الصحوة الإسلامية

بقلم: صديقة مقدس بور

لا يخفى على أحد أثر زعامة الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) في صحوة المستضعفين ومسلمي العالم. فنادراً ما نرى من ترك بفكره ونهضته وفعله مثل هذا الأثر الكبير في التاريخ والعالم بأسره... إلا أن الإمام الخميني غير مفهوم القدرة لا في العالم الإسلامي فحسب بل في العالم كافة، وذلك بفضل قدرة سبق وان استبدلت المصادر والمصالح المادية بما مكن من انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وما نتج عنها من احترام العقائد وتنمية الأفكار والمعلوماتية.

بتتبع سير زعماء الثورات في العالم، نرى أن أياً منهم لم يكن يرقى إلى مستوى الإمام الخميني في التواصل الصادق مع المستضعفين وسواهم من شرائح المجتمع. فقد فاق سماحته غيره في مخاطبة المسلمين وبيان مفاهيم القرآن الكريم بلسان سهل وبسيط. فهذا من الأسرار الكبيرة لانتصار هذه الثورة الإسلامية وأيضاً لمحة عن حيوة الإمام الخميني وسيرته الذاتية المؤهلة لزعامة المسلمين.

 

حيوة الإمام

 

تميزت حيوة الإمام الخميني رحمه الله إبان الدراسة الحوزية، ولدى توليه زعامة المرجعية الدينية وأيضاً السياسية بالبساطة وعدم التكلف. فكان شغل سماحته الشاغل الأمة الإسلامية وما يكفل إنقاذها من الضلال والتخلف المادي والمعنوي وما يؤكد ذلك مخاطبته الرئيس السوفيتي ميكائيل غورباتشوف وقداسة الباباجون بولس الثاني وأيضاً حرص سماحته على إنقاذ البشرية وإنقاذ ثقافات كانت قد انحرفت عن النهج القويم والسعادة الأبدية.

فهو قدس سره الشريف أول مفكر كان قد بادر في القرون المتأخرة إلى التنظير للثورة وطبق ذلك لاحقاً. فنادراً ما يحدثنا التاريخ عمن كتبوا عن وجوب القيام بهذه الثورة فعلموا بما قالوا وكتبوا.

إن ملازمة القول والفعل أو العلم والعمل، كانت وراء نجاحات سماحته وانتصاراته المتلاحقة المتكللة بالثورة الإسلامية المظفرة في إيران.

من أهم مؤثرات الإمام الخميني والثورة الإسلامية هذه، استثمار الدين في التطور الاجتماعي المنشود. وأن سماحته بالاعتماد على الدين، بادر بتغيير مفهوم القدرة، فوعى المسلمون وأدركوا أن القدرة الحقة، هي قدرة الله التي تمكنهم من استيفاء حقوقهم.

لقد أثبت الإمام للمسلمين والمستضعفين كافة أن السبيل الوحيد لتحقيق الأهداف والتطلعات المشروعة، العمل بتوجيهات آخر أديان السماء، الذي يخاطب البشرية كلها. فالإسلام كما بينه الإمام رحمة الله عليه وأكدته الثورة الإسلامية السبيل خلاص البشرية الوحيد.

 

مصاديق تأثير الثورة الإسلامية على المسلمين

 

الوعي السياسي: أعقب انتصار الثورة الإسلامية في إيران، التبلور الطوعي للتنظيمات الجماهيرية وتواصل هذه التنظيمات مع سائر تنظيمات العالم. وهذا ما أثار بطبيعة الحال غضب وردود فعل الكثير من المحافل الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن الشعب الإيراني برجاله ونسائه استمر في تقدير الصحوة الإسلامية وتثمينها معنوياً، متجاهلاً في ذلك الزوبعة وردود الفعل الحادة هذه حتى أدرك سائر الشعوب مع مرور الزمن، وببركة النموذج الذي طرحته الثورة الإسلامية بوجوب حضور الجمهور السوح السياسية والاجتماعية، ما حرمت منه وفقدته من الحقوق المشروعة، مثل: انتخاب مبدأي "الحجاب والحضور الاجتماعي" من قبل نساء تركيا.

ليس المسلمون وحدهم وإنما عشرات الألوف من الغربيين أيضاً تشرفوا بعد تعرفهم القيم الإلهية للإسلام بأعناق هذا الدين المبين.

الحجاب الإسلامي: الصورة التي عرضتها الثورة الإسلامية عن المرأة، كان لها أثران مهمان.

الأول؛ المرأة المسلمة، غير انفعالية وليست ملزمة بالمكوث في البيت.

فما كان يتصوره الغرب، انه ليس للمرأة الإيرانية حضورٌ اجتماعي فهي ربة بيت لا غير.

الثاني؛ الحد من الرؤية السلبية للمرأة المسلمة وإبلاغ سائر بلاد العالم بنوع حجاب المرأة في الجمهورية الإسلامية.

وحدة الدين والحكومة: إن التيارات الإسلامية حاضرة اليوم بين أهم المجاميع السياسية في العالم إيماناً منها بتواصل الدين والسياسة وعدم الفصل بينهما. فمرد هذا الإيمان تأثيرات الثورة الإسلامية ونظرية عالميتها؛ أي: تلاحم الدين والسياسة.

بانتصار الثورة الإسلامية في إيران، طرح الإمام الخميني هذه النظرية باعتبارها الظاهرة الأولى والأكبر لتلاحم الدين والحكومة ووحدة الاثنين إيماناً من سماحته أن إرادة المستضعفين ستفضي بهذا التلاحم إلى زعامة العالم كله.

طبعاً ليس من الصعب درك الدين والسياسة في مفهوم الثورة الإسلامية، فانبثاق مقولة الأمة الإسلامية القادرة على توحيد المسلمين بغض النظر عن الفوارق الوطنية والحواجز القومية والسياسية المختلفة، هو من قيم الثورة الإسلامية وشعاراتها.

إلى جانب ذلك؛ أن توكيد الثورة الإسلامية لزوم إتباع القرآن الكريم والأحكام الإسلامية، لا يدع شكاً من أن ما ترنو إليه هذه الثورة تحكيم المبادئ الأساس لأصول الإسلام في العالم.

لقد أودى تلاحم المذهب والسياسة الإسلامية المستمد من الثورة الإسلامية، بالحكومة الأمريكية لأن ترى في الإسلام عاملاً لإبادة العالم وفي الثورة الإسلاميّة الخطر الأساس لمصالحها، وتحاول في النهاية مناصرة أعداء الحركات الإسلامية والسياسية في المعمورة.

محاربة الاستكبار: من التطورات التي أعقبت انتصار الثورة الإسلامية، انتقاء الإسلام سبيلاً لمحاربة الاستبداد والاستكبار.

وما استحالة القضية الفلسطينية وتبديلها من قضية قومية وشيوعية إلى قضية إسلامية إلا جانباً من قيم الثورة الإسلامية هذه. من هذا المنطلق تبلورت الحركة الفلسطينية في الإسلام لتكون الوسيلة المجديّة الوحيدة للخروج من مأزق الصراع غير المجدي.

فمن دلالات توجه الحركة الفلسطينية نحو الإسلام والأخذ بما للثورة الإسلامية الإيرانية من تعاليم وتوجيهات لمحاربة ما يسمى إسرائيل؛ الانتفاضة وخصوصياتها، عدم التبعية أو الانتماء للتكتلات الداخلية والخارجية، تطوير المساجد والإكثار منها تعزيزاً للمعنويات وروح الجهاد الإسلامي، صمود المقاتلين ووحدة صفوفهم، زيادة حضور الناس في صلوات الجمعة والجماعة وإصدار المجلات الثورية.

فما قاله مؤسس حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية الشهيد فتحي الشقاقي عن الثورة الإسلامية في إيران؛ إنها فتحت عصراً جديداً أمام الحركة لينظر إلى القضية الفلسطينية من زاوية الإسلام فحسب.

لقد أطاحت الثورة الإسلامية ما في العالم من هياكل وصروح لتتبد لها بالحديث من الصروح والهياكل القيمة. على سبيل المثال:

لنقل مجتمع تقليدي إلى متطور تقتضي الحداثة إتباع نموذج عالمي للتنمية، نموذج مستوحى من الغرب المتطور.

بيد أن الثورة الإسلامية الإيرانية بتشكيكها أسس التنمية الغربية وتفنيد حب الدنيا المفرط، أكدت عدم الحاجة للنماذج الغربية في التنمية الاجتماعية.

وهي برفضها نظرية التطور المفتقر للحيوة المعنوية، فتحت أمام البشرية آفاقاً جديدة تلبي ما لها من المتطلبات المادية والمعنوية.

شعبية الثورة الإسلامية: من خصائص الثورة الإسلامية في إيران وقيمها، أنها ثورة شعبية. ما يعني قدرة الإسلام على تعبئة جماهير الشعب.

إلى ذلك؛ قال زعيم الجبهة الإسلامية في السودان الدكتور حسن الترابي: لقد بادرت الثورة الإسلامية لطرح فكرة العمل الشعبي وتجنيد الجماهير وتقديم ذلك هدية ثمينة لتجارب الدعوة الإسلامية في دنيا الإسلام.

فقد دفعت فكرة العمل الشعبي؛ الحركات الإسلامية للدعوة إلى الوحدة المذهبية والقومية ما زاد في ابتعاد الحركات الإسلامية السياسية عن الاختلاف والتفرقة وفي تعزيزها بتنظيمات تتميز بمزيد من القوة، والإمكانات والدعم والصمود.

هناك في الحركات السياسية نماذج كثيرة عن التوجه الشعبي، فمن أهم الشعارات الشعبية المختارة في مثل هذه الحركات، شعار "الله اكبر ولا إله إلا الله".

ما قدمته الثورة الإسلامية للعالم وأفهمته أيضاً، وجوب اعتماد رأي الشعب في شرعية النظام السياسي؛ ومن هذا المنطلق بالذات اعتمد الاستفتاء العام لشرعية مبدأ الثورة الإسلامية هذه. فهذا الاستفتاء لم يكن عملاَ شجاعاً فحسب، بل فكرة فاقت الديمقراطية الغربية.

نموذج عالمي: تعتزم الثورة الإسلامية إقامة نظام عالمي مبني على الدين وأنها من أجل ذلك تبنت إستراتيجيتين اثنتين.

الأولى: انتهاج برنامج قصير الأمد لمواجهة العولمة بمفهومها الغربي.

الثانية: تطبيق برنامج طويل الأمد لتضعيف العولمة الغربية وذلك بعرض وجه مشرف للإسلام وترغيب العالم بالحكومة الإسلامية.

 

النظام العالمي الذي تتطلع إليه الثورة الإسلامية

 

1- هو نظام الإمامة والأمة القائم على زعامة الإمام المعصوم الذي يؤسس باستثماره العلم اللدني، والعصمة الإلهية لنظام عادل ويسير بكل الشعوب، والحكومات والدول كأمّة واحدة نحو الفضيلة والكمال الإنساني والإسلامي.

للزعامة والإمامة في النظام الإسلامي العالمي، خصوصيات ثلاث:

 

أولاً: الزعامة والمركزية العقائدية، المعنوية والسياسية.

ثانياً: الزعيم؛ من ينتخبه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أو من ينتخب من قبل النائب الخاص للإمام المعصوم مباشرة، ومن قبل النائب العام للإمام المعصوم بصورة غير مباشرة.

ثالثاً: تولي الحكومة، منوط بقبول الجمهور.

 

2- المجتمع الإسلامي العالمي؛ يتمتع بكامل الاستقلال، والمواهب والكفاءات ويلبي ما للفرد من المتطلبات الفطرية والروحية الأساس. ويفتقر في الوقت نفسه لما يسمى الانتماء القومي، تعدد الزعامات المزورة، القوانين الوضعية الموجبة للأخطاء وكذلك لحكم الشيطان الذي هو أساس كل النزاعات في العالم.

3- في المجتمع العالمي الإسلامي المنشود يوكل الناس، أمر الحكم وقانون السماء في الأرض لزعيم ربّاني. بمعنى؛ تجلي حكم الله بصورة إرادة الإمام في الأرض لتزول معها ما في الدنيا من الحدود المصطنعة.

وقد أفرزت صلة الثورة الإسلامية وتعاطيها مع الصحوة الإسلامية أموراً كثيرة؛ منها:

كان للثورة الإسلامية بالرغم من قدم الصحوة الإسلامية دورها المصيري في تطوير هذه الصحوة وترسيخها.

فلها؛ أي: لهذه الثورة دورها الفاعل والأكيد في الصحوة الإسلامية من مختلف الوجوه.

على سبيل المثال، يمكن مشاهدة تأثير الثورة الإيرانية على الصحوة الإسلامية في أقوال الإمام الخميني ومواقف قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي وكذلك تطورات العالم الإسلامي في العقود الأخيرة.

كما جسدت الثورة الإسلامية في إيران، المساعي المبذولة على طريق تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية بين سكان المعمورة زادت كذلك من ردود فعل المسلمين إزاء الغرب والتغرب. فما من شك أن مرد صمود فنزويلا حكومة وشعباً أمام أمريكا اليوم، تأثيرات الثورة الإسلامية.

في كوبا؛ يواصل كاسترو المدعوم من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية صموده بوجه الغطرسة الأمريكية.

وفي لبنان؛ يحاول حزب الله باتعاظه بدروس ثورة الإسلامية الإيرانية المعنية بالحرية والتحرر صون استقلال لبنان أمام الكيان الصهيوني.

وفي سوريا، كم من مرة أعلن مسئولو هذا البلد أنهم تعملوا من الثورة الإيرانية درس المقاومة والصمود بوجه إسرائيل الغاصبة.

وفي أفغانستان؛ أفلح المقاتلون الأفغان في طرد القوات الروسية الغازية من بلادهم بالاعتماد على دروس الثورة الإسلامية الإيرانية.

فقد أضحى نيل إيران استقلالها السياسي، الاقتصادي، الثقافي والعسكري نموذجاً تقتدي به سائر الدول بما في ذلك دول الشرق الأوسط التي يطلق أبناؤها في حربهم ضد الغزاة والمعتدين ذات الشعارات الإيرانية (الموت لأمريكا)، ويستخدمون أساليب البسيج؛ أي: قوات التعبئة في إيران الإسلامية، والأسلحة الخفيفة والمألوفة ودعاء التوسل با...

والتوكل عليه جل وعلا في دعوتهم للثورة الإسلامية.

هذا ما يقلق الاستكبار ويخشاه من تحقق انتصار واحد أو أكثر مثل انتصار الثورة الإسلامية في إيران.

المصدر: موقع إذاعة الجمهورية الإسلامية في ايران