الاتحاد صلاح المسلمين

المناسبة: عيد الفطر المبارك

الزمان والمكان: 1 شوال 1417هـ / طهران

الحضور: كبار مسؤولي الدولة

بسم الله الرحمن الرحيم

أبارك هذا اليوم العظيم وهذا العيد الإسلامي الأغر لجميع أبناء شعبنا العزيز ولامتنا الإسلامية الكبرى ولكم خاصة أيّها الحضور المحترمين. للعيد الإسلامي معنيً خاص، وله صبغة إسلامية. العيد يعني تلك الشعائر المزيجة بالبهجة التي تُقيمها أمة أو فئة، ويعود بفواصل زمنيّة معيّنة كأن يكون مرة في كل سنة أو ما شابه ذلك. ينبغي أن يكون للعيد معنيً وبعد خاص. وكذا الأعياد الوطنية، ان لكل واحد منها بعده الخاص. والعيد الإسلامي له بُعدان، الأول: التوجّه إلى الله وإلى الآفاق المعنوية. والثاني: إلتفاف جميع المسلمين حول محور واحد. هذه هي محاور واتجاهات العيد الإسلامي. ومن هذا تلاحظون في عيدي الفطر والأضحى ان الصلاة شرّعت فيهما جماعة، وصلاة الجماعة مظهر لهذين البعدين؛ فهي تنطوي على التوجه إلى الآفاق المعنوية وإلى الباري تعالى، وفيها ذكر وخشوع، وتتضمن أيضاً توفير مقوّمات الالتفاف حول محور مشترك. وكلا الموضوعين يمثّلان ـ كما يبدو لي ـ قضية العصر بالنسبة لشعبنا وللأمة الإسلامية. بالنسبة لشعبنا يمكن النظر إلى كل شيء ـ بطبيعة الحال ـ بمزيد من التفاؤل؛ لأنّ القرائن والشواهد والأحداث تنم بأجمعها عن الأمل والتفاؤل. شعبنا اليوم يتميّز باقبال متزايد على الأمور الدينية، على العكس تماماً من توقعات الآخرين وما كانوا يترقّبونه. فالآخرون ـ وأعني بهم الأعداء والمراقبين المحايدين بل وحتى بعض الأصدقاء ـ كانوا يتصورون ان الشعارات الدينية التي تمثّل جوهر هذه الثورة سيخبو بريقها على مر الزمن، إلاّ أن ما حصل كان على العكس تماماً؛ فقد غدا اهتمام الناس بالدين في هذا العام أكثر ممّا كان عليه في السنة الماضية، وفي السنة الماضية كان أكثر من السنة التي سبقتها، وصار الشبان يهتمون بأمر الدين وأخذ الفتيان والفتيات يلتفتون أكثر فأكثر إلى معارف وأحكام الدين، والروح الدينية بما تعنيه من توجّه إلى الله وتسليم له وعمل في سبيله آخذة بالاتساع بين الناس بحمد الله. وهذا هو الواقع المنشود. اي ان هذا الشعب إذا أراد اعمار بلده وبناء دنياه ونيل عزّته، فلابدّ له من بلوغ كل ما هو مهم وضروري لشعب من الشعوب، سواء على الصعيد العالمي أو في أعماق ذاته، فيتعيّن عليه التوجّه إلى الله؛ إذ الإنسان بحاجة إليه تعالى، وهو القادر على إفاضة الخير عليه. وهكذا الحال أيضاً في مجال الوحدة. فمع أنّ التوقعات ـ ومن قَبل الثورة ـ كانت تقول: إنّ مجالات الاختلاف واسعة بسبب طبيعة تركيبة الشعب الإيراني الذي يتألف من أقوام مختلفة ومن لغات شتّى، إلاّ أنّهم وجدوا الشعب متحداً ومتكاتفاً. أنتم تلاحظون في الميادين المختلفة ومنها الميادين التي تتجلى فيها الآراء بشأن قضية سياسية نظير يوم القدس ـ الذي شاهدتموه أمس الأول ـ كيف دوت الاصوات في جميع أرجاء إيران، في شرقها وغربها ووسطها، وكيف يسير أبناء الشعب في سياق واحد ويهتفون بشعار واحد ويتحدثون برأي واحد على اختلاف انتماءاتهم من فرس وترك وكرد وعرب وبلوش وتركمان. هذه وحدة كبرى وفريدة من نوعها. وهكذا يشارك الشعب أيضاً حينما يأتي دور الانتخابات وعندما يأتي دور الدفاع المقدس. وعلى هذا المنوال ساهم الشعب أيضاً في الحرب مدّة ثماني سنوات وقدّم الشهداء ونزل إلى الساحة في سبيل الله، والجميع يحدوهم شعور واحد بالواجب المشترك. وكان من بين المتطوعين ـ ناهيك عن الجنود ومن كانوا يؤدون الخدمة الإلزامية ـ مواطنين غير مسلمين؛ فقد تطوّع إلى الجبهة مسيحيون ـ وقد رأيناهم وعرفناهم ونعرفهم ـ وضحوا بأنفسهم على هذا الطريق. وهذا ينم عن وجود وحدة وثيقة بين أبناء شعبنا. هذا كله على الرغم من الجهود التي بذلها العدو. يستنتج من هذا ان كلا المحورين ـ أي محور الذكر الإلهي ومحور الوحدة العامة ـ متوفران في إيران الإسلامية ببركة حاكمية الإسلام وبفضل وجود المحاور الوحدوية الأساسية. ونأمل أن يكون الوضع في المستقبل كما كان عليه في الماضي. إلاّ ان القلق ينتابنا على الأمة الإسلامية؛ إذ أن الوضع على مستوى الامة الإسلامية لا يسير ـ وللأسف ـ على هذا المسار. وأنا أتحدث عن الشق الثاني من القضية؛ فالشق الأول منها مسألة أخرى ولها وضعها الخاص بها وليس كلامُنا فيه فعلاً. نعم يمكن القول في خصوص الشق الأول: إنّ اقبال الشعوب الإسلامية في جميع ارجاء العالم الإسلامي على الامور الدينية والمعنوية آخذ بالازدياد يوماً بعد آخر، ولكن بمراتب مختلفة من السرعة، في بعض الأماكن بشكل سريع وفي أماكن أخرى بوتيرة اقل سرعة. أمّا قضية الوحدة والتلاحم، وقضية {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا} التي يأمرنا بها القرآن، فلا تسير ـ مع الأسف ـ كما ينبغي، وهذا من فعل العدو. الشعوب الإسلامية تحدوها رغبة عارمة للاتحاد، لكن العدو يبذل مساعي محمومة لافشالها، وهو يوظف لهذه المهمة ـ اي بث الفرقة ـ استثمارات مادية ومعنوية كبيرة، وبأساليب مختلفة. وبعض هذه الاستثمارات يعود إلى عهود سابقة على الثورة الإسلامية، نظير دعم التيارات القومية المتطرفة. في إيران كانوا يدعمون التيارات القومية والميول الوطنية الإيرانية العنصرية، وفي البلدان العربية كانوا يدعمون الاتجاهات العربية المتطرفة، وفي البلدان التي تتحدث باللغة التركية كانوا يؤازرون التيارات القومية والميول التركية العنصرية. وحيثما كانت أقلية في هذه البلدان كانوا ينفخون فيها روح التطرف القومي. في إيران كانت بعض الاقوام تتلقى ايحاءات تبرز جانب الميول العنصرية لديها. في بلدان شمال افريقيا وفي مصر وفي أماكن أخرى يأجّجون المشاعر العنصرية والتعصب القومي الذي يستهوي الأقوام غير العربية القاطنة هناك، ويحثّونها على الالتفاف حول تلك المنطلقات، وكانوا كذلك يساندون الاقليات الدينية حيثما كانت، وهلمَّ جرَّاً. طيب، كان هذا منذ ذلك العهد. وبعد انبثاق فجر الثورة الإسلامية في إيران ضاعفوا تلك المساعي، ضاعفوا جهودهم حين رأوا ان شمس الوحدة الإسلامية في غاية الاشراق والسطوع على رحاب العالم الإسلامي. بيد انهم لم يقفوا عند هذا الحد، بل دفعوا بعض العناصر لاثارة الفرقة، وسلبوا الامة الإسلامية شعاراتها الوحدوية، واحدى تلك الشعارات هي قضية مجابهة الصهاينة التي كانت قضية وحدوية تجمع بين الشعوب الإسلامية. الشعوب الإسلامية كان يسودها شعور بالتآخي والتآزر ضد العدوان الواضح والصريح الذي يشنه الصهاينة على أي بلد إسلامي. فحطّموا مشاعر التآزر هذا، وقضوا على هذا الشعور بالتآخي، وقوّضوا هذا الهدف الأم، وسعوا لاشاعة سوء الظن لدى البلدان الإسلامية ازاء بعضها الآخر، بنمط معين لدى الحكومات، ولدى الشعوب بنمط آخر. إنّهم يعملون على ايجاد حالة من فقدان الثقة بين حكومات البلدان الإسلامية. وهذا العمل قيد التنفيذ حالياً ايضاً. فالمحافل السياسية والجاسوسية للدول الطامعة بهذه المنطقة، وعلى رأسها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وأجهزة التجسس الصهيونية، تمارس نشاطها في كل مكان، وهي على اتصال دائم بالمحافل السياسية في البلدان من أجل اشاعة جو من عدم الثقة بين الحكومة. ولاشكّ أنّهم يجنون من وراء هذا العمل فوائد عديدة، منها ضرب وحدة العالم الإسلامي، ومنها بيع الأسلحة، ومنها الحضور العسكري، ومنها حث الجميع على التسابق في سبيل اقامة العلاقات مع دويلة اسرائيل الغاصبة في فلسطين. هذه هي الفوائد التي يجنيها الاستكبار من وراء هذا العمل الذي يسبب للعالم الإسلامي أفدح الاضرار. من البديهي انَّ الشعوب لا تشكّل أية معضلة في هذا المضمار، وانما المعضلة معضلة الحكومات. فلو نظرت البلدان الإسلامية إلى قضية بسيطة يلتفت إليها كل عاقل، وهي ان العاقل يستثمر ما لديه من ذخائر وامكانيات متاحة. والإسلام ذخيرة بيد الحكومات الإسلامية ـ وإن لم تكن متمسكة به كما ينبغي ـ وهو يحدوها إلى استشعار معاني الارتباط والوحدة، ويفرض حضور مليار وعدّة مئات من ملايين المسلمين في القضايا المختلفة في العالم الإسلامي. فلاشكّ انه لولا مساندة العالم الإسلامي لمسلمي البوسنة لقضوا عليهم، ولما عاد لهم اليوم أي وجود في أوروبا، وهذه المساندة من الدول الإسلامية، وان لم تبذل من الجميع، ولم تكن مساندة تامّة، إلا انّها أشاعت شعوراً يومي بأنّ الحكومات الإسلامية مهتمة لهذه القضية، فأثرّت أثرها. ونظير هذه القضيّة موجود في جميع بقاع العالم الإسلامي، والدول لا تستغني عن مساندة بعضها الآخر، وهي ليست في غنيً عن الثقل العظيم لمشاعر الامة الإسلامية؛ إنّه كنز وذخيرة، فما بالهم لا يستثمروه ؟ هذه نقطة لا يُلتفت إليها، معادلة بسيطة ولكن لا أحد يأبه بها. ونتيجة ذلك تصب في صالح أعداء الإسلام. والعيد الإسلامي انما جعل من أجل احياء هذه المشاعر بين المسلمين. العيد الإسلامي يراد به ذلك اليوم الذي يحتفل فيه الناس في كل العالم الإسلامي. أنتم تلاحظون أكثر من مليار إنسان يتخذون هذا اليوم ـ طبعاً مع اختلاف الأوقات، فربما يكون الأول من شوال في بعض البلدان اليوم وفي بعض البلدان كان يوم أمس، ولا أهمية لمثل هذا الاختلاف في التوقيت ـ عيداً. فهل هذا أمر هيّن أو بسيط ؟ هناك أعداد هائلة من ذلك المجموع، تشارك في شعائر صلاة هذا اليوم وتتجه بأجمعها صوب قبلة واحدة وتؤدي الصلاة بآداب واحدة وبمضمون واحد، فهل هذا أمر هيّن ؟ ابداً، إنّه أمر عظيم جداً، ولكنّه للأسف لا يحظى بالاهتمام. وفي هذا خسارة كبرى. همّنا أن يكون مبنى علاقاتنا مع بلدان العالم الإسلامي على هذه النقطة، التي تنطوي على فائدة بالنسبة لنا بقدر فائدتها للآخرين. إنّنا بحمد الله لا نواجه أية مشكلة على الصعيد الداخلي. ولعلكم قلّما تجدون في العالم الإسلامي أو العالم بأسره بلداً يرتبط فيه الناس بصلات وثيقة زاخرة بالود والمحبة مع الحكومة والقادة والمسؤولين، مثلما هو الحال في بلدنا. فالشعب فيه يحب المسؤولين ويحفظ لهم الجميل، ويقف إلى جانبهم ويساندهم ويهرع إلى مد يد العون إليهم في مختلف المجالات، وهذا ما تلاحظونه ويلاحظه الجميع. أمّا في سائر البلدان الإسلامية، فليس الأمر على هذه الشاكلة، بل انها تعاني من صعوبات على هذا الصعيد. وعلى هذا فان مثل هذا الاتحاد في مواقف العالم الإسلامي والاهتمام بالمحور الوحدوي في الإسلام، انّما هو لصالح العالم الإسلامي بأسره، بل يجني من ورائه الآخرون منفعة أكبر. كما انكم تلاحظون ان القرآن الكريم يقول: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا} أي حتى الاعتصام والتمسك بحبل الله الذي يبدو وكأنه علاقة فردية بين العبد وربّه، يقول عنه «جميعاً» أي يتعين عليكم الاعتصام بحبل الله سويّة. أي ان الجانب الاجتماعي ووحدة الامة الإسلامية تحظى بهذا النصيب من الاهتمام في رأي الإسلام. وعلى كل حال ينبغي لشعبنا العزيز ادراك قدر هذا. يا أعزائي اعرفوا قدر هذه الفرصة التي منحكم أيّاها الباري تعالى، وأهمية اقبال قلوبكم على الله وعلى الآفاق المعنوية والذكر والخشوع والتوجّه والتضرع؛ فهذا له قيمة كبرى. وهذا هو نفس العامل الذي أحال الإسلام يوماً من فئة قليلة وغريبة إلى حضارة كبرى حكمت العالم قرون عديدة، ولازال العالم مديناً لها، على مدى القرون الأولى ـ على أدنى الاحتمالات ـ. وإلا فمثل هذا ـ الثروة الخالدة ـ لا ينال ولا يتحقق بالحوافز والجهود المادية. نحن اليوم بحاجة إلى هذا، فاعرفوا قدر ما منحكم الله، واعرفوا قدر هذا الاتحاد والتلاحم بين أبناء شعبنا؛ فهو على درجة كبرى من الأهمية، وهو عزيز علينا. الاتحاد بين أبناء هذا الشعب يحل أعقد المعضلات التي تعترض سبيله، وقد حلّ إلى الآن الكثير منها بقدرة خارقة، وهكذا سيكون الحال في المستقبل أيضاً. وهذا ما كان يوصينا وينصحنا به الإمام الراحل على الدوام، ويدعو الشعب إلى وحدة الكلمة والاتحاد في الشعار وفي المنهج وفي جميع الخطوات، ويدعوهم إلى رص الصفوف. كان هذا علاج مشاكل الأمس، وهذا هو علاج مشاكل اليوم. نأمل بفضل الله وبفضل الأدعية الزاكية لبقية الله الأعظم أرواحنا فداه أن يزداد هذا الاندفاع والتوجّه إلى الله بين أبناء شعبنا يوماً بعد يوم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركات.