تآلف القلوب بين أبناء الأمة الإسلامية
المكان: طهران
الزمان: 25/10/1385هـ،ش ـ 25/ 12/1427هـ،ق ـ 15/1/2007م
الحضور: المشاركون في المؤتمـر من علماء الدين الشيعة والسنة.
المناسبة: إقامة مؤتمـر علماء الدين الشيعة والسنة والملتقى الثاني لتكريم العلامة ابن ميثم البحـرانـي (قدس سره)
بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بالضيوف الأعزاء القادمين من داخل البلاد وخارجها ومن مختلف أرجاء العالم، هذا الاجتماع اجتماع مبارك ونحن نصبو دوماً الى تآلف القلوب الذي يتحقق من خلال اجتماع كهذا.
أتحدث قليلاً عن العلامة ابن ميثم البحراني. كان ابن ميثم شخصية علمية كبيرة في القرن السابع وكان فقيهاً ومتكلماً وعالماً بالمفاهيم العالية الواردة بشكل مكثف في نهج البلاغة لأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.
في سنوات ما قبل الثورة الإسلامية كنت أدرس نهج البلاغة للشباب وطلاب العلوم الدينية والجامعات. وكنت أراجع شروح نهج البلاغة فتوصلت حينذاك الى استنتاج بأن شرح ابن ميثم من بين جميع شروح نهج البلاغة هو الأفضل من حيث تبيينه لمقاصد أمير المؤمنين وكلامه. ولهذا أرى من الضروري تبجيل هذه الشخصية العلمية الجليلة من قبل جميع المسلمين لأن نهج البلاغة هو كتاب لكل المسلمين ولهذا يلاحظ أنه شرح على مدى القرون الماضية من قبل رجال عظام ومشاهير العلماء من السنة والشيعة حتى في الآونة الأخيرة شرح هذا الكتاب الشيخ محمد عبده وأشاد به فهو كتاب للمسلمين كافة.
ثمة مسألة أهم في عصرنا هذا وهي مسألة تآلف القلوب بين أبناء الأمة الإسلامية ونحن قد بذلنا الجهود لتآلف القلوب بين الشيعة والسنة وتجسيد الوحدة أمام الجميع ليس خلال فترة الثورة فحسب بل أيضاً قبل سنين من اندلاعها وأنا شخصياً حينما كنت في المنفى في بلوشستان لسنين قبل الثورة، بعثت رسالة الى المرحوم مولوي شهداد الذي كان من أشهر علماء الدين في بلوشستان والذي كان رجلاً فاضلاً ويعرفه السادة البلوش، وكان في سراوان آنذاك وكنت أنا في ايرانشهر ودعوته للتباحث حيث أتيحت لنا الفرصة يومذاك، لكي نضع أسس ومباني اتحاد عملي حقيقي وواقعي وقلبي بين الشيعة والسنة فرحب بالمقابل بهذه القضية. لكنه انشغل فيما بعد بالقضايا المتعلقة بالثورة. وبعد انتصار الثورة وفي أول مؤتمر حول صلاة الجمعة الذي دعوت إلى عقده والذي حضره عدد من علماء السنة وكان من بينهم مولوي شهداد أيضاً، طرح هذا الموضوع وتباحثنا بشأنه أيضاً. الاختلاف بين معتنقي عقيدتين والناجم عن التعصب، هو أمر قائم وطبيعي ولا يخص الشيعة والسنة وحسب إذ كانت هناك وعلى مرّ التاريخ خلافات بين الطوائف الشيعية ذاتها وبين الطوائف السنية ذاتها فبمراجعة للتاريخ يلاحظ أنه كانت هناك خلافات بين الفرقاء الفقهيين والشافعية، وكذا بين مختلف فرقاء الشيعة. وإذا تدرجت هذه الخلافات الى المستويات الأدنى وانتشرت بين العامة منهم الناس، وصلت إلى حالات متشددة وخطيرة أيضاً. عندئذ يجلس العلماء مع بعضهم ويتحاورون بهذا الخصوص ولكن الخطير هو عندما يتولاه أولئك الذين لا يتعززون بسلاح العلم ويستخدمون سلاح الأحاسيس والسواعد والأسلحة المادية. مثل هذه القضايا كانت موجودة في العالم دوماً ومع ذلك كان هناك أيضاً مؤمنون وأناس خيرون يسعون دوماً لدرء الخطر. كما أن العلماء والنخب كانوا يسعون من أجل الحؤول دون نشوب صدامات بين ذوي المستويات والكفاءات العلمية الواطئة. ورغم ذلك دخل على الخط عامل آخر في فترة من الفترات ومازال وهو "الاستعمار" لكني لا أريد القول أن الاختلاف بين الشيعة والسنة كان مرده الاستعمار دوما.ً فأحاسيسهم هم أيضاً كانت السبب لذلك بالإضافة الى جهل البعض وتعصبهم واستنتاجاتهم الخاطئة، لكن حينما تدخل الاستعمار استفاد من هذا السلاح استفادة قصوى.
وعليه يلاحظ أن مشاهير المناضلين ضد الاستعمار والاستكبار كانوا يؤكدون تأكيداً مضاعفاً "وحدة الأمة الإسلامية" ومنهم السيد جمال الدين الأسد آبادي (رضوان الله تعالى عليه) المعروف بجمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده وغيرهما وكذلك المرحوم شرف الدين العاملي وغيره من علماء الشيعة الذين كانوا يحرصون خلال مواجهة الاستعمار على الحؤول دون أن تتحول هذه الخلافات بسهولة إلى حربة تستخدم ضد العالم الإسلامي وكان إمامنا الجليل "الإمام الخميني" يؤكد ومنذ البداية على الوحدة الإسلامية. وهنا أشير إلى أن الانجليز أكثر حنكة من بقية الأعداء المستعمرين في استخدام هذه الحربة لأنهم قضوا سنوات في إيران والبلدان العربية وشبه القارة الهندية وغدوا أدرى من غيرهم بطرق ورموز إثارة السنة على الشيعة والشيعة على السنة. وقد اشتدت هذه الحركة الاستعمارية بعد انتصار الثورة الإسلامية ولاحظنا مؤشراتها منذ بداية الثورة وحذرنا منها.
وفي الأيام أو السنوات الأخيرة حيث استطاعت الجمهورية الإسلامية تحقيق هدف كبير وبلوغ قمة عالية تمثلت في يقظة العالم الإسلامي، اشتدت دوافع مثيري الفتن والخلافات والجبهة الاستكبارية، وبدأ كل منهم بالعمل في هذا الاتجاه.
اليوم يريدون دفع الشيعة والسنة في العراق إلى قتال بعضهم البعض وكذلك يفعلون في باكستان وفي أفغانستان أيضاً إن استطاعوا وحتى هنا "في إيران" وحيثما استطاعوا ولدينا معلومات تفيد أن عناصرهم قد تسللوا إلى لبنان لإثارة الفرقة بين الشيعة والسنة هناك.
هذه العناصر التي تدفع للفرقة، ليست شيعية ولا سنية وهي لا تحب الشيعة ولا السنة، ولا تقبل المقدسات الشيعية ولا السنية.
قبل بضعة أيام أشار الرئيس الأمريكي بوش في خطابه الى حادث تفجير حرم الإمامين العسكريين عليهما السلام في العراق أما الذين وقفوا وراء الحادث كانوا من السلفية المتشددين الذين أثاروا غضب الشيعة ونجحوا في ما أرادوا. غير أن هذا الحادث وقع أمام أعين الأمريكيين أنفسهم! وفي نفس تلك المدينة التي يديرون هم شؤونها وفيما كانت القوات المسلحة وعناصرها من الأمريكان تقوم بدوريات هناك. فكيف يمكن أن يقع مثل هذا الحادث دون علمهم وبدون إذن منهم؟ إذن هم كانوا من نفذوا العملية.
هم يسمون الإرهابيين بالقاعدة والسلفية، في حين أنهم هم الذين يدفعونهم ويحفزونهم والأجهزة الأمريكية والإسرائيلية هي التي تدفع العناصر البعثية السابقة في العراق لتنفيذ عمليات تفجير في أية نقطة يشاؤون وأكثر المدن العراقية توتراً واضطراباً هي مدينة بغداد إضافة إلى بعض المدن الأخرى ولكنها في نفس الوقت خاضعة لإرادة الأجهزة الأمنية الأمريكية التي تتولى إدارة كافة شؤونها وإلا فإن الأمن مستتب على نطاق موسع في الكثير من المناطق الأخرى في العراق والتي يخسر فيها دور الأمريكيين وتتولى شؤونها القوات العراقية. لذلك فإن سبب عدم الاستقرار يعود إلى الأمريكيين أنفسهم لأن لديهم حوافز من وراء ذلك.
عشية انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وضع هؤلاء خططاً جديدة للإيحاء بأن هذه الثورة هي ثورة شيعية في حين أن الثورة الإسلامية هي ثورة الإسلام، ثورة القرآن وثورة لرفع راية الإسلام، ومن مفاخر هذه الثورة هو أنها تعرف للعالم التوحيد والأحكام الإلهية والقيم المعنوية للإسلام، وقد نجحت في ذلك بالفعل. ورغم كل هذا العداء نجحنا في إحياء الثورة الإسلامية وروح المباهاة الإسلامية والفخر والاعتزاز بالإسلام في ضمائر المسلمين وهذا هو ما يعاديه هؤلاء ويعارضونه وإلا لو كانت ثورتنا ثورة شيعية، لكنا انعزلنا عن العالم الإسلامي، ولما كان لنا شأن به ولما كان له شأن بنا، ولما مارس هؤلاء العداء ضدنا، إنهم رأوا وعلموا أن الثورة، هي ثورة إسلامية.
الثورة الإسلامية دافعت دفاعاً أكثر جدية عن فلسطين. ولم يدافع أحد وأي دولة وأي شعب وأي حكومة عن فلسطين ونضال الفلسطينيين والانتفاضة الفلسطينية كما دافع عنها الشعب الإيراني والحكومة الإيرانية والنظام الإسلامي فقد دعمناها معنوياً ومادياً وبكل ما استطعنا.
وحينما دخل السوفييت أفغانستان، سكتت كل الحكومات المسلمة في المنطقة لأسباب وتحفظات مختلفة. أما الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)، فقد بعث برسالة صريحة وواضحة الى السوفييت وقال لهم عليكم بالانسحاب من أفغانستان وأنا شخصياً عندما حضرت مجمعاً دولياً موسعاً حضرته أيضاً دول عدم الانحياز وعدد كبير من الدول الإسلامية، لاحظت أن أحداً لا يتطرق الى دخول الاتحاد السوفيتي لأفغانستان وكنت أنا الوحيد الذي حملت في كلمتي بشدة على "السوفييت" وبما أنه كان هناك عدد من اليساريين وممثلي البلدان الاشتراكية والموالية للاتحاد السوفيتي، فلم ينبس بنبت شفة أي ممثل عن البلدان الإسلامية. بل نحن تكلمنا وحملنا هناك أيضاً على أمريكا وعلى الاتحاد السوفيتي على السواء. وهذا هو ما يؤلمهم لأن هذه الثورة هي ثورة إسلامية، لا يهمها ما إذا كان الشعب الفلسطيني شيعياً أم سنياً وهي تدافع عنهم بغض النظر عن انتمائهم وهي تدافع عن الحركة العظيمة للبنانيين وعن أية مجموعة إسلامية في إي بقعة من العالم تتولى حركة من أجل الإسلام. وهذا هو ما يزعجهم وإلا لو أقدمنا على إغلاق الحدود وقلنا لا شأن لنا بالبلدان السنية وبالجماعات السنية، لما كان لهم شأن بنا، لا أمريكا ولا إسرائيل ولا بالانجليز فهؤلاء هم ضد الجمهورية الإسلامية، لأن الجمهورية الإسلامية هي للإسلام وللأمة الإسلامية. فمنذ تأسيس الجمهورية الإسلامية تفاقمت مسألة إثارة الخلاف بين الشيعة والسنة من جانب الاستكبار يوماً بعد يوم. يجب علينا أن نكون على يقظة، شيعة كنا أم سنة ولاسيما العلماء.
من الممكن أن يصاب الناس خارج محيط العلماء بالأوهام والأخطاء. إلا أن العلماء لا يستطيعون أن يكونوا غير مبالين بهذه القضية وأن يقولوا هؤلاء من العامة ونحن لا نرتكب مثل هذه الأخطاء. لا، يجب عليهم أن يعتبروا أنفسهم مسؤولين فاليوم قد بدأت اليقظة الإسلامية وبانت الغيرة الإسلامية. وغدت هزيمة الأعداء في شتى الميادين تتوضح يوماً بعد يوم وأكثر فأكثر. فقد هزم الاستكبار في فلسطين وفي لبنان وفي العراق وأفغانستان ولم يتمكن من تحقيق أي هدف من أهدافه في هذه البلدان.
والجمهورية الإسلامية أيضاً تحرز التقدم من يوم لآخر ومنذ الأعوام السبعة والعشرين الماضية وفي المجالات العلمية والصناعية والاجتماعية والإدارية. كما ترسخت الصلة بين الشعب والنظام وهذا ما يثر غيظ العدو ويدفعه الى إبداء ردود الفعل.
يجب علينا أن ننتبه اليوم كثيراً لمنع العدو من الاستفادة من هذه النقطة الحساسة نقطة الضعف لدى العالم الإسلامي وقد صدق أصدقاؤنا الذين قالوا أن القضية ليست قضية أن يقبل الشيعة والسنة عقائد بعضها. لا، فلكل عقيدته واستدلاله، وصحيحة هي عقيدته التي توصل إليها. بل إن القضية هي أن لا يقع ذوي العقائد المختلفة في مصيدة وساوس العدو وأن ينهوا عن الصراعات والعداوات فيما بينهم أو أن يعرقل أحدهم عمل الآخر. فأعداءنا يعلمون بعضهم البعض كل ما يعرفون " يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غروراً" فالانجليز يعلمون الأميركيين، وإسرائيل تعلم كليهما.
يجب علينا أن نوقظ شعوبنا وأن نكون نحن أيضاً على حذر فهؤلاء الذين يعتبرون جماعة هائلة من المسلمين خارجة عن الدين، ويدفعونها للخروج عنها انطلاقاً من تدني فهمهم للحقيقة وافتقارهم للتقوى ويكفرونها، هم حقاً ضمن المجموعات التكفيرية الجاهلة. وهذه صفة يصح إطلاقها عليهم وإن كانوا يتصفون بالخبث أيضاً.
أما الجهل فهو أهم خصوصية من خصوصياتهم ولابد من أن نرشدهم ما استطعنا إرشادهم، وأن يحذر الناس منهم "ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون" فبعض الناس وبسبب ضعف إيمانهم ومعرفتهم ينشدون الى مثل هذه التعابير التي يستخدمها الأعداء فعلينا أن نراقبهم. وواجب العلماء هو واجب صعب. فوحدة العالم الإسلامي هي اليوم هدف سام وإذا ما تحقق؛ بلغ العالم الإسلامي بحق العزَّة كلها وعمل بموجب الأحكام الإسلامية, وهذا ما يتطلب تعاون الحكومات والشعوب أيضاً.
على الحكومات أيضاً أن تقدم كل العون لتحقيق الاتحاد والوحدة والتآلف بين أبناء الأمة الإسلامية لأنه إذا وجدت الأمة مكانتها ووزنها، أصبحت عندئذ داعمة لحكوماتها وغدت هذه الحكومات قادرة على الصمود وعدم الارتماء في أحضان أميركا أو بريطانيا بسبب ضعفها وخوفها لأنها أصبحت تحظى بدعم الأمة الإسلامية.
نسأل الله تعالى أن يرعانا جميعا ويهدينا ويسدد خطانا للعمل بالمهام الصعبة والحساسة في هذا العصر وأن نتمها على أكمل وجه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعليقات الزوار