العوامل المؤدية إلى الفرقة، المستكبرون يستغلون الفرقة
من هم الذين يعارضون قضية الوحدة هذه الايام؟ انهم المستكبرون الذين يستغلون الفرقة والشرك والظلم لصالحهم، ويبنون وجودهم وفلسفة حياتهم على سياسة التمييز والتبعيض العنصري. ان الذي يخنق الديمقراطية على الصعيد العالمي في هذه الايام قوى الاستكبار المادي في العالم والذين يحملون في دولهم شعار الدفاع عن الديمقراطية والمساواة بين افراد المجتمع في الحقوق ومكافحة الاستبداد الحكومي. ان مبنى عملهم هو ترجيح شعب على آخر، وتفضيل منطقة على اُخرى ودم على غيره. لقد رسخوا سطوة الاستبداد في الدنيا وهم يديرون العالم كيف ما يشاءون، هذا هو وضع البشرية في عصرنا الراهن. البشرية بحاجة ماسة اليوم الى اطلاق صرخة كالتي أطلقها نبي الإسلام (ص) صرخة تدعو للتوحيد والعدالة بين البشر.
زرع الفتنة بين الإخوة الجيران
أنتم تسمعون هذه الايام الضجيج المفتعل حول جزيرة (أبو موسي) ما هذه التفوهات ومن الذي يخلقها؟ من الذي لا يدرك دور الايادي القذرة للاستعمار في هذه الاحداث؟ من الذي لا يرى ايادي القوى المتواجدة في الخليج الفارسي، ايادي أمريكا والمستعمر العجوز النحس (بريطانيا) في هذا الحدث؟ ماذا يريد هؤلاء؟ لماذا يريدون زرع الفتنة بين الأخوة الجيران؟ لماذا يريدون خلق العداء بين الاخوان لأجل تبرير حضورهم في الخليج الفارسي؟ لماذا يحاولون تشتيت الدول الإسلامية بغية القضاء على تضامنها؟ لانها اذا اتحدت فسوف تصبح قبضة محكمة لا يجرؤ العدو على مواجهتها من هم هؤلاء؟ لا شك انهم القوى الاجنبية. وفي تصورنا ان شيوخ المنطقة اذا كان لهم ذنب في هذا المجال فذنبهم هو الغفلة عن الحقائق. انهم يميلون بقلوبهم الى الوحدة والاتفاق. ووصيتنا لدول الخليج الفارسي والدول المجاورة هي ان يحددوا العدو ويعرفوه، ان يعرفوا كيد العدو واياديه، ان يعلموا من الذي يريد بث الخلاف في المنطقة.
الإعلام العالمي والداخلي يثير الفرقة
تأمّلوا في الإعلام العالمي، وكذا في الإعلام الداخلي وفي تصريحات بعض العناصر، وخذوا معياراً كلّياً، إنّ كلّ قوّة وحركة تستهدف النيل من وحدة الشعب وتلاحم الجماهير والحكومة، وكلّ بيان وقلم يسعى لزرع الشك في قلوب الشعب تجاه مسؤولي النظام الإسلامي، وكل صوت يحاول الطعن في شخصية الإمام ولو بعد رحيله وإثارة الشبهات حول مواقفه وقراراته التي أوصلت الشعب الإيراني إلى قمّة العظمة في العالم فهو صوت للعدو لا محالة وإن كان لا يشعر هو بذلك، لكنه تأثّر بالأحاسيس الآنية والخاطئة لأنّنا بالوحدة والتلاحم استطعنا هزيمة العدو.
الفرقة بين الحوزة والجامعات
لقد سعت أيادي المستعمرين والذين حاولوا الهيمنة على هذا البلد سياسياً وثقافياً واقتصادياً بإبعاد الدين من المجتمع وبالخصوص من أجواء الجامعات وذلك بإبعاد الدين وأهله أو جعل علماء الدين أجساداً خامدة إنْ لم يتمكّنوا من القضاء عليهم. وقد بدأوا ذلك منذ مائة وخمسين عاماً أي كما أشرت في آخر حكومة ناصرالدين شاه، ـ طبعاً رضا شاه جاء وتجبّر وعمد الى القضاء حتى على هذه الظواهر ـ، ولذا كان الدين غريباً في الأجواء الجامعية، كان هدفهم واضحاً وبرنامجهم دقيقاً، لأنه بإبعاد الدين من هذه الأجواء ستُسلَّم دفّة شؤون الحياة وزمام الأمور في المستقبل لعناصر قد ترعرت في هذه الأجواء وبالتالي إيجاد الدين من المجتمع. ونجحوا نسبياً في فترة طويلة من الزمن، طبعاً لم يتمكّنوا من إبعاد العناصر المؤمنة من الجامعة، فشباب هذا البلد كانوا من اُسر مؤمنة ومتديّنة، منهم من اُبعد عن الدين أو أصبح لا يهتم بالدين لكن البعض الآخر بقي على تديّنه وإيمانه. فليس معناه انَّ المتدينين والمؤمنين لم يتواجدوا في الجامعات في ذلك العصر، بل معناه انّ هذا المتديّن وتلك المتديّنة التي تحاول المحافظة على عفّتها وحجابها وكذا الاستاذ الجامعي كان غريباً في الجامعة، فلم يتوالم مع الوضع العام في الجامعة، بل كان معارضاً ومخالفاً له في كثير من الأحيان. لكن إذا كان الطالب الجامـعي أو الاستاذ بعـيداً أو لا يبـالي بالدين كان المجال مفسوحاً له، ولا يجد أية معارضة من الوضع العام في الجامعة.
وهذا هو الأمر الذي كان إمامنا العظيم يشتكي منه وعلى أساسه طرح شعار الوحدة بين الحوزة والجامعة، ومن هنا يفهم معنى الوحدة بين الحوزة والجامعة.
الوحدة في الأهداف العامة، الوحدة في إيصال الشعب والبلاد الى الكمال، الوحدة في التحرك على خطين متوازيين وصولاً الى هدف مشترك واحد.
يجب الاحتراز من التفرقة بالمعنى الحقيقي
إذا استطعنا أن ننهض بالواجب الملقى على عاتقنا كعلماء دين والّذي يعتبر بحدّ ذاته واجباً سياسياً واجتماعياً بالإضافة إلى المسؤوليات والمهام الاجتماعيّة والسياسيّة الاُخرى الّتي نضطلع بها، ونؤدّي الدور المطلوب منّا على الوجه المطلوب، فاعلموا أنّ جميع المؤامرات الّتي تحاك ضدّنا سيكون مصيرها الفشل والإحباط. على العلماء أن يتّحدوا فيما بينهم بالمعنى الواقعي للوحدة، ولا يمنع ذلك من أن تكون هناك مجاميع، كمجموعة هذا المسجد، أو ذاك المسجد، أو مجموعة المبلّغين التابعين إلى هذه المؤسسة وتلك المؤسسة، فهذه التفرقة الظاهريّة لا بأس بها، ولكن يجب الاحتراز من التفرقة بالمعنى الحقيقي والواقعي.
ويجب أن لا يكون هناك تكتلان أو اتجاهان، ولابدّ من وجود وحدة حقيقية. وإذا التزمنا بالوحدة الّتي كان الإمام (رضوان الله تعالى عليه) بما اُوتي من رؤية ثاقبة يؤكّد عليها كمسألة مهمّة جدّاً، فتيقّنوا بأنّ أكبر الأعداء وأخطرهم لا يستطيع أن يرتكب أيّة حماقة ضد هذا الشعب وهذه الدولة وهذا النظام.
الهدف الأساسي للأعداء هو بث الفرقة والعداوة
إنّ الهدف الأساس الّذي يسعى أعداء الإسلام والاُمّة الإسلاميّة لتحقيقه اليوم هو بثّ الفرقة والعداوة بين صفوف هذه الاُمّة. وبالطبع فإنّ هذه النوايا الخبيثة ليست وليدة الساعة ولا تنحصر بالوقت الراهن، بل أنّ هذه الأهداف والنوايا الخبيثة كانت موجودة سابقاً. وكلّ ما هنالك أنّ هذه الأهداف الرذيلة يخطّط لها اليوم بدقّة وتنظيم أكبر وعلى كافّة المستويات؛ والسبب في كلّ هذه الضراوة والشدّة الّتي ينتهجها الاستكبار في الكيد للإسلام والمسلمين يكمن في أنّ الاستكبار قد شعر بأنّ الروح الإسلامية قد انبعثت من جديد بين المسلمين، وبدأت تدبّ بقوّة في عروقهم.
هدف أمريكا أن تسود العداوة بين صفوف الأمة الإسلامية
لقد أحيى الإسلام القلوب، وسدّد صفعة قويّة للاستكبار من خلال ثورتنا الإسلاميّة العظيمة. إنّهم يسعون إلى إشعال الفتنة بين أبناء الاُمّة الإسلاميّة وإلقاء العداوة والبغضاء بينهم ليقاتل الأخ أخاه.
اُوصي شعبنا العزيز وسائر الشعوب المسلمة وكافّة مسلمي العالم أن ينصتوا إلـى الوصيّة الإلهيّة الّتي ينادي بها القرآن الكريم ألا وهـي {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا}.
إنّ هدف أمريكا أن تسود العداوة والتناحر بين صفوف الاُمّة الإسلاميّة، وعليكم أن تمرّغوا بالتراب أنف المستكبر الّذي يسعى إلى زرع الفرقة والاختلاف بينكم، وأن تدخلوا الحزن والقنوط في قلبه؛ من خلال ترسيخ الوحدة ورصّ الصفوف.
الحج في مواجهة الأعداء المفرقين
الاستكبار العالمي اليوم ـ بقيادة أمريكية وبتخطيط صهيوني ـ منهمك في حرب معلنة ضد الإسلام والمسلمين، وهذه الحرب هي طبعاً استمرار لعداء دفين قديم تجاه الإسلام ولكن بأساليب جديدة ، بدوافع جديدة ووسائل جديدة. والأمة الإسلامية تتمتّع بمثل هذه القاعدة القادرة على تكثيف مقاومتها وقوتها ووحدتها.
أمِنَ العدل أن يبقى الحج دونما استثمار لمواجهة الأعداء الشرسين المفرِّقين المتآمرين ويبقى المسلمون دونما دفاع أمام خصومهم؟! الحج الصحيح والكامل يستطيع عن طريق تقريب القلوب وتبادل المعلومات وفضح المؤامرات أن يُحبط أخطر مكائد العدو ضد الإسلام والمسلمين.
إن الأعداء يرغبون في الهاء الشعوب الإسلامية
واليوم فإنّ أعزّاءنا في الحرس والتعبئة وكذا جموع المؤمنين وشباب حزب الله هم الأفضلون، فيجب الحفاظ على هذه النعمة، لأنّ العدو يحاول سرقتها من الشعب الإيراني ومن المسلمين أينما كانت، إنّ الأعداء يرغبون في إلهاء الشعوب الإسلامية بعيش يسوده الذلّ والغفلة والغرق في مستنقع الفساد والرضوخ لسلطة الأجانب، مثلما كان عليه شعبنا قبل الثورة، وما عليه كثير من شعوب العالم اليوم.
العامل الآخر الذي أدّى إلى وقوع هذا الأمر ـ حيث يشاهد الإنسان هذا المعنى في حياة الأئمة (عليهم السلام) ـ هو إعراض وعدم اهتمام اتباع الحقّ الذين كانوا يشكّلون الأركان الحقيقيّة للولاية والتشيّع بمصير العالم الإسلامي، فقد تظاهر البعض بالحماس والثورة فترة، فضايقهم الحكّام، كقضيّة الهجوم على المدينة في عهد يزيد، حيث ثار هؤلاء ضدّ يزيد، فبعث إليهم رجلاً ظالماً قام بمقتلة عظيمة، فتركت هذه الجماعة كل شيء جانباً ونست القضية، وهذه الجماعة لم تشمل كلّ أهل المدينة، وكانت الخلافات قائمة بينها، فافتقدوا إلى الوحدة والتنظيم والارتباط الكامل بين الأفراد، أي عملوا خلافاً للتعاليم الإسلامية تماماً، وكانت النتيجة أن هاجمهم العدو بكل شراسة، فتراجع هؤلاء في أول خطوة. وهذه نقطة مهمة؛ لأنّ من البديهي أن تتقاتل جبهتا الحقّ والباطل وتوجّهان الضربات إلى بعضهما البعض، فكما أنّ جبهة الحقّ توجّه الضربات إلى الباطل، كذا الباطل يوجّه الضربات إلى جبهة الحقّ، فتتبادل الضربات، وتظهر نتيجته عندما تتعب إحدى الجبهتين، فالجبهة التي تتعب أسرع تنهزم.
المشاكل التي تؤدي إلى الفرقة بين المسلمين
والآن، لنلق نظرة على المشاكل الكبرى المحيطة بهذه المجموعة البشرية العظيمة أي الاُمة الإسلامية، هذه المشاكل التي تحول دون أن تستفيد هذه الاُمة ممّا لديها من إمكانات هائلة فاعلة استثنائية؛ لتبقى نتيجة ذلك متخلفة عن ركب العلم، وعاجزة عن استثمار ثروتها العظيمة، ومغلوبة أمام الثقافات الأجنبية في حلبة الصراع الثقافي العالمي، وذيليّة في ساحة السياسة العالمية.. ولتبقى على الصعيد العسكري عرضة لاعتداء وقمع القوى المستكبرة.
هذه المشاكل التي نجم أكثرها عمّا في داخل الاُمة من تقصير وغفلة أو انحراف وخيانة تشكل قائمة طويلة نستطيع أن نعنوها بما يلي:
ـ الخلافات الطائفية التي يروّج لها غالباً علماء السوء وذوو الأقلام المأجورة ويعملون على تصعيدها وتضخيمها.
ـ الخلافات القومية والاقليمية الناشئة عن التعصب القومي وهي ممّا يثيره غالباً المثقفون المهزومون.
ـ الاستسلام أمام القوى الطامعة ممّا صيّر بعض البلدان توابع للقوى المتفرعنة.
ـ الاستسلام أمام الثقافة الغربية الفاسدة، بل وإشاعتها بدوافع سياسية وعقائدية.
ـ خلو بعض الحكومات من الإيمان والاهتمام بشعوبها وبإرادة هذه الشعوب ومعتقداتها وآمالها وتطلعاتها، واتخاذ موقف الغطرسة تجاهها.
ـ هزيمة كثير من الشخصيات السياسية والثقافية في العالم الإسلامي أمام القوى المتجبرة واليوم بالذات من أمريكا.
ـ وجود الكيان الصهيوني الغاصب في قلب العالم الإسلامي، وهو بدوره عامل باعث على كثير من المشاكل الاُخرى.
ـ إشاعة فكرة فصل الدين عن السياسة، وتصوير الإسلام بأنّه طقوس فردية لا علاقة له بمسائل الحياة، كنظام الحكم والسياسة والاقتصاد وأمثالها.
هذه وعشرات غيرها من المشاكل الأساسية الكبرى، على ما فيها من جذور تاريخية، كان من الممكن تجاوزها وعلاجها لو توفر في قادة السياسة والدين اخلاص وهمة وتحرر، لكنها اليوم باقية تنخر في جسد الاُمة وتؤدي إلى ما يشهده العالم الإسلامي من مآس وويلات وتجر إلى الفقر والجهل والإجحاف وضعف الموقف السياسي والتخلف والحرب والدمار وإشاعة الخرافة والتعصب.
إنّ الحديث هو لو اُقيمت فريضة الحج بصورة صحيحة كما فرضها اللّه، فإنّها قادرة على معالجة هذه الأمراض الأساسية وإزالة بؤر التخلف، وهذا العلاج لا يأتي دفعة واحدة، إلاّ أن اجتماعاً مليونياً على مرّ السنين، من الرجال والنساء الوافدين من كل فج عميق، في بقعة واحدة، وعلى صعيد أعمال متناسقة مليئة بالمعاني، وتحت لواء التوحيد العظيم، وفي أجواء عبقة بذكريات صدر الإسلام من بدر واُحد، وعلى صعيد زيارة مسجد لا تزال جدرانه تعيد إلى الأسماع صدى التلاوة القرآنية العطرة مُنْطَقَة من حنجرة رسول اللّه (ص) المباركة، ولا يزال نداء تكبير المجاهدين في صدر الإسلام يموج في أجوائه، كل ذلك في جو مفعم بالذكر والاستشعار ومناجاة اللّه عزّ وجلّ، جو ينتشل الإنسان من ضعفه وذاتيته واعوجاجه ليرفعه إلى معدن المجد والعظمة وقدرة رب العالمين.. إنّ مثل هذا الاجتماع بلسم شاف يبعث القوة في القلوب، والرفعة في الهمم، والصلابة في الارادة، والثقة بالنفس، والسعة في الاُفق، والتقريب في تحقق الآمال، والاتحاد بين الاُخوة، والهوان في الشيطان، والضعف في كيده.
نعم، فالحج الصحيح والكامل.. هو الحج التوحيدي، الحج الذي يكون منطلقاً لحب اللّه وحب المؤمنين والبراءة من الشياطين ومن الأصنام والمشركين.. الذي يعمل أولاً على وقف اتساع دائرة مشاكل الاُمة الإسلامية، ثم استئصالها.. الذي يعود على الإسلام بالعزة، وعلى حياة المسلمين بالازدهار، وعلى البلدان الإسلامية بالاستقلال والتحرر من شرّ الأجانب.
إن إحدى الأهداف الكبرى لدى أعداء هذه الثورة هو القضاء على هذه الوحدة
الشعب يعرف تفاصيل القضايا في الكثير من الحالات، ويحلل ويدقق ويدرك الاُمور، ومع هذا فبفضل الإسلام وأحكام القرآن النيّرة وببركة التوحيد الذي جاءنا به الإسلام، وأكد عليه الإمام، فانّ التعاطف والإنسجام متحقق بين أبناء الشعب، يجب علينا صيانة هذا الانسجام والتلاحم الموجود بين أبناء الشعب بكل قوانا. وهذه النظرة التوحيدية تحدث جنة في داخل الفرد أيضاً.
أمّا اللاهثون وراء مطامعهم الدنيوية فيعيشون حياة ملؤها المشقّة الروحية والصفات القبيحة والرذائل الأخلاقية والحرص والبخل والطمع؛ بسبب الابتعاد عن النظرة الكونية الإلهية والمعنوية والتوحيد التي تدعو الناس إلى التعايش والوحدة. فالتعايش مطلوب وجميل في داخل الإنسان أيضاً وكذا هو الحال على مستوى المجتمع وعلى صعيد العالم.
اعلموا يا أعزائي أنّ إحدى الأهداف الكبرى لدى أعداء هذه الثورة هو القضاء على هذه الوحدة وهذه الأخوة وهذا التعايش. وممّا يؤسف له أن نلاحظ أحياناً أشخاصاً هنا وهناك تأثّروا بهذه الإيحاءات، فانزلق فيها بعض السذّج وضعيفي الإيمان، إلاّ أنّ هذا التيار الشعبي الجارف قد واجه الأعداء الحاقدين بيد من حديد.
الأضرار التي تصيب المسلمين من جراء غياب الوحدة
وهذا ما نوصي به الشعوب الاُخرى أيضاً، نحن نريد أن ترى الشعوب الإسلامية اليد الاستعمارية وراء الاختلافات والنزاعات التي تقع بين الاُخوة، لاحظوا مدى الضرر الفادح الذي يصيب المسلمين من جراء غياب الوحدة، لعله مر إلى الآن أكثر من اُسبوعين والنظام الصهيوني الغاصب يواصل ارتكاب مآسٍ جديدة على أرض فلسطين، والشعب الفلسطيني يتعرض في دياره لقمع ووحشية الغاصبين الذين يفعلون ما يحلو لهم، بدعم من أمريكا.
لماذا هم قادرون على فعل هذا؟ ولماذا لا تهب الشعوب الإسلامية هبّة رجل واحد في كل أرجاء العالم؟ ولماذا لا يحاجّوا أمريكا ولا يوصلوا أصواتهم إلى مسامع رجال الادارة الأمريكية الغاطة في نوم عميق؟ ولماذا لا تحقق الدول الإسلامية الوحدة والانسجام والتلاحم المطلوب فيما بينها ازاء مثل هذه القضية الحساسة؟ هذا نداء الجمهورية الإسلامية منذ طليعة انتصار ثورتها وحتّى الآن.
الفرقة تعزي إلى عدم وعي المسلمين أن الوحدة من الدين
لكن إذا وجدتم الامة الإسلامية تمزّقها الفُرقة فذلك يعزى إلى عدم وعي المسلمين أن الوحدة ـ أيضاً ـ من الدين. وإذا وجدتم الامة الإسلامية اسيرة في قبضة الاستكبار والأعداء وأمريكا وبهذه الوضعية الذليلة، فسبب ذلك يعود إلى جهل المسلمين بأنّ المسلم لا يجوز له الانقياد لارادة العدو الكافر ولا للطاغوت. وإذا رأيتم المسلمين قد تخلفوا عن ركب العلم فمرد ذلك عدم توعيتهم بوجوب كسب العلم ودراسة كل ماهو ضروري لحياة الإنسان. وهكذا الحال في سائر المصائب التي يعاني منها العالم الإسلامي. والقرآن هو العلاج الشافي لها.
الفرقة من فعل العدو
أمّا قضية الوحدة والتلاحم ، وقضية {واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرّقوا} التي يأمرنا بها القرآن ، فلا تسير ـ مع الأسف ـ كما ينبغي ، وهذا من فعل العدو .
العدو يبذل مساع جهده لإفشال الوحدة
الشعوب الإسلامية تحدوها رغبة عارمة للاتحاد ، لكن العدو يبذل مساعي محمومة لافشالها ، وهو يوظف لهذه المهمة ـ اي بث الفرقة ـ استثمارات مادية ومعنوية كبيرة ، وبأساليب مختلفة . وبعض هذه الاستثمارات يعود إلى عهود سابقة على الثورة الإسلامية ، نظير دعم التيارات القومية المتطرفة . في إيران كانوا يدعمون التيارات القومية والميول الوطنية الإيرانية العنصرية ، وفي البلدان العربية كانوا يدعمون الاتجاهات العربية المتطرفة ، وفي البلدان التي تتحدث باللغة التركية كانوا يؤازرون التيارات القومية والميول التركية العنصرية .
وحيثما كانت أقلية في هذه البلدان كانوا ينفخون فيها روح التطرف القومي .
في إيران كانت بعض الاقوام تتلقى ايحاءات تبرز جانب الميول العنصرية لديها . في بلدان شمال افريقيا وفي مصر وفي أماكن اُخرى يأجّجون المشاعر العنصرية والتعصب القومي الذي يستهوي الأقوام غير العربية القاطنة هناك ، ويحثّونها على الالتفاف حول تلك المنطلقات ، وكانوا كذلك يساندون الاقليات الدينية حيثما كانت ، وهلمَّ جرَّاً .
طيب ، كان هذا منذ ذلك العهد . وبعد انبثاق فجر الثورة الإسلامية في إيران ضاعفوا تلك المساعي ، ضاعفوا جهودهم حين رأوا ان شمس الوحدة الإسلامية في غاية الاشراق والسطوع على رحاب العالم الإسلامي . بيد انهم لم يقفوا عند هذا الحد ، بل دفعوا بعض العناصر لاثارة الفرقة ، وسلبوا الامة الإسلامية شعاراتها الوحدوية ، واحدى تلك الشعارات هي قضية مجابهة الصهاينة التي كانت قضية وحدوية تجمع بين الشعوب الإسلامية .
ضرب وحدة العالم الإسلامي
إنّهم يعملون على ايجاد حالة من فقدان الثقة بين حكومات البلدان الإسلامية . وهذا العمل قيد التنفيذ حالياً ايضاً . فالمحافل السياسية والجاسوسية للدول الطامعة بهذه المنطقة ، وعلى رأسها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وأجهزة التجسس الصهيونية ، تمارس نشاطها في كل مكان ، وهي على اتصال دائم بالمحافل السياسية في البلدان من أجل اشاعة جو من عدم الثقة بين الحكومة.
ولاشكّ أنّهم يجنون من وراء هذا العمل فوائد عديدة ، منها ضرب وحدة العالم الإسلامي ، ومنها بيع الأسلحة ، ومنها الحضور العسكري ، ومنها حث الجميع على التسابق في سبيل اقامة العلاقات مع دويلة اسرائيل الغاصبة في فلسطين . هذه هي الفوائد التي يجنيها الاستكبار من وراء هذا العمل الذي يسبب للعالم الإسلامي أفدح الاضرار .
الأعداء يعارضون على الدوام اتحاد المسلمين
إنني أرى بعيني الأيدي المتواطئة ـ خاصة في السنوات الأخيرة، من بعد الهجمة التي أعقبت انتصار الثورة، وفشلت بسبب الموقف الحازم للثورة الإسلامية وزعيمها المبجّل الإمام القائد ـ قد عادت من جديد منذ بضع سنوات وبشكل بالغ الخطورة ساعية لبثّ الفرقة بين مذاهب المسلمين.
الأعداء يعارضون على الدوام اتحاد المسلمين، والتاريخ شاهد على هذه الحقيقة، ولكن اليوم حيث عاد لواء الإسلام الظافر يرفرف خفّاقاً على ربوع هذه البقعة من العالم، صار الأعداء يخشون الوحدة الإسلامية أكثر من أي وقت مضى.
الحيلولة دون تقارب وانجذاب القاعدة الإسلامية
إنّ ما تسمعونه من تهمة في مجال حقوق الإنسان، ونقض حقوق الإنسان، والتورط في الارهاب وما شابه ذلك، أمر مدروس يستهدفون من ورائه اثبات هذه التهمة ضد الجمهورية الإسلامية على النطاق العالمي! وهم أنفسهم موقنون بكذب هذه الادعاءات. والغاية من ذلك ايجاد حاجز يبعد الرأي العام العالمي عن نظام الجمهورية الإسلامية، ومن أجل الحيلولة دون التقارب والانجذاب بين هذه القاعدة الإسلامية والقرآنية وبين المجتمعات الإسلامية في العالم. ومن الطبيعي ان اللّه تعالى سيبطل كيدهم: {انهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً}، {ومكروا ومكر اللّه}.
كل ما فعلوه طوال هذه السنوات أذهبه اللّه، إلاّ أن العدو على كل حال لا ينفك عن ايجاد الموانع وخلق العراقيل والمشاكل، ومع ان أمرهُ يفتضح في بعض الظروف لكنه لا يكف عن فعله، وهنا يتجسد معنى اتحاد ووحدة الأمة الإسلامية والتفاهم الإسلامي.
لاحظوا مدى أهمية هذا الموضوع لمستقبل العالم الإسلامي، ولهذا فهو ليس بالموضوع الممكن تجاوزه بسهولة، على الجميع ان يعتبروا أنفسهم معنيين بهذا الكلام، وأنا اتوجه بالخطاب إلى الجميع؛ إلى السنة وإلى الشيعة، وإلى الكتاب، وإلى الشعراء، وإلى الناشرين، وإلى كل من له مكانة بين الناس ويتحدث إليهم ويجد عندهم آذاناً صاغية، ادعوهم ليعوا هذه الحقيقة ويدركوا ماهية العدو.
حاذروا ان يجد العدو موطأ قدم له بيننا، واياكم من مهاجمة بعضكم بدلاً من مهاجمة العدو. كونوا على معرفة بظروف العصر؛ أي ان تعرفوا العدو وان تعرفوا الصديق وتعرفوا مضمار وساحة الصراع.
الجميع معنيون بهذا الكلام؛ شيعة وسنّة، من دون فرق. وهذه القضية لا فرق فيها بين الإيراني وغير الإيراني. ومن حسن الحظ اننا في إيران ليست لدينا أية مشكلة مع اخواننا أبناء السنّة؛ فلقد عشنا طوال مدة السبع عشرة أو الثماني عشرة سنة بعد انتصار الثورة في وئام ومحبة وصفاء، ونحمد اللّه على هذا، والإخوة الذين يعيشون في المناطق التي يقطنها أكثرية من أبناء السنة قدّموا الكثير من العون للدولة وللنظام الإسلامي؛ إذ هذه القضية تهم جميع العالم الإسلامي، وهي قضية مستقبل الإسلام.
فك عرى وحدة الشعب
لقد شارك في انتخابات رئاسة الجمهورية في هذا العام ثلاثون مليوناً، وكان لهذه الحادثة وقع طيب في نفوس أبناء الشعب. وانتخب رئيس الجمهورية من قبل عشرين مليوناً. ثم شُكلت الحكومة، ومنح مجلس الشورى الثقة لجميع الوزراء، وانهمك الوزراء في أداء مهامّهم بدون وجود ما يعكّر صفو الأجواء. وما هذا بالأمر الهيّن، بل ما حسن في نفوس الشعب، بنفس النسبة يكون مريراً على الأعداء، فما تحمّل الأعداء هذا وأدركوا ان لابدّ لهذا الانسجام ولهذا التحرك الجماهيري السليم من محور، ومحوره وحدة الشعب، والتلاحم والاعتقاد. فأرادوا فك عرى هذا التلاحم والايمان والتضامن، والايحاء بأنَّ نظام الجمهورية الإسلامية يعاني من التشتت والتشرذم.
هدف أمريكا هو الاختلاف بين الشعب
ما هو الهدف الذي تبتغيه أمريكا وامبراطوريتها الدعائية من وراء القول ان إيران راغبة بالتفاوض مع أمريكا.
انها تستهدف من وراء ذلك عدّة أُمور، منها: تحويل الاداة التي كانت حتى يومنا هذا سبباً في وحدة الشعب إلى اداة اختلاف بين أبناء الشعب.
ما دام الشعب الإيراني يدرك ان أمريكا هي عدوته، فهو متأهب لمواجهتها. وحتى إذا كانت ثمة اختلافات جزئية فهو يتفاداها ويتلاحم بوجه أمريكا.
إذن فمجابهة أمريكا كانت احدى الوسائل لوحدة هذا الشعب. وهم يستهدفون من وراء هذا الضجيج احالة هذه الاداة الوحدوية إلى اداة للاختلاف بين هذا وذاك، فهذا يدعو إلى التفاوض، والآخر يرفض، وغيره لا يرى فيه من بأس! ولأجل اثارة الجدل بين هذه الفئة وتلك، ولكي تتحول هذه الوحدة الجماهيرية الصلبة بين أبناء الشعب بوجه العدو، إلى اختلاف ونزاع. هذا هو الهدف الأول فتأملوه بدقّة.
المستكبرون يصطنعون الموانع على طريق الوحدة
زعماء العالم الطبقي أي الساسة الذين كرّسوا اهتمامهم لابقاء العالم دائماً في قطبين: قوي وضعيف أو مستكبر ومستضعف، ولتقسيم مراكز الهيمنة بينهم على حساب الشعوب المستضعفة، هؤلاء مذعورون منذ قرنين حتى اليوم من وحدة الأمة الإسلامية، ويصطنعون الموانع على طريقها. نفس أولئك الذين يعتزمون جعل أوربا مسيحية موحدة عن طريق قتل المسلمين في البلقان وعن طريق انزال الوان التمييز والظلم بحق الأقليات المسلمة في أوربا أو اهمالهم، نفس أولئك يسعون اعلامياً وعملياً وبعناوين موهنة إلى الحيلولة دون توحد العالم الإسلامي.
ومعرفة النموذج المتمثل بالحاضرين في الحج من تلك الأمة الواحدة يعني قطع خطوة عملية على طريق تحقق ذلك الأمل الكبير أعني الاتحاد الإسلامي وبالتالي نهوض قوة إسلامية واحدة في الساحة العالمية.
جهود الأعداء لبث الفرقة
ركّز الأعداء جهودهم منذ اليوم الأول على عدم السماح لهذا الاتحاد بالتبلور؛ فأثاروا النعرات القومية وأذكوا عوامل الفرقة. إلا ان الارادة الإلهية وروح الولاية ومعناها وحقيقتها المتجسّدة في هذا النظام تغلّبت على جميع تلك المؤامرات المعادية. وحتى حينما اندلعت الحرب واحتلّ العدو مناطق من أراضينا في غرب وجنوب البلاد وتعرضت طهران للقصف الجوي، دأب البعض في طهران وتحت مسميات شتّى إلى زرع الاشاعات بهدف بث الفرقة، وكانوا يرمون في الواقع إلى زعزعة العمق الخلفي للمقاتلين؛ غير ان الثورة والإمام والشعب ووعيه وإيمانه لم يسمحوا بذلك.
بعض الأشخاص لا يريدون البقاء للوحدة
هذا البلد يجب ان يُبنى ويتقدم. وهذا الشعب العظيم يجب أن تزهر طاقاته وتسطع في العالم كله، ليتاح له ان يعكس الحضارة الإسلامية الباهرة للعالم كله. نحن لازلنا في أول الطريق، والثورة أزالت من أمامنا العراقيل ووضعتنا على محجة قويمة؛ فانطلقنا ولكننا لازلنا في بداية الطريق، ولم يحن الوقت بعد لتناول القضايا بتفاصيلها الجزئية، ونضخم العيوب الصغيرة.
إنّني أعلم وأرى المسؤولين والكثير ممّن يعملون في حقل الاعلام يتحركون ويعملون بوعي ويقظة وبضمير حي، ويؤدّون واجباتهم باخلاص ونقاء بعيداً عن أية مطامع، مع ما يتعرضون له من لوم. بيد ثمة أشخاص هنا وهناك لا يريدون لهذه الوحدة البقاء. وهؤلاء يجب معرفتهم وتركيز النظر عليهم.
تضخيم الاختلافات البسيطة
يحاول العدو تضخيم الاختلافات البسيطة. وهذه الظاهرة ليست وليدة اليوم بل هذا هو دأب العدو منذ أوائل الثورة.. وقبل الحرب، واستمرت في فترة الحرب وفي عهد الإمام الراحل. فكانوا يتشبثون بأشياء تافهة ويتّخذونها كوثيقة دالة على وجود الاختلاف والانشقاق، ويضخمونها وفقاً لأساليب الدعاية النفسية، بحيث يتصور كل من سمعها ان البلد يموج بالشغب والاضطرابات والغوغاء والكبت! في حين ان شيئاً من هذا لم يكن، وليس له أي وجود حالياً.
الأعداء يحثون على التفرقة
دأب العدو منذ أول الثورة وحتى الآن على إثارة الهواجس، وبث الاشاعات، وأكثر الحديث عن وجود اختلافات بيننا. ويومنا هذا لا يختلف عمّا سبقه، إذ كانت الغلبة لإرادة الشعب ولإرادة المسؤولين الحريصين المتمسكين بالإسلام وبعبودية اللّه، وستكون الغلبة اليوم لهم أيضاً بإذن اللّه. وعلى العالم الإسلامي ان يسير صوب وحدة من هذا الطراز، فالوحدة تعني التآلف والالتفاف حول محور المبادئ.
التفرقة بين مؤسسات النظام
قد يشار أحياناً إلى أصالة سلطة معينة دون أُخرى. والحقيقة ليست كذلك؛ إذ ان هذه السلطات: التنفيذية، والقضائية، والتشريعية جميعها تشكل جامعية النظام الإسلامي، واحترامها واجب. وكل من يبيح لنفسه انتهاك حرمة أي من السلطات الثلاث، فهو لا يملك ادراكاً صحيحاً لحقيقة وحدة وتلاحم النظام، ولديه قصور في الفهم والممارسة. فليس ثمة فارق في ما بين السلطات الثلاث؛ لأنّها بأجمعها تعود لكم. وأنتم مطالبون بتوفير الأجواء لقيام كل واحدة بما عليها من الوظائف، واعداد الكادر الكفوء لها.
العدو يسعى لإشاعة الاضطراب
ان العدو يسعى لإشاعة الاضطراب بين الناس؛ وأحد سبل توفير السكينة والاطمئنان هو الوحدة وتآلف القلوب، ووحدة أبناء الشعب بشتى طبقاتهم، وتقارب القلوب ومحبّة الناس بعضهم لبعض. وهذه النقطة معاكسة تماماً لما يريد العدو اشاعته؛ العدو يحاول ان يصوّر وكأن الشعب والمسؤولين وشتّى الفئات والتيارات، متعطّشون لدماء بعضهم الآخر. وهذه الايحاءات لا نصيب لها من الصحّة. وكل من يتصرف أو يتكلم اليوم بشكل يوحي إلى وجود اختلاف وتطاحن مقيت بين مختلف التيارات والشرائح، فهو بعمله هذا يساعد العدو ويقدم له خدمة كبرى. ومن المؤسف ان البعض يتصرف على هذا النحو عن سذاجة وبساطة.
من الطبيعي ان اختلاف الأذواق موجود بين الناس، ومثله في ذلك كمثل زميلين يتباحثان حول قضية أو موضوع معيّن ويختلفان في وجهتي نظرهما ويتناقشان، إلا انهما على كل الأحوال زميلان، وقلباهما متقاربان. وهكذا الحال أيضاً في الشؤون السياسية والاجتماعية، بل ويجب ان يكون الحال كذلك.
لا تدعوا وحدتكم يمسها أي سوء
أيّها الشعب العزيز، ويا عباد اللّه المؤمنين الصابرين، عليكم بالحفاظ على نهجكم الإلهي ونهج الثورة ونهج الإمام، وسيروا يداً بيد خلف المسؤولين الحريصين والقادة والهداة، ولا تدعوا وحدتكم يمسّها أيّ سوء. وليعلم من يحاولون إثارة الأمواج في هذا المحيط الهادئ من أجل تحقيق نزوات شخصية عابرة ويعكرون صفو الخواطر أنهم لن يجنوا من عملهم هذا أية منفعة؛ فهذا الشعب وهذه الجماهير وهذه الأمة البطلة المجاهدة في سبيل اللّه، غايتها اللّه، والإسلام، واستقلال هذا البلد؛ وهي واثقة بأن هذا ما لا يتحقق إلا عبر وحدة الكلمة.
توكلوا على اللّه وضعوا يداً بيد وسيروا خلف مسؤوليكم. ومن الطبيعي أن الأجواء الهادئة المستقرة السائدة في البلد ـ بحمد اللّه ـ تساعد المسؤولين على الاهتمام بمشاكل الشعب وحل العقدة الاقتصادية، وانجاز المهام الموكلة إليهم على نحو أفضل. عليكم بإحياء كل مظاهر الوحدة ومعالمها، واعتبروا كل ما يسيء إليها من عمل الشيطان.
ان ما يجب على الجميع الالتفات إليه هو ان تكون اجتماعاتكم قوية وذات طبيعة إيمانية، حيث كانت قد وقعت منذ أكثر من سنة وإلى الآن عدّة حالات قام فيها البعض بإثارة التوتر في صلاة الجمعة بنحو أو آخر. وأنا أدعوكم للمحافظة على صلاة الجمعة. وحتى إذا كانت هنالك اختلافات وحسابات، فصلاة الجمعة ليست موضعاً لتصفية تلك الحسابات، وإنما هي مكان للوحدة والتكاتف وتآلف القلوب؛ فلا تدعوها تكون مظهراً للاختلاف، لأن العدو تغمره البهجة فيما لو رأى مظهر التآلف يتحول إلى مظهر اختلاف. وعلى أئمة الجمعة مراعاة الأوضاع وعدم التحدث في موارد الاختلاف المثيرة للفرقة.
حافظوا على الوحدة العظيمة الموجودة ـ بحمد اللّه ـ في بلدنا. ولاريب في ان هذه الوحدة ستصان رغم أنف العدو، وسيواصل هذا الشعب مسيره على طريق اللّه بالرغم من إرادة الأعداء، ولن تفلح مساعي الأعداء ودعايات الأبواق الاعلامية ومحاولات المخططين السياسيين للدعايات الاعلامية الموجهة ضد الجمهورية الإسلامية، والذين ما انفكوا يجربون ويكتنزون التجارب منذ عشرين سنة متصورين كلّ يوم أنّهم جاؤوا بحصيلة جديدة إلى ساحة الدعاية المعادية للشعب الإيراني ولنظام الجمهورية الإسلامية.
هذا التعايش هو ما نسميه بالوحدة
الحقيقة ان لبعض الصحف أداءً سيّئاً تبرزه من خلال عناوينها ومقالاتها ونوعية الاخبار التي تعكسها وتُظهر وكأنّ صراعاً ناشب هنا. ومن الطبيعي ان الاجانب يرغبون في الإيحاء بوجود صراع شامل ونزاع دامٍ بيننا. وأؤكد لكم كذب هذه الإيحاءات. وربّما وجد ثمّة تباين في الأذواق بين المسؤولين السياسيين والمسؤولين الاقتصاديين، أو المسؤولين الحكوميّين أو غير الحكوميين، غير انهم متعايشون، وهذا التعايش هو ما نُسميه بالوحدة.
قد يوجد هناك طبعاً من لا يتفق مع هذه الجماعة في الفكر والمعتقد، ولا يدخل في عداد أفرادها. كما ان أبناء الشعب قاطبة يقفون خارج صف هذه التكتّلات، ويعملون في اطار النهج الذي يسيرون عليه، وكل واحد منهم منهمك في شؤونه وتطلعاته وأمانيه. ويجب ان لا يسود تصور يستوحى منه وجود صراع طاحن في إيران ـ كما يلوّح الاجانب بذلك، ويُعيد أصحاب الصحف المغفلون اجتراره في الداخل ـ لأن مثل هذا الصراع لا وجود له، وإنّما هنالك اختلاف في الأذواق.
الحفاظ على الوحدة الوطنية وترك التهاترات السياسية
أوصي التيارات والفصائل السياسية الداخلية بشحذ هممها لصالح التنمية الفكرية والسياسية للشعب، ولا تعتبروا الوصول الى السلطة هدفاً؛ فالعمل السياسي السليم اذا كان خلواً من التناحر وكيل الاتهامات وبثّ الاشاعات، واذا اقترن بالاخلاص والنيّة الصالحة فهو عبادة، وله أثر في اجتذاب قلوب الناس، بينما اذا طغت عليه المآرب الفئوية والاساليب القبلية، فلا ينال رضا الشعب. يجب ان لا يتسبب العمل الحزبي والفئوي في إلحاق الضرر بالوحدة الوطنية، وأن لا تنسحب الصراعات الحزبية الى سائر أبناء الشعب.
النيل من وحدة الشعب وتلاحمه الوطني
لقد أدى قيام حكومة إسلامية في إيران على يد أبناء الشعب ودفاعهم البطولي والمستميت عنها في اللحظات الخطيرة وعند المواقف العدائية الحساسة، اضافة الى حركات الوعي والاستنهاض التي انتشرت بين المسلمين في شتّى أرجاء العالم الإسلامي وجلبت الفشل والحيرة على حاكة المؤامرات المشؤومة ضد الجمهورية الإسلامية، الى ان يدرك الاعداء في نهاية المطاف ان لا سبيل أمامهم من أجل تحقيق مآربهم الشيطانية سوى زعزعة إيمان الشعب والنيل من وحدته وتلاحمه الوطني وشن حملة دعائية ضد شعارات الحماس والتكاتف المنطلقة من ضمير الشعب وإيمانه، والتي جاءت كحصيلة للدروس الخالدة لإمامنا الراحل.
الإشاعات حول وجود اختلاف بين المسؤولين
يكمن الخطأ الثالث الذي وقع فيه الأعداء في ما تصوروه حول وحدة المسؤولين حين ظنوا أن الإشاعات التي أثاروها ستتحقق؛ ومثلهم في ذلك كمثل ذلك المجنون الذي أراد أن يشغل الأطفال عن إيذائه، فخدعهم بأنه توجد وليمة في المكان الفلاني، وبعدما ركض الأطفال باتجاه ذلك المكان، انطلق هو وراءهم قائلاً: لعلّه توجد هناك وليمة حقاً! فالأعداء هم الذين بدأوا ببثّ الإشاعات حول وجود اختلاف بين المسؤولين، ثم أخذوا يصدّقون.
هدم صرح الوحدة
إلى متى تريدون الصمت إزاء ما تمارسه الأجنحة السياسية من هدم لصرح الوحدة؟ أنا أعلم طبعاً أنكم تقدمون لها النصائح، ولكن في الوقت الحاضر؛ حيث استطاع رئيس الجمهورية المحترم إبراز الوجه المسالم لإيران أمام العالم، أليس من الأفضل أن نشيع في داخل البلد أجواء تتيح للحكومة تنفيذ خططها؟ إذا كنّا مسلمين، وإذا كانت الأجنحة السياسية حريصة على إيران، أليس من الأفضل أن نعمل على تقوية قدرة الإسلام بدلاً من العمل على إضعاف بعضنا بعضاً؟
ـ هذا الكلام صحيح جداً؛ ويجب أن نقول لمن كتب هذا السؤال ـ سواء كان طالباً أم طالبة ـ “إنك تتحدث بما يجيش في صدورنا”. وطبعاً أنا لم ولن أسكت عن المورد الذي أشرتم إليه، وقد صرّحت بكلامي هذا للأجنحة والكتل السياسية في اللقاءات الخاصّة بها، أو أحياناً في اللقاءات المشتركة التي ضمّت عدّة فصائل منها، بل وحتى إنني أعلنت ذلك جهاراً في التجمعات العامّة كصلاة الجمعة والخطب العامّة، لتكون المشاعر الجماهيرية بمثابة ضاغط يرغمها على العمل والسير باتجاه الوحدة والتلاحم والتعاون. والوحدة التي نتحدث عنها هنا لا يراد بها أن يذوب الجميع في كتلة واحدة، وإنما المراد هو التعاون في ما بينها، والسير قُدُماً وعدم عرقلة بعضها لعمل بعض. وأنا أرى ان الطالب الذي كتب هذا السؤال تجيش هذه المشاعر في صدره، وهذا هو ما أريده؛ فأنا أطمع إلى أن يكون لدى الجميع مثل هذه المشاعر والمطاليب من الفصائل السياسية. وأعتقد بأن هناك خطوات قد تمت، وهناك إجراءات اتخذت في هذا المجال؛ ونأمل مزيداً من التقدم في هذا المضمار بعون اللّه.
تخريب الوحدة الوطنية
الغاية التي يرمي إليها الأعداء هي زعزعة الوحدة الوطنية وسلب الشعب تلاحمه؛ وأنتم تعلمون أن أسباب الفرقة غير منتفية كلّياً لدى هذا الشعب الكبير، فهناك في بعض الحالات اختلاف في اللغات وفي تباين المناطق الجغرافية، بيد أن الشعب الإيراني الرشيد رجّح منذ عهد ما قبل الثورة وأثناء الثورة وإلى يومنا هذا وحدته على جميع عوامل التفرقة، واستطاع رغم إرادة الأعداء الحفاظ على اتحاده وتلاحمه في جميع الميادين الحساسة، وقد انتصر شعبنا في الحرب على اثر هذا التلاحم؛ وكل انجاز قامت به الحكومات وكل تقدّم أحرزته في ميادين البناء إنّما جاء بفضل هذا التلاحم بين أبناء الشعب. والعدو لا يطيق رؤية هذه الحالة، بل يتمنى لو يستطيع تأليب كل طائفة من أبناء الشعب ضد طائفة؛ فيكون عالم الدين في جهة، وطالب الجامعة في جهة، والكسبة في جهة، والفلاح في جهة، والعامل في جهة، والشباب من جهة، ومتوسطو الأعمار من جهة، ويلهي كل طبقة منهم بشعار وغاية، ويشيع فيهم سوء الظن تجاه بعضهم الآخر. وحتى إذا كانت هناك مثابات أمان يثق بها كل أبناء الشعب ويرجعون إليها في اختلافاتهم من أجل حلّها وإنهائها، فهو يحاول نسفها؛ هذا ما يريده العدو.
الجهود الفاشلة
إنني أشكر الله تعالى على أن شعبنا شعب متيقظ وأن مسؤولينا ـ والحمد لله ـ متفقون على وحدة الكلمة والالتفاف حول محور الدين والإسلام. إن الكثيرين يحاولون إطلاق الكلمات على لسان المسؤولين كرئيس الجمهورية والآخرين، فهذه كلّها جهود فاشلة! إن رئيس الجمهورية هو أحد رجال الدين، وهو شخص مؤمن ومحب للإمام ومتكفّل بنشر الدين ولديه شعور بالمسؤولية في هذا الصدد، كما أن المسؤولين رفيعي المستوى هم كذلك أيضاً والحمد لله، وإن كنّا نعتب على بعض المسؤولين ذوي المستويات المتوسطة!
إثارة النعرات للقضاء على الوحدة
طبعاً ينبغي أن أقول هنا أيضاً بأنهم يركزون على موضوع القوميات في إيران؛ فالبعض يحاولون نفي العامل الحقيقي للوحدة ـ أي الإسلام والدين ـ عن طريق إثارة النعرات القومية. إن الذين يتصورون أن اللغة الفارسية هي عامل الوحدة في هذا البلد لا يحبّون اللغة الفارسية كما أحبها أنا بالتأكيد، ولم ولن يقدّموا لها واحداً بالمائة مما قدّمته! فاللغة الفارسية ليست عامل الوحدة الوطنية في إيران، بل إنه الإسلام، ذلك الدين الذي تجسّد في الثورة والنظام الإسلامي، فكانت نتيجة ذلك أن المتحدث بالتركية يقول “آذربيجان أياختي، أنقلاباً داياختي” أي “آذربيجان قائمة، وللثورة داعمة” وهو ما يقوله الكردي بالكردية، والبلوشي بالبلوشية، والعربي بالعربية. ولكن البعض يحاولون التقليل من أهمية العامل القويّ للتأليف بين قلوب أبناء الشعب الإيراني، وهو الإيمان بالإسلام. وهذا خطأ، فالبلد والشعب منسجمان، وصحيح أن هذا الانسجام يعود إلى التاريخ والجغرافيا والعادات والتقاليد والثقافة، ولكنّ مردّه أساساً إلى الدين وموضوع القيادة، وهو ما ألّف بين أجزاء هذا الشعب وجعل الجميع يشعرون بالوحدة والانسجام.
بث الخلافات للمساس بالوحدة الوطنية
لقد تفضّل الله تعالى على هذا الشعب في كافة أنحاء البلاد، فتماسكت عرى الوحدة فيما بيننا. إنني أجد لزاماً عليّ أن أقول هنا بأن الكثيرين يسعون لإشعال فتيل الخلافات بين قوميات هذا البلد ظنّاً منهم أن بوسعهم المساس بوحدتنا الوطنية، غافلين عن أن أقوى قواعد هذه الثورة العظيمة وهذا النظام الإسلامي راسخة في هذه المناطق الآذرية، أي في آذربيجان، وأردبيل، وآذربيجان الغربية.
إن تضحيات هذا الشعب، وثباته، وشعاراته الحيّة التي مازالت تردّدها الجماهير لم تبدأ ولم تتقدم إلاّ من آذربيجان؛ فاسم الإمام، واسم الولاية، والسخط على الأعداء، يعود الفضل فيها إلى أهالي آذربيجان الذين استطاعوا بث اليأس والقنوط في قلوب الأعداء.
حذار من التمهيد للفرقة
إن ما أرغب في قوله اليوم ودائماً للأجنحة السياسية والشخصيات السياسية في هذا البلد هو ألاّ يظهروا أمام العدو بالشكل الذي يجعله يشعر أن بإمكانه النفوذ والتسرّب في عمق الثورة من خلال هذا الطريق. وهذا هو السبب الذي يجعلني أشتكي أحياناً من بعض الشخصيات أو بعض الصحف في هذا البلد. فعليهم الابتعاد عن كل ما يجعل العدو يشعر أن بوسعه التغلغل وبسط نفوذه داخل النظام، وهو ما دفعنا إلى القول بأنه كلما ازداد نفوذ العدو تزعزعت أركان العزة الوطنية، والاقتدار الوطني، والعظمة الوطنية، وضعف الأمل في تشييد مستقبل البلاد. فالنسبة بين هذين الأمرين نسبة معكوسة. فلو تخلّى أحد للعدو عن الساحة، ولو بدّل أحد يوم الثالث عشر من آبان ـ الذي هو يوم التعبير عن العداء لأمريكا ـ إلى يوم للذل والخضوع أمام أمريكا، وإذا ما شغل أحد ذهنه دائماً بالتفرقة بدلاً من الاتحاد والتضامن الوطني، فهذا معناه أنه يمهد السبيل أمام نفوذ الأعداء. وليس من حق هذا الشخص الادعاء مطلقاً بأنه من دعاة الوحدة الوطنية وأنصار المصالح الوطنية.
ممارسة التفرقة وحياكة المؤامرات
إن كل من يناصب شعبنا العداء يصب عداءه هذا في محاولة القضاء على الوحدة الوطنية العظيمة وهذا التعاضد بين الشعب والمسؤولين، أو السعي للمساس بكل ذلك؛ وهذا نوع من العداء الذي يمارسه البعض.
إننا لا نعجب ولا نعاتب أولئك الذين ينفقون ملايين الدولارات في تحريك عجلة الحرب النفسية وتنظيم بث وترويج الشائعات وممارسة التفرقة وحياكة المؤامرات، فهؤلاء أعداؤنا، ولكننا لا نشكو إلاّ ممن ينخدع بهذه الممارسات هنا في الداخل، ويواصل عمل الأعداء، ويساعدهم على تحقيق أطماعهم. غير أننا لن نكتفي بالشكوى عند اللزوم؛ فالتعاون مع الأعداء ليس إلا عداءً، وهو ليس عداءً لشخص ما أو مسؤول أو جمع من المسؤولين، بل إنه عداء للمصلحة الوطنية، وهذا النوع من العداء لا يستطيع أحد أن يتحمله وليس له أيضاً أن يتحمله. إنني أرى البعض وهم يلفون لف الأعداء. ولكن شعبنا شعب متحد والحمد لله. وكل من يريد أن يوغر قلب البعض على البعض الآخر، فسوف ينبذه الشعب بالتأكيد ولا يحسبه صديقاً!
زعزعة الوحدة
كلنا يعلم بالمساعي الحثيثة التي دأبت عليها قوى الاستعمار والاستكبار وأذنابهم لزعزعة هذه الوحدة عن طريق التشبث بشتى ضروب التحليل وأصنافه، ومن أكثرها خبثاً مؤامرة احتلال فلسطين وزرع الشجرة الصهيونية الخبيثة في أرض فلسطين الإسلامية؛ أي في قلب الشعوب والبلدان الإسلامية.
أساليب العدو لإيجاد الفرقة
لقد سبقت مني الدعوة في مطلع العام 79 [هـ.ش] إلى أبناء الشعب والمسؤولين أن تتركز جهودهم على بعدين هما: الوحدة الوطنية، والأمن القومي. فكان أن بذلت المساعي في مجال الأمن وكذلك الوحدة، حيث أنجزت أعمال قيمة على امتداد هذا العام. وإنني إذ أتقدم بخالص شكري وتقديري لكل الذين ساهموا في هذه النشاطات، أكرر ما تقدم من كلام في هذه الأيام الأخيرة من هذا العام، وأؤكد أن العدو إنما يفلح في بلوغ مآربه متى ما استطاع ايجاد شرخ في هيكلية النظام وبين أوساط المسؤولين في مختلف الحقول، وذلك ما يسعى إليه العدو.
الحواجز القومية والمذهبية لإبعاد المسلمين عن الوحدة
إن أعداء الإسلام كانوا جادين دوماً في إقامة الحواجز القومية والمذهبية بين المسلمين لابعادهم عن توحدهم ومن ثم للسيطرة على مقدراتهم.
في بدايات أعوام احتلال فلسطين نهض علماء مجاهدون مثل "الشيخ عز الدين القسام" و"الحاج أمين الحسيني" فرفعوا صوتهم يستنصرون المسلمين لانقاذ الوطن السليب، وأصدر المرجع الديني الكبير يوم ذاك "الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء" حكم الجهاد ضد الصهيونية، لكن الطابع الإسلامي للقضية خف باستمرار لتنحصر في الاطار القومي.
النوايا السيئة لتحطيم الوحدة الوطنية
لا تحققوا أطماع ذوي النوايا السيئة الذين لا شاغل لهم سوى تحطيم الوحدة الوطنية، من خلال إشارتكم لقضية الربح والخسارة، ولا تلوّثوا الأجواء الحياتية لأبناء الشعب بالإثارات والضجّات المفتعلة.
الحذر من التفرقة السياسية
وثمة وصية أوجهها لسائر المسؤولين والمتصدين للعمل السياسي، ولاسيما أولئك الذين تخضع المنابر لتصرفهم ـ بدءاً من الصحافة والإذاعة والتلفزيون ومجلس الشورى وصلاة الجمعة وما شابه ذلك وانتهاءً بكل منبر في أية زاوية في البلاد ـ أن احذروا التوتر السياسي فهو مضر للبلاد، فيجب أن تحافظ الأجواء على استقرارها وتوازنها كي يتسنى للحكومة والمسؤولين أداء واجباتهم، وإن أبسط الأعمال ستصبح معقدة في ظل الأوضاع المتشنجة المتوترة. فلا يعملن أحد منكم على تغذية التوتر السياسي، فإن من أشد العيوب بالنسبة للناشطين السياسيين العمل على إثارة التفرقة والانشقاق وتربّص بعضهم ببعض. حافظوا على وحدة الكلمة، وإن أسوأ الأفعال أن يتعرض مسؤولو النظام للتشهير من قبل أناس آخرين ممن يخضع أحد المنابر لتصرفهم. هنالك فرق بين الانتقاد وبين الهدم؛ فالانتقاد حسن ونعمة، وإذا لم تُنتقد الحكومة أو سائر المسؤولين فإنهم لن يطلعوا على عيوبهم، فالانتقاد في واقع الأمر إهداء عيوبهم إليهم. والانتقاد يكون صائباً تارة، وغير صائب أخرى، غير أن الانتقاد يختلف عن الهدم؛ فلا تعملوا على تحطيم السلطة التنفيذية والحكومة أو السلطة القضائية أو السلطة التشريعية، وبالخصوص إذا كان الفاعل من العناصر المنضوية تحت هذه المنظومة فإن عمله يعدّ خللاً مضاعفاً.
الابتعاد عن الافتراق بالرأي
إنكم شريحة عزيزة؛ فإن أغلبكم من الجامعيين وطلبة المدارس وملؤكم العلم والصفاء. وحسناً فعل طلاب أصفهان في هذا التجمع حيث أصدروا ملصقاً [بوستراً] مشتركاً حمل اسم التعبئة الطلابية والاتحاد الإسلامي للطلبة والرابطة الإسلامية الطلابية وكذلك اتحاد الطلبة المسلمين، وإنه لعمل صائب أشكرهم عليه من صميم قلبي، فربما تختلفون في وجهات النظر حول عشر من القضايا لكنكم تتفقون في الرأي حول الكثير من القضايا أيضاً، فعبّروا عن وحدتكم في المواطن التي تجتمعون فيها بوجهة النظر، وهذا هو السبيل إلى ذلك؛ فلا داعي لأن يقحم اثنان يفترقان في الرأي بشأن بضع من القضايا من بين ما لا يحصى من القضايا الفكرية والسياسية، يقحما اختلافهما هذا في القضايا التي يتفقان عليها؛ فلو أرادا ـ مثلاً ـ إقامة مجلس احتفالي أو رثائي أو محاضرة، أيتحتم أن يقفا ندّين لبعضمها؟!.
فقدان وحدة الكلمة
من العيوب والآفات الأخرى فقدان وحدة الكلمة، ووحدة الكلمة أمر ضروري، ونظراً لأنني ركزت بالأمس خلال كلمتي في (ساحة الإمام) على هذه القضية فلا أرغب في تكرارها هنا؛ وعلى المسؤولين اتخاذ مواقف موحدة ولاسيما على صعيد القضايا العالمية وقضايا البلاد الأساسية؛ فإذا ما برز أدنى اختلاف في تصريحات المسؤولين ترون كيف أن الإذاعات الأجنبية تهول وتطبل لـه، بل حتى لو لم يكن هنالك اختلاف فإنهم يفتعلونه ليوحوا بعدم اتحاد المسؤولين في كلمتهم، فإنهم يرهبون الجماعة المنسجمة التي يسودها التآلف في عملها، ولحسن الحظ فإن ماهية دستورنا قد حددت سبيل العلاج لحل المشكلات، فجعلت من القائد محوراً يلتف حوله المسؤولون جميعاً، وهذه فرصة كبيرة توفر للمسؤولين إمكانية العمل مع بعضهم في ظل وحدة الكلمة.
الحذر من الفرقة والاختلاف
إنني أعتقد بأن من المشاكل الرئيسية التي نعاني منها في الوقت الحاضر هي الخلافات الواهية التي لا أساس لها والتي دبت بين أنصار النظام والعاملين له وكوادره ـ الذين يمثلون مجموعة الموالفين المنسوبين للنظام ـ وهذا هو معنى الموالف، أما أن يحاول البعض نتيجة اعوجاج في الفهم أو بدافع الإيذاء مطابقة مفهوم الموالف والمخالف على التيارات في البلاد فلقد قال شططاً؛ كلا، ففصائل الثورة جميعها من التيار الموالف داخل البلاد، فعلى هذه الفئة الموالفة التوحد والتآلف، وهذا بطبيعة الحال لا يعني عدم اختلافهم في الأذواق وأن لا يخوضوا نقاشات وجدالات فيما بينهم، وإنما المرفوض لهم هو المجاهرة بهذه المجادلات وتهويل الصغائر التي يدور حولها النقاش، فلبئس الفعل ذلك لأنه يحبس الرحمة الإلهية ويبعث الفتور والقنوط في قلوب الجماهير التي يفترض أن يحدوها الأمل والثقة بكم كي تسير خلفكم وتسندكم، ولعل الأهم من ذلك كله ـ أو يقع في صنف المهمات ـ هو أنه يثبطكم عن أداء مهامكم، فهنالك الكثير من الأعمال التي تبدو مستحيلة هي متيسرة إن كان المسؤول متفرغاً لها، وهذه الاختلافات والنزاعات تسلب منكم التفرغ، وسرايتها إلى داخل الحكومة أو داخل المجلس أو السلطة القضائية أو استحكامها بين سلطتين أمر في غاية الخطورة.
إن مثل هذه الاختلافات من بين الأمور البالغة السلبية، وعليكم المبادرة لعلاجها؛ أقول ذلك من باب الصداقة والأخوة والنصيحة وأدعوكم لعلاجها، ولكن إذا ما وجدنا أن الجميع يسعون لإيجاد حل لها وهنالك من يحول ـ حفنة هنا وحفنة هناك ـ دون تبلور حالة الوفاق، فحينها سنبادر لمعالجتهم بنحو من الأنحاء!
عليكم بكبح جماح الغضب والشهوة لديكم، إياكم وإصدار حكم أو تدوين قانون أو اتخاذ قرار بدافع الغضب أو الطمع؛ فلبئس ما يتخذ المرء من موقف أو يمضي شيئاً أو يقوم ويقعد أو يقضي ويصدر حكماً وهو مفتون بشيء ما ـ لاسيما إذا كان مادياً وشخصياً ـ أو مأخوذاً بخوف أو غضب أو عصبية، وإنه لمنزلق عظيم.
التصدي للفرقة بين أبناء الشعب
لقد طفقوا بكل وقاحة ودون شعور بما يقولون يخاطبون شعباً عظيماً حضارياً مقداماً أثبت جدارته لسنوات متمادية في ميادين عديدة ويقولون له: عليك أن تبقى تابعاً ضعيفاً كي تبقى بمنأى عن عدائنا وتهديدنا! إن الشعب الإيراني لن يكون موضع رضىً لديهم إن غدا مقتدراً مستقلاً متوحداً؛ فرضاهم في اختلاف الشعب الإيراني داخلياً وانهيار وحدته وتنازع أبنائه فيما بينهم ونفي كل فئة من فئاته لمشروعية الفئة الأخرى دون دليل أولاً، وتبعية الوطن لأمريكا كما هو شأن بعض دول المنطقة حيث ارتبطت شعوبها البائسة بأمريكا نتيجة السياسة الخاطئة التي انتهجها حكامها ثانياً، وأن يكون الشعب الإيراني ضعيفاً عسكرياً وسياسياً لا قدرة له على الدفاع عن نفسه وحدوده ثالثاً؛ وإذا ما أصبح كذلك فحينها سيرضى الرئيس الأمريكي عن الشعب الإيراني!
إن ردّنا هو: لقد نال الشعب الإيراني عزته واستقلاله ووحدته بفضل الإسلام، ولن يتخلى عن طريقه اللاحب الذي اختاره وسيواصله معتمداً على هذه الوحدة وعلى قدراته الذاتية والوطنية وتاريخه العريق والقيم الإسلامية الخالدة الراسخة متوكلاً على الله سبحانه؛ وسيصمد بوجه التهديدات، عالماً بأن الذي يحاول تجربة حربته مع هذه الصخرة المتماسكة لن يكون مصير هذه الحربة سوى الانكسار.
مساعي الاستكبار لبث الفرقة
لقد شاهد العدو بأُمّ عينيه سرَّ انتصارنا في خرمشهر وغيرها، وأدرك أن هذا الشعب لو حافظ على راية الإسلام والإيمان خفاقة سيكون الظفر حليفه في كافة الميادين. لذلك فقد سعى لتنكيس هذه الراية، وإن كل مساعي أمريكا والجهاز الاستكباري وجبهته اليوم تتركز على سلب عنصر الاقتدار والقوة والمقاومة منا؛ أي إنها تحاول إضعاف الإيمان والثقة بالنفس والتفاؤل والوحدة فينا؛ فمن الواضح أن الشعب الذي يفتقد الإيمان والاتحاد ويستحوذ عليه اليأس إزاء المستقبل سينهزم في الميادين كافة؛ على صعيد الاقتصاد وعلى صعيد بناء البلد أيضاً.
إنهم يحاولون انتزاع هذه العناصر منّا، وأول ضربة يوجهونها تتمثل في زرع اليأس في الشعب إزاء ذاته؛ وإن البعض أصبح شغلهم الشاغل هذه الأيام تضخيم العدو باستمرار، فيستصغرون أنفسهم ويصورون للآخرين عظمة العدو ويصرحون على الدوام بأننا عاجزون! أي علينا أن نذوب في بوتقة الاستكبار العالمي شأننا في ذلك شأن الكثير من الدول والحكومات.. وإنهم يخطئون؛ فهؤلاء هم الضعفاء والخاوون ـ إما أنهم كانوا خاوين أو أصبحوا خاوين ـ ولذائذ الدنيا هي التي جعلتهم خاوين؛ وحب الدنيا هو الذي أفقدهم قيمتهم وهويتهم، لذلك فهم يتصورون أن الجميع مثلهم! كلا، فإن هذا الشعب شعبٌ مقتدرٌ ويعززه الأمل.. فلا يعملوا على زعزعة قلوب أبناء الشعب عبثاً، ولا يقولوا بأننا عاجزين ولا قدرة لنا على الحركة؛ فهذا الشعب قويٌ على التحرك وهو يمتلك الإسلام وعنصر الإيمان المؤثر جداً، ولهذا الشعب اتحاد حقيقي وقلبي مع مسؤولي البلاد؛ فقليلاً ما يُلمس في أي بلد من بلدان العالم نظيرٌ لحبل الوحدة هذا الذي تعززه أواصر الإيمان والعاطفة.
تعليقات الزوار