معيار الوحدة الإسلامية

 

المكان: طهران.

الزمان: 6/2/1384هـ ش, 26 /4/2005م، 17/ ربيع الأول/1426هـ.

المناسبة: ولادة الرسول (ص) وولادة الإمام الصادق (ع) والوحدة الإسلامية.

الحضور: ضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية وسفراء البلدان الإسلامية ومسؤولي الجمهورية الإسلامية.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اُبارك لكم أيها الضيوف الأعزاء وسفراء البلدان الإسلامية ذكرى ولادة خاتم النبيين وسيد المرسلين محمد المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم), وولادة الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، كما اُبارك هاتين المناسبتين للشعب الإيراني وجميع الاُمة الإسلامية الكبيرة في كافة أنحاء العالم.

وقد أصبح هذا الإسم وهذه المناسبة، معياراً للوحدة فيما بيننا، ولذلك دعونا نسمي هذا الأسبوع المبارك الذي يبدأ من الثاني عشر من ربيع الأول(ولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على رواية)، وينتهي بالسابع عشر من الشهر نفسه(ولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على رواية أخرى) بأسبوع الوحدة؛ وذلك أوّلاً: لأن إتحاد الأمة الإسلامية تُعدُّ من أهم الأمور التي تحتاجها الأمة في وقتها الراهن، وثانياً: لأن الوجود المقدس للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) واسمه الكريم هو ميزان الوحدة ومحور الإتحاد بين المسلمين.

تحدثنا كثيراً حول الوحدة، ولو أننا عملنا ببعض ما تحدثنا به، لكان وضع المسلمين أفضل مما هو عليه الآن.

طبيعي أن هناك بعض أسباب التفرقة ـ من اختلاف القوميات والمذاهب والطوائف والاختلافات السياسية ـ لذلك يتحتم علينا الوقوف أمام هذه الأسباب والقضاء عليها ولا يحصل ذلك إلا من خلال التمحور حول النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) رمز وحدة الأمة الإسلامية، إلاّ أن الأخطر من ذلك هي الاختلافات المفتعلة التي يتمّ تزريقها في جسد الأمة الإسلامية، فقد قامت سياسة أعداء الإسلام دائماً على استثمار الاختلافات القومية والطائفية والمذهبية لبثّ الفرقة بين المسلمين، حيث يمكن رؤية أصابع الأعداء خلف هذه الاختلافات بشكل واضح، فلابد من العمل على علاج هذه الحالة.

وعلى علماء الأمة أيّاً كانت مذاهبهم أن لا يسمحوا لأمواج الفتن أن تهدد الأمن والألفة والمحبّة بين المسلمين، لقد أوصانا القرآن بالوحدة والتلاحم، وحذّرنا قائلاً: إنكم إن اختلفتم وتنازعتم فستفشلوا وتذهب ريحكم، إلا أن العالم الإسلامي ـ للأسف الشديد ـ يشهد هذه المحن.

إن المؤامرة التي تحاك حالياً ضد الإسلام مؤامرة كبيرة جداً، وذلك لشدّة خوفهم من يقظة الأمة الإسلامية، فإن المستكبرين والطامعين في خيرات البلدان الإسلامية, ومن يتدخل في شؤونها يخشون إتحاد الشعوب الإسلامية، فهناك ما يقرب من ـ مليار ونصف ـ من المسلمين في العالم يسكنون في أهم البقاع وأكثرها استراتيجية، حيث المصادر الطبيعية والتراث الثقافي الضخم والطاقات الإنسانية الخلاقة، وتسويق المنتوجات الغربية، وما يوجد في هذه المنطقة من نفط وغاز، بأجمعه يدعو القوى الإستكبارية إلى الهيمنة على هذه المنطقة, إلا أن يقظة الأمة الإسلامية تحول دون ذلك وتقف سدّاً منيعاً دون تحقيق مآربهم، ولذلك فإنهم يسعون إلى تحطيم هذا السدّ.

إن تأسيس الدولة الإسلامية في إيران ورفع راية التوحيد في هذا البلد الواقع في أكثر مناطق العالم حساسية، أحدث يقظةً في الشعوب الإسلامية، وبعث فيها روح الأمل بمستقبلها وثقتها بنفسها، مما دعا الأعداء إلى التفكير بحياكة المؤامرات المعقّدة، وهي ماثلة أمامنا حالياً.

إنهم يختلفون مع العالم الإسلامي برمّته، ويخالفون وجوده وتعاليمه، وهذا ما جعل الرئيس الأمريكي يتحدث وبشكل علني أمام الرأي العام عن الحروب الصليبية صراحةً.

إن الأجهزة الإستكبارية ـ الأمريكية والصهيونية ـ تلوث الأجواء باستمرار من خلال إعلامها المسموم، بغية بثّ الفرقة بين البلدان الإسلامية وحكوماتها.

إن أعداء الإسلام يعانون من فقر فكري، إذ ليس لديهم مذهب فكري واسع يمكنه اجتذاب النُخب الإسلامية، لذلك يعملون على استهواء الغافلين، حيث يرفعون راية حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب، في حين أن أمريكا والصهاينة أنفسهم وهؤلاء المستكبرين قاموا بأكثر الأعمال نقضاً لحقوق الإنسان، وجرحوا ضمير الإنسانية.

فهل هناك دولة أو جماعة عاملت شعباً أو جماعة بمثل القسوة التي مارسها الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني؟ وهل هناك دولة إستكبارية مارست بحق الشعوب الإسلامية تلك السياسة الإستكبارية التي تمارسها أمريكا حالياً؟ لقد تمحور إعلامهم حالياً ضد الجمهورية الإسلامية، وذلك لتواجد أكثر الشخصيات دفاعاً عن الإسلام فيها، ولأن مصالح الأعداء تتعرض فيها للخطر أكثر من غيرها.

إلا أن الهدف لا ينحصر في الجمهورية الإسلامية، فإنهم يرومون الهيمنة على العالم الإسلامي والشرق الأوسط برمّته، ولو أمكنهم لاستهدفوا الدول واحدة بعد أُخرى, وأن جميع الدول الإسلامية كسورية ومصر والسعودية والسودان والبلدان الأفريقية وبلدان الشرق الأوسط والبلدان الإسلامية في شرق آسيا، كلها في معرض الخطر إذا تخاذل المسلمون والشعوب فيها، وهذا تحذير للعالم الإسلامي.

إن ساسة العالم الإسلامي ونُخبه يحملون على عواتقهم مسؤوليات جسيمة، فعليهم أن يفضحوا الطامعين في بلدانهم، وأن يعملوا على إبطال إعلامهم ضد الإسلام، وأن لا يتركوا مؤامراتهم تبلغ مرماها، وهذه هي مسؤولية الجميع.

إن تظاهر القوى الاستكبارية وتبجحها بقواها وقدراتها، أكثر من واقعها، ففي يوم كانوا يخالفون قيام الجمهورية الإسلامية، وها هي الجمهورية الإسلامية قد بلغت السنة السادسة والعشرين من عمرها المبارك، وهي ـ بحمد الله ـ تخطوا في كل يوم بخطوات نحو الأمام، متحدية بذلك كل الصعاب والعقبات التي تقف أمامها.

إنهم يتظاهرون بالقوّة كي يعملوا على إخافة الشعوب، إلا أن الواقع هو أن قدرتهم أقل بكثيرٍ مما يتظاهرون به، وها هي أمريكا حالياً قد توقّفت في رمال العراق وأفغانستان، بينما يتمتع العالم الإسلامي بقدرات كامنةٍ كثيرة، وعلى العلماء والمثقفين والساسة، والجماعات والمؤسسات، وأرباب القلم والبيان وأصحاب المنابر العالمية أو الوطنية في كل بلدٍ، مسؤوليات جسيمة.

إعملوا على تشجيع المسلمين، وإعادة ثقتهم بقواهم، واعملوا على تقوية ذواتهم بالعلم والعقل والتدبّر، وشجعوهم على المقاومة والوقوف بوجه المتجبرين والمستكبرين، ورد في الحديث القدسي الشريف: (من كان لله كان الله له) وقال تعالى في محكم كتابه ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[1].

إن الله سيساعدنا ويرشدنا، وقد أعطى إمامُنا الراحل هذا الدرس لشعبنا قولاً وعملاً، وقد شاهد شعبُنا نتيجة هذا الدرس بأُمِّ عينيه، كما شاهد العالم بأسره ذلك، ولا نشك بوعد الله تعالى حيث قال: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ...﴾[2] وأن هذا الوعد سيتحقق، ولكن بشرط الصمود والاستقامة وعدم الانحراف عن الطريق والهدف، والمحافظة على الوحدة، والتوكل على الله تعالى. اللهم اهدنا لما قلناه علماً وعملاً.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ـــــــــــــــــــــ

[1] الآية 69، سورة العنكبوت.

[2] الآية 55، سورة النور.