ركائز أساسية للوحدة الإسلامية
بقلم: د. محمد طيّ(*)
مقدمة
أصبحت الوحدة الإسلامية، اليوم، ضرورة هي أمس الضَّرورات، لبقاء المسلمين وخلاصهم في هذا العالم الذي تعدّهم القوى النافذة فيه أعداءها الأساسيين، فتشنّ عليهم حرب إلغاء هي الأشرس بعد زوال المنظومة الاشتراكية. وعلى الرغم من ذلك، فإن المسلمين يعانون من الانقسامات والانشقاقات التي بلغت حد الاقتتال ليس بين دولهم فحسب، بل في داخل كل دولة، وأخذت عمليات التكفير والتشريك تطل برأسها، من حين إلى حين، فتبيح سفك الدماء، وأحياناً سبي الذراري والنساء(1).
فبالأمس قامت حركة تنادي بالتجديد في الإسلام، وإذا بها تؤاخذ المسلمين، لا على الضعف والخنوع أمام طلائع العصر الاستعماري، بل على ممارسات لهم من شأنها أن تربطهم بقادتهم وعظمائهم، وعلى شعائر يكرمون بها أولئك الذين كانوا السبب في قوتهم وعزّتهم. واستناداً إلى ذلك خاضت الحروب الدامية التي كانت تنتهي، إذا انتصرت، بقتل الرجال واسترقاق النساء والأطفال، وإذا بالتجديد ينتهي ارتماء في أحضان أعداء الإسلام، ومباركة للصَّهاينة اليهود.
واليوم تشن الأنظمة حرباً عسكرية وسياسية وفكرية ضد التنظيمات التي تطرح الإسلام منهجاً للخلاص، وترد التنظيمات بالأساليب نفسها: أساليب القتل والتدمير، بل الاغتيال والتفجير، في معركة لا يعرف مداها إلا اللَّه.
كل هذا يأتي ليضاف إلى الانقسامات والتوترات التي عانى منها الإسلام تاريخياً، والتي أسهمت، إلى جانب قيام أنظمة حكم من أسوأ ما عرف العالم، في إيصال الإسلامِ إلى الدرك الذي وصل إليه اليوم.
وإلى جانب هذا النمط من الخلاف: الخلاف الداخلي أو الخلاف مع الذات، هناك الموقف من الآخر، من الخصم وحتى من الصديق، الذي ما زال يزكي الخلافات ويفجّر التناقضات. ذلك أن القوى التي تطمع بالخيرات وتعمل على طمس الهوية وتمارس الإلحاق، استطاعت أن تشكل نخباً، بل وأنظمة، تنوب عنها في التبشير الفكري وفي قمع المعارضة وتسهل الطريق لعمليات النهب والاستتباع.
نتيجة لذلك، ضاعت المعالم وغامت الرؤية وأصبح العدو صديقاً لهذا الفريق وأصبح الصديق عدواً بنظر ذاك الفريق، وهكذا لم يقتصر ضياعنا على أنفسنا وتصرفاتنا، بل أصاب نظرة الآخرين، من الحلفاء الموضوعين إلينا وأصاب تصرفاتهم بالإرباك.
وباختصار، لقد عدنا متفرقين أعداء، من ذلك النمط الذي تم إنقاذنا منه حين قضى اللَّه تعالى بالتأليف بين قلوبنا، فأصبحنا ﴿بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾(2).
فما هو الحل؟
يرى بعض الباحثين أن الحل يكمن في العودة إلى الماضي، يوم كنّا قوة دوّخت العالم المشرك وأرشدت الكثير من شعوبه إلى سبل الهداية، من الصين إلى الأندلس، فإذا ما استلهمنا ذلك العصر ومؤسساته وطرائق العمل والحكم فيه، يكون خلاصنا. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو:
إذا كان ذلك صحيحاً، وإذا كان صحيحاً أن الحاضر هو ابن للماضي، فمتى بدأ تكون الحاضر في رحم الماضي؟ وما كانت مظاهر ذلك؟
وعلى العكس يرى بعض الباحثين الآخرين أن الحل يقوم على نسيان الماضي والتطلع إلى المستقبل، من طريق اختطاط نهج شبيه بذاك الذي اختطته الأمم المتقدمة. ولكن هذا الحل جرت تجربته، وفي ظل تلك التجربة ازددنا تدهوراً وضياعاً. فنحن بعد أن ثرنا على العثمانيين، ونظام حكمهم الذي كان من أسوأ أنظمة الحكم، اغتصبت فلسطين وتشرذمت الأمة، وأصبحت وحدات متناثرة. وقد حاولت بعض هذه الوحدات أن تلحق بمسيرة الإنسانية، ولكنها فشلت، أو أفشلت، والنتيجة هي ما نرى اليوم.
وأخيراً، يرى فريق آخر بأن نعود إلى الماضي، فننتقي من تراثنا ما يتوافق مع روح العصر، فنحييه وندع ما لا يتوافق معها، ثم نأخذ بالأساليب العصرية، فنكون بذلك أوفياء لذاتنا دونما تحجر، ونمتلك القدرة على التطور والارتقاء، فلا يكون ذلك التطور هجيناً يمسخ شخصيتنا ويغرّبنا عن ذاتنا.
ولكن هذا الفريق الانتقائي لم يحدّد لنا كيفية الاختيار ولا هو اختار، كما أنه لم يبين لنا كيف ننتقي من حضارة معينة عناصر محدّدة لنتبناها، ونجمع هذه العناصر إلى عناصر أخرى غريبة عنها، علماً بأن ما تقتلعه من محيطه يصبح مهدداً بالذبول والزوال، فإذا هجّنته لا تدري ما الذي ستحصل عليه.
يضاف إلى هذه المشكلة السؤال المبدئي القائل: ما المراحل العظيمة في تاريخنا؟ وما ميزاتها؟ هل هي فترات التوسع العسكري مثلاً؟ هل هي الفترات التي سادت فيها الرحمة؟ هل هي الفترات التي كان فيها الحاكم يخضع للشرع؟
إن عدم الإجابة الواضحة عن هذه الأسئلة يجعل الرؤيا ضبابية والحل بعيد المنال، بل متعذِّره.
ومن هنا فإن الحل بنظرنا يقوم على نظرة عصرية إلى الماضي والمستقبل في الوقت نفسه.
النظرة العصرية إلى التاريخ:
إنَّ النظرة العصرية إلى التاريخ لا تعني تقويم أحداثه وتفسيرها حسب قوانين الحاضر ومعطياته، بل تعني الانطلاق من النتيجة لمعرفة الأسباب.
وتعني كشف الفترات المضيئة من التاريخ، على ضوء المعايير الإنسانية الدائمة في موضوع تفتّح الإنسان وتحقيق إنسانيته.
فإذا كنا ننطلق من النتيجة لتحديد أسبابها، فإننا لا نقوم بذلك لنعطي حكماً قيمياً معيارياً بالضرورة، بل لنعمد إلى متابعة السلسلة معكوسة بإرجاع كل حلقة إلى مسبباتها، وهكذا حتى نعود إلى مرحلة النبي(ص) وخلفائه، فنعثر على بداية المشكلة، أو على بداياتها وإرهاصاتها، فالإسلام أتى ديناً عالمياً.. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾(3) كما أتى ديناً نهائياً لإرادة اللَّه أن يظهر على كل الأديان ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾(4) ولأن محمداً أتى خاتماً للأنبياء(5). وهكذا فإن الإسلام، منذ نزوله صالح لكل زمان ومكان، ومن هنا فإنه صالح لهذا الزمان.
ولمَّا كانت حالة المسلمين على ما هي عليه اليوم، فهم بالضرورة بعيدون عن الإسلام الذي وعد اللَّه بتأييده وبظهوره، فكيف جرى هذا الابتعاد؟
حتى نحدّد بدايات الابتعاد، لا بد من تحديد حالات الاتحاد، التي لا بد أن تكون بدأت محاولة تحقيقها مع النبي(ص). وهنا يبقى السؤال: إلى متى استمرت هذه المحاولة؟ وعندما نحدّد الفترات المضيئة، نعتقد أننا نكون قد عثرنا على الجواب. فما هي مواصفات المرحلة أو المراحل المضيئة؟
يرى بعض الباحثين أن المراحل المضيئة هي مراحل الفتح والتوسع، أي أن المقياس هو مقياس الانتصارات العسكرية، وتوسيع رقعة الأرض وزيادة عدد الخاضعين لحكم المسلمين. وهذا فعلاً مقياس جيد، بل هو ضروري ولكنه غير كاف. لأنه لو أخذ بمفرده لكانت غزوات المغول مراحل مضيئة في التاريخ، ولكان الفتح الروماني أكثر إضاءة، لأنه شمل مناطق واسعة كتلك التي انضوت تحت حكم المسلمين.
من هنا يكون المعيار الأول شيئاً آخر غير الفتح، فما هو هذا المعيار؟
عندما أمر الرسول(ص) علي بن أبي طالب(ع) أن يهاجم الحصن الأول في خيبر، سأل علي(ع) الرسول(ص) قائلاً: «علام أقاتلهم يا رسول اللَّه؟» فقال: «على أن يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمداً رسول اللَّه، فلئن يهدي اللَّه بك رجلاً واحداً فهو خير لك مما طلعت عليه الشمس». وقد تكرر ذلك عن النبي(ص) مراراً(6).
إذاً فالمعيار هو في الهداية، أي في إقبال الناس على الإسلام وإيمانهم به. فمتى كان ذلك؟
لقد كانت مرحلة حياة الرسول(ص) وخلفائه أخصب المراحل، في موضوع إقبال الناس وهدايتهم، رغم ما التبس مع ذلك من عوامل الردَّة عن الإسلام وحروب القبائل في عهد أبي بكر الصديق، من جهة، ومن عوامل الابتعاد عن روح الإسلام التي قاومها علي بكل ما أوتي من قوة، من جهة أخرى.
أمَّا ما حصل في العهود اللاحقة، فلا يمكن أن يوصف بالإضاءة؛ وذلك بسبب من التنكر لروح الإسلام ونصوصه، سواء في مجال اختيار الحاكم، أم في ممارساته، أم في القيم والمعايير التي أرساها.
ففي العصر الأموي، بدأت مسألة التمرّد على الخليفة الشرعي التي نسفت مبدأ أساسياً من المبادىء السياسية الإسلامية. كما بدأت، وبكل صراحة، مرحلة تسلّط الخليفة على أموال المسلمين وتقريب المؤيدين لشخصه وأسرته وإبعاده المعارضين باسم الدين، كما أخذت توضع العوائق في وجه اعتناق الإسلام، لا سيَّما في أيام المروانيين. وأخيراً، لا آخراً، دشّنت مرحلة من التمييز العنصري. ولعل أخطر ما كُرّس هو قتل المسلمين من دون ذنب يوجب ذلك.
ففي مسألة الخلافة، بعد أن كان الاختيار يجري بحرية، كما حصل لدى مبايعة علي، فقد استخدم معاوية قميص عثمان وخدع المسلمين، كفعل من يقولون: ﴿مَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ 8 يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ﴾(7) متناسياً قول
الرسول(ص): «من غشّنا فليس منا»، و «ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم، إلاّ حرّم اللَّه عليه الجنة»، و «ما من عبد استرعاه اللَّه رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة»(8).
وهذا ما فعله خلفاء بني أمية، من بعد، فمارس معاوية الإكراه في بيعة يزيد، حيث كلّف يزيد بن المقنّع بإعلان الأمر فخطب فقال: «أمير المؤمنين هذا(وأشار إلى معاوية) فإن هلك فهذا(وأشار إلى يزيد) فمن أبى فهذا(وأشار إلى السيف)». فقال معاوية: «إجلس، إنك سيد الخطباء»(9). وهذا ما شكل السابقة لتصرفات بني أمية وبعدهم بني العباس، حتى أن سليمان بن عبد الملك دعا بقرطاس فكتب فيه العهد وختمه، وأخذ بيعة الناس للمعهود له من دون أن يعرفوه.
وقد أرسى معاوية، إضافة إلى هذا، تقليد التحكّم بأموال العطاء وسائر أموال المسلمين، ذلك التقليد الذي سار عليه الخلفاء اللاحقون. وقد لاحظ أبو ذر الغفاري تصرف معاوية هذا منذ كان أميراً على الشام أيام عثمان، فخاطب معاوية قائلاً(10) : «ما يدعوك إلى أن تسمي مال المسلمين مال اللَّه؟». قال: «يرحمك اللَّه يا أبا ذر، ألسنا عباد اللَّه والمال ماله والخلق خلقه والأمر أمره»، تبريراً لتحكمه في توزيعه على المقربين. واستشهد أبو ذر، احتجاجاً على تنعّم معاوية بأموال المسلمين واستئثاره بها، بالآية الكريمة: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾(11).
كل ذلك بعد أن كان أبو بكر ينال أربعة دراهم في اليوم وعمر ثمانين درهماً في الشهر. وبعد معاوية لم يعد الخلفاء يقيمون وزناً للشريعة في مسائل الأموال، بل كانوا يوزعونها على المحاسيب والأزلام وفقهاء القصور، وعلى الظرفاء والشعراء من دون حساب.
ولمَّا عجزت واردات الدولة عن توفير الأموال المبذولة، أخذ عمال بني أمية يتفنّنون في التحصيل على حساب الدين، فأبقوا الجزية على من يسلم من أهل الذمة بحجة أن هؤلاء يسلمون هرباً من الجزية(12).
كما فكّر معاوية إضافة إلى هذا، في قتل طائفة من الموالي لمجرد أنهم موالٍ، فهو يقول للأحنف بن قيس: «إني رأيت هذه الحمراء قد كثرت.. فقد رأيت أن أقتل شطراً وأدع شطراً لإقامة السوق وعمارة الطريق»(13).
ولم يكتف معاوية وسائر الخلفاء الأمويين بهذا التمييز العنصري، الذي كان سبباً لما سيعرف فيما بعد بالشعوبية، بل عمّق الشرخ بين قريش والأنصار كما أحيا النزاعات والانقسامات القبلية، ليستفيد بنو أمية من بعض القبائل ضد بعضها الآخر.
أما المسألة الأكثر خطراً، وقد دشّنت في بداية العصر الأموي، فهي قتل المسلمين دون مبرّر شرعي، فقد اغتال معاوية حجر بن عدي وأصحابه(14) بعد أن كان اغتال مالكاً الأشتر(15) ، ثم اغتال الحسن بن علي(ع)(16). أما يزيد فحدّث ولا حرج. وكرّت السبحة أيام بني أمية وبني العباس ذبحاً وصلباً وتقطيعاً وخوزقة حتى نهاية الدولة العثمانية. كما كرّس في زمن الدولة الأموية أسلوب استرقاق المسلمين، بدءاً من موقعة الحرة التي اجبر بعدها أهل المدينة على المبايعة بأنهم خول ليزيد بن معاوية، مروراً بولاية الحجاج في العهد المرواني، فقد سبى زياد بن أبيه ذراري قريب وزحّاف الخارجيين، كما سبيت بنت لعبيدة بن هلال اليشكري وبنت لقطري بن الفجاءة المازني واسترقتا، كما استرق واصل بن عمرو القنا وسعيد الصغير الحروري وأم يزيد بن عمر بن هبيرة، كما بيع معز أبو عمير بن معن الكاتب، وباع الحجاج علي بن بشير بن الماحوز..(17).
وقد أتى العصر العباسي شبيهاً بالعصر الأموي من هذه الجوانب، لا بل يرى بعض الباحثين أنه أكثر مغالاة فيها.
إذاً فالمرحلة المضيئة يمكن تحديدها بعهد النبوّة والعهود اللاحقة حتى العصر الأموي، فكيف كانت تلك المرحلة وما الذي يميزها عما تلاها؟
لقد حملت هذه المرحلة تكريماً للإنسان ورفعاً لشأنه وتفضيلاً له، لأنه خليفة اللَّه في الأرض، لقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾(18). وأهم ما يميز تلك المرحلة، التمسك بأهداب الرسالة في مختلف المجالات، لا سيما في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا بين الناس بعضهم تجاه بعض، بل بين الناس وبين الحاكم الذي كانت الطريقة المثلى التي اتبعت في تعيينه هي الاختيار الذي قام به المسلمون، وبخاصة المهاجرون والأنصار، والذي كان يرى أنه ملزم بتأمين حقوق الناس وخاضع لمحاسبتهم، مقابل طاعة الناس له وتنفيذهم أوامره في ما ينسجم مع الشرع الحنيف.
فلنتفحص بعض هذه الأمور:
اختيار الحاكم الأعلى للدولة:
لقد جرى اختيار الخليفة بطريقتين بعد وفاة الرسول(ص)، الأولى هي طريقة الاختيار التي أفضت إلى نظرية اختيار أهل «الحل والعقد»، والثانية هي طريقة العهد من الخليفة السابق. ولما كان هذا العصر لا يحتمل وجود خليفة باستطاعته التعيين، يبقى النظر في الطريقة الأخرى.
لقد جرى اختيار أبي بكر من قبل المسلمين بطريقة معينة، قامت على نقاش وجدال في سقيفة بني ساعدة، تبعه طلب للبيعة من عامة الناس. ولما تخلَّف بعض الناس، عمد الخليفة إلى تألّف بعضهم، وبذل محاولات لإقناع بعضهم الآخر، ولم يستخدم الإكراه وإن كان بعض معاونيه حاول ذلك.
أما اختيار علي بن أبي طالب فقد جرى على أيدي كافة المسلمين الذين تواثبوا إلى داره، ثم إلى المسجد حيث لم يتخلف إلا عدد لا يتجاوز أصابع اليدين من المهاجرين والأنصار.
على أن ذلك الاختيار لم ينصب إلاّ على رجل من كبار المسلمين، من ذوي السابقة والفضل والقوة على القيام بأمور المسلمين، إلى جانب العلم والعدل الركنين الأساسيين لاستنباط الأحكام وإقامة الانصاف بين الناس.
ومن هنا فإن الاختيار يجب أن يؤدي إلى تولية العالم العادل القوي على القيام بأمور المسلمين. وهذا ما يشترطه علي بن أبي طالب إذ يقول: «إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر اللَّه فيه»(19) ويضيف: «لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين، البخيل، فتكون في أموالهم نهمته ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه ولا الحائف للدول، فيتخذ قوماً دون قوم ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف فيها دون المقاطع ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة»(20).
وهكذا يظهر لنا أن الشروط المطلوبة هي العلم والعدالة إلى جانب الرحمة والقوة، وهذه الصفات هي التي ركّز على وجودها علماء المسلمين، إلى جانب شروط أخرى، منها البديهية كالبلوغ وسلامة الحواس الضرورية لقيامه بمهماته، ومنها ما لا تظهر ضرورته اليوم كالقرشية(21).
إلا أن بعض العلماء وقفوا عند ظاهرة الاغتصاب، وحاولوا إقرار الاعتراف بها حقناً للدماء استناداً إلى الحديث الشريف المروي عن طريق أنس والقائل: «إسمعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد حبشيّ كأن رأسه زبيبة»(22) ، والذي تصرف على أساسه عبداللَّه بن عمر حيث كان يقول: «نحن مع من غلب»؛ وذلك حين سئل عن الموقف في موقعة الحرة، فقال: «لا أقاتل في الفتنة وأصلي وراء من غلب»، «فكان لا يأتي أمير إلا صلّى خلفه وأدى إليه زكاة أمواله»(23).
ونحن نعترض على تفسير الحديث بهذا الشكل، ونرى أنه لو صحّ، يكون معناه إلزامية الطاعة لمن يستعمل من قبل الحاكم الشرعي لا المغتصب، لأن المغتصب لا يكون مستعملاً.
ولكن هنا لا بد من طرح السؤال: من الذي يختار؟
يقول علي بن أبي طالب(ع)، وهو الذي كان مضطراً لحجاج خصومه المختلفين: «الواجب في حكم اللَّه وحكم الإسلام على المسلمين، بعدما يموت إمامهم أو يقتل، ضالاً كان أو مهتدياً، أن لا يعملوا عملاً ولا يقدموا يداً ولا رجلاً قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً...»(24). ومن هنا فإن الذين يختارون الإمام هم المسلمون، ولكن الإمام يخصص، فيحدد من المسلمين فئات هي أهل الشورى وفئات لا علاقة لها بها، وهذا ينسحب على الاختيار، فيقول: «إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا الغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك للَّه رضاً...»(25) وهذا يعني، أن حاضر البيعة ليس له أن يختار غير ما أجمع عليه المهاجرون والأنصار. وأن الغائب لا ينتظر حتى يحضر.
وأما المستبعدون من الشورى فهم الطلقاء الذين أسلموا أبان فتح مكة(26). والحكمة في الإشراك والاستبعاد، هي تمكين من رسخ الإسلام في قلوبهم وعقولهم من الاختيار ومنع الذين يشك في صحة إيمانهم من التأثير.
أما اليوم، حيث لا يمكن التمييز بسهولة بين صحيحي الإسلام وسقيميه، فإنه لا بد من إشراك جميع المسلمين. ولكن ما الضمانة في اختيار من تنطبق عليه الصفات المذكورة أعلاه؟
إن الضمان هو في قيام هيئة من كبار العلماء ممن يتصفون بالعلم ونفاذ الرؤيا والإلمام بشؤون الحكم وتقدير الظروف، بمهمة تحديد من تنطبق عليهم الصفات المطلوبة، فتكون مهمتهم هنا شبيهة بمهمة المجالس الدستورية التي تقبل الترشيحات وتبت بها، بحيث لا يسمح بترشيح إلا من تنطبق عليه صفات الحاكم المطلوب، وعند ذلك، فإن الفائز يكون معروفاً، سلفاً، بأهليته لذلك.
على أنه لا بد من القيام بعملية تثقيف وتوعية للجماهير، تتناول إعادة الكشف عن القيم الإسلامية في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والقضاء على المفاهيم المنافية للإسلام والنابعة من الفردية الأنانية والدافعة إلى اللهاث وراء المصالح الخاصة، والوصول السريع والسباق لاقتناص الفرص دون كفاية، وبغير وجه حق، بحيث تسود مفاهيم وقيم موحدة بين الجميع ليسود التفاهم بينهم.
ولعل هذا ما قامت به الأنظمة المتقدمة اليوم، إذ إنها انبعثت من عقائد ومفاهيم جرى زرعها والنضال من أجلها على مدى قرون من الزمن، حتى أصبحت مشتركة، وصار اختيار الحاكم يجري بناء على معاييرها فأخذت تفرز حكاماً يشاطرون شعوبهم الثّقافة نفسها(27) ، فكوّن المواطنون بأنفسهم أو بواسطة ممثليهم هيئة للرقابة على الحاكم، فإذا خرج عن الخط المتوافق عليه أو تعدى ما تسمح به الأيديولوجية السائدة، جرت محاسبته على ذلك.
المحاسبة والعزل:
لما كان الحاكم مقيداً من قبل الشارع، كما سنرى ذلك مفصلاً، فإنه لا بد أن يكون خاضعاً للمراقبة والمحاسبة، وهذا ما أقرَّه الخليفة أبو بكر في خطبته عند تولّيه الخلافة حيث يقول: «فإذا رأيتموني قد استقمت فاتبعوني وإن زغت فقوموني»(28). وانطلاقاً من مبدأ إمكانية المحاسبة يدعو علي(ع) أهل الكوفة عند مسيره إلى البصرة فيقول: «.. فإني خرجت من حيي هذا إما ظالماً وإما مظلوماً وإما باغياً وإما مبغياً علي، وأنا أذكر اللَّه من بلغه كتابي لما نفر إلي، فإن كنت محسناً أعانني وإن كنت مسيئاً استعتبني»(29).
ولعل مبدأ المحاسبة هو المكرس في الحديث الشريف: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان». والذي طبقه المسلمون بمواجهة مروان بن الحكم وغيره(30).
وإذا كان ما ارتكب الحاكم يعدُّ حدثاً، أي تغييراً للسنن وانقلاباً عليها فإن العقوبة هي العزل، وهذا ما يتأكد من قول علي(ع) رداً على موقف طلحة والزبير: «.. إلا أن تخرجاني مما بويعت عليه بحدث، فإن كنت قد أحدثت حدثاً فسموه لي..»(31).
المال الشخصي والمال العام:
حرص الإسلام على التفريق بين المال العام ومال الحاكم، بحيث يحرم على السلطة أن تتصرف بالمال العام حسب الرأي الشخصي، لأن اللَّه قد فرغ من تحديد مصادر الجباية وطرق الإنفاق ومستحقي المساعدة، ولم يترك للحاكم إلا الاجتهاد في مجال التنفيذ، وهذا أمر سبق فيه الإسلام الحكومات الحديثة، عندما قرّر المسلمون راتباً للخليفة، وحُدِّد عطاؤه كواحد من المسلمين، بعد أن كان القرآن قد حدد طرق صرف الأنفال والزكاة وسائر أنواع الضرائب.
شرعية الجرائم والعقوبات:
وهذا مبدأ حديث قطع على الحاكم طريق الانتقام من معارضيه باختراع جرائم لهم لم ينص عليها القانون أو بإنزال عقوبات لم ينص عليها القانون أيضاً. وفي الإسلام حسمت هذه المسألة عندما حدّد اللَّه، عز وجل، الجرائم من كبائر وصغائر كما حدد العقوبات، ولم يبق على الحاكم إلا الالتزام. فالحرام حرام منذ أن بُلّغه الرسول(ص) والحلال حلال. يقول علي(ع) في هذا الصدد: «... إن المؤمن يستحل العام ما استحل عاماً أول، ويحرم العام ما حرم عاماً أول، وأن ما أحدث الناس لا يحل لكم شيئاً مما حرّم عليكم، ولكن الحلال ما أحل اللَّه والحرام ما حرم اللَّه..»(32) دون أي مجال للزيادة أو للنقصان، لأن اللَّه تعالى لم يترك شيئاً لم يبلغه إلى رسوله، بدليل قوله تعالى: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾(33) وقوله: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾(34).
واجبات الحاكم:
حدّد فقهاء المسلمين واجبات الحاكم على الصَّعيدين: الخارجي والدَّاخليّ، فكانت على الصعيد الخارجي:
«حماية البيضة والذب عن الحوزة لينصرف الناس إلى المعايش ولينتشروا في الأسفار آمنين».
«تحصين الثّغور بالعدَّة المانعة والقوة الدَّافعة حتى لا تظفر الأعداء بغرّة ينتهكون بها محرماً ويسفكون فيها دماً»، كل هذا إلى الجهاد في سبيل اللَّه.
أمّا على الصعيد الداخلي فهي بعد حفظ الدين وتعاهد القضاء وإقامة الحدود وتقدير التَّقْدُمَات المالية واختيار الأكفياء، «أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال ليهتم بسياسة الأمة وحراسة الملة ولا يعوّل على التفويض تشاغلاً.. فقد يخون الأمين ويغش الناصح»(35).
القيود على صلاحيات الحاكم:
تتمثل القيود هذه بالوفاء بالعهود من جهة، وبحقوق المواطنين وحرِّياتهم من جهة أخرى.
الوفاء بالعهود:
لقد حضّ الإسلام على الوفاء بالعهود وذلك بقوله تعالى: ﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً﴾(36) على أن لا يقتصر ذلك على عهد الأصدقاء بل يتعداه حتى إلى العهود مع الأعداء ما داموا محافظين عليها، فقد جاء في سورة التوبة: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾(37) وقد ترجم رسول اللَّه(ص) ذلك بقوله: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلنَّ عهداً ولا يشدنه حتى يمضي أمده أو ينبذ إليهم على سواء»؛ وذلك لأن «الغادر ينصب له لواء يوم القيامة»(38).
حقوق الإنسان وحرياته: تكريم الإنسان:
في هذا المجال، كما في غيره من المجالات، شكل الإسلام قفزة نوعية جبارة بالنسبة إلى الأنظمة الوضعية، فهو يقيم نظاماً للحقوق والحريات الفردية مختلفاً نوعياً عما هو معروف. وقبل أن نحاول تبيان الملامح العامة لهذه الحقوق والحريات، لا بد لنا من تحديد الموقف الإسلامي من الإنسان كإنسان.
لقد أوكل اللَّه تعالى إلى الإنسان خلافته في الأرض، إذ يصف للملائكة خلقه آدم فيقول: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾(39).
ومن مقوِّمات هذه الخلافة كان تكريم اللَّه تعالى للإنسان، الذي قضى به قوله: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾(40). فكيف تجلى هذا التكريم؟
إن هذا التكريم يمكن أن يتبدّى في جانبين:
الجانب النسبي: وهو يعني تكريم الإنسان وإعطاءه درجة على ما سواه وتسخير المخلوقات له.
الجانب المطلق: وهو يعني إقرار كرامة الإنسان وترسيخها في علاقاته مع السلطة؛ وذلك على أسس أهمها:
أولاً: معاملة كل إنسان وفق الشروط نفسها التي يعامل بها الآخر عندما يكون الاثنان في الوضع القانوني نفسه.
ثانياً: أن تطلق حرية الإنسان في التصرف تعبيراً عن إنسانيته ومواهبه بشكل يسمح له بالقيام بكل ما هو غير ممنوع.
ثالثاً: أن تؤمن له الوسائل لتأمين العيش الكريم بقدر ما تسمح به الأوضاع الاقتصادية ليقوم بدوره سياسياً واجتماعياً على أكمل وجه.
رابعاً: إمكانية أن ترفع عنه الظلامات فور وقوعها وتعويضه عن كل ما يطال شخصه أو حريته أو ماله، ليستمر بدون عوائق، ممارساً لدوره الذي خلقه اللَّه من أجله.
وهذا ما سنوضحه في ما يلي:
1 ـ المساواة: إن تكريم الإنسان هو تكريم لكل فرد من أفراده. وهذا يستدعي من الحاكم أن يعامل الجميع معاملة واحدة عندما يكونون في ظروف واحدة، فيعم الغنم الجميع ويتحمل الغرم الجميع. فقد قال الرسول الكريم: «كلكم سواسية كأسنان المشط»، «وكلكم» هذه لا تعني فئة من الناس خاصة ولا شعباً معيناً، بل هي تعني الجميع؛ وذلك ما بينه(ص) بقوله: «لا فضل لعربي على أعجمي... إلا بالتقوى»(41).
وبناء على هذه المساواة كانت الشورى لجميع المسلمين، وكان العطاء واحداً طيلة حياة النبي(ص) وخلافة أبي بكر وشطر من خلافة عمر وطيلة خلافة علي(ع) الذي يؤكد ذلك بقوله: «لو أن المال مالي لسويت بينهم، فكيف والمال مال اللَّه»(42).
وكما أقام الإسلام المساواة في المجال السياسي والاجتماعي، أقامها كذلك في مجال التقاضي، حيث يجب على القاضي المسلم أن يعامل الخصوم الذين يمثلون أمامه بأقصى درجات المساواة، لا فرق بين أن يكون الواحد منهم قوياً أو ضعيفاً، كبيراً أو صغيراً، حاكماً أو محكوماً، حتى أن الخليفة نفسه يجب أن يعامل أمام القاضي كما يعامل خصمه إذا مثلا أمام القضاء. وهذا ما أكده لنا التاريخ الذي يذكر، في ما يذكر، حادثتين جرتا للإمام علي(ع)، إحداهما مثل فيها في مجلس عمر مع يهودي، حيث غضب الإمام لأن عمر كنّاه بينما سمى الخصم الآخر باسمه. والثانية مثل فيها وكان خليفة، أمام القاضي شريح إلى جانب نصراني كان قد وجد درعاً أضاعها الإمام، ولما رأى الإمام الدرع معه طلبها منه فلم يعطه إياها فشكاه إلى القاضي. ورضخ لحكم القاضي الذي أعطى الدرع للمسيحي لأن الإمام لم يكن يملك البيِّنة(43).
على أن المساواة لم تكن تقتصر على الجانب الموضوعي في موقف القاضي، بل هي تطال الجانب الشكلي، فهو كان مطالباً بأن لا تبدر منه، بأي شكل من الأشكال، أية حركة تنم عن أنه يبدي أي قدر من المحاباة في النظرة أو المخاطبة أو ما إليهما(44).
أصل الإباحة:
يعتبر الإسلام أن الإنسان حر في تصرفاته ما لم تتعارض مع الأحكام الواضحة للشريعة، يؤكد ذلك قوله تعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾(45) ويوضح الإمام جعفر بن محمد الصاد(ع) ذلك بقوله: «كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي»(46).
والإسلام لم يترك مجالاً للتحكم الكيفي، ولم يضع الإنسان مكشوفاً أمام الحاكم يمارس عليه ما يرتئيه حسب اجتهاداته الشخصية، ولا هو خوّل أحداً صلاحية أن يحدّد ما يجب على الأفراد تجاه الدولة والمجتمع. فقد حدّد الشرع الحنيف الواجبات والحقوق بشكل واضح. وهذا ما يؤكده الإمام علي(ع) عندما يستنكر ما يدّعيه البعض مما يتعارض مع هذا المبدأ بقوله:... «أم أنزل اللَّه سبحانه ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه، أم أنزل اللَّه سبحانه ديناً تاماً فقصر الرسول(ص) عن تبليغه وإدائه؟»(47). فقد بين القرآن حدود اللَّه التي تنظم جميع العلاقات ونهى عن تعدّيها بأي شكل من الأشكال ناعتاً من يتجرأ على ذلك بالظلم إذ يقول: ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(48) أما الذي يحكم بخلاف ما أنزل اللَّه فهو كافر أو ظالم أو فاسق: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾(49) ﴿..هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(50) ﴿.. هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾(51).
ولم يقرر اللَّه تعالى وصم المخالفين أحكامه بما أشرنا إليه ولا بوعيدهم بالحساب الأخروي وحسب، بل حضّ المظلومين على مقاومتهم وقتالهم بشكل فردي وجماعي، ليس فقط لرفع الظلم عن النفس، بل وعن الآخرين. فقد أعلن تعالى كراهة الكلام بالسوء إلاّ في حالة وقوع الظلم حيث يقول: ﴿لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾(52). كما خوّل تعالى المظلومين اللجوء إلى السلاح وذلك بقوله: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾(53). وحض أخيراً المؤمنين على القتال دفاعاً عن المضطهدين بقوله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا.. ﴾(54).
وهكذا فإن الحاكم لا يستطيع أن يقيّد سلوك الفرد ولا الجماعة إلا بما يقيده اللَّه، لأن الأصل في التصرفات الإباحة. وهذا الأصل لا يتضمن فقط ما تقره الأنظمة الحديثة من حريات وحقوق بل هو يتجاوزها تجاوزاً عموديّاً وأفقياً على حد سواء.
فعلى الصعيد العموديّ نجد الحريات الإسلامية لا تقيدها المعطيات الاجتماعية والسياسية للنظام ولا للحاكمين، بل هي واضحة وثابتة مقررة من اللَّه، وما للحاكم إلا الامتثال، فهو لا يستطيع مثلاً أن يضع القوانين التي تفرغها من محتواها، ولو بشكل جزئي، أو حتى تقيّد التمتع بها كما يجري في الأنظمة الحديثة التي تنص قواعدها على الحقوق المتناولة لهذه الحريات، على أنها تمارس ضمن الحدود التي يرسمها القانون أو أي نص مساو له كالمرسوم الاشتراعي الذي لا يصدر عن البرلمان بل عن السلطة التنفيذية، وهي السلطة التي كانت الشعوب تثور ضدها على مدى التاريخ بسبب الظلم والتعسف وانتهاك الحقوق والحريات.
أما على الصعيد الأفقي، فإن المساحة التي تغطيها الحقوق والحريات الإسلامية مساحة مفتوحة، وإن كانت تحتوي على بعض الاستثناءات المقررة من اللَّه تعالى، في حين أن المساحة التي تغطيها الحقوق والحريات في الأنظمة الوضعية، حتى من الناحية النظرية، تضيق وتتسع حسب الظروف. فهي واسعة نسبياً في الظروف العادية ولكنها تضيق في الظروف الاستثنائية إلى الحد الذي يحفظ النظام الحاكم من التهديد، فنرى الحكومات تلجأ إلى إعلان حالات الطوارىء والحصار، ويلجأ الرؤساء إلى الديكتاتورية السافرة كتلك التي ينظمها الدستور الفرنسي لسنة 1958(م16) أو الدستور الألماني(م81) أو تلك التي يمارسها الرئيس الأميركي في الأزمات، كما فعل الرئيس روزفلت في الحرب العالمية الثانية حين اعتقل احتياطياً مواطنيه المتحدرين من أصل ياباني. أما في الإسلام، فإننا نجد، وبقدر ما أتاحت لنا تلك الومضات من التطبيق الصحيح التي عرفها تاريخه، أن حقوق الإنسان وحرياته تبقى هي هي أياً تكن الظروف التي يمر بها الحكم. فالإمام علي(ع) لم يضرب الخوارج عندما أخذوا يمتنعون عن الصلاة خلفه، وهو الحاكم، بل ترك لهم حرية التنظيم والعمل، حتى في ظل الظروف الاستثنائية التي تمثلت بإعداد الجيش للتوجه إلى الشام لقتال معاوية بعد التحكيم، فهو لم يتذرع بحالة الاستنفار ولا بمقتضيات النظام العام ولا بمصلحة الدولة العليا، وهو لم يقاتلهم إلا بعد أن تعرضوا بالسلاح إلى حريات الآخرين وأرواحهم.
وهكذا فإننا لو حاولنا أن نقارن بين ما ضمنته القوانين الغربية من حقوق وحريات فردية وما ضمنه الإسلام، لوجدنا أن الإسلام غطّى جميع ما غطته الأنظمة الوضعية، ولكن بشكل صادق وعلى مدى يكاد يكون مطلقاً، بالإضافة إلى إمكانات مفتوحة تسمح بالحرية في مجالات قد لا يكون الإنسان قد اكتشف ضرورتها حتى اليوم، وذلك انطلاقاً من الأصل العام، أي أصل الإباحة الذي أقره بدون تحفظ.
فمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، مكرس في ما جاء به الإسلام، كما أوضحناه في كلام الإمام علي(ع) الذي أوردناه أعلاه.
ومبدأ الحرية الجسمية المشتق من حرمة الظلم وضرورة معاقبة الحاكم الظالم، منع التعذيب في الاستجواب لاستخراج الاعترافات، ولم يأخذ بالاعتراف الناتج عن إكراه معنوي. فقد أمر علي(ع) بـ «التلطّف في استخراج الإقرار «من الظنين»(55). واعتبر أن «من أقر عن تجريد أو حبس أو تخويف أو تهديد فلا حد عليه»(56).
ومبدأ حرية الانتقال مكرس أيضاً، ليس استنتاجاً من الأصل العام الذي يمنع القيود ما لم تكن واردة في الشرع المنزل، ولكن بقوله تعالى موصياً بالسعي في الأرض طلباً للرزق، إذ يقول: «فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور»(57).
ومبدأ الحرية الفكرية مضمون في ما لا يؤدي إلى الرجوع إلى الوثنية والشرك، لأن هذا الرجوع ينسف كل نظام الحريات والحقوق، كما ينسف أساس فكرة التوحيد ويعطي الحاكم سلطات هي في الواقع لله وحده. وفي ما عدا هذا، فإن اللَّه تعالى منع إلزام الناس بالدين الإسلامي بالقوة: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾(58).
ومبدأ حرية الاجتماع والمعارضة كذلك مضمون، فهذا علي(ع) يدع الخوارج ولا يقرر قتالهم، على الرغم من تنظيمهم أنفسهم وتحركهم لنشر أفكارهم بين الناس، قبل أن يشرعوا في ارتكاب الجرائم ضد المسلمين.
أما حرمة المسكن، فهي أيضاً مكرسة بأحكام تمنع دخول البيوت من غير أبوابها، أو بدون إذن أصحابها، يقول تعالى: ﴿وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(59) كما يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾(60).
أما السرية والحميمية فهما أيضاً مصونتان. وهذا ما ينطبق على حرمة الإنسان داخل بيته، كما ينطبق على المراسلات وغيرها مما يخفي الأسرار الخاصة للناس، وذلك بناء على قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾(61) والذي ترجمه الرسول(ص) بقوله: ولا تتبعوا عوراتهم(المؤمنين) فإن من يتبع عوراتهم يتبع اللَّه عورته»(62) ولعل أفضل مثال على ذلك قصة عمر مع الرهط الذين كشفهم يعاقرون الخمرة في أحد البيوت، فلما أراد محاسبتهم، احتجوا عليه بدخول البيت من غير بابه، وبأنه تجسس عليهم ولم يسلم(63).
أما علي، فقد نهى عن دخول دور أخصامه حتى في الحرب إلا بإذنه، فكيف بالبيوت(64). وأما في موضوع حرمة الحياة الخاصة، فقد دعا علي ولاته إلى إبعاد من يفتش عن عورات المؤمنين، إذ يخاطب مالك الاشتر في عهده إليه، عندما ولاه مصر، بقوله: «وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم عندك أطلبهم لمعايب الناس، فإن في الناس عيوباً الوالي أحق من سترها»، كما دعا إلى عدم تصديق السعاة، وعدم الكشف عما غاب عن الوالي، لأنه غير مكلف إلا بمعالجة ما ظهر له. فيقول في عهده لمالك الاشتر: «فلا تكشف عما غاب عنك(من العورات) فإنما عليك تطهير ما ظهر لك. فاستر العورة ما استطعت وتغاب عن كل مالا يصح لك ولا تعجلنَّ على تصديق ساع فإن الساعي غاش وإن تشبّه بالناصحين»(65).
وأما الملكية الفردية المشروعة، فهي أيضاً مصونة، كما أشرنا، ومن فروعها أنه لا يجوز منع أحد ميراثه، ولا حرمان أحد من عطائه، الذي يستحقه شرعاً كما لا تجوز مصادرة رزقه.
وقد أكّد الإمام علي(ع) كل ذلك بقوله: «قد علمتم أن رسول اللَّه(ص) رجم الزاني المحصن ثم صلّى عليه ثم ورّثه أهله، وقتل القاتل وورّث ميراثه أهله وقطع السارق وجلد الزاني غير المحصن ثم قسم عليهما من الفيء»(66).
على أن الإسلام لم يكتف بتكريس هذه الأصناف من الحقوق والحريات التي لا يكون تدخل الدولة إلاّ لحمايتها، بل هو فرض للمواطنين إلزام الحاكم بأن يؤمنها بتدخله، وذلك إلى جانب حقوق هي حقوق العيش الكريم التي تكتشف التشريعات الحديثة، من وقت لآخر، نماذج منها في عصرنا الحاضر، وهي المسماة «الحقوق الاجتماعية والاقتصادية»، كحق العمل، وحق العلم، وتأمين الشيخوخة والأمومة والبطالة، فقد أقر الإسلام حق التعليم على الإمام، كي لا يبقى الناس جاهلين بالضروريات، وهذا ما أكده علي بن أبي طالب(ع) إذ يخاطب المسلمين قائلاً: «يا أيها الناس إن لي عليكم حقاً ولكم علي حق، فأما حقكم علي فهو.. تعليمكم كيما تجهلوا وتأديبكم كي تعلموا»(67).
وإذا كان هذا التأكيد ينصب على تعليم الناس العلوم الدينية، التي تغطي اليوم بعض مجالات ما يسمى بالعلوم الإنسانية، فإن الإسلام لم يقتصر عليه، وذلك أن الرسول(ص) حث المسلمين على طلب العلم ولو في الأقاصي البعيدة إذ يقول: «أطلبوا العلم ولو في الصين» وجعله «فريضة على كل مسلم ومسلمة».
وهذا العلم الذي يدفع الرسول(ص) المسلمين إليه، ليس بالعلم الديني فقط، لأن هذا العلم لا يوجد في الصين، بل عند الرسول نفسه، ثم عند قادة المسلمين ومعلميهم، وما يوجد في الأماكن الأخرى، هو علوم مختلفة من طبيعية ورياضية... كل ذلك بالإضافة إلى كون بعض العلوم ترتبط بالحاجات الإنسانية وبمقتضيات التطور المادي، وهذان أمران يقع على عاتق الحاكمين أن يولوهما العناية الكافية لتوفير المنعة والقوة للمجتمع الإسلامي من جهة، ولترجمة مسألة تكريم الإنسان من جهة أخرى.
وإذا قيل: إن المستفاد من كلام الرسول(ص) هو فرض واجبات على المسلمين لا تعيين حقوق لهم يتوجب على الحاكم حمايتها، فإن الرد هو أن ما يكون واجبات للمسلمين تقع على الحاكم مسؤولية تمكينهم من القيام به، والتمكين من القيام لا يمكن أن يكون بالتقييد ولا حتى بمجرد السماح، ولكن بتوفير الوسائل الضرورية لتسهيل القيام بها.
وأما حق العمل فإن الإسلام لا بد أن يضمنه بعد أن يسَّر اللَّه تعالى سبله وفرضه القرآن على الناس بقوله تعالى: ﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾(68) ثم يقول: ﴿فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾(69).
وفي هذه الحالة أيضاً لا يسع ـ الحاكم إلا أن يوفر أسباب تنفيذ الوصايا الإلهية كتمكين الناس من القيام بواجب العمل والسعي للحصول على الرزق الحلال، وإلا فإن الدولة ملزمة بتقديم المساعدة الدائمة للعاطلين عن العمل الفقراء، نظراً لواجبها في تأمين معيشة جميع المعوزين.
أما سائر الحقوق الاجتماعية، سواء منها التي عرفتها الأنظمة الحديثة أو تلك التي لم تكتشفها، فإنها مضمونة، ولا يكتفي الإسلام منها بما يقيم الأود وبشكل مؤقت، كما عليه الأمر في النظم الغربية، بل يتجاوز ذلك إلى إغناء الفقراء عن الحاجة ومساعدة المدينين المعسرين على سداد ديونهم، وتأمين الغرباء والمسافرين الذين ينفد مالهم وتتقطع بهم السبل.
وقد أوضح علي(ع) ضرورة الاهتمام بالفئة الدنيا من المواطنين في عهده إلى مالك الأشتر حين ولاه مصر، بشكل لا مطمع لها فيه اليوم، حيث يقول: «ثم اللَّه للَّه في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم، والمساكين المحتاجين وأهل البؤس والزمنى، فإن في هذه الطبقة قانعاً ومعترّاً، واحفظ للَّه ما استحفظك من حقه فيهم، واجعل لهم قسماً من بيت مالك وقسماً من غلات صوافي الإسلام في كل بلد، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، وكل قد استرعيت حقه، ولا يشغلنك عنهم بطر، فإنك لا تعذر بتضييعك التافه لإحكامك الكثير المهم، فلا تشخص همك عنهم، ولا تصعّر خدك لهم، وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم، ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال»(70).
أما مقدار ما ينال أصحاب الحقوق هؤلاء، فهو مرتبط بالأحوال الاقتصادية للمجتمع، وقد يبلغ حد البحبوحة عند رخاء هذه الأحوال(71).
رفع الظلامات:
لقد أقام الإسلام نظاماً قضائياً مزدوجاً، قوامه: صاحب المظالم والقاضي، ولم يكن يجري اختيار القاضي على أساس كفاءته العلمية، كما يجري اليوم، وحسب، بل وعلى أساس الضمانة الأخلاقية التي يجب أن تتوفر فيه.
أما التقاضي، فكان يؤمن للمظلوم، تحصيل حقه، لا بعد مرور السنوات كما يحصل اليوم، بل في بضعة أيام. وهو يشكل بما يحمله من إيمان الضمانة للجميع حتى في مواجهة أعلى السلطات، كما رأينا في حديثنا عن المساواة.
ضرورة التمسك اليوم بهذه المبادئ:
إذا كانت هذه طريقة اختيار الحاكم، ثم علاقة الحاكم بالمحكومين، اللتين طبقتا في مرحلة ولو محدودة جداً من التاريخ الإسلامي، وهما الطريقة والعلاقة اللتّان اهتدت البشرية إلى ضرورتهما وأهميتهما اليوم، بعد أن دفعت الدماء الغزيرة ثمناً لذلك، ألا نقتنع نحن بأنهما كانتا مفخرة لنا، وأن تخلينا عنهما كان سبباً في ما وصلنا إليه اليوم، وأن رجوعنا إليهما يوفر علينا كل المآسي والآلام والمظالم التي تشل الإنسان المسلم، وتقضي على الجزء الأكبر من روح المبادرة لديه، فتطلق له العنان في مجال تحقيق الذات وحمل المسؤولية؟
إن ضرر التنكر لهذين الأمرين لم يكن مباشراً فقط، بل كان أيضاً غير مباشر، حيث وجد أعداء الإسلام؛ بل وأعداء الإنسانية في سلبيتنا تجاه الحاكم ورضوخنا واستسلامنا إلى مشيئته، ضالتهم المنشودة، فأخذوا يستغلون الخنوع لصالحهم على طريق إلغاء الإسلام السياسي، ليستبدلوا به أنظمتهم ومؤسساتهم وأفكارهم، التي لم تنتج إلا أتباعاً لهم أو مقلدين.
فقد بدأوا منذ وقت مبكر ردة فعلهم بعد أن استتب الأمر للمسلمين، وكان الرد الاستراتيجي هو الحروب الصليبية التي أخضعت السواحل الشرقية الإسلامية للبحر المتوسط، لمدة قرنين من الزمن، حتى إذا صفيت آثارها، بدأ أعداء الإسلام بدراسة أسباب هزيمتهم فوجدوها في الإسلام نفسه كعقيدة، حتى بالشكل القاصر التي كانت تمارس به، فأخذوا يخططون للقضاء على الإسلام عن طريق التبشير، ولما لم تؤتِ هذه المخططات الثمار التي رجوها من ورائها، أخذوا يركزون على مخطط يرمي إلى صرف أنظار المسلمين عن كل الفكر السياسي الإسلامي، داعين المسلمين إلى التأسي بهم عندما فصلوا الكنيسة عن الدولة. ولقد اقتنعت النخبة السياسية الإسلامية بأفكارهم هذه، متناسية الفرق بين الإسلام والمسيحية لجهة وجود نظام سياسي اجتماعي في الإسلام تفتقده الديانة المسيحية في أصولها. وإذا بنا نستبدل بمؤسساتنا مؤسسات الغرب النابعة من القانون الروماني، وكأن المؤسسات والنظم يمكن لها، إذا استوردت، أن تعيش في أية بيئة وفي أي زمان، متناسين أنها لا تعيش إلا في البيئة التي ولدت فيها، وأن المؤسسات القائمة في مجتمع ما، يمكن أن تتطور فتنجح لا أن تجتث ويؤتى ببدائل عنها وأن الشرع الإسلامي تطوير للشرائع التي كانت قائمة في هذا الشرق بتأثير الديانات السماوية جميعها.
فإذا كانت الأمور كذلك فما العمل؟ إن المطلوب بعد توحيد النظرة إلى الماضي، توحيدها إلى المستقبل.
النظرة إلى مستقبل العالم الإسلامي حتى نتمكن من تحديد النظرة إلى مستقبل العالم الإسلامي، لا بد من إدراك ولو سريع لمشاكل الحاضر أيضاً.
وضع المسلمين اليوم:
يعيش المسلمون اليوم وضع الفريسة بالنسبة إلى القوى الكبرى في العالم، تحوزها القوة العظمى وتتناهش فتاتها القوى الأقل شأناً، وهذا ما نبه إليه الرسول(ص) بقوله: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». فقال قائل: «ومن قلة نحن يومئذ؟» قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ اللَّه من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن اللَّه في قلوبكم الوهن». فقال قائل: «يا رسول اللَّه، وما الوهن؟» قال: «حب الدنيا وكراهية الموت»(72).
وهكذا فقد رأينا الدول الغربية، منذ القرن الماضي، تتربص بالإسلام والمسلمين، حتى إذا حان وقت تفكيك عرى الدولة العثمانية، تقاسموا أشلاءها، وأقاموا على إنقاضها كيانات هزيلة، نصّبوا على معظمها حكاماً من النخبة التي هيأوها مسبقاً، دون أن يسمحوا لأي منهم أن يمتلك من أسباب القوة ما يمكنه من تحرير قراره، فإذا تجاوز أي زعيم من هؤلاء الحدود ردوه إلى الطاعة، ولعل تجربة صدام الذي سمّنوه ليقاوم الإسلام الثائر في إيران، حتى إذا استنفدوه، استدرجوه للمس ظاهراً بمصالحهم من طريق احتلال الكويت، فتداعوا إلى الجزيرة العربية، تداعي الأكلة إلى قصعتها، ليدمّروا قوة العراق العسكرية، ويرابطوا عند منابع النفط، ويرهنوا الجزء الأوفر منه لعشرات السنين، ثم يفرضوا على الأقطار العربية الصلح مع العدو الصهيوني على حساب الأرض والمقدسات.
فما هي أهم مظاهر الأزمة التي يعيشها المسلمون اليوم؟
إنهم يعيشون أزمة في الثقافة والاقتصاد والسياسة والأمن، في حالة مزرية من الضعف، رغم تعدادهم البالغ مئات الملايين من البشر، وفيما ثرواتهم لا تقدر بثمن، في بلاد قطعت أوصالها واستعدي بعضها على بعض، حتى باتت مشاكلها الداخلية لا حلول لها، فيما تحل كل مشاكلها مع أعدائها وعلى حسابها.
كل هذا لم يكن نتيجة تلقائية للحكم الاستبدادي الذي ضرب بمبادىء الإسلام السمحة عرض الحائط فقط، بل وأتى نتيجة لتخطيط غربي طويل المدى كان بديلاً لأسلوب الحروب الصليبية الذي فشل، والذي استند على أن الإسلام، بما تبقى منه، يشكل الحاجز، الذي يمنع من إقناع أبناء هذه المناطق بالرضوخ. وبعد فشل محاولات التبشير الروحي، اعتمد نوع مختلف من التبشير، وهو القائم على نسف الفكر الاجتماعي والسياسي الإسلامي ليخلو الجو للفكر الغربي. كل ذلك ليسير جنباً إلى جنب مع تدمير الاقتصاد وخلق حالة من التبعية في ظل ذراع عسكرية قادرة على فرض ما تشاء، حتى استبدال السكان بغير هم عند الضرورة.
الهجمة الفكرية:
كانت مؤسسات التعليم التي أقامتها الإرساليات، والتي دعمتها الحكومات منها على وجه التخصيص، تهدف إلى إلغاء الثقافة القائمة في البلدان التي غزتها، لإقامة ثقافة غربية، وزرع الولاء لهذه الدولة أو تلك ولعاداتها وتقاليدها، حيث أصبح «لكل مدرسة(من مدارس البعثات) تلاميذها الذين لم يبق فيهم أي شيء عربي، حتى أن بعضهم(أخذ) يرتدي الزي الأوروبي.. وهكذا فمنهم من يميل إلى فرنسا ومنهم من يهوى الإنكليز والنمسويين»(73). وكان هذا نتيجة تخطيط مسبق هدفت إليه إقامة الجامعات، حيث كان يرد مثلاً في الرسائل والتقارير: «حين ننشر في هذا البلد بواسطة اللغة الفرنسية التعليم والأخلاق والفنون المفيدة والزراعة فإننا سنسيطر على الشعب وسيكون لفرنسا هنا في كل وقت جيش متفان»(74).
ولم يقتصر التخطيط طبعاً على الفرنسيين، ولا على سوريا، بل سبق إليه الإنكليز في مصر وفلسطين، فقد أنشأ اللورد كرومر في مصر «كلية فيكتوريا»، وقد قال اللورد لويد عن طلاب هذه الكلية: «كل هؤلاء لا يمضي عليهم وقت طويل حتى يتشبعوا بوجهة النظر البريطانية.. فيصيروا قادرين على فهم أساليبنا ويعطفوا علينا.. وحتى يتسنى للجمهور أن يعرف هذه الكلية أكثر مما عرف عنها في الماضي، ينتبه الآباء إلى أن تعليم أولادهم فيها ينمّي فيهم من الشعور الإنكليزي ما يكون كافياً لجعلهم صلة للتفاهم بين الشرق والغرب»(75).
فحتى كليات الطب التي أنشأتها الإرساليات، بدعم من حكوماتها، كانت ذات أهداف استعمارية، وهذا ما تعبر عنه بوضوح رسائل السفارة الفرنسية لدى الباب العالي إلى الخارجية، حيث يرد في إحداها: «إن الغاية الأولى للمؤسسين(لكلية الطب الفرنسية) أن يجعلا من هذه الكلية فكرة سياسية ومؤسسة دعائية»(76). حيث أن «للأطباء في سوريا قيمة ونفوذاً بارزين. لذا وإنفاذاً لمصالحنا يجب أن نضم إلى جانبنا ونربي وفقاً لأفكارنا عملاء لهم مثل
تلك القيمة»(77). وقد تخرج من كلية الطب 535 طبيباً يحملون الديبلوم الفرنسي ويبشرون بنفوذنا وبفعالية طرائقنا العلمية، لا في سوريا فقط، بل في الإمبراطورية العثمانية بأسرها، وحتى في مصر»(78).
الهجمة الاقتصادية:
لم تكتف الدول الاستعمارية باستغلال ظروف الدولة العثمانية لمراكمة الديون عليها ورهن مواردها، بل هي استفادت من نظام الامتيازات التي منحت لتيسير التجارة مع الدول الأوروبية وأميركا، منذ وقت مبكر لتتحكم في ما بعد، بالشؤون الاقتصادية للسلطنة، ولتنتزع التنازلات منها، حتى على الصعيد القضائي والقانوني.
وكانت الثورة الصناعية قد دفعت الدول المتقدمة بسرعة أكبر، على طريق استغلال الأسواق من جهة، والاستيلاء على الموارد من جهة أخرى، فأخذت، لهذا الغرض، تنافس الصناعات المحلية وتدمرها «فصناعيو مانشستر مثلا أخذوا يقلّدون الأقمشة المصنوعة في دمشق وحلب ودير القمر ثم يبيعونها بنصف الثمن الذي تباع به في بلدان إنتاجها الأصلية»(79). كما عمدت صناعات الحرير في فرنسا لتدمير هذه الصناعة في جبل لبنان وسائر مناطق سوريا، لتجعل منها مجرد مصدرة لشرانق الحرير. ثم أتت المشاريع الكبرى، لا سيما مد الخطوط الحديدية وإنشاء المرافئ والمنارات وما إليهما، لتكمل أسباب السيطرة الاستعمارية على الاقتصاد في الدولة الإسلامية، عن طريق تدمير البنى القائمة لصالح تحويل المواطنين إلى مستهلكين والبلاد بكاملها إلى سوق استهلاكية لمنتجاتهم، وهو الأمر الذي ما زال قائماً بخطوطه العريضة حتى اليوم.
الهجمة الإستراتيجية:
بدأت في القرن الماضي، ومنذ بداياته، المخططات لتقطيع أوصال «الرجل المريض»(الإمبراطورية العثمانية)، وبدأ النهش في جسمها فانتزعت أقطار الرومللي، ثم انتزعت أقطار المغرب العربي الواحد تلو الآخر، ثم حصل الاحتلال الإنكليزي لمصر واستمر التطويق الاستعماري للجزيرة العربية.
إلى ذلك بدأت الخطط لفصل المشرق الإسلامي والعربي عن المغرب العربي، وراحت قرائح القناصل والسفراء والأميرالات تتفتق عن خطط عسكرية لاستعمار هذه الجزيرة أو تلك، أو لزرع أجسام غريبة في المناطق الإستراتيجية، بحيث تجعل أي أمل بالوحدة مستحيلاً، وكان الانكليز يخططون لإيجاد قوة معادية للعرب والمسلمين على الضفة الشمالية لقناة السويس، بهدف فصل مصر عن بلاد الشام، اللذين كان اجتماعهما تاريخياً يوفر قوة هامة، الأمر الذي كان يدفع أي قوة تستولي على إحدى المنطقتين أن تتابع سيرها للاستيلاء على الأخرى.
وهكذا فقد أصبحنا اليوم، رغم الحجم الكبير، دولاً ودويلات متناثرة لا تقوم لمعظمها قائمة، بل هي مضطرة، ولو من أجل الاستمرار على وجه الأرض إلى مساعدات الدول الاستكبارية، مع الرضوخ لكل شروطها.
الاستعمار الاستيطاني:
بعد محاولات تنصير الزعماء المحليين في سوريا، كآل أبي اللمع وبعض الأمراء الشهابيين، وبعد محاولات الاندساس في الإسلام، كما فعلت فرقة الدونما اليهودية في سالونيك، والتي أثرت على مصائر الإمبراطورية العثمانية، بدأت في الأوساط الإنجيلية في بريطانيا خصوصاً حملة لدفع اليهود إلى الاستيطان في فلسطين، وقد أخذت هذه الحملة المجاري الديبلوماسية أثناء وجود الجيش المصري في سوريا وذلك بدءاً من سنة 1839.
وكان دفع اليهود إلى الهجرة إلى فلسطين على أيدي البروتستانتيِّين في محاولة لتحقيق نبوءة عودة المسيح المرهونة في نظرهم باستعمار اليهود فلسطين(80).
وقد استكملت المؤتمرات الصهيونية منذ 1897 ما كان بدأ في أواخر النصف الأول من القرن الماضي، حتى تمكّنت من السيطرة على فلسطين بكاملها.
على أن محاولات الاستيطان طاولت مناطق أخرى، مثل بلدان شمال أفريقيا العربية مثلاً، ولكنها في النهاية باءت بالفشل بعد طرد الجيوش الأجنبية من هذه البلدان.
القوة العسكرية الاستعمارية:
على أن هذه المشاريع وغيرها لم يكن ممكناً أن تتحقق بالسهولة المعروفة لولا وجود العصا الغليظة من الجيوش الحديثة المجهزة بآخر مبتكرات الثورة الصناعية، والتي كانت تتدخل في مناطق السلطنة العثمانية قبل تفكيكها، ثم هي استعمرت كل الأراضي العربية التي كانت تابعة لها لمدد متفاوتة.
وبعد جلاء الجيوش الأجنبية بقيت حالة الضعف والوهن والتخلف والتبعية الاقتصادية قائمة، لأن المستعمر مكّن لهذه الحالة اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً من جهة، كما أوجد الحالة التي كانت تفرز حكومات تابعة له وسائرة في ركابه، حتى إذا أخفقت تلك الحكومات في ضبط الأوضاع لم يكن التدخل العسكري مستبعداً.
لقد توكأت بعض دول العالم العربي والإسلامي عموماً على المعسكر الاشتراكي، لتحصيل بعض حقوقها وإحراز شيء من التقدم. ولكن بعد اختفاء هذا المعسكر عادت الهيمنة الأحادية الجانب للمتجبر الأميركي لتفرض نفسها وبالقوة على العالم حيث يدفع العالم الثالث، ومن ضمنه العالم الإسلامي، ثمن الهدر والبذخ والتدخل في شؤونه وشؤون غيره، من أمواله الخاصة.
التطور ومعوّقاته:
إذا كانت تلك هي حالة المسلمين اليوم، ولا أظن أن أحداً يماري في ذلك، فهل هي قدر على المسلمين أم أن أبواب الفرج موجودة، وإن تكن موصدة إلى حد بعيد؟
إن الفعل الاستعماري قد أدى وظيفته حتى باتت الشعوب الإسلامية نتيجة له في معظم نواحي حياتها الثقافية والاقتصادية، فقد آتت المخططات التي بدأت منذ أواخر القرن الثامن عشر واستمرت أبان القرن التاسع عشر، ثمارها، فتمت صياغة العالم الإسلامي كما تمنى أعداؤه، على رغم الخروق الكثيرة التي حصلت على شكل ثورات وانتفاضات، تم استيعابها أو إجهاضها في ما بعد، لأنها قامت على القواعد الفكرية الخارجية نفسها، من رأسمالية أو اشتراكية أو أحياناً فاشية.
أما اليوم وبعد ظهور الصحوة الإسلامية، فقد أمسى من الضروري أكثر من السابق، الاهتمام بتوحيد صفوف المسلمين، خصوصاً وأن الدول الاستكبارية الآن، لا ترى من عدو لها إلا الإسلام، غير الخاضع وغير المتبني لسياستها ولأساليبها في المجالات السياسية والاقتصادية، فكيف يمكن أن تقوم الوحدة؟
لعل أهم مقومات الوحدة تحديد أيديولوجية واحدة، تتضافر على أساسها الجهود المخلصة، لتوفير أسباب القوة والتطور على الصعد الاقتصادية والاجتماعية، على أساس من تكريم الإنسان، وإقرار مبدأ المحاسبة، كل ذلك على طريق تحقيق رسالتنا الموجهة إلى الإنسانية جمعاء.
الوحدة الأيديولوجية:
لا يكفي الشعار العام في هذا الموضوع، بل لا بد من طرح الأمور بدقة وبصورة منطقية تشكل الرد الفعلي على المشكلات الإنسانية، وذلك يتم عن طريق تحديد هذه المشكلات، ودراسة أسبابها ومظاهرها ومآلها، ثم دراسة النظريات الأساسية المطروحة ومواقفها من هذه المشكلات والحلول المعتمدة في مواجهتها، كل ذلك بأسلوب نقدي، بحيث نبين نقاط القوة ومواطن التهافت، ثم نعمد إلى الحلول الإسلامية من طريق النفاذ من الفروع إلى الأصول، لنكشفها ونحددها بشكل علمي، ثم نعمد إلى ربطها بالمشاكل الحاضرة لنتبين حلولها، فنشكل بذلك نسيجاً أيديولوجياً متكاملاً كنظرية عصرية متقدمة متجاوزة لما هو قائم من نظريات.
أما الفروع التي يجب العمل على تأصيلها فهي تلك التي أرساها القادة الحقيقيون للإسلام ممن تمثلوا الرسالة الإسلامية، حتى استطاعوا أن يصبحوا ممثليها الحقيقيين؛ بل قل أصبحوا هم الإسلام المتجسد لحماً ودماً.
إن الطريقة المعاكسة، والتي تبدأ من القواعد الإسلامية القائمة باتجاه المشاكل الواقعة، تؤدي إلى عدم فهم كاف لمشاكل العصر، لأنها ستنظر إليها من منظار معين خاص، وهو المنظار المكون في مراحل تاريخية معينة كتلبية لحاجات تلك المراحل، ولعل هذا ما يذهب إليه الشيخ محمد ابراهيم الجناتي عندما يركز على دور الزمان والمكان، في «الاجتهاد فيؤيد استخدام الاجتهاد في المصادر وفي مقام العمل والفتوى، وبعد النظر بدقة في أبعاد القضايا ودراسة موضوعات الأحكام من زاوية خواصها الداخلية والخارجية» الذي يعتبره «الاجتهاد المتحرك والتقدمي والمطلوب»(81).
ولدى تحديد الأيديولوجية، يمسي ممكناً توحيد المواقف من القوى العالمية والإقليمية المختلفة، وذلك بعد التعيين الدقيق للخطوط الفاصلة بين الأصدقاء والأعداء، على ضوء المبادئ الإسلامية المتفق عليها، وبعد تحكيم هذه المبادىء تحكيماً حاسماً لا تهاون فيه. فنعادي الأعداء ونصادق الأصدقاء، ونتقرب من هذه الجهة ونبتعد من تلك، بقدر ما يخدم ذلك إستراتيجيتنا وأهدافنا.
توحيد الجهود:
يأتي توحيد الجهود على أساس أيديولوجية موحدة ليؤسس جسماً متراصّاً متماسكاً، على غرار ذلك الذي قام بالفتح في أيام الإسلام الأولى، وحقق الانتصارات الكبيرة، التي نشرت أفكار الإسلام ومبادئه من الصين إلى الأندلس حيث كان المقاتل، حتى البسيط، يقاتل لا من أجل فلان من الزعماء والقادة ولا فلان، بل من أجل رب هؤلاء.
إن توحيد الجهود، وحده، في ظل موازين القوى الراهنة، القادر على إبقاء شعلة الإسلام متقدة ونامية ومتقدمة، إلى أن تزول الكوابيس عن صدور المسلمين، وييأس أعداؤهم من إمكانية إخضاعهم، حتى ولو كانت جهود الامبرياليين وأعداء البشرية تسير كلها متناغمة متضافرة.
فإذا ما بقيت حالة التشتت، فهي لا تمكّن للوهن والعجز من أن يستفحلا، وهي لا تتيح للأعداء أن يعاملونا على أنَّنا فريسة يسهل أكلها فحسب، بل وهي تجعل من يساعدهم من أبناء جلدتنا، مغطّى ومعذوراً من الناحية الشكلية، على أساس أنه مجتهد، وعلى أساس أن للمجتهد إذا أخطأ أجر عند اللَّه.
الأخذ بأسباب القوة والتطور:
إن الإسلام، حتى يتمكن من رد هجمات أعدائه، ومن ثم تأدية رسالته الإنسانية، لا بد له من الأخذ بأسباب القوة في مختلف المجالات، سواء منها القتالية أم الاقتصادية أم الاجتماعية. فعلى الصعيد القتالي، يمكننا إدراك ما نملك من قوة، إذا ما تأسينا جميعاً بالمقاومين وبأبناء الانتفاضة، حيث تواجه أعداد محدودة من المؤمنين آلة الحرب الأميركية الصهيونية الأكثر تطوراً في العالم، فإذا ما أتيح لمئات الملايين من المسلمين أن ينخرطوا في العملية الجهادية، فإنهم لا بد من أن يغيروا صورة العالم، ويعطوه الشكل الذي يريده له الإسلام.
على أن القوة لا بد لها من الوسائل الكفيلة بإعطائها أقصى ما يمكن من الفاعلية، وهذه الوسائل، إلى جانب الإيمان، هي القدرة العلمية والتكنولوجية التي يحث الإسلام على امتلاكها، بقوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ﴾(82).
وإذا كان أعداء المسلمين يرون في الدين الإسلامي فكراً اتكالياً، استناداً منهم إلى مقولة القضاء والقدر، فإنه يمسي من الضروري أكثر فأكثر، الرد بالتخطيط والإعداد لتأمين التطور، ومن ثم تكذيب هذا الاتهام، ليس لدى أولئك الذين يشيّعونه، بل لدى المسلمين الذين يمكن أن يكونوا اقتنعوا به فأخلدوا إلى السكينة، بانتظار أن يغير اللَّه الحال، متناسين ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾(83).
أما المسلمون الذين يعتقدون بأننا معفون من أي حركة حتى قيام المهدي(عج)، فلا بد من تنبيههم إلى أن المهدي لا يقوم حتى نستحق قيامه، والاستحقاق يكون بتمهيد الطريق وبالاستعداد للتضحية والاستشهاد.
إقرار مبدأ المحاسبة للحكام:
يتحكم بالعالم الإسلامي، في معظم أقطاره، ملوك ورؤساء يمارسون الاستبداد ويكمون الأفواه، حفاظاً على كراسيهم، التي يدين أغلبهم بها لأعداء الإسلام. وإذا كانت جماهير المسلمين لا تستطيع اليوم إقامة نظام الإسلام في تلك البلدان، فهي يجب أن تمارس حقها المشروع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان على الأقل.
ولعل ذلك لا يستقيم مع تمسك بعض المسلمين بطاعة الحاكم، أيا كانت ميزاته وتصرفاته، وذلك على أساس تفسير مغلوط للآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾(84) ، يعتبر أي حاكم ولياً للأمر، متناسياً أن ذلك يتناقض مع أوامر اللَّه الصريحة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومتناسياً الأحاديث الشريفة العديدة حول ذلك من قبل «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» و «أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر»(85). «ومن رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطيع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»(86).
ولقد كان خلفاء الرسول الأول يقرون هذا المبدأ على أنفسهم، فهذا أبو بكر يقول في خطبته التي استهل بها عهده: «أيها الناس، لقد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني..»(87) وقد أشرنا إلى ذلك، أما علي بن أبي طالب فقد كان مثالاً في تقبل النقد والمحاسبة رغم ظلم منتقديه ومحاسبيه له، حتى أنه أبقى الحوار مع الخوارج مفتوحاً رغم تكفيرهم إياه، وكان دائماً يحث على إنكار المنكر وتغييره فيقول: «أيها المؤمنون، إن من رأى عدواناً يعمل به ومنكراً يدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم وبرىء، ومن أنكره بلسانه فقد أجر، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة اللَّه هي العليا وكلمة الظالمين هي السفلى، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى وقام على الطريق ونور في قلبه اليقين..»(88).
تكريم الإنسان:
يعاني الإنسان في معظم البلاد الإسلامية من الظلم والاضطهاد وكم الأفواه، الأمر الذي يتعارض مع أبسط مبادئ الإسلام في منع الظلم وفي حرية الفكر والعمل، ضمن الخطوط التي حددها الشارع الأسمى حينما أمر بالتفكر والتدبر، ومقاومة الظلم، وحينما أمر باعتبار كل شيء مُباح حتى يرد فيه نص.
هذا الواقع سلب من الإنسان الجزء الأكبر من كرامته ومن قدرته على المبادرة مما أدّى إلى حالة التخلف والضعف التي نعاني منها، والتي جعلت مواردنا، وحتى كياننا، لقمة سائغة في أفواه الدول المتجبرة القوية.
وإذا كان بعض المفكرين الغربيين، من خدام الاستعمار والإمبريالية حاول أن يقنعنا بأن هذه الحالة نابعة من الإسلام نفسه، وبأنها من صميم تكويننا الفكري والثقافي، وبأن حالة الذلة والمسكنة هي قدرنا، فإنَّنا يجب أن نتصدى لذلك بالفكر والعمل، ونؤكد أن أجدادنا، الذين قاتلوا تحت راية الإسلام وحققوا الانتصارات وأصبحوا قادة كباراً على المستوى العالمي، إنما استطاعوا ذلك، لا بعلم عسكري اكتسبوه، بل نتيجة لروح المبادرة القائمة على حرية الحركة من جهة، وعلى تحمل المسؤولية من جهة أخرى.
إن أولئك الذين كانوا يقاتلون في أقاصي الأرض لم تكن سلطة الخليفة عليهم قائمة ومباشرة وآنية، بل كانوا يتحركون بوحي من ضمائرهم، على أن يؤدوا الحساب، فيما بعد، فحققوا ما حققوه، وهم أبناء أولئك الذين كانوا وقوداً لحرب داحس والغبراء ولغيرها من أمثالها من الحروب.
إن الإنسان لا تكتمل إنسانيته إلا إذا احترمت وكرمت، وإذا ما ألقينا نظرة على البلدان التي حققت المعجزات العلمية، نراها كانت سباقة لمنح الإنسان من الحرية ما أوهمه أنه يمتلك ناصية السياسة بين يديه، فكيف ونحن ملزمون دينياً بأن لا نقبل أن يتصرف حكامنا، تجاهنا وتجاه غيرنا، إلا بما أمر به الشارع المقدس.
تأدية الرسالة:
ليس مطلوباً من المسلمين، أن يتدبّروا أمورهم ويفتشوا عن طريق للدفاع عن أنفسهم، وبالتالي لاستمرارهم، بل مطلوب ما هو أهم من ذلك وأصعب، وأعني به تأدية الرسالة التي نزلت على النبي(ص)، والتي وعد اللَّه بأن تظهر على «الدين كله»(89).
وإذا كان ذلك مرهوناً بظروف معينة، فلا أقل من السعي، لأن القعود، عند الشعور بصعوبة أمر من الأمور، لا يقدم صاحبه خطوة واحدة.
لقد بين فقهاء المسلمين تفوّق الإسلام على سائر الأديان في مجال التشريع، وبقي أن يبيّنوا وبطريقة عصرية، تفوّقه كنظام اجتماعي وسياسي، وإذا كان البعض يرى أن الإسلام متخلف في مجال الفكر السياسي والنظام السياسي، فما ذلك إلا لاعتماد هذا البعض منهجاً خاطئاً في الدراسة، يقوم على النظر إلى واقع النظام كما مورس عبر القرون، دون أن يعودوا إلى العهد الأول من الإسلام، لاكتشاف أسلوب الحكم الذي ساد فيه، واعتبار هذا الأسلوب، وبعد تخليصه من كل شوائبه، الأسلوب الإسلامي، واعتماده كمصدر للفكر السياسي، وحتى الاجتماعي والاقتصادي.
إن العالم يعاني اليوم من أزمات على مختلف الأصعدة، وهذه الأزمات تعصر الإنسان فيه عصراً، إلى جانب الرعب الذي تحدثه الأسلحة الرهيبة، فلنثبت بالحجة والمنطق، أن الإسلام هو الحل، وذلك بالنظام القائم على حقائق التنزيل، في المجال السياسي، حيث يكرم الإنسان وفي المجال الاجتماعي، حيث ينال خبزه دون إهدار لكرامته، وعلى الصعيد الاقتصادي الذي يؤمن قيام مجتمع ودولة قويين متماسكين.
الخاتمة:
تلك كانت بعض الأفكار التي نراها تصلح لإثارة نقاش حول إمكانية إقامة الوحدة الإسلامية في هذا العصر، ونحن نطرحها لعل من يهمهم الأمر أن يتوافرون على دراسة المسائل المثارة دراسة مستفيضة موضوعية وعلمية، فتتحدد أوجه الأزمة العالمية، وقصور المعالجات المطروحة لها. ويضعون لها حلولاً من فكر الإسلام الحقيقي، الذي يمكن البحث عنه قبل مراحل التشويه، مراحل الظلم والاستبداد والاضطهاد والتآكل الداخلي، وهو ما أدّى إلى سلسلة الهزائم التي منينا بها حتى اليوم.
ــــــــــــــــ
(*)أستاذ في الجامعة اللبنانية.
(1)راجع: محمد عوض الخطيب، صفحات من تاريخ الجزيرة العربية، دار المعراج، 1995، ص 170 وما
(2)سورة آل عمران، الآية: 103.
(3)سورة الأنبياء، الآية: 107.
(4)سورة التوبة، الآية: 33، الفتح، الآية: 28؛ الصف، الآية: 9.
(5)سورة الأحزاب، الآية: 40.
(6) البخاري، الصحيح، كتاب فضائل أصحاب النبي/9 راجع أيضاً، البخاري جهاد/102 ومغازي/38 ومسلم، الصحيح فضائل الصحابة/35 ومسند أحمد 5/238 و333.
(7)سورة البقرة، الآية: 9.
(8)البخاري أحكام/8 حديث 7150 راجع صحيح مسلمرإيمانر 164 و227 و228 والبخاري أحكام/8 ومسند أحمد 2/50.
(9)العقد الفريد، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987، م5، ص 119.
(10)راجع: الطبري، تاريخ الأمم والملوك، دار الفكر، م3، ص 335 وابن سعد، الطبقات، 4/167.
(11)سورة التوبة، الآية: 34.
(12)راجع ابن أبي الحديد، شرح النهج، 3/470.
(13)العقد الفريد، 2/260.
(14)الطبري، 6/149 و150.
(15)راجع: ابن أبي الحديد، شرح النهج، 2/29.
(16)راجع: محمود شاكر، التاريخ الإسلامي، المكتبة الإسلامية، بيروت، 1991، ج4، ص 22.
(17)راجع: ابن أبي الحديد، شرح النهج، 3/470.
(18)سورة البقرة، الآية: 30.
(19)نهج البلاغة، شرح ابن أبي الحديد، م2، ج9، ص 503.
(20)المرجع نفسه، ج8، ص 378.
(21)راجع الماوردي، الأحكام السلطانية، ص 4و 5. وأبو يعلى، المرجع نفسه، ص 20.
(22)صحيح البخاري ج8، كتاب الأحكام باب 4 ح7142، وراجع: الترمذي، فتن 30، ابن ماجه، جهاد 39 مسند أحمد 2/172و 212.
(23)راجع: ابن سعد، الطبقات، مجلد 4 قسم 1، مراجعة أدوار، ص 105.
(24)مستدرك في وسائل الشيعة، م6، ص 14 و123.
(25)نهج البلاغة، مصدر سابق م3، ج14، ص 300.
(26)راجع نهج السعادة، م4، ص 267.
(27)راجع محمد طي، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ط1، 1994، ص 108.
(28)ابن قتيبة الدينوري، الإمامة والسياسة، دار الأضواء 1990، ج1 ص 34. راجع كذلك السيرة الهشامية، دار الجيل بيروت، ج4، ص 228..
(29)نهج البلاغة، شرح ابن أبي الحديد، م4 ج17، ص 161.
(30)صحيح مسلم، دار الفكر، م1 ح78 وما بعدها.
(31)ابن قتيبة الدينوري، الإمامة والسياسة، مصدر سابق، ص 95.
(32)نهج البلاغة، مصدر سابق، م2، ج10، ص 514.
(33)سورة الأنعام، الآية: 38.
(34)سورة النحل، الآية: 89.
(35)راجع أبو يعلى الفرا، الأحكام السلطانية، مصدر سابق، ص 27 و28.
(36)سورة الإسراء، الآية: 34.
(37)سورة التوبة، الآية: 4.
(38)راجع سنن الترمذي، ج4، باب 27و 28، وأبو داود، كتاب الجهاد، باب: الإمام يكون بينه وبين العدو عهد. ومعنى النبذ على سواء أن يراعيهم حسب مراعاتهم له ويعاهدهم على قدر ما عاهدوه، الراغب مادة «نبذ».
(39)سورة البقرة، الآية: 30.
(40)سورة الإسراء، الآية: 70.
(41)مسند أحمد بن حنبل، 5/411.
(42)نهج البلاغة، مذكور أعلاه م2 ج8 ص 305.
(43)راجع: ابراهيم بن محمد الثقفي، الغارات، منشورات انجمن آثار على م1 ص 124 و125. كذلك راجع: السيوطي، تاريخ الخلفاء، المكتبة العصرية، صيدا 1989، ص 209.
(44)راجع: نهج السعادة، م8، ص 73 ومستدرك وسائل الشيعة، م17، ص 350.
(45)سورة الطلاق، الآية: 7.
(46)راجع علم الأصول للسيد باقر الصدر، دار الكتاب اللبناني، الحلقة الثانية، ص 322.
(47)نهج البلاغة، مصدر سابق، م2، ج6، ص 122.
(48)سورة البقرة، الآية: 229.
(49)سورة المائدة، الآية: 44.
(50)سورة المائدة، الآية: 45.
(51)سورة المائدة، الآية: 47.
(52)سورة النساء، الآية: 148.
(53)سورة الحج، الآية: 39.
(54)سورة النساء، الآية: 75.
(55)مستدرك وسائل الشيعة، ج18، ص 273.
(56)وسائل الشيعة، م16، ص 111.
(57)سورة الملك، الآية: 15.
(58)سورة البقرة، الآية: 256.
(59)سورة البقرة، الآية: 189.
(60)سورة النور، الآيتان: 27 و28.
(61)سورة الحجرات، الآية: 12.
(62)راجع: مسند أحمد بن حنبل 4/421 و424 و5/279.
(63)راجع: محمد حسين هيكل، الفاروق عمر، دار المعارف، مصر، ط ن، ص 196، 197.
(64)راجع: مستدرك وسائل الشيعة، 11/84.
(65)راجع: نهج البلاغة، ح4، ج17، ص 122.
(66)نهج البلاغة، مصدر سابق، م2 ج8 ص 306.
(67)المصدر نفسه، م1، ج2، ص 178.
(68)سورة القصص، الآية: 74.
(69)سورة الجمعة، الآية: 10.
(70)نهج البلاغة مصدر سابق، م4، ج17.
(71)راجع: السيد محمد باقر الصدر، اقتصادنا، دار التعارف، ط2، بيروت، 1987، ص 667 وما يليها.
(72)راجع: سنن أبي داود، دار الفكر، م2، ج4، ص 111، ح4297. عن عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي وبشر بن بكر وابن جابر عن أبي عبد السلام عن ثوبان.
(73)راجع: عادل إسماعيل، المجلد التاسع، القنصلية العامة لفرنسا في بيروت(1846 ـ 1853) رسالة رقم 10 بتاريخ 30 ك1 1847.
(74)مراسلات القناصل السياسية ـ تركيا ـ بيروت، مجلد رقم 2، 1840، 1841، بيروت 18ك2 1841.
(75)د. محمد محمد حسين، الإسلام والحضارة الغربية، مؤسسة الرسالة، ط4، سنة 1981، ص 46.
(76)رسالة موجهة من سفارة فرنسا لدى الباب العالي إلى الخارجية بتاريخ 18 ت1 1898. منشورة في: طلال العتريسي، البعثات اليسوعية، الوكالة العالمية للتوزيع، ط1، 1987.
(77)من رسالة مشابهة مرسلة في 31 ك1 1897، المرجع نفسه.
(78)K. Ristelhueber: لTraditions fran aises au liban, Paris 8191. P 972.
(79)راجع: مراسلات القناصل السياسية ـ تركيا ـ بيروت 1840 ـ 1841، وثيقة رقم 14.
(80)راجع A.M. Hyanson, British Project for the restoration of jews to Palestine...
(81)انظر: مجلة التوحيد، العدد 76، محرم 1416، بحث بعنوان: «الاجتهاد في الشريعة الإسلامية».
(82)سورة الأنفال، الآية: 60.
(83)سورة الرعد، الآية: 11.
(84)سورة النساء، 59.
(85)راجع: مسند أحمد بن حنبل 3/1و6 ـ 4/ 314 و315 ـ 5/ 251 و256 والدارمي، ملاحم/17، الترمذي، فتن/13، النسائي، بيعة/37، ابن ماجه، فتن/20.
(86)راجع: صحيح مسلم، الإيمانر 78، الترمذي، فتن/11، النسائي، إيمان/17 لابن حنبل 3/20 و49.
(87)راجع: السيوطي، تاريخ الخلفاء المكتبة العصرية، صيدا 1989، ص 80.
(88)نهج البلاغة، مصدر سابق، م4 ج19، ص 410.
(89)سورة التوبة، الآية: 33. والفتح، الآية: 128. والصف، الآية: 9.
تعليقات الزوار