أهمية الوحدة
المناسبة: ذكرى ولادة منقذ البشرية الرسول الأعظم (ص)
المكان والزمان: 17 ربيع الأول 1416 هـ / طهران
الحضور: مسؤولو البلاد وضيوف أسبوع الوحدة
بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك لكافّة مسلمي العالم وللشعب الإيراني العظيم وللضيوف الأعزاء والسادة الحضور والمسؤولين في الحكومة هذا العيد السعيد، حيث ذكرى ولادة خاتم الرسل محمد بن عبد الله (ص) والإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) .
إنّ إحدى الصدقات الجارية للثورة الإسلامية والتي تحقّقت ببركة عبقرية الإمام الراحل (رضوان الله عليه) هي تخصيص أيام ذكرى ولادة الرسول الأعظم (ص) بالوحدة. فالوحدة الإسلامية أمل وغاية ، البعض يعيش هذا الأمل بكل وجوده، والبعض يتّخذه شعاراً فحسب دون أن يكون جادّاً في تحقيقه، وعلى أية حال هناك طرق عملية لتحقيق هذا الأمل لابدّ من التوفّر عليها.
إنّ كل أمل وكل طموح لا يمكن أن يتحقّق من دون جهد ومثابرة وعمل متواصل. وعندما نفكّر في الآليات والأساليب العمليّة لتحقيق هذا الأمل نجد أنّ شخصية الرسول الأكرم (ص) والتي تعتبر أفضل وأعظم شخصية في الإسلام، هذه الشخصية الفذّة هي المحور الأساس الذي تتمحور حوله عواطف وعقائد المسلمين كافة. وقلّما تجد مفردة من مفردات الإسلام أو حقيقة إسلامية تكون مورد اتفاق جميع المسلمين وقادرة على استقطابهم وتستأثر بكل عواطفهم كما هو الحال بالنسبة إلى شخصية الرسول محمد (ص). وأقول عواطفهم ـ أي عواطف المسلمين ـ نظراً لدور وتأثير العواطف البالغ الأهمية؛ بحيث إننا إذا استثنينا بعض الفرق الشاذّة التي لا تهتم بالجانب العاطفي والولاء القلبي ولا بمسألة التوسّل، فإنّ عموم المسلمين تشدّهم بالرسول (ص) عواطف وأواصر حبّ قوية. وبناءاً على ذلك يمكن لهذا الوجود المبارك وهذه الشخصية العظيمة أن تكون محور الوحدة التي نحن بصدد تحقيقها. ومن هنا أغتنم اليوم فرصة هذا اللقاء المبارك الذي يضمّ عدداً من كبار مسؤولي الدولة وشخصيات بارزة وفدت من أرجاء العالم الإسلامي لأسلِّط الأضواء على مسألة الوحدة وأبحثها بالتفصيل.
أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، تشكّل مسألة الوحدة اليوم بالنسبة إلى المسلمين ضرورة ملحّة وأكيدة، لأنّ أعداء الإسلام اليوم يتّصفون بصفتين لم يكونوا قد توفّروا عليهما من قبل.
الأولى: أنّهم اليوم يمتلكون أكبر قدر ممكن من عناصر القوة، كالمال والسياسة والإعلام، كما يمتلكون كافة وسائل وآليات السيطرة والنفوذ والهجوم والمباغتة.
والآن، لنرى ـ أوّلاً ـ من هم أعداء الإسلام ؟
إنّ أعداء الإسلام يشكّلون جبهة واحدة في قبال الإسلام بدءاً بالاستكبار وعلى رأسه أمريكا والصهيونية ومروراً بشركات النفط العالمية وانتهاءاً بذوي الأقلام المأجورة والمتنوّرين الّذين يعملون لصالحهم؛ وهم مجهّزون بمختلف الوسائل والمعدات وأحدثها. ونظرة سريعة إلى تأريخ الصراع المحتدم بين الإسلام والقوى المضادة تثبت أنّ القوى المضادة لم تكن في يوم من الأيام مجهزة بكلّ هذه الإمكانيات والمعدات وعناصر القوة كما هي عليه اليوم.
الصفة الثانية: أنّ هذه الجبهة المناوئة للإسلام حساسة وبشدة تجاه الخطر الإسلامي الذي يهدّدها أكثر من أيّ وقت مضى. ومنشأ هذا التحسّس أنّها ترى الإسلام قد خرج عن كونه مجموعة وصايا أخلاقية وأصبح تياراً فكرياً له نظامه الخاص به.
لقد شاهد أعداء الإسلام بأمّ أعينهم أنّ الإسلام استطاع أن يحدث ثورة ويوعّي شعبنا ويخرجهم من مواقع الهزيمة ويرسّخ ثقتهم واعتزازهم بدينهم وأنفسهم، كما شاهد كيف استطاع الإسلام أن يؤسّس نظاماً يتمتع بالاستقرار والثبات، وبالإضافة إلى هذا وذاك رأى كيف أنّ الإسلام بمقدوره أن يمنح القوة والعزيمة والاقتدار لشعب بحيث لا تؤثّر فيه كافة الوسائل والمعدات التي أشرنا إليها.
فبعد مرور سبعة عشر عاماً تقريباً على انتصار الثورة الإسلامية وتأسيس الجمهورية الإسلامية نجد أن أعتى الدول الاستكبارية وأقواها قد اضطرت إلى التقهقر في المجال السياسي والاقتصادي. وهذه من المسائل التي لا تغيب عن أنظار محلّلي الاستكبار العالمي.
لقد برهن الإسلام على اقتداره وقوّته. وها هم اليوم يرون أنّ كل فئة في العالم الإسلامي تنشد الإصلاح وتتوخّى التغيير في مجتمعها وحكومتها تتمسك بالإسلام.
وقبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران كانت الجماعات التي ترفع شعار الإصلاح والتغيير تتشبّث بالماركسية والقومية الافراطية. ولكنكم اليوم إذا ألقيتم نظرة عابرة على الدول الإسلامية فستجدون أن كلاً من المثقفين والشباب وعلماء الدين والجامعيين ومختلف فئات وقطاعات الشعب الأخرى إذا أرادوا رفع دعوى الإصلاح والتغيير فإنّهم يتمسكون بالإسلام. وهذا يعبّر عن قوة الإسلام ومدى قابليته على الاستجابة لمتطلبات وضرورات الحياة.
لقد راقب الاستكبار جميع هذه الأمور عن كثب؛ ولذلك تراه يبدي حساسية شديدة تجاه الإسلام. واليوم يتصدى العالم الإسلامي لمواجهة أعداء الإسلام والمسلمين الذين يتمتعون بالخصيصتين اللتين ذكرتهما آنفاً وهما: وفرة المعدات والوسائل وآليات الصراع والتي هي أكثر وأعقد من أي وقت مضى، وثانياً التحسّس الشديد تجاه الإسلام وهو الآخر يفوق التحسّس الذي كان يبديه أعداء الإسلام على طول تأريخ الصراع.
والسؤال المطروح هو ما الّذي يخطّط له أعداء الإسلام في الوقت الراهن؟
إنّ أفضل وسيلة يمتلكها الأعداء هي بثّ الفرقة والاختلاف بين المسلمين؛ بالخصوص بين من له القدرة على التأثير في الآخرين وأن يكون مثلاً أعلى وأسوة لغيره.
واليوم تنفق أموالاً طائلة في بعض البلدان الإسلامية من عائدات النفط ومن غيرها في تأليف كتاب يتضمّن عقائد غريبة تنسب إلى الشيعة. وأنا شخصياً كنت قد جمعت في فترة من الفترات مجموعة كبيرة من هذه الكتب. وتجدهم يأخذون بنظر الاعتبار أدقّ وأذكى الأساليب في تأليف وإعداد هذه الكتب؛ سعياً منهم لإشعال فتيل الفرقة والاختلاف، ولكي يجعلوا الجماعات المسلمة التي رفعت لواء الإسلام وعلى رأسها إيران الإسلام وغيرها والتي أخذت تصارع الأحداث والاستكبار يجعلونها بمعزل عن العالم الإسلامي.
إن العالم الإسلامي اليوم يتمتع بثروة كبيرة وبطاقات فكرية وبشرية هائلة؛ حيث هناك الكثير من العلماء والشعراء والكتّاب والفنانين والشخصيات السياسية الكفوءة، كما أنّ قسماً كبيراً من مصادر الثروة المالية ومصادر الثورة الطبيعية والمعادن موجودة في البلدان الإسلامية. فلو اتّحدت هذه البلدان فيما بينها واختطّت لها مساراً واحداً، أو على الأقل لا يتآمر بعضها على البعض الآخر فسترون حينئذ ما الذي سيحدث في العالم وإلى أين ستصير الأمور آنذاك.
إنّ الأعداء يسعون جاهدين للوقيعة بين دول العالم الإسلامي وبذلك فهم يحاولون إهدار الطاقات البشرية والمادية الموجودة لدى الدول الإسلامية؛ ولذا غرّروا بالنظام العراقي وأشعلوا فتيل الحرب في هذه المنطقة لمدة ثمان سنوات وساعدوه؛ علّه يستطيع اجتثاث جذور هذا الغرس الطيّب، ولكنّه لم يستطع وأنّى له ذلك، { ضرب الله مثلاً كلمة طيّبة كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربّها }. وهذه هي خصوصية الكلمة الإسلامية التي لا يمكن أن تُجتثّ أبداً.
واليوم فإنّ الأعداء يبذلون جهوداً حثيثة ومتواصلة في المجال السياسي ليحقّقوا أغراضهم الخبيثة. وأنا من موقعي هذا أرى وأعتقد بأنّ وحدة المسلمين تعدّ ضرورة حيوية وليس شعاراً ولا من البطر في شيء.
أقولها جاداً إنّ على المجتمعات الإسلامية أن توحّد كلمتها وتسير باتجاه واحد، وبالطبع فإنّ مسألة الوحدة مسألة معقدة وليست بالسهلة، فالوحدة مشروع عمل صعب ومعقد.
إنّ الاتحاد بين الشعوب الإسلاميـة لا يُلغي الاختلاف الموجود ولا الفروق الموجودة في الآداب والتقاليد المتبعة في المجتمعات الإسلامية، كما أنّه لا يلغي الاختلافات الموجودة في الاجتهادات الفقهية. ومعنى أن تتحد الشعوب المسلمة هو أن تتخذ موقفاً موحداً فيما يخصّ مجريات ومسائل العالم الإسلامي، وأن تتعاون فيما بينها، ولا تهدر ثرواتها في فتن وصراعات داخلية.
ومن هذا المنطلق يمكن أن نعتبر شخصية الرسول الأعظم المحور الأساس للوحدة، ولذا ينبغي على المسلمين خاصة مثقّفيهم أن يتمحوروا حول شخصية وتعاليم هذا الرمز الكبير والحب والولاء له.
ومن الشواخص الأخرى التي يمكن أن تكون محوراً ومنطلقاً للوحدة هم أهل بيت النبي (عليه وعليهم السلام) الذين هم محل اتفاق وإجماع كافة المسلمين. إذ أنّ كافة المسلمين يقرّون بلزوم اتّباع نهج أهل البيت، سوى أنّ الشيعة يعتقدون بإمامتهم، وأمّا غير الشيعة فلا يقولون بإمامتهم بحسب الإصطلاح الشيعي، ولكنهم يذعنون أن أهل البيت هم من أعاظم المسلمين وكبارهم، وأنّهم أقرب الناس إلى رسول الله (ص)، وأنّهم أكثر الناس اطّلاعاً واستيعاباً للمعارف والأحكام الإسلامية. ومن هنا يتحتّم على المسلمين أن يتّفقوا على صعيد العمل بكلمات وأحاديث أئمة وأهل البيت (عليهم السلام) . هذا الاتفاق بشأن كلمات وأحاديث أهل البيت أحد طرق الوصول إلى الوحدة.
وهو بالطبع أمر صعب وشاق ويحتاج إلى مقدمات، ولا يعلم مقدمات هذا الأمر إلاّ أهل الفن من أهل الحديث والعلوم المتعلّقة بالحديث، إذ توجد هناك ملاكات ومعايير لصحة الحديث، وملاكات لفهم وتلقّي الحديث ينبغي أن يتم التوافق بشأنها، كما أنّه يجب أن يتّفق في خصوص رجال الحديث.
في السابـق وعلى عهد بنـي العباس بالذات وبني أميـة إلى حدٍّ ما كان الجهاز الحاكم يسعى لمنع انتشار علوم ومعارف أهل البيت (عليهم السلام) في العالم الإسلامي؛ ولذلك نجد أنّ الروايات المنقولة عنهم آنذاك قليلة. فالمحدِّث الذي ينقل الحديث سيّان عنده بين أن يأخذ الحديث من الحسن البصري، أو من قتادة أو غيرهم، فلماذا إذن لا يأخذ الحديث عن جعفر بن محمد (عليه الصلاة والسلام)؟ الواقع أنّ الحكّام آنذاك من أمثال هارون والمأمون والمعتصم والمتوكّل وغيرهم هم الذين كانوا يمنعون الرواة من نقل ورواية أحاديث أهل البيت. والبعض منهم كان يتّهم رجال الحديث بشتّى التهم إذا ما رؤوا عن أهل البيت (عليهم السلام) . ومن هنا فإنّ أحد أهم الإجراءات التي يجب أن تُتّخذ هو التلقّي المشترك لمقدمات الحديث. وهذه من وظائف العلماء والمفكرين المسلمين.
إنّه من دواعي الأسف أن يغفل المفكّر الإسلامي رسالته الخطيرة، فتجده بدل أن يكرّس قلمه وكتاباته في الذود عن عزّة وكرامة المسلمين ورفع شعار الإسلام، يثير المسائل التي هي مورد اختلاف المسلمين ويحاول أن يبثّ الفرقة ويزرع الشقاق بينهم، يتهم واحداً ويخرج الآخر عن الدين و...
ومن هنا بات من الضروري على علماء المسلمين من كلا الطرفين أن يتصدّوا لتحمّل مسؤولية تهيئة مقدمات الوحدة والعمل على إنجاح مشروع الوحدة هذا.
أيها الأخوة والأخوات، يسعى العدو ومن أجل بثّ الفرقة والاختلاف إلى استغلال أناس سذّج طيّبي القلب من الشيعة ومن السنة على حدّ سواء، وقد تحدث إثر ذلك حركة في المجتمع الشيعي من شأنها استثارة المسلمين غير الشيعة، وقد تحدث حركة من هذا القبيل أيضاً في المجتمع السني تثير الشيعة وتنفّرهم. والسؤال المطروح هنا هو: من وراء مثل هذه الحركات؟
واليوم إذ يقف الأعداء في صف واحد ضدنا، فإنّ مسألة الوحدة تتخذ أهمية قصوى؛ علماً بأنّ هناك قواسم مشتركة كثيرة يمكن أن تشكّل الأرضية المناسبة للوحدة، منها أنّ كتابنا واحد، وسنّتنا واحدة، وقبلتنا واحدة.
وبالطبع توجد هناك ثمة فروق واختلافات وهي طبيعية جداً شأنها شأن أي اختلاف يمكن أن يحدث بين عالمين؛ أضف إلى ذلك أن هناك عدواً واحداً يهدّد العالم الإسلامي؛ بما يجعل من مسألة الوحدة بين المسلمين مسألة في غاية الأهمية. ولذلك يجب أن يُتعامل معها بجدية. إنّ التأخير بمسألة الوحدة يعدّ خسارة كبيرة بالنسبة للعالم الإسلامي؛ خصوصاً في هذه الأيام الحسّاسة التي قد تترك آثاراً كبيرة على المستقبل.
يجب أن لا نتماهل في أمر الوحدة. وبفضل الله تعالى فإنّ للجمهورية الإسلامية قصب السبق في العمل على تحقيق الوحدة منذ اليوم الأوّل لتأسيسها.
ويعتبر إمامنا الراحل (رض) بحقٍّ رائد الوحدة الإسلامية.
وفي هذا المضمار هناك جهود ومساعي حثيثة بذلت من قبل العديد من الشخصيات والمسؤولين والمتكلّمين والكتّاب والمؤسسات ومفكّري وعلماء العالم الإسلامي، فعليكم أن لا تضيّعوا هذه الجهود المشكورة.
نأمل من العلي المتعال أن يأخذ بأيدي الجميع ويثبت الخطى ويهدي قلوب الجميع للسير في هذا الطريق (طريق الوحدة)، وأن يشدّ الأيدي إلى بعضها البعض أكثر فأكثر، ويؤلّف بين قلوب المسلمين إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعليقات الزوار