????? ???? ??????? ???? ???? ????

نداء التآخي والمحبة

المناسبة: رأس السنة الهجرية الشمسية الجديدة 1378

الزمان والمكان: 3 ذي الحجة 1419 هـ ـ مشهد المقدسة

الحضور: جموع غفيرة من أهالي مشهد وزوار الامام الرضا(ع) 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الاطيبين الاطهرين المنتجبين الهداة المعصومين المكرمين سيما بقية الله في الأرضين.

بمناسبة حلول العام الجديد وعيد النوروز أبارك مرّة أخرى للشعب الإيراني العزيز وخاصّة لكم أنتم أيها الاخوة والاخوات الذين اجتمعتم في هذا الضريح الملكوتي النيّر؛ بما في ذلك أهالي مشهد الكرام المخلصين والزوار الذين شرفوا بالقدوم من شتّى المدن وعمروا هذا الصحن والصحون المجاورة وأجواء الروضة الرضوية المقدسة بوجودهم الايماني العطر الزكي.

سيحل علينا في المستقبل القريب، أي خلال الاسبوعين القادمين، عيدان إسلاميان كبيران: عيد الاضحى، وعيد الغدير. ويسرني ان أتقدم لكم مسبقاً ولجميع مسلمي العالم بأحر التهاني والتبريكات؛ وأوصيكم باستغلال فرصة الايام العشرة المباركة من شهر ذي الحجة وخاصة يوم عرفة الشريف، وأخص بالذكر من سيكون لهم توفيق الحضور يوم عرفة في هذه الروضة المقدّسة.

يجب استغلال مثل هذه المناسبات الكبرى كأسباب لتوطيد علاقتنا القلبية والمعنوية بالخالق الرحيم الرؤوف العزيز الحكيم المقتدر؛ ان مصدر القدرة في كل ذرّة من ذرات وجود الإنسان هي الارادة الإلهية؛ فيجب علينا ان نتقرب بهذه العلاقة المعنوية إلى ذلك المركز العظيم للقدرة والعزّة والحكمة أكثر فأكثر.

أريد ان أعرض على مسامعكم في اليوم الاول من السنة نقطة عن عيد النوروز، ثم أنتقل بعدها للحديث عمّا يجب علينا بصفتنا شعباً كبيراً له دور ريادي. 

موقف الإسلام من العادات والتقاليد السابقة

أما ما أردت التحدث فيه عن عيد النوروز فهو ان عيد النوروز حظي باهتمام خاص في رأي الإسلام؛ ومع ان هذا العيد وهذا اليوم هو من مخلفات عهد ما قبل الإسلام، إلاّ ان الدين الإسلامي وقف منه موقفاً بناءً يتّسم بالحكمة. لقد سعت الابواق الدعائية المعروفة في العالم بعدائها لكلّ ما له صلة بالشعب الإيراني والجمهورية الإسلامية إلى اتخاذ مواقف زائفة من الشعب الإيراني في هذا المجال ايضاً؛ وأخذت توحي وكأن الإسلام والثورة الإسلامية يناهضان عيد النورز والتقاليد الإيرانية الاخرى. وهذه الادعاءات غير صحيحة طبعاً.

أريد من الشباب الاعزاء وخاصة مَنْ يتحلون منهم بالنبوغ والحكمة ان ينتبهوا إلى ان الإسلام قد وقف إزاء الظواهر والعادات والتقاليد، التي تمارسها الشعوب الاخرى مما ورثتها عن العهود السابقة على الإسلام، موقفاً حكيماً يتّسم بالدقّة والنظرة الشاملة؛ فأخذ منها كل ما يمكن ان يحمل مضامين صحيحة، وصاغه بتلك المضامين الصحيحة ووضعه بين يدي تلك الشعوب. أذكر على سبيل المثال ان بعض مناسك الحج كالطواف والسعي والهدي كانت موجودة منذ ما قبل الإسلام، فأخذ الإسلام تلك المناسك وهذّبها من مضامين الشرك والنزعات المادية المغلوطة وأضفى عليها طابعاً توحيدياً؛ أي ان الإسلام استوعبها وأعاد صياغتها من جديد وقدّمها للناس كدرس يحمل معاني إيجابية. وهذا طبعاً عمل مثير للدهشة وله أهمية فائقة. وهكذا كان موقف الإسلام أيضاً من عيد النوروز ومن التقاليد والعادات الاخرى؛ حيث أخذ الإسلام هذا العيد وأضفى عليه طابعاً إنسانياً وإسلامياً ومعنوياً وقدّمه للناس من جديد.فأنتم في أوّل السنة الجديدة توثقون علاقتكم بالله تعالى بأمر الإسلام من خلال دعائكم “يا مقلّب القلوب والأبصار، يا مدبّر الليل والنهار، يا محوّل الحول والأحوال، حول حالنا إلى أحسن الحال”.

لاحظوا كيف اتخذ النوروز وتحويل السنة إلى سنة أخرى مضموناً معنوياً، اذ يوصى فيه الإنسان بأن: “اغتسل والبس أنظف ثيابك” ـ والكلام لا يدور هنا حول الثياب الجديدة، وإنّما حول الثياب النظيفة ـ وأمر الناس في هذا اليوم بأن تزاوروا وصلوا أرحامكم، وأدخلوا السرور والأمل إلى قلوبكم لتتفتح معنوياً مع تفتح الطبيعة.

هكذا تعامل الإسلام مع عيد النوروز. ولهذا ترانا ـ نحن الإيرانيين ـ نحب هذا العيد، ونحتفل فيه، إلاّ ان احتفالنا فيه احتفال صحيح وسليم. وهكذا تعامل الإسلام أيضاً مع جميع العادات القديمة والتقاليد الموروثة. ولا شك طبعاً بوجود تقاليد أخرى يتعذّر إصلاحها؛ فالإسلام لا يقرّ ولا يرتضي التقاليد الخرافية كالقفز على النار مثلاً، ولكنه لا يعارض رواح الناس الى أجواء فسيحة لرؤية الطبيعة والفيافي الخضراء، ومعايشتها عن كثب والالتذاذ بأجوائها على نحو سليم.

وهذا الاسلوب الإسلامي في التعامل مع الظواهر مغاير تماماً للأساليب الجاهلية؛ وذلك لأن الاساليب الجاهلية، حتى وان كانت هناك عادة حسنة سائدة بين الناس، فهي تحاول إفراغها من محتواها. ولهذا السبب تلاحظون دعايات الاذاعات الاجنبية لا تتحدث كثيراً عن تحويل السنة، بيد انها تحدثت بأجمعها تقريباً وقبل عدّة ايام من حلول السنة الجديدة عن عادة القفز على النار المسّماة بـ (جهار شنبه سوري). وهذا الموقف مناقض للموقف الإسلامي تماماً.

أشير إلى ان بعض عناصرنا في وزارة الداخلية أخطأوا التصرف، وكان في موقفهم ذاك تأييداً لما تبثّهُ الاذاعات الأجنبية، إلاّ ان الحريصين في هذه الوزارة ووزيرها المحترم ـ وهو بحمد الله من علماء الدين ومن السادة المحترمين ـ بادر فوراً إلى التصدّي لذلك التصرف المغلوط.

انظروا أين يحتشد الناس في أيام تحويل السنة، فعند منتصف الليلة البارحة لم يكن هناك موطئ قدم في المنطقة المحيطة بالروضة الرضوية المقدّسة، اذ افترش الناس هذه الفسحة بأكملها إلى ضريح الشيخ البهائي وكذلك امتلأت بقية الجهات، بغية التوجّه إلى الله؛ ومعنى هذا ان عيد النوروز يقترن بأبعاد معنوية. أو في الليلة البارحة هجر آلاف المحبين النوم وخرجوا عند منتصف الليل من ديارهم وتوجهوا إلى ضريح الإمام الخميني (قدس سره)، وهذا ممّا يعكس الجانب المعنوي لعيد النوروز.

حسناً، قد يوجد هناك شخص يعمد من باب الخطأ والغفلة لأن يحيي ويمجّد “تخت جمشيد” بدلاً من ضريح الإمام الرضا، ومرقد الإمام الخميني، وضريح السيدة المعصومة، والشعائر المعنوية الاخرى. لاشك طبعاً في ان “تخت جمشيد” اثر معماري، والإنسان بطبعه يمجّد الآثار المعمارية، وقد يتفاخر به لأنه لنا نحن الإيرانيين، إلاّ ان هذا ليس كذاك، اذ يختلف توجيه الانظار والقلوب والارواح إلى ذلك المكان الخالي من أيّة جوانب م نوية، ولا يعكس إلاّ معالم الطغيان والتجبّر.

الله يعلم كم من الابرياء قتلوا في مقابل عروش الطواغيت في مثل يوم النوروز هذا، وكم من القلوب كسرت في هذه الأبنية التي تحولت إلى أنقاض بعد ألف أو ألفين من السنين. وهذا ليس مما يُفتخر به.

ان عيد النوروز ظاهرة حسنة، وتقاليد الاحتفال والسرور والبهجة وانشراح القلوب محبّذة ولا بأس بها، ولكنها يجب ان تكون ضمن المسار الصحيح، وهذا هو ما فعله الإسلام. ونحن بحمد الله نسير على ذات المنوال انتهاجاً للدرب الذي رسمه لنا الإسلام، وهذا هو ما يبتغيه الناس وما تهفو إليه قلوبهم، وهم لا يميلون طبعاً إلى الظواهر ذات الطابع المادي المجرّد، بل ويعرضون أيضاً عن الظواهر المادية اذا اقترنت بما ينمّ عن الانحراف. 

وحدة الكلمة أهم ما نحتاجه اليوم

اما الموضوع الذي أودّ التحدث اليكم فيه عن قضايا البلد،فهو لو أنني أردت ان ألخّص ما يحتاج إليه الشعب الإيراني في ظل الاوضاع الحالية التي يعيشها وفي ظل الظروف التي يمرّ بها عالم اليوم، والمنعطفات المختلفة التي تواجه شعبنا في الوقت الحاضر، لقلت ان شعبنا أكثر ما يحتاج اليوم إلى وحدة الكلمة والتعاطف والمحبة بين أبنائه، فإذا ساد الحب والعطف بين أبناء البلد، ونظرت كل فئة إلى الاخرى بعين الأخوة، ـ ومعنى الاخوة لا يقتضي بطبيعة الحال التوافق تماماً في جميع القضايا والمسائل، فحتى الاخوين قد ينظران إلى القضية الواحدة بنظرتين مختلفين، الا انهما على كل الاحوال أخَوان. فالأخوّة والتوادد والتراحم محفوظة في مكانها ـ سيتسنّى للحكومة، وهي حكومة منتخبة من قبل أبناء الشعب أنفسهم، النهوض بكل اقتدار بالواجبات المناطة بها، وإنهاء المشاكل الموجودة في البلد، لأن هذا من واجب الحكومة، ولكي تتمكن الحكومة من أداء الواجبات على عاتقها بلا عوائق، فلابد ان تكون أجواء البلد مستقرة وهادئة وخالية من التوتر.

ولكن ما هي المهمة الكبرى الملقاة على عاتق الحكومة اليوم؟ ان المهمة الكبرى للحكومة في الوقت الحاضر هي حل المشاكل المعاشية لأبناء الشعب، سواء الاقتصادية منها بالدرجة الاولى، أم سائر المشاكل الاخرى. واجبنا الأول ومهمتها الاساسية بصفتنا مسؤولين هي خدمة الشعب، وإنما جاء مسؤولو البلد إلى السلطة من أجل حلّ المشاكل المعاشية للناس؛ وهذه المهمة يمكن إنجازها طبعاً فيما اذا توفّرت الاجواء المناسبة الخالية من الضجيج والتوتّر والتناحر بين أبناء الشعب، وفي ظل وحدة الكلمة. 

أعداؤنا كثيرون وعلينا تشخيصهم

أريد هنا ـ أعزائي ـ ان أطرح على أسماعكم هذا الموضوع على نحو تفصيلي، وذلك ان نظام الجمهورية الإسلامية بصفته نظاماً ثورياً له أعداؤه، وبصفته نظاماً إسلامياً له أعداء آخرون أيضاً؛ أي ان للثورة أعداءً على حدة، وللإسلام أعداء غيرهم؛ ولكن البعض ينصب العداء لكل من الإسلام والثورة على حدّ سواء. كما ان لإيران بسبب موقعها الجغرافي أعداءً أيضاً، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال البلدان الإسلامية الواقعة على مقربة منّا، حيث تعتبر إيران الطريق الوحيد الأسهل للوصول اليها. وتجول فكرة في أذهان الكثير من الرأسماليين والدول المستكبرة، الراغبة في استثمار أموالها في هذه الدول من أجل استدرار الاموال وتحقيق مآربها، أنه لو ان إيران كانت في قبضتنا، أو كان لنا فيها موطئ قدم ـ مثلما كان لأمريكا من نفوذ قبل الثورة ـ لكان بميسورنا نيل الكثير من مآربنا. ومن الطبيعي أن يقف هؤلاء الرأسماليون وهذه الدول موقفاً عدائياً منّا لأنهم لا يملكون موطئ قدم لهم في بلدنا.

اذن هنالك جهات تناصب إيران العداء أيضاً بسبب موقعها الجغرافي، كما وان لإيران وشعبها بسبب ما لهما من تاريخ مشرق أعداءً أيضاً، ولهما كذلك أعداء آخرون بسبب المصالح السياسية والاقتصادية التي تراها لذاتها. وهذه الظاهرة لا تقتصر علينا لوحدنا، وإنّما هناك دول كثيرة لها مثل هؤلاء الأعداء.

وحصيلة القول هي ان هنالك أعداءً لنا، ويجب على الشباب معرفة الاساليب التي يمارسها هؤلاء الأعداء وعدم الإصغاء إلى كل من هبّ ودبَّ، أو الوقوف إزاء هذه ا لقضايا موقف اللامبالاة. وإنّما أخص الشباب بالذكر لأن أكثرية شعبنا من الشباب واليافعين.

من الطبيعي ان هدف الاعداء هو الحصول على نفوذ لهم في الجمهورية الإسلامية، مثلما لهم نفوذ في الكثير من البلدان المجاورة لنا، إلى درجة انهم يزيحون حكومات، ويرغمون حكومات أخرى على صفقات سياسية أو اقتصادية، وينشئون لهم في تلك الدول قواعد عسكرية، ويجمعون العدة والعدد من أجل نهب ثرواتها. وهذه الظاهرة موجودة في دول كثيرة. ولا غرو لو استولى الحنق على الكثير من الشركات الكبرى، والقوى الاستكبارية السياسية والاقتصادية لعجزها عن الحصول على نفوذها في بلد غنيّ كإيران تتوفر فيه كل هذه الثروات الطبيعية ويبلغ عدد سكانه (60) مليوناً. اذن هدفهم الاكبر هو الحصول على نفوذ لهم في إيران. والاسلوب الذي يتبّعونه من أجل هذه الغاية هو ما تلاحظونه يجري في إعلامهم بشأن إيران ـ سواء الذي يدار من قبلهم مباشرة أم بواسطة عملائه ـ، ولكن من حسن الحظ ان الحكومة مستقرة والشعب مؤمن، ولم يتمكن أعداؤنا الآن من القيام بأي عمل. وهذا ما يوجب علينا التحلّي بالوعي واليقظة.

أساليب الأعداء متعدّدة، وعلينا إحباطها

ومن الطبيعي ان الاساليب التي يعتمدها الاعداء في تحقيق مخططاتهم تتمثل في خلق المشاكل الاقتصادية للبلاد جهد ما يستطيعون؛ كالحصار الاقتصادي، وفرض العقوبات على الشركات التي تتعامل مع إيران، والوقوف دون مد الأنابيب من بلد إلى بلد آخر عبر إيران، وإيجاد العراقيل أمام النشاط التجاري لإيران ـ مثلما فعلوا قبل سنتين حينما أشاعوا في العالم ان الفستق الإيراني يسبب السرطان! ـ والسعي لإغراق الاسواق بالمنتجات غير النفطية بأي نحو كان، والتواطؤ مع الحكومات والشركات ضد إيران. وخلاصة القول هو انهم يسعون في سبيل إيجاد مشاكل اقتصادية للبلد.

وإلى جانب كل هذا يحاولون في إعلامهم تضخيم القضايا الاقتصادية لبلدنا؛ توجد ثمّة مشاكل اقتصادية طبعاً، ولكن حكومتنا لم تقف مكتوفة الأيدي، بل تتصدى لها بالأساليب الدبلوماسية وبالعمل التجاري؛ وكلّ من وزارة الخارجية، ووزارة التجارة، ووزارة الصناعة، ووزارة الطرق والمواصلات، ووزارة النفط، دائبة في العمل بهذا الاتّجاه...

فالعدو في عالمنا الكبير يسعى ويحاول ضدنا، لكنّنا غير مشلولي الحركة، وإنّما نعمل ونسعى، وفي الكثير من الحالات تتغلب مساعينا على مساعي الاعداء، غير ان الاعلام الاجنبي يلتزم الصمت إزاء النشاطات الفاعلة لمسؤولي البلد، ويركز على تضخيم المشاكل الموجودة في إيران ويدّعي زوراً ان إيران تعاني من التضخم، وان الحكومة فيها على وشك الإفلاس؛ إنما يحاولون في عملهم هذا تثبيط عزائم أبناء الشعب، والإيحاء له بضخامة المشاكل المحيطة به، في حين لو علم الشعب بالجهود التي تبذلها الحكومة ويقوم بها المسؤولون لقويت شكيمته واشتدت عزيمته.

ومثلما كان الإمام الخميني (رضوان الله عليه) يقول للمسؤولين مرّات عديدة، أكدنا نحن أيضاً مرّات عديدة ان على المسؤولين ان يعلنوا للشعب عمّا ينهضون به من أعمال ومنجزات، ليكون على بيّنة من ضخامة المهام التي يضطلعون بها. ونفهم من هذا ان تضخيم المشاكل الاقتصادية للبلد هو فصل آخر من فصول المؤامرة. 

احذروا إثارة التوتر في الأجواء السياسية

يحاول الاعداء من جهة أخرى وبذرائع ودوافع مختلفة إثارة التوتر في الاجواء السياسية للبلدِ، والهدف المقصود من وراء ذلك هو إيجاد هاجس لدى أبناء الشعب بفقدان الأمن، والشعور بعدم انتظام الامور. وكثيراً ما يثار مثل هذا التوتر بسبب بعض القضايا الأمنية، أو لمحاكمة شخص ما، أو بسبب مقتل شخصين أو ثلاثة اشخاص، وهي قضية تحظى بالاهتمام الكامل من قبل الحكومة لمتابعتها واستقصاء جذورها. لقد كان العام المنصرم حافلاً من بدايته وحتى نهايته بأكبر المساعي التي بذلها أعداؤنا وأعداء هذا الشعب في سبيل زرع التوتر وإثارة الضجيج في الجوّ السياسي للبلد. ومن الطبيعي ان أيّة ضجّة تثار ينقسم الناس إزاءها إلى جماعة مؤيدة لهذا الرأي، وجماعة أخرى معارضة له ومؤيدة لرأي آخر؛ وهو ما يؤدّي تلقائياً إلى اثارة الجدل بين الناس، وهذه هي الغاية التي يرمي اليها العدو.

اما الفعل الآخر من الخطة المعادية فهو الإيحاء للشعب وكأن هناك خلافات حادّة محتدمة بين كبار المسؤولين في البلد، وان هؤلاء المسؤولين مهما حاولوا انكار وجود هذه الخلافات، وادعوا المحبّة والتعاون والاخلاص فيما بينهم لا يجد كلامهم آذاناً صاغية لدى أبناء الشعب. كما وتحاول تلك الجهات المعادية ان تصور كأن الشخص الفلاني الذي يترأس المنصب الفلاني يفكر على نمط ما، وان شخصاً آخر يحتل المركز الفلاني يعارض طريقة تفكيره، ويطلقون على كل واحد منهما اسماً معيّناً. وهذا كله من ألاعيب الأعداء.

هناك من الكتّاب في الداخل من غرّتهم مزاعم العدو فأخذوا يجترّونها ويعيدون تكرارها. والحقيقة هي ان الاقاويل التي يطرحونها ليست من عند أنفسهم، وإنما هي من فصول المؤامرة المعادية. 

وظيفة الحكومة تجاه المحرومين

ولكن هل يستطيع المسؤولون والحكومة النهوض بالمهام الملقاة على عاتقهم في مثل هذه الظروف التي توجد فيها مشاكل اقتصادية من جانب، ويحاول العدو المبالغة في تضخيمها من جانب آخر، ناهيك عمّا ينتج عن مثل هذا الضجيج السياسي من زعزعة لثقة الشعب بالمسؤولين؟ من الطبيعي ان مهام الحكومة تتعرقل في مثل هذه الظروف.

ومما يؤسف له ان الجانب الاكبر من عبء المشاكل الاقتصادية يقع على عاتق الطبقات الفقيرة ـ المحرومين والمستضعفين ـ والطبقات الضعيفة وطلبة العلوم الدينية. والأسوأ من كل ذلك هو الوضع المرزي لطلبة الحوزات العلمية الذين لا يعلم الناس بضخامة معاناتهم. كما وان الضغوط الاقتصادية تمسّ بعض صغار الكسبة أيضاً. ولكن ما هو مصدر هذه المشاكل التي تضغط بعبئها على الطبقات الضعيفة؟

هناك أسباب متعددة لها، ولا يقف وراءها سبب واحد فقط؛ هنالك أولاً التأثير الذي يتركه الوضع الاقتصادي العالمي. ولنذكر على سبيل المثال دول جنوب شرق آسيا التي ازدهرت اقتصادياً خلال السنوات الاخيرة، فقد تعرضت على أثر بعض المتغيّرات الاقتصادية خلال السنة والنصف الماضية إلى انتكاسة فظيعة في اقتصادها. ونحمد الله ان بلدنا بقي مصوناً من هذه الكوارث. غير ان بلداناً أخرى كماليزيا وأندونيسيا وكوريا الجنوبية والكثير من البلدان الاخرى وحتى بعض الدول الصناعية المتقدمة تعاني حالياً من أزمات اقتصادية حادّة، والشركات العالمية الكبرى هي السبب في إيجاد هذه الازمات وهي المستفيدة منها. هذا واحد من أسباب المشاكل الاقتصادية، وهو سبب مؤثر طبعاً.

العامل الآخر هو التساهل الذي يبديه وللأسف بعض المسؤولين التنفيذيين في القطاعات التنفيذية.

وهنالك عامل آخر يتمثل في الغايات والمقاصد التي تمارس ضد إيران الإسلامية والشعب الإيراني. وأنا اعتقد ان السبب الاساس في انخفاض اسعار النفط يعزى إلى هذا العامل، غاية ما في الأمر ان انخفاض اسعار النفط لم يلحق الضرر بنا وحدنا وإنما تسبب في الاضرار بدول أخرى صديقة لهم. الا ان شدّة الاضرار والضغوط التي لحقت بها أرغمتها في ختام المطاف على إبداء ردود فعل ازاء هذا التردي الفاحش في أسعار النفط. وقد كان لمسؤولي الجمهورية الإسلامية الإيرانية دور كبير في التحسّن الذي طرأ مؤخراً على أسعار النفط، ونأمل ان تتواصل هذه الجهود بإذن الله إلى ان تحرز نتائج طيبة في هذا المضمار. ثم ان التعامل الجائر لبعض الاشخاص في الداخل كان له أثره في تصعيد حدّة هذه المشاكل. وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى بروز مشاكل اقتصادية. ولكن هل يمكن معالجة هذه المشاكل أم لا؟

من الطبيعي انها مما يمكن حلّه؛ لأننا سبق لنا ان تغلبنا على مشاكل أشد وأصعب. فنحن قادرون على تحسين الكثير من الامور والتغلّب على الكثير من المشاكل من خلال الاعتماد على ثرواتنا وعبر تشريع قوانين فاعلة، وعن طريق الاداء الفاعل الحريص، وبواسطة الاستغناء عن الخارج. هذا فضلاً عن ان انجازات مرحلة الاعمار التي أعقبت فترة الحرب أخذت تعطي ثمارها تدريجاًً؛ فلولا بعض المشاريع التي نُفذت في مرحلة الاعمار وما برحت الحكومة دائبة على انجاز المراحل التكميلية لها، لكانت حاجتنا للخارج أكثر بكثير مما هي عليه الآن. وهذا هو النهج الذي يمكن مواصلته والاستمرار عليه. 

قلّلوا الاعتماد على النفط بمشاريع اقتصادية أخرى

كثيراً ما كنت أؤكد منذ أربع سنوات خلت انه ينبغي على الحكومة التقليل جهد المستطاع من التعويل على النفط في المجال الاقتصادي؛ ان النفط الذي بأيدينا سلعة قيّمة ويجب الاستفادة منها، لكن زمام هذه السلعة اليوم ليس بيد أصحابها الذين هم نحن، بل بيد الاجانب. ومن الطبيعي ان الاقتصاد الذي يعتمد على سلعة يتحكم الآخرون بأسعارها يواجه مثل هذه المشاكل؛ لأن أسعارها تقفز يوماً إلى ثمانية عشر أو عشرين دولاراً، وتنخفض في يوم آخر إلى سبعة دولارات ونصف أو ثمانية دولارات.

إننا لسنا بحاجة إلى إنفاق هذه السلعة على هذا النحو، ويمكننا الاستفادة من الثروات الهائلة المتوفرة لدينا. والحكومة اليوم بصدد هذه القضايا، بل وكانت تفكر بها منذ سنوات عديدة، ولكن لا أخفي عليكم ان تصميم البناء الاقتصادي كان قائماً منذ العهد البهلوي على أسس مغلوطة كان من الصعب تغييرها حتّى يومنا هذا، خاصة في فترة الحرب التي انعدمت فيها فرص البناء والانتاج، وهكذا استمرت خلالها سياسة الاعتماد على النفط، وبقيت هذه السياسة تتفاقم يوماً بعد يوم أو انّها استمرت على المنوال نفسه على أدنى الاحتمالات.

انَّ بإمكان المسؤولين والحكومة والحريصين على مستقبل هذا البلد تغيير هذه السياسة وسيغيّرونها بعون الله، وستخيب كل آمال الشركات النفطية والتابعين لها ممن كانوا يظنون ان هذا الشعب سيبقى معتمداً في اقتصادياته على عائدات النفط.

اعلموا يا أعزائي ان هذه القرارات تستلزم أجواء يسودها الإخاء، واذا أريد للحكومة النهوض كما ينبغي بالمهام الكبرى الملقاة على عاتقها وفي جوّ مناسب، وفكر منفتح، وبعيداً عن الضغوط، فيجب ان يكون الجوّ السياسي في البلد حافلاً بالوّد والمحبّة، وليس بالخصومة والعداء. أمّا الذين يعملون خلافاً لهذا الاتّجاه فهم لا يخدمون الحكومة بل يضرّونها. والعدو يحاول تكريس هذه الاوضاع بأدواته الاعلامية ومن خلال استغلال كلمة الحرية.

مَنْ هم دعاة الحرية الحقيقيون؟!

كنّا نسمع قبل سنوات بجملة طالما كرروها؛ وتلك الجملة هي: يا أيتها الحرية، كم من جريمة ترتكب باسمك! ولقد أصبح أعداؤنا اليوم مصداقاً لهذا القول. فهل أصبحت أمريكا اليوم داعية لحريّتنا ولحرية البيان لدينا؟!

ألم يدافع الامريكيون سنوات متمادية عن النظام البهلوي الفاسد العميل الذي كان يتحكم بهذا البلد؟! في حين لم يكن بمقدور أحد ان ينبس ببنت شفة في ظل ذلك النظام.

لقد عشت سنوات طويلة في مدينة مشهد هذه وفي الحوزة العلمية هذه، وفي هذه الازقة والشوارع ومع هؤلاء الناس، في أيام النضال ضد الطاغوت، حيث لم يكن يُسمح يومذاك لأيٍّ من علماء الدين ان يشير خلال أحاديثه الدينية أدنى إشارة إلى اغتصاب الصهاينة لأرض فلسطين، هكذا كانت الاوضاع في هذا البلد.

أجل، الموت لسرائيل، والموت لمن يدافع عن إسرائيل، الموت لمن كان لسنوات طويلة لا يسمح بالتحدث بكلمة واحدة عن الصهاينة.

لا يُسمح اليوم للصحافة في الدول الغربية بالتحدث بما يسيء الصهاينة؛ فحينما ذكر أحد الكتّاب في كتاب له ان الصهاينة بالغوا كثيراً في تصوير المذابح التي لحقت بهم على يد هتلر في الحرب العالمية الاولى، منع نشر الكتاب، وفضلاً عن ذلك سيق الكاتب إلى المحكمة؛ وهكذا يتعاملون اليوم مع مبدأ الحرية، وهكذا الحال بالنسبة للدول التي تعيش تحت مظلة الحماية الامريكية وغيرها ممّن يتبجحون باسم الحرية؛ ففي هذه الدول لا يسمح لأحد بكتابة سطر واحد يتعارض مع آراء حكام تلك الدول.وفي تلك الدول تقدّم الاجهزة الأمنية خطبة جاهزة لخطيب الجمعة ليعتلي المنبر ويقرؤها على أسماع الناس في خطبة الجمعة أو غيرها من الاجتماعات.

اذا كان بعض الكتّاب لدينا من دعاة الحرية، فلماذا لا يذكرون هذه الحقائق للناس؟! فالشعب الإيراني نال حريته منذ عشرين عاماً، وقد منحتنا الثورة الحرية وقدرة البيان، والإسلام هو الذي حررنا. لقد أصبح الامريكيون اليوم دعاة للحرية، وهم انما يستهدفون من وراء دعوة الحرية إلقاء بذور الاختلاف بين ابناء الشعب؛ والغاية من وراء ذلك هو إلهاء وعرقلة جهود المسؤولين عن النهوض بالواجبات الملقاة عليهم. وهذا هو السبب الذي يحدو بنا إلى الدعوة إلى وحدة الكلمة. 

تضامن أبناء الشعب أمر ضروري

أعلموا يا أعزائي ان تضامن وتآلف أبناء الشعب في أيّة نقطة كانوا من أرجاء هذا البلد لا يعتبر مجرد أمر كمالي، وإنما هو أمر ضروري. وهذا ما يوجب على الكتّاب تجنّب طرح ما يثير الاختلاف والفرقة، بل يجب عليهم طرح ما من شأنه إيجاد الاتفاق ووحدة الكلمة؛ فأبناء هذا الشعب كلهم مسلمون مؤمنون ودعاة للإسلام والقرآن ويحبون ثورتهم ويحبون الامام الراحل والمقاتلين المدافعين عن الشرف والكرامة، فاستندوا إلى هذا الأساس.

يجب ان لا يتذرع البعض ببعض الذرائع والتشبث ـ مثلاً ـ بكلمة قالها شخص يوماً ما لإثارة الضجيج؛ أو اتخاذ موقف السلطة القضائية ضد شخصٍ ما كذريعة للتهويل الاعلامي، أو إثارة الضجّة حول تصرفٍ ما لشخص في الجهاز الأمني أو الاقتصادي أو السياسي، لأن مثل هذا الضجيج والتهويل يلحق الضرر بالبلد، وذلك لما يسببه من تشتت وتنافر بين أبناء الشعب.

كل هذه الامور تجري باسم الحرية. ان الحرية هدية للشعب من الله ومن الثورة، والحرية حق للشعب وجزء من فطرته، بيد ان الممارسات المشهودة على الساحة لا علاقة لها بقضية الحرية، وإنما هي فصل من فصول المخطط المعادي.

انني أعتبر واليقظة والتمسك بالإسلام وباسم الإمام وبالنهج المعنوي لإمامنا الراحل الذي سمّي هذا العام باسمه، والتمسك بوحدة الكلمة، ورفع لواء التآخي والمحبة من أوجب الواجبات بالنسبة لأبناء بلدنا الأعزاء، وإني لأرجو ان يكون هذا المطلب الوطني والديني الكبير موضع دعاء بقية الله الأعظم (أرواحنا فداه)، متمنّياً أن يدعو لحل مشاكلنا ولتمهيد السبل امام تطورنا وتقدّمنا وإنعاش الآمال في قلوب أبناء شعبنا. ونحن أيضاً نبتهل إلى الله في هذه الروضة المقدّسة:

اللهم بحق محمد وآل محمد انصر هذا الشعب في كل الميادين، واخذل أعداءه، وزده إيماناً على إيمانه ووعيه والتزامه وتوكّله، واجعل له علاقات أوثق وأقوى مع المسؤولين.

اللهم بحق محمد وآل محمد اجعل قلب امام الزمان مبتهجاً بنا، ووفق المسؤولين لمزيد من الخدمة، واكشف عن هذا الشعب وعن هذا البلد وعن الطبقات الفقيرة الضعيفة كل همّ وعناء، وعجل لنا في فرج ولي الأمر أرواحنا له الفداء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.