرقابة على القائد من وظائف مجلس الخبراء كما نصّ على هذا في الأصل مئة وتسعة من الدستور، لكن لابد من معرفة المقصود من (الرقابة على القائد) فتارة يراد من (الرقابة) امتلاك حق إعمال الولاية. ويعني (المراقب) بهذا المعنى(المستجوب) ويعني (المراقب) (المجيب) وللمستجوب نوع من الولاية على المجيب، هذا التفسير لرقابة مجلس الخبراء على القائد غير صحيح، فلا يمتلك مجلس الخبراء هذا النوع من الرقابة على القائد لأنه: أولاً: يستتبع عملاً برلمانياً، في حين أنّ مجلس الخبراء ليس برلماناً. ثانياً: إن كان للمجلس مثل هذا الحق سيخرج القائد من حيّز المعادلة؛ وذلك لأنه سوف يرى العاملون أنفسهم غير مسؤولين أمام القائد بدلاً من أن يكونوا مسؤولين، وإنما يسعون جادّين لتحصيل رضا مجلس الخبراء لا رضا القائد. ثالثاً: معنى هذه الرقابة الولاية على (الولي) ولازمه أن لا يكون (ولياً) مَنْ فرضناه واعتقدناه (ولياً). لكن إن كان المقصود من الرقابة على القائد الرقابة على استمرار وجود صفات القيادة فيه فهذه من الوظائف الرئيسية لهذا المجلس، ونفس الدليل الذي يلزم الرجوع إلى الخبراء في تشخيص الولي الجامع للشرائط يلزم استمرارية رقابة الخبراء؛ لأن الفقيه ليس معصوماً لينتفي احتمال تخلّف الشروط المعتبرة فيه بقاءً، إذ يحتمل تخلّفها في أي لحظة؛ مما يوجب على الخبراء دائماً التدقيق والمتابعة لإحراز بقاء الصفات المعتبرة في القائد الذي انتخبوه، بتعبير آخر لا تتلخص وظيفة مجلس الخبراء في إحراز الصفات ابتداءً بل عليهم مراقبة استمرار توفرها فيه أيضاً. جاء في الأصل مئة وأحد عشر من الدستور: (إنّ عجز القائد عن أداء وظائفه القانونية أو فقد أحد الشروط المذكورة في الأصلين الخامس والمئة وتسعة أو علم فقدان بعض الشروط فيه من البداية عزل عن منصبه، وتشخيص هذا الأمر في عهدة الخبراء المذكورين في الأصل مئة وثمانية) يُبيّن هذا الأصل وظيفة مجلس الخبراء في الرقابة على استمرار توفر شروط القيادة لا الرقابة على القائد بمعنى حق الأمر والنهي عليه. قاضي زاده: لم يرد في الدستور تعبير(الرقابة على القيادة) في مجال وظائف وصلاحيات مجلس الخبراء، بل استمرار مسؤوليتهم هي في تشخيص بقاء أو زوال شروط القيادة في القائد المنتخب من قِبَلهم، أما تشخيص زوال شروط القيادة بمعنى تشخيص العجز في الإدارة والتدبير وزوال الشجاعة والعلم والعدالة، أو عدم امتلاك الأفضلية في الفهم السياسي والفقهي في صورة تعدد واجدي الشرائط فهذا التشخيص يفتقر إلى آلية عمل خاصة يتطلب تحقيقها أن يشكّل خبراء القيادة لجنة تحقيقية تتكفّل الرقابة القريبة والبعيدة على المؤسسات التي يشرف عليها القائد وعلى مجمل فعاليات القائد من النصب والعزل وغيرها. لذا من الناحية القانونية يكون من يحدد دائرة صلاحيات ووظائف الخبراء هم أنفسهم، وهم من قرر هذه الوظيفة في الرقابة؛ لذا فرقابتهم القانونية أمر مسلّم. ومن الناحية الشرعية أيضاً المسألة واضحة بناءً على قبول المشروعية الإلهية ـ الشعبية للقائد؛ وذلك للزوم توفر الشروط في القائد حدوثاً وبقاءً ـ ومن جملتها شرط الاعتماد الشعبي ـ ويحتاج استمرار بقاء هذه الشروط إلى تأييد خبراء القيادة ـ وكلاء الشعب ـ الناتج عن الإطلاع التام منهم، كما أنّ استمرار إقبال الخبراء يتوقف على وجود شروط أخرى في القائد بشكل مستمر. من هنا فإن رقابة الخبراء أمر مطلوب؛ لاستمرار مشروعية إعمال ولاية القيادة. ____________________ * عضو الهيئة العلمية في جامعة إعداد المعلمين. * عضو الهيئة العلمية لمؤسسة الإمام الخميني. [1] صحيفة النور، ج10، ص 181. [2] الأحزاب، الآية: 36. [3] صحيفة النور ج6 ص 259ـ258 3/3/1358. [4] صحيفة النور، ج2 ص 159، 22/7/1357. [5] صحيفة النور، ج13 ص 53، 30/4/1359. [6] صحيفة النور، ج14 ص 378 ـ 370، 6/3/1360. [7] صحيفة النور، ج9 ص 256. [8] صحيفة النور، ج6 ص 256، 22/3/1358. [9] نفس المصدر. [10] صحيفة النور، ص 257 ، 3/3/1358. [11] صحيفة النور، ص 257، 3/3/1358، ص 110، 6/10/1358. [12] صحيفة النور، ج11 ص 110، 6/10/1358. [13] صحيفة النور، ص 171، 11/10/1358.. [14] صحيفة النور، ج21، ص 129. [15] صحيفة الإمام: ج2 ص 409. [16] صحيفة الإمام: ج5، ص 387، 18/10/1357. [17] صحيفة الإمام، ج11 ص 133، 7/10/1358. [18] صحيفة الإمام، ج10 ص 353، 3/8/1358. [19] صحيفة الإمام، ج1 ص 26. [20] صحيفة الإمام، ج9 ص 254، 12/7/1358. [21] صحيفة الإمام، ج6 ص 59، 16/11/1357. [22] صحيفة الإمام ج9 ص 251، 12/7/1364. [23] صحيفة الإمام، ج19 ص 237، 1/8/1364. [24] صحيفة الإمام، ج15، ص 67، 7/5/1360. [25] صحيفة الإمام، ج20 ص 459، 29/1/1366. [26] صحيفة الإمام، ج19 ص 193، 8/5/1364. [27] صحيفة الإمام، ج8 ص 176 ـ 169، 25/3/1358. [28] طه: 5. [29] الأنفال: 62. [30] نهج البلاغة الخطبة 3. [31] العلامة المجلسي، بحار الأنوار ج 30 ص 14. [32] العلامة المجلسي، حديث 35 ص 168 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص 108. [33] تاريخ اليعقوبي ج2 ص 105. [34] نهج البلاغة ج1 ص 69.