المسلمون والوحدة الإسلامية

واجب المسلمين هو تركيز الوحدة، إذن فما هو واجب المسلمين في الوقت الحاضر مادام ذلك الهدف لم يتحقّق بعد؟

الجواب: إنَّ واجب المسلمين في الوقت الحاضر هو إبراز حرصهم وتمسُّكهم بمصالح الإسلام السامية، وتركيز الوحدة فيما بينهم، وإظهار براءتهم بشكل صريح من جميع أعداء الإسلام في العالم. وهذه أصغر المسؤوليات الملقاة على عاتق المسلمين في أيّام الحج المباركة.. 

اهمية الوحدة بين المسلمين

واليوم يحلوا للبعض أن يتَّهموا الجمهورية الإسلامية  من خلال الصحف والإذاعات  بأنّها حوَّلت الحج إلى قضيّة سياسية. فماذا يعني هذا؟

إذا كان المقصود من هذا الكلام بأنّنا أدخلنا مفهوماً سياسياً على الحج، فالجواب: إنَّ أيَّ إنسان لا يرى هذا المفهوم السياسي للحج فإنّه غير سليم ويجب أن يُدعى له بالشفاء.

إذ كيف يمكن لإنسان له معرفة بالإسلام وبآيات الحج في القرآن الكريم وبأهمّية الوحدة بين المسلمين ولا يعرف بأنَّ الهدف من هذا الاجتماع العظيم هو إحياء المفاهيم السياسية والإلهية وتحكيم الوحدة بين المسلمين وحلّ مشاكل العالم الإسلامي.

وإذا كان المقصود من هذا الكلام بأنَّ الحج يجب أن لا يُتّخذ وسيلة من أجل توسيع الأهداف الشيطانية للقوى الكبري، فإنّنا نوافق على هذا تماماً.

الحج موسماً لاستشعار وحدة المسلمين

حمداً لله سبحانه على ما أنعم به من هدية خالدة وينبوع دفاق يستطيع المسلمون ان يتزوّدوا منها كل سنة بقدر همتهم وبقدر معرفتهم. المصالح والمنافع التي اودعها العلم الإلهي والحكمة الإلهية في فريضة الحج تبلغ من السعة والتنوع بحيث لا يرى لها شبيه في أية فريضة إسلامية اُخري. الذكر والحضور المعنوي، ووعي الإنسان المسلم على نفسه في خلوته مع الله، وغسل القلب من صدأ الذنب والغفلة، وإحساس الحضور في المجموع، واستشعار وحدة كل مسلم مع جميع الامة المسلمة، وتحسّس القدرة المنبثقة عن عظمة جماعة المسلمين، وسعي كلّ فرد لأن يبرأ من أسقامه وأمراضه المعنوية أي الذنوب، ثمّ البحث والسعي لمعرفة ما يعاني منه جسد الامة المسلمة من آلام وجراحات عميقة ومعرفة دوائها وعلاجها، ومواساة الشعوب المسلمة التي تشكّل أعضاء هذا الجسد العظيم... كلّ ذلك جميعاً قد اودع في الحج.. في تركيب أعماله ومناسكه المختلفة.

من يدعو الى وحدة المسلمين

واليوم، فانّ أي بلد من البلدان الإسلامية يعلن صراحة مثل هذه التبنيات والمواقف، أي يرفض إسرائيل الغاصبة ويرفض التدخل الأمريكي المتغطرس، ويرفض الانغماس في الخمور والتحلل والفساد الجنسي والاختلاط، ويرفض اختلاط الجنسين، ويرفض خيانة المداهنين للصهاينة، ويدعو المسلمين الى الوحدة والمقاومة أمام القوى الكبرى والى تطبيق الأحكام الإسلامية في الحكم والاقتصاد والسياسة وغيرها من مجالات الحياة.. أي بلد يفعل ذلك سيتعرض لنفس الاعلام المعادي الموجّه اليوم ضدّ إيران الاسلام، وستمتليء الدنيا بنفس هذه التهم والسباب والشتائم ضدّ ذلك البلد وزعمائه، كما انّ وكالات الأنباء الاستكبارية والصهيونية وإذاعات أمريكا وبريطانيا ومن لفّ لفّها ستوجّه إليه نفس هذا التطبيل والتزمير، وهذا هو قول الزور الذي قرنه الله سبحانه بالشرك.

الحج فريضة وحدة المسلمين

نعم، الحج فريضة يمكن أن تحلّ بها وفيها أهمّ المشاكل السياسية للاُمة المسلمة. وبهذا المعنى فإنّ الحج فريضة سياسية ويتّضح هذا بجلاء من طبيعة هذه الفريضة وخصائصها. واُولئك الذين ينكرون ذلك ويدعون الى ما يخالفه يعارضون في الواقع حلّ تلك المشاكل. الحج  بشكل موجز  فريضة اُمة، فريضة وحدة، فريضة اقتدار المسلمين وفريضة إصلاح الفرد والمجتمع. انّها بعبارة واحدة فريضة الدنيا والآخرة.

نصيحة أئمة المسلمين بالوحدة الاسلامية

انطلاقاً من واجب النصيحة لأئمة المسلمين ذكّروا زعماء البلدان الإسلامية بمسؤولياتهم تجاه الاُمة المسلمة وتجاه إقامة وحدة المسلمين والابتعاد عن القوى الاستكبارية ذكّروهم بضرورة التوجّه الى شعوبهم والاعتماد عليها وإقامة العلاقة الحسنة بين الشعوب والحكام. واطلبوا من الله سبحانه إصلاح اُمورهم.

إن الأمة الاسلامية مدعوة الى رصّ الصفوف

إنّ الاُمّة الإسلاميّة اليوم مدعوّة إلى أن ترصّ صفوفها وتؤلّف بين قلوب أبنائها. ونحن باسم الشعب الإيراني، الشعب الّذي أثبت اقتداره وعظمته وعزّته طيلة ستّة عشر عاماً، وكمسؤولين في هذه الدولة، نمدّ يد الصداقة إلى كافّة الشعوب الإسلاميّة وستبقى هذه اليد ممدودة، وموقفنا هذا ليس ناشئاً عن ضعفنا واحتياجنا إلى الآخرين؛ ذلك لأنّ الشعب الإيراني استمدّ عظمته واقتداره وعزّته من انتمائه للإسلام.

إنّ الصداقة الّتي ندعو إليها من شأنها تعزيز الوحدة والانسجام في العالم الإسلامي، وبالتالي فهي تصبّ في خدمة مصالح المسلمين والاُمّة الإسلاميّة.

لو كانت الأمة الاسلامية متحدة لما حدث ما حدث

وفي الوقت الرهن فإنّ جميع المسلمين الّذين يأنّون تحت سياط الاستكبار، من قبيل الشعب البوسني، وشعبي فلسطين والشيشان، وشعب لبنان وشعوب الدول الإسلامية في أفريقيا وآسيا وسائر شعوب المنطقة إنّما يعانون شتّى ألوان العذاب بسبب تشرذم الاُمّة الإسلاميّة وعدم اتّحادها. وإلاّ لو كانت الاُمّة الإسلاميّة متّحدة لما حدث ما حدث، وحتّى لو حدث فإنّ تفادي هذه الأحداث سيكون سهلاً.

وهنا أقول للشعب الإيراني، أن الحمد لله الّذي وفّقكم بألطافه وبركاته ودعاء ولي الله الأعظم (عج) لأن تحافظوا على وحدتكم وانسجامكم، كما أنّ عليكم في المستقبل أن تحبطوا جميع المؤامرات بما لديكم من طاقة وقدرة وكفاءة وتحافظوا على وحدتكم هذه.

ولله الحمد فإنّ مشاركتكم الشعبيّة الضخمة وتواجدكم العظيم في الساحة يوم الثاني والعشرين من بهمن في هذا العام وفي آخر جمعة من شهر رمضان المبارك (يوم القدس) فوّت الفرصة على الأعداء وزرع في قلوبهم اليأس وأثلج صدور أنصار الثورة الإسلاميّة وأعطى للثورة ضمانة اُخرى في قبال مؤامرات الأعداء ومخطّطاتهم.

أرجو  إن شاء الله  أن تترسّخ هذه الوحدة وهذه الروح العالية وهذا النشاط، وهذه المشاركة الميدانية الفاعلة، وأن تتقوّى أواصر الحبّ والمودّة والولاء بين الشعب والدولة أكثر فأكثر، وأن يحافظ الشعب على هذا الانسجام والتفاهم والاتحاد. كما أرجو أن تذلّل جميع المصاعب والعقبات الّتي تعترض طريق الشعب وأن يكون النصر حليفكم دائماً وأبداً، وأن يقسم الله تعالى لكم حياة طيّبة كريمة تليق بكم تنعمون فيها بالحرّية.

العلماء ووحدة العالم الاسلامي

فنحن إذا لم نتعرّف على الدور الكبير الّذي قامت به شخصيّة كبيرة كشخصيّة الشيخ الأنصاري سواء في مجال الحوزة العلميّة وإدارتها، أو وحدة العالم الإسلامي، والإفاضات الّتي أفاضها الشيخ في مجال العلم والفتيا في إطار الحوزة العلميّة وصيانة الحوزات العلميّة في نفوذ الأعداء وتغلغلهم؛ لا نستطيع أن نصون هذا الحصن الروحي والمعنوي العظيم في مسيرتنا على هذا الطريق.

هذا الرجل العظيم  بالإضافة إلى ما ذكرناه  وصل إلى مراتب سامية من حيث التقوى والمعنويات، ومن الأفضل لأمثالنا أن لا يقولوا عنه شيئاً، وأن لا يحاولوا تقصّي أخبار هذا الرجل العظيم في هذا المضمار؛ وذلك لأنّنا نرى أنّ هناك من الشخصيّات الكبيرة من أمثال السيّد علي الشوشتري وملاّ حسين قلي (الهمداني) والميرزا الشيرازي (الكبير)، وآخرين ممّن تتلمذوا على يديه، يشيدون بالدرجة الّتي نالها الشيخ في الجانب المعنوي. فماذا عسانا أن نقول نحن. وأتصوّر أنّه في الحال الحاضر يجب علينا أن نقصر كلّ اهتمامنا على تبيين معالم وأبعاد شخصيّة الشيخ للعالم الإسلامي؛ كما هي واضحة لدى الخواص من علمائنا في الحوزات العلميّة. وهذا ما نحتاج إليه وينبغي التوصّل إليه.

وإلى الآن وبعد مرور 200 عاماً على الصعيد الّذي عاش فيه الشيخ وتقريباً 150 عاماً على وفاته، نجد أنّ كبار علمائنا يسمّونه الشيخ الأعظم والجميع يعتبروه شيخهم وأنّهم تلامذته ويقتاتون على مائدته العلميّة. وهذه من المسائل الّتي تسالم عليها الخواص من العلماء في الحوزات العلميّة. ونحن إذا استطعنا أن نسلّط الأضواء على هذه القمّة الرفيعة في العلم والتقوى كي يتعرّف عليها الناس، وخاصّة فيما يرتبط بالبعد الثالث لشخصيّة الشيخ، يعني الحفاظ على هيمنة وعظمة الدِّين، وكيان ووحدة الاُمّة الإسلاميّة في قبال المعاندين والمخالفين والّذين يقفون في الصف المخالف لهذه الاُمّة، نكون قد قمنا بالواجب الملقى على عاتقنا.

وحدة المسلمين في الحج لإظهار قوة التوحيد

فمن الّذي يلاحظ الحج، ويلاحظ التوحيد، ويلاحظ شعار المعنويّة في الحج، ويلاحظ وحدة المسلمين ثمّ لا يفهم بأنّ هذا الاجتماع الكبير هو من أجل إظهار قوّة الإسلام أمام الكفر، وإظهار قوّة التوحيد أمام الشرك، ووقوف التوحيد بوجه الشرك؟

نداء ابراهيم الخليل على لسان محمد المصطفى "ص" داعياً الى الوحدة

منذ أكثر من أربعة عشر قرناً ارتفع نداء إبراهيم الخليل على لسان محمد المصطفى (ص) داعياً ضيوف الرحمن لأن يفدوا كل عام في هذا الموسم على منطلق المعنوية والوحدة، وليطوفوا حول مركز التوحيد انسياقاً مع مسيرة العروج الأبدية، وليصلّوا خلف مقام إبراهيم واتجاه الكعبة المحمدية، وليسعوا بين الصفا والمروة مجسّدين سعي المؤمن الأبدي من منطلق الصفاء، وليعرفوا في عرفات صِغَرهم أمام عظمة العزيز الحق سبحانه وتعالى، وليستشعروا في المشعر الحرام الاستئناس بربّ العالمين وحبّه، وليدركوا في ظلمة ليلة الوقوف ذلك النور الأبدي؛ لتتبدّد به ظلمات وجودهم، وليرموا في منى الشيطان الأكبر.

الحج مركز للوحدة الاسلامية

حكمة الإسلام تتجلّى بأروع صورها في تنظيم هذه التجربة المدهشة الطافحة بالرموز والأسرار بشكل تستطيع هذه الفريضة لوحدها أن تصون تلاحم وترابط أجزاء الجسد الإسلامي العظيم في كل القرون والأعصار وعلى مدى اتّساع الأرض الإسلاميِّة في شرق العالم وغربه.. الجميع في مكان واحد، ودائماَ في موسم واحد سواء في عصور كان سفر عشّاق البيت يستغرق خلالها من بعض نقاط العالم سنة بأكملها، أو اليوم حيث يستطيع أعداء الا مة الإسلاميّة أن يغطّوا كلّ الكرة الأرضيّة بإعلامهم المسموم خلل فترة لا تزيد على ساعة واحدة.. أجزاء هذا الجسد العظيم المترامي الأطراف كان دائماً في حاجة الى هذا المركز حيث الشعور يسود فيه بالوحدة والقدرة والصفاء والاخوّة والمعنويّة والتوحيد والمعرفة والاطّلاع.. إن افتقد الإسلام فريضة الحج، فقد افتقد ركناً أصليّاً من أركانه وجزءاً جوهريّاً من أجزائه.

الحج في جوهره وذاته ينظوي على عنصرين: التقرّب الى اللّه في الفكر والعمل، واجتناب الطاغوت والشيطان بالجسم والروح.. كل أعمال الحج وتروكه من أجل تحقيق هذين العنصرين، وفي اتجاههما، ولتأمين ما يحتاجان إليه من أدوات ومقدّمات. ثمّ إنّ هذين العنصرين هما في الحقيقة أيضاً عصارة الإسلام وكل الدعوات الإلهيّة. قال سبحانه في الذكر الحكيم: { ولقد بعثنا في كلّ اُمّة رسولاً أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطاغوت..} (سورة النحل: آية 36). والعبارات التي نراها في آيات الحج مثل قوله سبحانه: { حنفاء للّه غير مشركين به } (سورة الحج: الآية 31)، أو { فإلهكم إله واحد فلهُ أسلموا } (سورة الحج: الآية 34)، أو {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكراً} (سورة البقرة: الآية 200)، كلّها تتجه نحو هذين العنصرين الأساسيين. التقرّب الى اللّه سبحانه يتطلّب ذكراً وصلاة وتسليماً وإحراماً وتفكيراً بالنفس وباللّه وسعياً وصفاءً لينجم عن ذلك كلّه تزويد الحاج بزاد التقوى {وتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى واتقون يا اُولي الألباب} (سورة البقرة: الآية 197)، واجتناب الشيطان الطاغوت يستلزم تطهير القلب من الشهوات والأهواء المذلّة والاستعانة بقوّة الصبر والإرادة والاستمداد ممّا في الاُمّة الإسلاميّة من قوّة عظيمة، ويتحصّل ذلك من الحركة الجماعيّة، ومن انسجام الخطى والقلوب والألسن في الطواف والسعي والوقوف في عرفات والمشعر والمبيت في منى، واستهداف الشيطان بالجمرات بشكل جماعي برميه من كل حدب وصوب وإعلان البراءة العامة منه.. ويؤدي في النهاية إلى تشابك أيدي المسلمين وقلوبهم وعزمهم من كل أجزاء الاُمّة الإسلامية وإلى الاحساس بالقدرة والأمن في ظلّ الوحدة {وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس وأمناً} (سورة البقرة: الآية 125).

بالوحدة تتنامى الصحوة الاسلامية

أيّها الشعب الإيراني، إذا كنتم تريدون أن تتنامى الصحوة الإسلامية أكثر فأكثر، وإذا كنتم ترغبون في أن يحرز الإسلام مواقع متقدمة جديدة في العالم أكثر من السابق، وأن تُقبل الشعوب غير الإسلامية على القيم المعنوية وتتعلم كيف تعيش حياة سعيدة وسليمة فعليكم أن تبقوا إلى الأبد أوفياء للمبادئ التي ناديتم بها وبقيتم أوفياء لها حتى هذه الساعة. حافظوا على وحدتكم واُخوّتكم وانسجامكم، ابقوا على التفاهم والتعاون الموجود بينكم وبين المسؤولين في الحكومة، فإنّ المسؤولين في الحكومة  وللّه الحمد  هم من العاملين ومن المخلصين ومن العناصر الخيّرة والفاعلة.

الوحدة الاسلامية امل وغاية

إنّ إحدى الصدقات الجارية للثورة الإسلامية والتي تحقّقت ببركة عبقرية الإمام الراحل (رضوان الله عليه) هي تخصيص أيام ذكرى ولادة الرسول الأعظم (ص) بالوحدة. فالوحدة الإسلامية أمل وغاية ، البعض يعيش هذا الأمل بكل وجوده، والبعض يتّخذه شعاراً فحسب دون أن يكون جادّاً في تحقيقه، وعلى أية حال هناك طرق عملية لتحقيق هذا الأمل لابدّ من التوفّر عليها.

الشخصية الاسلامية الفذة هي المحور للوحدة

الشخصية الفذّة هي المحور الأساس الذي تتمحور حوله عواطف وعقائد المسلمين كافة. وقلّما تجد مفردة من مفردات الإسلام أو حقيقة إسلامية تكون مورد اتفاق جميع المسلمين وقادرة على استقطابهم وتستأثر بكل عواطفهم كما هو الحال بالنسبة إلى شخصية الرسول محمد (ص). وأقول عواطفهم  أي عواطف المسلمين  نظراً لدور وتأثير العواطف البالغ الأهمية؛ بحيث إننا إذا استثنينا بعض الفرق الشاذّة التي لا تهتم بالجانب العاطفي والولاء القلبي ولا بمسألة التوسّل، فإنّ عموم المسلمين تشدّهم بالرسول (ص) عواطف وأواصر حبّ قوية. وبناءاً على ذلك يمكن لهذا الوجود المبارك وهذه الشخصية العظيمة أن تكون محور الوحدة التي نحن بصدد تحقيقها. ومن هنا أغتنم اليوم فرصة هذا اللقاء المبارك الذي يضمّ عدداً من كبار مسؤولي الدولة وشخصيات بارزة وفدت من أرجاء العالم الإسلامي لاُسلِّط الأضواء على مسألة الوحدة وأبحثها بالتفصيل.

الوحدة اليوم ضرورة وملحة للمسلمين

أيها الاُخوة والأخوات الأعزاء، تشكّل مسألة الوحدة اليوم بالنسبة إلى المسلمين ضرورة ملحّة وأكيدة، لأنّ أعداء الإسلام اليوم يتّصفون بصفتين لم يكونوا قد توفّروا عليهما من قبل.

الاُولى: أنّهم اليوم يمتلكون أكبر قدر ممكن من عناصر القوة، كالمال والسياسة والإعلام، كما يمتلكون كافة وسائل وآليات السيطرة والنفوذ والهجوم والمباغتة.

والآن، لنرى  أوّلاً  من هم أعداء الإسلام ؟

إنّ أعداء الإسلام يشكّلون جبهة واحدة في قبال الإسلام بدءاً بالاستكبار وعلى رأسه أمريكا والصهيونية ومروراً بشركات النفط العالمية وانتهاءاً بذوي الأقلام المأجورة والمتنوّرين الّذين يعملون لصالحهم؛ وهم مجهّزون بمختلف الوسائل والمعدات وأحدثها. ونظرة سريعة إلى تأريخ الصراع المحتدم بين الإسلام والقوى المضادة تثبت أنّ القوى المضادة لم تكن في يوم من الأيام مجهزة بكلّ هذه الإمكانيات والمعدات وعناصر القوة كما هي عليه اليوم.

الصفة الثانية: أنّ هذه الجبهة المناوئة للإسلام حساسة وبشدة تجاه الخطر الإسلامي الذي يهدّدها أكثر من أيّ وقت مضى. ومنشأ هذا التحسّس أنّها ترى الإسلام قد خرج عن كونه مجموعة وصايا أخلاقية وأصبح تياراً فكرياً له نظامه الخاص به.

لقد شاهد أعداء الإسلام باُمّ أعينهم أنّ الإسلام استطاع أن يحدث ثورة ويوعّي شعبنا ويخرجهم من مواقع الهزيمة ويرسّخ ثقتهم واعتزازهم بدينهم وأنفسهم، كما شاهد كيف استطاع الإسلام أن يؤسّس نظاماً يتمتع بالاستقرار والثبات، وبالإضافة إلى هذا وذاك رأى كيف أنّ الإسلام بمقدوره أن يمنح القوة والعزيمة والاقتدار لشعب بحيث لا تؤثّر فيه كافة الوسائل والمعدات التي أشرنا إليها.

الوحدة مشروع عمل صعب ومعقد

واليوم فإنّ الأعداء يبذلون جهوداً حثيثة ومتواصلة في المجال السياسي ليحقّقوا أغراضهم الخبيثة. وأنا من موقعي هذا أرى وأعتقد بأنّ وحدة المسلمين تعدّ ضرورة حيوية وليس شعاراً ولا من البطر في شيء.

أقولها جاداً إنّ على المجتمعات الإسلامية أن توحّد كلمتها وتسير باتجاه واحد، وبالطبع فإنّ مسألة الوحدة مسألة معقدة وليست بالسهلة، فالوحدة مشروع عمل صعب ومعقد.

إنّ الاتحاد بين الشعوب الإسلامىة لا يُلغي الاختلاف الموجود ولا الفروق الموجودة في الآداب والتقاليد المتبعة في المجتمعات الإسلامية، كما أنّه لا يلغي الاختلافات الموجودة في الاجتهادات الفقهية. ومعنى أن تتحد الشعوب المسلمة هو أن تتخذ موقفاً موحداً فيما يخصّ مجريات ومسائل العالم الإسلامي، وأن تتعاون فيما بينها، ولا تهدر ثرواتها في فتن وصراعات داخلية.

ومن هذا المنطلق يمكن أن نعتبر شخصية الرسول الأعظم المحور الأساس للوحدة، ولذا ينبغي على المسلمين خاصة مثقّفيهم أن يتمحوروا حول شخصية وتعاليم هذا الرمز الكبير والحب والولاء له.

اهل البيت محوراً ومنطلقاً للوحدة

ومن الشواخص الاُخرى التي يمكن أن تكون محوراً ومنطلقاً للوحدة هم أهل بيت النبي (عليه وعليهم السلام) الذين هم محل اتفاق وإجماع كافة المسلمين. إذ أنّ كافة المسلمين يقرّون بلزوم اتّباع نهج أهل البيت، سوى أنّ الشيعة يعتقدون بإمامتهم، وأمّا غير الشيعة فلا يقولون بإمامتهم بحسب الإصطلاح الشيعي، ولكنهم يذعنون أن أهل البيت هم من أعاظم المسلمين وكبارهم، وأنّهم أقرب الناس إلى رسول الله (ص)، وأنّهم أكثر الناس اطّلاعاً واستيعاباً للمعارف والأحكام الإسلامية. ومن هنا يتحتّم على المسلمين أن يتّفقوا على صعيد العمل بكلمات وأحاديث أئمة وأهل البيت (عليهم السلام) . هذا الاتفاق بشأن كلمات وأحاديث أهل البيت أحد طرق الوصول إلى الوحدة.

وهو بالطبع أمر صعب وشاق ويحتاج إلى مقدمات، ولا يعلم مقدمات هذا الأمر إلاّ أهل الفن من أهل الحديث والعلوم المتعلّقة بالحديث، إذ توجد هناك ملاكات ومعايير لصحة الحديث، وملاكات لفهم وتلقّي الحديث ينبغي أن يتم التوافق بشأنها، كما أنّه يجب أن يتّفق في خصوص رجال الحديث.

الوحدة بين السنة والشيعة مسؤولية العلماء

ومن هنا بات من الضروري على علماء المسلمين من كلا الطرفين أن يتصدّوا لتحمّل مسؤولية تهيئة مقدمات الوحدة والعمل على إنجاح مشروع الوحدة هذا.

أيها الاُخوة والأخوات، يسعى العدو ومن أجل بثّ الفرقة والاختلاف إلى استغلال اُناس سذّج طيّبي القلب من الشيعة ومن السنة على حدّ سواء، وقد تحدث إثر ذلك حركة في المجتمع الشيعي من شأنها استثارة المسلمين غير الشيعة، وقد تحدث حركة من هذا القبيل أيضاً في المجتمع السني تثير الشيعة وتنفّرهم. والسؤال المطروح هنا هو: من وراء مثل هذه الحركات؟

واليوم إذ يقف الأعداء في صف واحد ضدنا، فإنّ مسألة الوحدة تتخذ أهمية قصوى؛ علماً بأنّ هناك قواسم مشتركة كثيرة يمكن أن تشكّل الأرضية المناسبة للوحدة، منها أنّ كتابنا واحد، وسنّتنا واحدة، وقبلتنا واحدة.

وبالطبع توجد هناك ثمة فروق واختلافات وهي طبيعية جداً شأنها شأن أي اختلاف يمكن أن يحدث بين عالمين؛ أضف إلى ذلك أن هناك عدواً واحداً يهدّد العالم الإسلامي؛ بما يجعل من مسألة الوحدة بين المسلمين مسألة في غاية الأهمية. ولذلك يجب أن يُتعامل معها بجدية. إنّ التأخير بمسألة الوحدة يعدّ خسارة كبيرة بالنسبة للعالم الإسلامي؛ خصوصاً في هذه الأيام الحسّاسة التي قد تترك آثاراً كبيرة على المستقبل.

الله هو الذي وحد القلوب

اللّه تعالى هو الذي وحّد الإرادات وقرّب بين الأفئدة وأحبط مؤامرات التفرقة والعداء. ولو قدّر لإحدى هذه المؤامرات التي تهدف إلى التفرقة أن تثمر آنذاك لكان وضع البلد أشبه بوضع البلدان التي ربما رأيتموها وسمعتم عنها والتي يتقاسمها فريقان متخاصمان يعرّضانها إلى الدمار والفناء.

إنّ ما نحن عليه اليوم من وحدة الإرادة والتقدم والقيام بالمشاريع والإنجازات والتوفيق الإلهي كل هذا إنّما هو بلطف اللّه تعالى وعنايته، وهذا لا يعني أننا نريد أن نغفل الدور الفاعل والمهم للشعب في هذا المجال والذي يتمثل في تأييده التام ودعمه للمسؤولين وللثورة، وهو من تلمسه اليوم كواقع معاش؛ ولذا لابدّ من الاحتفاظ بهذا الدعم والتأييد. وللّه الحمد فأنتم  أعضاء الحكومة  تتصفون بالشعبية وتنتمون إلى الطبقة المتوسطة في المجتمع وبعيدون كل البعد عما يتصف به المترفون من غرور وتكبّر، بل أنتم متواضعون وتعيشون كما يعيش أبناء الشعب، وهذه نعمة كبيرة يجب الحفاظ عليها وترويجها. وإذا كان هناك من سلك طريقاً غير هذا وشذ عن هذا المسار فعليكم أن تتصدّوا له وتقوّموا فيه هذا الانحراف.

الامة الاسلامية تتمتع بوحدة وانسجام

في الحديث عن الإمكانات لابدّ أن نبدأ من أنّ سكان العالم الإسلامي يبلغ ملياراً وبضع ملايين من المسلمين ينتشرون في أكثر من خمسين بلداً، وعلى أرض مترامية الأطراف تمتد بين المحيطين الهادي والأطلسي.

وبين هذا العدد الضخم من البشر توجد شعوب اشتهرت بالفطنة والذكاء ولها حضارات ذات جذور ضاربة في أعماق التاريخ تمتد لآلاف السنين، وشخصيات علمية وسياسية مرموقة. هذه المجموعة البشرية المسماة بالاُمة الإسلامية تملك ثقافة غنية وتراثاً ثرّاً وطاقات خلاقة باهرة استثنائية. وهي إلى جانب تنوّعها وتعدّديتها تتمتع بوحدة وانسجام عجيبين ناشئين من تجذّر الإسلام والتوحيد الخاص والخالص في حياتها بكل ما في هذه الحياة من أجزاء وأركان ومنعطفات.

هذه الشعوب المتآخية المتعاطفة بعناصرها السوداء والبيضاء والصفراء وبلغاتها المختلفة، ترى نفسها أجزاء متساوية لهذه الاُمة الإسلامية الكبرى، وتفخر بذلك، وتتجه كل يوم نحو مركز واحد لتدعو اللّه بلغة واحدة، وتستلهم جميعاً من كتاب سماوي واحد، وهذا الكتاب فيه تبيان كل الحقائق ومنهج كل احتياجاتهم وواجباتهم.. {ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهديً ورحمة وبشرى للمسلمين}.

إنّ المنطقة الجغرافية لهذه المجموعة البشرية هي من أغنى  إن لم نقل أغنى  أصقاع المعمورة في مصادرها الطبيعية، وفيها بشكل خاص مصادر النفط المحركة لعجلات المدنية في العالم. أي أنّ هذه المجموعة لو قطعت نفطها لأشهر عن الزبائن، فإنّ قسماً كبيراً من العالم بما فيه البلدان التي تقدّم منذ قرون ولا تزال تقدّم مقدّرات الشعوب المسلمة قرباناً على مذبح أطماعها وتجبّرها، ستغطّ في زمهرير وحيرة وظلام.

وعلاوة على ذلك فإنّ قائمة إمكانات الاُمة الإسلامية تشتمل على مئات العناوين الضخمة في الحقول الإنسانية والثقافية والمادية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية ممّا لا يخفى على كل من ألقى السمع وهو بصير.

النبع الفياض للوحدة

إذا التفتت البشرية اليوم إلى هذه الرحمة  رحمة وجود الإسلام، ورحمة التعاليم النبوية، وهذا النبع الفيّاض للوحدة  وأدركتها وارتوت من معينها، فسوف تزول أكبر معضلة يواجهها الإنسان. وعلى الرغم من أنّ حضارات العالم اليوم قد استفادت  بلا شك  من تعاليم الإسلام، ولا ريب في أنّ الكثير من الصفات الحميدة والخصال الرفيعة والمفاهيم السامية السائدة بين الناس مستقاة من الأديان الإلهية وتعاليم الأنبياء والوحي السماوي، ويعزى قسم كبير منها إلى الإسلام، إلاّ أنّ البشرية بحاجة اليوم إلى المعنوية والصفاء والمعارف الواضحة والحقّة والسمحاء للإسلام التي يفهمها ويميل إليها كلّ قلب منصف، ولهذا السبب وجدت الدعوة الإسلامية أنصاراً كثيرين لها في العالم، واستجاب لها الكثير من غير المسلمين.

الوحدة في الدين الاسلامي الحنيف أصل أساسي

إنّ أوّل ما يتبادر إلى الذهن في كل هذه التجمعات الحاشدة التي تحصل في بلدنا وتجلس فيها مختلف طبقات الشعب إلى جانب بعضها، وتسير بهدف واحد، وتردد شعاراً واحداً  وأمثال هذه الاجتماعات، والحمد للّه، غير قليلة  هو المظهر الجميل للوحدة والتلاحم والمشاركة الجماهيرية. وهذا ما ينبغي للشعب الإيراني معرفة قيمته. فكل ما ناله الشعب الإيراني أنّما كان على أثر هذه الوحدة، وفي ظل هذا التلاحم وهذا الإنسجام بين الشرائح المتباينة وأهالي المناطق المختلفة.

الوحدة في الدين الإسلامي الحنيف أصل أساسي، ابتداء من الذات المقدسة للباري تعالى  التي هي أصل ومظهر الوحدة والوحدانية  وإلى آثار هذه الوحدة؛ حيث يتّجه كل عالم الوجود نحو ذلك المركز العظيم والسامي {كل إليه راجعون}. والجميع سائرون نحو الذات الإلهية المقدسة {إلى اللّه المصير}.

الوحدة هي الحجر الاساس في التصور الاسلامي

فحركة عالم الخلقة متجهة إلى الباري عز شأنه. وفي الرؤية الإسلامية تنحصر حركة وصيرورة الإنسان وبقية الموجودات بالسير نحو اللّه، أي على الرغم من اختلاف الأصناف والأنواع، والتفاوت الظاهري في الدوافع، وتنوع المواطن الجغرافية، وتباين العناصر المكوّنة للموجودات، وما تتميّز به من تفاوت فيما بينها، على الرغم من كل هذا التنوع الظاهري، إلاّ أنّ عالم الخلقة يسير بأجمعه كالقافلة الواحدة نحو غاية واحدة، هو اللّه تعالى.

إنّ سعادة كل إنسان رهينة بمعرفته لتلك الغاية ومطابقة سلوكه الاختياري معها. ويكمن شقاء وتعاسة كل امرئ في جهله لتلك الغاية وعدم التوجه بسلوكه الفردي ومشاعره ومجمل تصرفاته في سياق هذا المسار العام والمتّسق والشامل لجميع العالم، على أنّه سيُصفع بضربته. ومثل هذه الوحدة هي الحجر الأساس في الرؤية الكونية والتفكير والتصور الإسلامي عن عالم الوجود.

رسالة الاسلام هي الوحدة

رسالة الإسلام هي الوحدة والأمن والتآخي. لأميرالمؤمنين (عليه الصلاة والسلام) قول خالد يشمل جميع بني الإنسان، وهو أنّ الإنسان «إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق». وهو على كل حال إنسان، وعلى الناس جميعاً أن يتحدوا ويتحابوا.

وهذا لا يختص بفئة دون اُخرى، لذلك امر الإسلام أتباعه بالإحسان حتى لمن لا يدين بدينهم: {لا ينهاكم اللّه عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ اللّه يحب المقسطين}.

هذا هو منطق الإسلام، أي إنّ من لا يتماشى معك فكرياً ولديه معتقد آخر فليس هنا موضع مجازاته على عقيدته، وأمره ليس من شأنك. «فالحكم للّه والموعد القيامة». وهذا أيضاً من أقوال أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأنت في مقابل إنسان، يشترك معك في العقيدة فهو أخ لك في الدين، أو آخر لا يشترك معك في العقيدة فهو نظير لك في الخلق.

لكن هذا الاتحاد وهذه الاُخوة تتضمن استثناءً واحداً فقط، وهو وجوب التصدي بشدّة لمن يخلُّ في هذه الحركة الصحيحة: {اشداء على الكفار} وهذه الشدّة تختص بهذا الموضع. أمّا على نطاق الشعب الإيراني فعلى جميع الشرائح الاجتماعية أن تنظر من هذه الزاوية إلى بعضها الآخر وإلى أهداف هذا النظام المقدّس، وإلى هذا البلد الإسلامي الذي هو موضع أمل مسلمي العالم، أي أن يكون الجميع اخوة متحابين ومتعاطفين، ولهم حقوق أمام ارادة وحكم اللّه  الحاكم على هذا البلد.

اللهم اجمع قلوب المسلمين على الوحدة

اللهم بحق محمد وآل محمد لا تخيّب رجاء هذه الأيدي التي تمتد هذه الأيام إلى باب لطفك . اللّهم اقضي حاجات أبناء هذا الشعب وحاجات جميع الداعين والمستغفرين والذاكرين . اللّهم وتفضل على جميع الناس بازالة كل المعضلات والمشاكل من حياتهم . اللّهم اجعل بلدنا وشعبنا وقلوبنا علوية ، واجعلنا أتباع صدق لأميرالمؤمنين (ع) وعرّفنا عظمة منزلته ، واغفر خطايانا ، واغفرلنا الذنوب التي تمنع نزول الرحمة . اللّهم نقسم عليك بمحمد وآل محمد ان تجعل قلب إمام العصر راضٍ عنا ، واجعلنا ممن يشمله دعاءه . اللّه بحق محمد وآل محمد عجل فرجه واجعلنا من جنده في غيبته وعند ظهوره ، واجعل موتنا قتلاً في سبيلك . اللّهم نسألك بحق محمد وآل محمد ان تكتب النصر والعزّة لجميع المسلمين في جميع أرجاء العالم ، واخذل أعداء شعبنا واجعل بأسهم بينهم . اللّهم اخذل والعن أعداء الإسلام والمسلمين بأي شكل وبأي ثوب كانوا . اللّهم واجمع قلوب المسلمين اينما كانوا على الوحدة ،واقطع الأيدي الداعية إلى الفرقة .

الشعوب الاسلامية كان يسودها شعور بالتآخي والتآزر

الشعوب الإسلامية كان يسودها شعور بالتآخي والتآزر ضد العدوان الواضح والصريح الذي يشنه الصهاينة على أي بلد إسلامي . فحطّموا مشاعر التآزر هذا ، وقضوا على هذا الشعور بالتآخي ، وقوّضوا هذا الهدف الاُم ، وسعوا لاشاعة سوء الظن لدى البلدان الإسلامية ازاء بعضها الآخر ، بنمط معين لدى الحكومات ، ولدى الشعوب بنمط آخر .

الاسلام ذخيرة للارتباط والوحدة

من البديهي انَّ الشعوب لا تشكّل أية معضلة في هذا المضمار ، وانما المعضلة معضلة الحكومات . فلو نظرت البلدان الإسلامية إلى قضية بسيطة يلتفت إليها كل عاقل ، وهي ان العاقل يستثمر مالديه من ذخائر وامكانيات متاحة . والإسلام ذخيرة بيد الحكومات الإسلامية  وإن لم تكن متمسكة به كما ينبغي  وهو يحدوها إلى استشعار معاني الارتباط والوحدة ، ويفرض حضور مليار وعدّة مئات من ملايين المسلمين في القضايا المختلفة في العالم الإسلامي .

الاهتمام بالمحور الوحدوي في الاسلام

وعلى هذا فان مثل هذا الاتحاد في مواقف العالم الإسلامي والاهتمام بالمحور الوحدوي في الإسلام ، انّما هو لصالح العالم الإسلامي بأسره ، بل يجني من ورائه الآخرون منفعة أكبر . كما انكم تلاحظون ان القرآن الكريم يقول: {واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرّقوا} أي حتى الاعتصام والتمسك بحبل اللّه الذي يبدو وكأنه علاقة فردية بين العبد وربّه ، يقول عنه «جميعاً» أي يتعين عليكم الاعتصام بحبل اللّه سويّة . أي ان الجانب الاجتماعي ووحدة الامة الإسلامية تحظى بهذا النصيب من الاهتمام في رأي الإسلام .

القرآن يدعوا الى الوحدة

والقرآن يؤكد على حقيقة مفادها؛ إنّ الشعب إن تمسك بالإسلام والنهج الإلهي ، ووحدته وتلاحمه ، والحافز الذي دفعه منذ اليوم الأول للسير على طريق اللّه والقرآن ، إن تمسك بالصبر والصمود والحكمة والوعي  الذي أبداه هذا الشعب  فانّه سيكون بازاء ذلك كله فشل المكائد والدسائس والمؤامرات والتحالفات المعادية .

الملايين تستشعر الوحدة في الحج

قال اللّه الحكيم: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى وعهدنا إلى ابراهيم واسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} (البقرة/125) .

بيت اللّه الحرام هذه الأيام يستضيف مرة اُخرى حشود القلوب المتلهفة المشتاقة التي هوت إلى كعبة الآمال من كل فج عميق . . حيث الملايين تستشعر الوحدة والوئام في ظل عبودية اللّه الواحد القهّار.

الحج قدرة وعزة ووحدة

في الجانب الاجتماعي ، الحج فريضة فريدة بين جميع الفرائض الإسلامية ، لأنه مظهر قوة الاُمة الإسلامية وعزّتها واتحادها ، ولا ترقى إليه أية فريضة اُخرى في القدرة على تلقين الأفراد دروساً وعبراً بشأن الاُمة الإسلامية والعالم الإسلامي ، وعلى تقريبهم روحاً وواقعاً من القدرة والعزّة والوحدة . وشلُ هذا الجانب من الحج انما هو غلق نبع يفيض على المسلمين بمنافع لا يمكن تحققها من أية وسيلة اُخرى.

الوحدة الاسلامية تذيب قلب كل مستكبر

الاُمة الإسلامية الكبرى أكبر سند للعالم الإسلامي ، أي ان الشعوب المسلمة بوحدتها وتلاحمها وتفاهمها وصرخة اعتراضها المدوية وقدرة تفكيرها وسواعدها العاملة وثرواتها الطبيعية الموهوبة ، تذيب قلب كل مستكبر ، وتصمّ اذنه وتقصم ظهره .

الحج يعرض لنا مظهراً ونموذجاً لهذا السند العظيم الأشمّ اللامتناهي.

ارساء اسس الوحدة بين مذاهب المسلمين

أمّا ما يتعلق بعالمنا الحالي فثمة نقطة أؤكد عليها دوماً، وهي وجود مركز مشترك بين المذاهب الإسلامية  إذ يعاني المسلمون اليوم من كثير من المصائب والمعضلات وعليهم استغلال كل وسيلة لاستنقاذ أنفسهم منها  والحال أن هذا المركز وهذه النقطة لا يختلف فيها اثنان. فحتى عقيدة التوحيد المتفق عليها قد يكون للبعض فيها تفسير ورأي لا يقبله الآخر، ولكن هذه النقطة لا اختلاف بشأنها بين الفرق الإسلامية، وتلك هي محبة وموالاة رسول اللّه محمّد بن عبداللّه (ص). هذه نقطة اتحاد وتكاتف وينبغي العمل من أجلها. وقد سبق لنا وان ذكرنا هذا، وهو ما سعى بعض أصحاب الهمّة على أساسه لإرساء أُسس الوحدة بين مذاهب المسلمين، والآن أيضاً يجب على المجدّين أن يركّزوا أنظار المسلمين على هذه النقطة الوحدوية.

قضية الوحدة واتحاد المسلمين

أُشير بمناسبة بركة هذا المولود إلى قضايا ذات صلة بالعالم الإسلامي، ومنها ضرورة تفهّم المسلمين لوضعهم الحالي وادراك المخططات الرهيبة التي يضمرها أعداء الإسلام لمستقبل المسلمين. فبالاضافة إلى ما تم انجازه إلى الآن، فانَّ مجرد تفهّم الأوضاع ينبغي أن يكون كافياً لدفع ذوي الضمائر الحيّة للتفكير في سبل العلاج. والعلاج ليس أمراً بسيطاً ولا هيّناً، إلاّ أنّه ينطوي على نقطتين أو ثلاث نقاط أساسية. أولها: قضية الوحدة واتحاد المسلمين.

قضية اتحاد المسلمين هذه، يجب على جميع الفرق الإسلامية  شيعية وسنية، سواء المذاهب المختلفة لأبناء السنة، أو المذاهب المختلفة لأبناء الشيعة  أن تأخذها مأخذ الجد. والوحدة الإسلامية معناها واضح؛ إذ ليس المراد منها تذويب كل المذاهب في مذهب واحد، فالبعض يرى ان طريق الوحدة يتلخص في رفض المذاهب، إلاّ ان رفض المذاهب لا يحل المشكلة، بل يحلّها اقرار المذاهب القائمة حالياً.

آن الأوان للحفاظ على الوحدة الاسلامية

لقد آن الأوان ليعود العالم الإسلامي إلى رشده، وانتهاج طريق الإسلام باعتباره الطريق الإلهي القويم وسبيل النجاة، والسير على هديه بكل قوّة.

لقد آن الأوان لكي يحافظ العالم الإسلامي على وحدته، ويقف صفاً واحداً بوجه العدو المشترك أي الاستكبار والصهيونية الذي ذاقت جميع الفرق الإسلامية ضرّها وأذاها، ويهتف بشعار واحد، ويسير على نهج اعلامي واحد، ويسير على طريق واحد، وعندها يكون الباري تعالى في عونهم، ويسيرون قُدماً مُسَدّدين بالقوانين والسنن الإلهية.

المؤتمرات الاسلامية تعكس وحدة المسلمين

لاحظتم المؤتمر الإسلامي الذي أعزَّ الأُمة الإسلامية والشعب الإيراني العزيز وتجسدت فيه الآية الشريفة: {من كان يريد العزّة فانَّ العزّة للّه جميعاً}، وجعلت يد القدرة الإلهية الشعب الإيراني والحكومة الإيرانية والمسؤولين في هذا البلد يتألقون على صعيد العالم كالشمس الساطعة والمشكاة المنيرة. ورغم أنف أمريكا كان هذا المؤتمر الرائع الذي عقد هنا سبباً لفشل جميع السياسات الأمريكية بشأن إيران.

ولما شاهدوا ان هذا المؤتمر يعكس وحدة وتلاحم المسؤولين مع أبناء الشعب وتعاونهم المخلص اضافة إلى الكفاءة الادارية والقدرة على انجاز مهام كبرى ومعقّدة، فماذا بقي أمامهم أن يصنعوا؟ لم يكن أمامهم إلا اختلاق الاشاعات وبث الفرقة. فقد دأبوا منذ اليوم الأول لانعقاد المؤتمر وحتى اليوم على بث الاشاعات. ومن الطبيعي ان أحداً لا يصغي لهم ولا يكترث لما يقولون لأن جميع الشواهد والقرائن والنصوص وكل شيء على خلاف تلك الاشاعات. إلا انهم مع ذلك لا يكفّون عن فعلهم هذا.

من الواضح انهم يعيرون أهمية قصوى لقضية الاختلاف. وأنتم يجب عليكم السير في الاتجاه المعاكس لهذا التيّار. فحاولوا وقبل كل شيء ان لا يكون ثمّة اختلاف. ثمّ ركزوا مساعيكم على ان لا تكون هناك اشاعات عن وجود اختلاف لكي لا يغذيها العدو أو يضخّمها، فالذين يضخّمون اشاعات الاختلاف في الداخل كمن يؤججون نيران الاختلافات.

على المسلمين توحيد الامة الاسلامية

احدى البركات التي منَّ بها الباري تعالى على المسلمين هو أن جعلهم يلتفّون حول محاور مشتركة مقبولة لديهم. وإذا ما توفرت مثل هذه الغاية لمجموعة ما، فعليهم ان يعتبروها مِن نعم اللّه التي توجب الشكر. وعلى هذا الأساس نعتقد اعتقاداً جازماً أن الأمّة الإسلامية الكبرى والاخوة والأخوات المسلمين من أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة يجب أن لا يدعوا الاختلاف يدخل في تعاملهم مع بعضهم، وان ينظروا بعين الاهتمام إلى المشتركات التي تجمع بينهم، ويلتفوا حول بعضهم.

لقد حملت الثورة الإسلامية هذا النداء إلى جميع المسلمين حتى قبل انتصارها. وطفقت من بعد انتصارها حتى يومنا هذا تؤكد وتوصي وتطلب من جميع الاخوة المسلمين في مختلف بقاع العالم أن يعملوا على توحيد وتلاحم الأمة الإسلامية بعيداً عن الاختلافات العقائدية والمذهبية والكلامية والفقهية، ويقفوا صفّاً واحداً بوجه العالم الذي يناهض الإسلام بشدّة، ويسخّروا ما يبلغونه من وحدة وعظمة لصالح الإسلام والمسلمين.

ومن هذا المنطلق جاء اجتماع الاخوة من أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام)؛ إذ أنه لم يأتِ في سبيل مجابهة غيرهم من المسلمين أو لاصطناع الحواجز بين أتباع المذاهب الفقهية والكلامية، وانما جاء في سبيل الحفاظ على كيان اتباع أهل البيت.

معنى الوحدة والتكاتف الديني

سبق لي وان ذكرت عدّة مرّات، وأؤكد اليوم أيضاً على نقطة أساسية وحيوية ترتبط بها القضايا الحسّاسة والمصيرية للأمة الإسلامية، وتلك هي ان الولاية كصفة للحكومة في الإسلام وكمؤشر يميز النظام الاجتماعي والسياسي في الإسلام، لها معنيً دقيق وذو مغزى، يعكس المعنى الأصلي للولاية، وذلك هو الترابط والتلاحم والانسجام والتداخل، والذي تتداعى على أثره إلى الاذهان معاني الوحدة والتكاتف والعمل الموحد والتضامن ووحدة الطريق والهدف، والاتحاد في كل الشؤون السياسية والاجتماعية.

الولاية تعني الترابط: {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتّى يهاجروا}. أي ان هذا الترابط بين أفراد المجتمع الإسلامي يحصل بالهجرة، وليس بالإيمان وحده. فالترابط الولائي الذي يعد ظاهرة سياسية واجتماعية وموقفاً مصيرياً في الحياة يتحقق بالجهد والحركة والهجرة والعمل المشترك والموقف الموحّد. ولهذا لا يكون الولي في النظام الإسلامي بمعزل عن الأمة. فالولاية تعني التلاحم والانسجام والترابط، كما وتعني في أحد أبعادها المحبة، وتعني في موضع آخر التآزر والتعاون. وهذه المعاني كلها تمثّل في الواقع مصاديقاً للارتباط والتضامن والاتحاد والوحدة؛ أمّا المعنى الحقيقي فهو الاتحاد والتلاحم.

إذا نظرنا إلى المجتمع الإسلامي بهذا المنظار، تتخذ الوحدة الاجتماعية والوحدة السياسية والوحدة المعنوية والروحية والعملية أبعاداً عميقة تبلور أمامنا معاني الكثير من المعارف الإسلامية كالسير باتّجاه مركز عالم الوجود، وباتجاه ولاية اللّه؛ فذرات الوجود كلها  شاءت أم أبت  تدور في اطار ولاية اللّه. والإنسان الواعي الذي يحسن الاختيار، يختار الولاية الإلهية ويسير في مسارها، وينال محبة اللّه ويمتلئ بها قلبه.

امير المؤمنين "ع" رمز الوحدة الاسلامية

وكما تعلمون فإن أميرالمؤمنين(صلوات اللّه وسلامه عليه) تجسيد لتلاحم الزعيم السياسي والولي والإمام مع أفراد الشعب. ولا يمكن العثور في العالم كله وعلى مدى التاريخ على مثال أوضح من أميرالمؤمنين، علي ولي اللّه، وهذا هو المعنى الحقيقي للولاية. وقد استطعنا منذ انبثاق نظام الجمهورية الإسلامية المقدّس ان نحقق طموحاتنا بفضل ما كان بين أبناء شعبنا من وحدة واتحاد.

إعلموا يا أعزائي ان الشعب الإيراني لو لم يكن متّحداً تحت راية الإسلام وتوجيه تلك النفس الطيّبة والقلب الواعي لما أُتيح لهذه الثورة النهوض بعبء ما جابهته من مشاكل، وبلوغ بر الأمان بسلام. إذ ان ما وقع في أوائل الثورة على يد التيارات السياسية والأحزاب وعناصرها الخفية، وما جرى في فترة الحرب، وما قامت به الأدوات الثقافية، وما أفرزته الضغوط الاقتصادية والسياسية ضد هذا الشعب، كان الشيء الوحيد الذي مكّن هذا الشعب من التصدّي لها والاستقامة مع ثقل تلك المشاكل والنهوض بسلام واقتدار، وتجاوز تلك المشاكل العويصة، هي الوحدة العظيمة لهذا الشعب وارادته ووعيه.

دور التوحيد والوحدة

قال أحد الأكابر قبل بضعة عقود خلت: «بُني الإسلام على دعامتين؛ كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة» والثانية تعود إلى الأُولى؛ بمعنى ان وحدة الكلمة تدور حول محور التوحيد. ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى هذا الشعار، أي ان نعود إلى كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة.

يجب على المسلمين توحيد الكلمة

كلّما توغلنا في السير على طريق التوحيد وعلى طريق عبودية اللّه، انجلى عنا شر الطواغيت ومَن اتخذو أنفسهم انداداً للّه تعالى، أكثر فأكثر. والشعب الإيراني كلّما قطع شوطاً أطول في السير على نهج التوحيد، أضحى أكثر أماناً من لسان ويد أمريكا وغيرها من مستكبري العالم، وفي راحة من أوامرهم ونواهيهم. هذه هي ميزة التوحيد والعبودية للّه. لأن المرء إذا أصبح عبداً للّه، يجد ان العبودية للّه لا تتسق ونهج العبودية للآخرين. هذا هو الركن الأول في المقولة التي ذكرناها .

أما ركنها الثاني فهو توحيد الكلمة؛ إذ يجب على الشعوب الإسلامية أن تتحد فيما بينها، فاحدى المصائب الكبرى التي يواجهها العالم الإسلامي اليوم هو ان العدو جعل ما ينبغي ان يكون مدعاة لوحدة المسلمين پوذلك هو وجود الكيان الصهيوني الغاصبپ سبباً لاختلافهم وفرقتهم. ودفع بعض الدول الإسلامية إلى اتخاذ ذلك كذريعة لمجابهة اشقّائهم، وإلى بروز اختلافات حقيقية في ما بينهم. في حين كان ينبغي ان يكون وجود مثل هذا العدو في قلب الأمة الإسلامية سبباً لتقارب المسلمين وتشكيل جبهة واحدة تجعل منهم يداً واحدة. لكن الذنب في هذا يعود إلى تدخّل وألاعيب الاستكبار. فلو لا دعم الاستكبار، وعلى رأسه أمريكا لغاصبي فلسطين والارهابيين الدوليين المتمركزين في قلب البلاد الإسلامية پوأعني بهم الحكام الحاليين لدويلة اسرائيل اللقيطةپ لما كان لإسرائيل أن تبقى لا في الماضي ولا في الحاضر.

الحج مظهر وحدة وانسجام الامة الاسلامية

إنّ الحج  من ناحية  مظهر المعنوية والارتباط بالله ومعرفة القلوب بآيات الله والتقرب إليه قدر المستطاع، كما أنه  من ناحية ثانية  مظهر وحدة وانسجام الأمة الإسلامية ورفع الحواجز والحجب ورأب الصدع الذي أوجدته أيادي الأعداء أو عوامل التعصب والوهم، وكذلك اتخاذ خطوة نحو أمة إسلامية واحدة، ومن ناحية ثالثة فهو مظهر للبراءة من أعداء الله والبراءة من المشركين وأيادي الشرك والكفر. فلو تجسّدت هذه الأبعاد الثلاثة في الحج بإذن الله لحقّق الحج فائدته المرجوة سواء بالنسبة لكم أيها الحجاج أو بالنسبة للعالم الإسلامي والمجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية. 

نداء الاسلام والوحدة الاسلامية

وعلى الرغم من هؤلاء فإن نظام الجمهورية الإسلامية منذ أكثر من عشرين عاماً لم يتوقف لحظة عن نموه وشموخه وثباته، وهو اليوم أقوى من أي وقت مضى يرفع نداء الإسلام والوحدة الإسلامية والعزة الإسلامية بنفس الاندفاع الأول، وهذا هو مبعث كل فزع الأعداء وهلعهم. 

على الحجاج الحفاظ على الوحدة

أسأل الله سبحانه أن يجعل ذلك اليوم قريباً، وأطلب منكم أيها الحجاج المحترمون أن تدعوا الله أن يفرج عن المسلمين أينما كانوا وأن يكون عوناً للشعب الإيراني المجاهد، وأهيب بالحجاج الإيرانيين الأعزاء أن يسعوا لكسب المزيد من العطاء المعنوي ولحفظ الرزانة والوحدة والاشتراك في الجماعات والتزود بالقوة الروحية والأخلاقية.

الغدير روح الوحدة

إنني تحدثت حول “الوحدة الوطنية” و”الأمن القومي” في بداية العام الجاري، واليوم أريد أن أتحدث إليكم باختصار أيّها الأعزاء وإلى جميع الشعب الإيراني حول هذين الشعارين. إن قضية الغدير بوسعها أن تكون روح الوحدة، وقد كتب المرحوم آية الله الشهيد المطهري مقالاً حول ذلك بعنوان “الغدير والوحدة الإسلامية”، حيث اعتبر كتاب الغدير  الذي يعالج قضايا الغدير  أحد محاور الوحدة الإسلامية، وهو رأي صائب.

ومن الممكن أن يكون ذلك أمراً عجيباً، ولكن هذه هي الحقيقة؛ لقد طرح أصل قضية الولاية التي لا خلاف فيها بين شيعي وسنّي في حادثة الغدير، وبغض النظر عن الجانب الاعتقادي لدى الشيعة من تنصيب الرسول لأمير المؤمنين كما هو واضح في حديث الغدير. فلو رفع مسلمو العالم وشعوب الدول الإسلامية شعار الولاية الإسلامية اليوم لانفتحت شتّى المغاليق وحُلّت كافة المعضلات التي تعاني منها الأمة الإسلامية ووجدت مشكلات العالم الإسلامي طريقها إلى الحلّ.

إن قضية الحكومة والنظام السياسي والحاكمية السياسية لَمن أعقد قضايا العالم؛ فبعض الدول تعاني من الاستبداد والدكتاتورية، وبعضها تعاني من الحكومات الفاسدة، بينما يعاني البعض الآخر من الحكومات الضعيفة، والبعض من الحكومات العميلة؛ فلو طرحت الحكومة الإسلامية بمعناها الحقيقي  أي الولاية  وباتت شعاراً للمسلمين، فإنّها ستكون دواءً لشتّى أنواع الضعف والاقتصاد والعمالة وكذلك الدكتاتورية. وعلى هذا فإنّ لواء الولاية هو لواء إسلامي.

إنني أدعو كافة إخوتنا المواطنين من الشيعة والسنّة  على مستوى بلدنا هذا في الوقت الحاضر  لأن ينظروا إلى قضية الغدير من هذه الزاوية وأن يولوا اهتماماً لهذا القسم من حديث وقضية الغدير، كما أرجو أن يحتفل إخوتنا من أهل السنّة بعيد الغدير أيضاً  عيد الولاية  لأنّ أصل نشوء قضية الولاية من الأهمية بمكان، كأهمية ولاية أمير المؤمنين، وهو من القواسم المشتركة بيننا وبين الإخوة من أهل السنّة.

لقد كان رأيي دائماً، سواء قبل انتصار الثورة أو بعدها، هو أنّ على الشيعة والسنّة اليوم الترفّع عن خلافاتهم التقليدية في معاملاتهم اليومية، وأن يكفّوا عن النزاع والتحارب، ويجتمعوا حول قواسمهم المشتركة والتي من بينها الولاية، ومازال هذا هو رأيي حتى الآن. إن ثمّة محاولات متزايدة تبذل في العالم اليوم لشقّ صفّ الشيعة والسنّة، وهو ما سيجني الاستكبار ثماره كما يعلم ذوو البصائر والفكر؛ إنهم يهدفون إلى إبعاد إيران عن أسرة الدول الإسلامية وأن يحصروا الثورة الإسلامية داخل الحدود الإيرانية ويمهدوا السبيل أمام الدول الإسلامية لممارسة الضغوط على إيران ويحولوا دون تأسّي الشعوب الأخرى بالشعب الإيراني. فعلينا أن نكون على خلاف ما يطمحون؛ إنّ على كل واحد  سنّيّاً كان أو شيعيّاً  أن يعمل على تمتين عُرى المحبة وتوثيق أواصر الصداقة بين الشيعة والسنّة، وبهذا يكون قد قدم خدمة للثورة والإسلام وأهداف الأمة الإسلامية. وأمّا الذي يعمل على زرع الفرقة بينهم فسيكون على تضادّ تامّ مع هذه الحركة.

إنني على علم بأنّهم في بعض الدول الإسلامية  التي لا أرغب في التصريح باسمها  يتلقّون الأموال من الصناديق المؤسسة لخدمة أهداف وأطماع الأجانب وينفقونها على إصدار الكتب التي تنال من الشيعة ومذهبهم وتاريخهم ثم يوزعونها في شتى أقطار العالم الإسلامي؛ فهل هؤلاء يحبون السنّة؟! كلاّ، بل إنهم يريدون القضاء على الشيعة والسنّة كليهما، فهم لا يحبون الشيعة ولا السنة. ونظراً لأن مجموعة من الشيعة هم الذين أقاموا الحكومة الإسلامية ويرفعون راية الإسلام في إيران، ولأن الجميع يعرفون التشيّع عن الشعب الإيراني، فإنّ الأعداء يفرغون ما في صدورهم من غلّ على الثورة ويلقون به أيضاً على رأس الشيعة! إنّهم يحاربون الشيعة حتى يحولوا دون انتشار الحاكمية السياسية الإسلامية ورفرفة هذا اللواء الخافق بالعزة والفخر على أيّ مكان آخر، ولكيلا يكون ذلك مطمحاً لشباب البلدان الأخرى. فعلى الجميع أن يتوخّوا الحذر من معاضدة الأعداء في هذه الممارسات الخيانية؛ وإن على الجميع في هذا البلد أو في المحافل الإسلامية أو في التجمعات الشيعية أو إخوتنا من أهل السنّة في بلادنا أن يبتعدوا عن كلّ ما يساعد الاستكبار على دقّ إسفين التخاصم والعداء بيننا.

وبالطبع فإنّنا لا نعني بذلك أن يصبح الشيعة سنّة ولا أن يتحوّل السنّة إلى شيعة، ولا نريد أن ندفع الشيعة والسنّة إلى التخلّي عمّا لديهم من طاقات وإمكانيات علمية لترسيخ آرائهم العقائدية، بل إن النشاط العلمي هو أمر جيّد ولا غضاضة فيه، فليصدروا المؤلفات العلمية، ولكن في نطاق الأجواء العلمية دون سواها وبلا تجريح ولا إساءة. وعلى هذا فإنّنا لا ينبغي لنا أن نقف بوجه من يستطيع إثبات رأيه، إلاّ أنّه كل من يبتغي إيجاد الصدع بقوله أو بعمله أو بشتى الوسائل الأخرى فإنّنا نعتقد بأنّ هذا يصبّ في صالح الأعداء؛ فعلى السنة والشيعة معاً أن يأخذوا حذرهم، وهذا هو ما تشتمل عليه أيضاً “الوحدة الوطنية” التي تحدثنا عنها.

وفي الواقع فإنّني أريد أن أنبّه هنا إلى أنّ البعض يعتبرون الوحدة الوطنية شعاراً سياسيّاً لا دينيّاً في محاولة للمساس بها. ولقد نصحنا هؤلاء، وها نحن اليوم نقدّم إليهم النصح أيضاً بألاّ يكونوا سبباً في تقويض دعائم وحدة هذا الشعب العظيم والمتآلف، لأن تمزيق نسيج هذا الشعب الكبير لا يكون إلاّ خدمة لأعدائه؛ فلو حافظ هذا الشعب العظيم الواعي على الوحدة الوطنية في هذا البلد فإنّ هذا سيكون عوناً على وحدة شعوب أخرى. إنّ الأمة الإسلامية ذات المليار والنصف مسلم لو اتحدت في قضاياها الأساسية لوجدنا أن هناك قوّة عظمى خرجت إلى حيّز الوجود، ولكن إذا ما وقع المساس بالوحدة الوطنية فلا جدوى حينئذٍ للحديث حول وحدة العالم الإسلامي لأنه سيكون مدعاة لسخرية الجميع، وهو ما يريد البعض تحقيقه. 

كيف يمكن توفير الوحدة الوطنية

فكيف يمكن إذاً توفير الوحدة الوطنية؟ إن أحد السبل إلى ذلك هو أن يلتزم أصحاب الكلمة المسموعة في الأوساط الشعبية أو المسؤولون أو الشخصيات الدينية والعلمائية والسياسية بعدم الإيقاع في تصريحاتهم بين مجموعة وأخرى أو جناح شعبي وآخر، وألاّ يثيروا الفتن. وفي الواقع فإنّ إثارة الفتن وتبغيض أبناء الشعب بعضهم لبعض يعتبر إحدى فقرات مشروع يعكف الأعداء على تنفيذه ضد هذا الشعب؛ فهذه الاذاعات الأجنبية وتلك المراكز الخبرية يمكن أن يقال بأنّ نصف ما تبثّه من أقوال قد أُعدّ لها سلفاً بغية زرع بذور البغضاء وتكدير الصفو بين فئات الشعب، آخذين في اعتبارهم ما سيسفر عنه ذلك من عواقب. فعلى أصحاب الإعلام والأقلام أن يحذروا في الدرجة الأولى من أن تسيء أقوالهم ظنون هذا على ذاك، أو أن يوقعوا بين أبناء الشعب، أو يحفروا هوّة بين الشعب والمسؤولين، لأن هذا هو لون آخر من ألوان إشعال فتيل الفتنة. إنّ البعض لا همّ لهم سوى نشر الشائعات أو اصطناع الأخبار أو تزييفها وتحريفها والتلاعب بحقيقتها من أجل تضليل المخاطب بغية إساءة ظن الجماهير والشباب والقرّاء والمستمعين بمسؤولي الحكومة وطمعاً في زرع الشكّ في نفوسهم، وهذا لا فائدة له سوى إبطاء حركة تقدّم الشعب والبلاد وتشاؤم الجماهير ويأسها من المستقبل وإطفاء شعلة الأمل المتوهّجة في صدور أبناء الشعب. 

محور الوحدة الاسلامية يمكن ان يكون هو الوجود المقدس للرسول "ص"

إن المهم بالنسبة لنا نحن المسلمين أن ننمّي معرفتنا بالإسلام وبرسوله الأكرم، فان التفرقة والتمزق لمن أشد ما يعاني منه العالم الإسلامي في يومنا هذا، وإن محور الوحدة الإسلامية يمكن أن يكون هو الوجود المقدس للرسول (ص) الذي يؤمن به الجميع والذي تتمحور حول كافة المشاعر الإنسانية. وهذه نقطة ليس لدينا ما هو أوضح ولا أشمل منها نحن المسلمين، حيث يؤمن كافة المسلمين بالرسول الأكرم (ص) فضلاً عن ذلك الرباط العاطفي والمعنوي الذي يؤلف بين قلوب ومشاعر المسلمين التي تنبض بحبّها وولائها للنبي (ص)، وهو أفضل محور للوحدة. 

على علماء الاسلام تحقق وحدة الامة الاسلامية

ولهذا فإن على علماء الإسلام، والمثقفين المسلمين، والكتاب، والشعراء، والفنانين في شتى أنحاء العالم الإسلامي أن يكشفوا عن الصورة الحقيقية للنبي الأكرم (ص) أمام المسلمين وغير المسلمين ويعملون بكل ما لديهم من جهد على تبيان أبعاد شخصيته الرفيعة، وهو ما من شأنه أن يساعد على تحقق وحدة الأمة الإسلامية وتصاعد اليقظة التي نشاهدها اليوم في أوساط أجيال شباب الأمة المتطلعين نحو الإسلام. 

الدعاء لوحدة المسلمين

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتب اليقظة للأمة الإسلامية، وأن يمنّ علينا بأن نقدّر الإسلام والقرآن والرسول الأكرم (ص) حق قدره، وأن تتبدّل الاختلافات والثنائيات إلى وحدة وتآلف بين المسلمين، وأن نبلغ جميعاً وكافة الأمة الإسلامية ما رسمه الإسلام لأمته وللبشرية جمعاء من أهداف سامية، وذلك في ظل الألطاف الإلهية والأدعية الزاكية لبقية الله (أرواحنا فداه). 

العيد عامل لتحقيق الوحدة وتعزيز المعنوية

لعل أبرز ما يتميز به عيد الفطر أنه مهرجان معنوي وعالمي، فعلى العكس من الأعياد العالمية التي تتميز ببعدها السياسي المحض، فإن لهذا العيد بعده المعنوي الجليّ البارز، فإننا ندعو في قنوت صلاة العيد: «أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً ولمحمد صلّى الله عليه وآله ذخراً وشرفاً وكرامة ومزيداً».

إنه عيد للمسلمين قاطبة، ومدعاة شرف للإسلام ونبيّه (ص)، ومبعث عزة للمسلمين وذخر للفقراء؛ وعلى المسلمين استثمار هذه الذخيرة لتحقيق أمرين: أحدهما الوحدة والتلاحم بين المسلمين، والآخر هو تعزيز الجانب المعنوي على امتداد العالم الإسلامي. ولقد تعرض كلا البعدين الذين يعدان من عناصر التكامل والرقي في العالم الإسلامي إلى التشويه؛ إذ تصدعت وحدة المسلمين في وقتنا الراهن بسبب إثارة النعرات الطائفية والفئوية والعنصرية والقومية ورفع الشعارات الهدامة.

على المسلمين ان يضعوا شعار الودة على رأس مهامهم

على المسلمين أن يضعوا شعار الوحدة والتضامن بينهم على رأس مهامّهم، إذ إنه يمثل  اليوم  أنجع شعار بالنسبة لهم.

كلنا يعلم بالمساعي الحثيثة التي دأبت عليها قوى الاستعمار والاستكبار وأذنابهم لزعزعة هذه الوحدة عن طريق التشبث بشتى ضروب التحليل وأصنافه، ومن أكثرها خبثاً مؤامرة احتلال فلسطين وزرع الشجرة الصهيونية الخبيثة في أرض فلسطين الإسلامية؛ أي في قلب الشعوب والبلدان الإسلامية.

أما الأمر الآخر فهو الجانب المعنوي؛ فالمستعمرون حينما جاؤوا وبادروا إلى نهب ثرواتنا ونفطنا وسلبوا منّا الاستقلال والعزة والوحدة، قاموا أيضاً بالسطو على ما لدينا من معنويات وبسطوا مادّيتهم على امتداد العالم الإسلامي وجعلوا منها ثقافة اتخذت صوراً وأبعاداً شتي.

فاليوم لابد أن تتحول العودة إلى معنويات الإسلام وحقيقته والبعد المعنوي الذي يستبطنه الدين، إلى شعار يرفعه المسلمون؛ فهم بحاجة إلى ذلك.

التمسك بوحدة الكلمة في قضية فلسطين

لو كنّا متوحّدين ومتمسكين بالمعنويات الإسلامية لما تجرأ العدو بمثل هذه الوقاحة على اضطهاد أبناء الشعب الفلسطيني وقمعهم وممارسة الضغوط عليهم وهم في ديارهم. إن الحوادث الجارية في فلسطين تقرح فؤاد كل غيور ولو لم يكن متعمقاً في تدينه، وتسلب منه السكينة والراحة؛ فمن ذا الذي يشاهد منظراً مروعاً يصور مصرع طفل في الثانية من عمره ثم يخلد إلى النوم وهو مرتاح البال؟ ومَن ذا الذي لا يعتصره الألم وهو يرى شعباً محاصراً في دياره وأزقته وشوارع المدن التي هي ملك له وقد دفن فيها أجداده منذ قرون؟

إنهم يحاصرون اليوم أبناء القدس والخليل وغزة وسائر مناطق الوطن السليب، ويقتلونهم في ديارهم، ويفجعون الآباء والأمهات بأبنائهم؛ إنهم يجوعونهم ويمارسون بحقهم حصاراً اقتصادياً.

هل كان ممكناً وقوع مثل ذلك لو كانت الأمة الإسلامية متحدة؟! إن من أهم الواجبات المفروضة علينا اليوم  نحن الشعوب والحكومات الإسلامية  إن نتمسك بوحدة الكلمة فيما يخص هذه القضية.

إن آلام الشعب الفلسطيني وهمومه هي آلامنا وهمومنا، ولقد ارتفعت صرخته منادياً: يا للمسلمين! والواجب يفرض على زعماء الدول الإسلامية جميعاً تلبية هذا النداء، فإن الله سبحانه وتعالى سيحاسبهم إن هم قصروا.

إننا جميعاً ملزمون بهذا الواجب الذي يسمو بنفسه على الحسابات السياسية، وإن كانت الحسابات السياسية نفسها تستدعي أن يتكاتف العالم الإسلامي بأجمعه ويضع أبناؤه يداً بيد للوقوف بوجه الصهيونية الغاصبة المعتدية، إذ إن خطرها يتهدد العالم الإسلامي برمّته حتى تلك الدول التي تراودها أوهام جني المصالح بإقامة العلاقات مع الدويلة الصهيونية الغاصبة؛ فوجود الصهاينة يستبطن المزيد من الخسائر لهذه الدول.

العالم الاسلامي بحاجة للوحدة

إن العالم الإسلامي الذي يمثل اليوم واحداً من أكبر الكتل العالمية من حيث الطاقات المادية والإنسانية والفكرية والتاريخية، هو بأمسّ الحاجة أكثر من أي وقت مضى للوحدة والتقارب، فإذا كان تمحور وتوحيد الطاقات والجهود وصبّها باتجاه خلاص الأمة الإسلامية، هدفاً وطموحاً يراود كل مسلم خيّر حريص، فلابد من إدراك أن هذا الهدف يتعذر تحقيقه إلا في ظل تقارب الأفئدة والأفكار.

الحج نداء للتوحيد والوحدة

ساحة الحج تستضيف الآن أناساً من إيران والعراق، من فلسطين ولبنان، من شبه القارة الهندية وشمال أفريقيا، من تركيا والبوسنة، ومن أرجاء آسيا وأوربا، هذه الأفئدة المشتاقة تستطيع أن تتحدث عما تحمله قلوب سائر الأمة الإسلامية، وإنما وجد الحج من أجل إيجاد هذا التقارب بين المسلمين في جميع أرجاء العالم.

الرباط المقدس الذي يشدّ كل هذه القلوب هو ذلك النداء الذي انطلق لأول مرة من هذه الأرض واخترق العالم طولاً وعرضاً وامتد على كل مساحة التاريخ.. إنه نداء التوحيد والوحدة، توحيد الله ووحدة الأمة. التوحيد رفض ألوهية الطواغيت والمستكبرين وجبابرة الثروة والقوة، والوحدة مظهر عزة المسلمين وقدرتهم. الحج أصدق انباء من كل خطاب مكتوب أو مسموع، يجدد كل عام هذا النداء الخالد عبر اجتماعه العظيم، ويبلغه إلى كل أجزاء العالم. كل مسلم في كل بقعة من بقاع العالم يجب أن يستحضر في موسم الحج هذه الحقيقة، وهي أن عزة البلدان الإسلامية وتقدمها ونموها ونجاحها الشامل إنما يتحقق في ظل هذين العاملين التوحيد بكل ابعاده الفردية والاجتماعية والسياسية، والوحدة بمفهومها الصحيح العملي المتناسب مع عالمنا المعايش.

الوحدة هدف الانبياء

لقد بُعث النبي ليعلم الناس ويزكيهم {يعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم}، وورد في مواضع أخرى {يزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة}. فلابد من تعليم الناس وتزكيتهم أيضاً، كي يتسنى لهذا المجتمع البشري الكبير الذي يقطن هذه المعمورة أن يطوي طريق الكمال كأسرة متوحدة سليمة، ويتنعم بما في هذا العالم من خيرات، وهذا هو الهدف من بعث الأنبياء.

طريق الوحدة الاجتماعية

فلقد كانت الأشرافية والعصبيات الخرافية والأبّهة القبلية وحالة الانفصال بين مختلف الطبقات أبرز الأمراض التي كانت تعاني منها المجتمعات الجاهلية العربية يومذاك؛ والنبي (ص) بإشاعته للأخوّة سحق هذه النعرات تحت قدميه، فلقد آخى بين رئيس القبيلة وبين من هو بمستوى دانٍ أو متوسط، وهؤلاء بدورهم ارتضوا هذه الأخوة طائعين، ووضع السادة والأشراف إلى جانب العبيد من المسلمين والمعتَقين، وبذلك فقد قضى على العوائق في طريق الوحدة الاجتماعية.

عيد الفطر منطق للوحدة

إن عيد الفطر من أعظم المناسبات الإسلامية، فالمسلمون يتخذون منه عيداً حقيقياً يحتفلون به، وذاك ما أراده الإسلام للأمة الإسلامية "جعله الله لكم عيداً وجعلكم له أهلاً". والمهم هو البعد الثاني من القضية، إذ علينا استثمار هذه الهدية الإلهية وذلك على الصعيد الشخصي بما يعني ذلك من فتح الطريق لنور المعرفة والتوبة والإنابة ليلج إلى قلوبنا، فلو فتحت نافدة من عالم المعرفة والحب الإلهي إلى قلوبنا وأنرنا سرائرنا إذ ذاك ستجد الكثير من الظلمات والويلات في العالم الخارجي طريقها إلى العلاج لأن أفئدة البشر هي مصدر الصالحات والسيئات.

وكذلك استثمارها على صعيد الممارسات والسلوكيات والعلاقات الاجتماعية والدولية؛ فليتخذ العالم الإسلامي من عيد الفطر محطة وحدة وتيقظ وعودة إلى الذات، فذاك ما يحتاجه العالم الإسلامي في الوقت الحاضر. وبعيداً عن التحليلات لمجموع العلل والأسباب التي تقف وراء الويلات التي يقاسيها المسلمون اليوم فإن المرء يشاهد أساس ذلك في الفرقة التي يعيشها المسلمون، فلو اجتمع المسلمون فيما بينهم لتآلفت قلوبهم ولن يستحوذ عليهم الرعب من الأعداء, فشعور المرء بالرهبة في قبال القوى السلطوية في العالم إنما مرده إلى الشعور بالوحدة وفقدان المساندة، وهذا هو السر في الخوف الذي يستحوذ على الدول والشعوب؛ فلو أن الشعوب والحكومات الإسلامية تملّكها الشعور بالألفة فيما بينها بحيث تلمس الحكومات أن شعوبها تشد أزرها، وترى الشعوب حكوماتها وهي عاقدة العزم لإحقاق الحق، وتجد الشعوب أن لها أشقاء يؤازرونها ويواسونها، إذ ذاك لن يبقى أي مجال للرعب الذي ألقاه الاستكبار في قلوب بعض الشعوب والزعماء؛ فأول ثمرة للوحدة هي شعور الإنسان بالاقتدار، وأول عواقب التفرقة هي خواء الإنسان في باطنه {وتذهب ريحكم} إذ تسلب من الإنسان ومن الشعب حيويته ونشاطه، وهذا الدرس يتعين علينا وضعه في الحسبان داخل بلدنا؛ فليحافظ أبناء شعبنا جميعاً، وبالذات المسؤولون منهم، على نعمة الوحدة والوفاق والتآلف التي أسبغها الله سبحانه علينا ولا يجعلوها عرضه للمخاطر {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً}؛ فالأخوة والشعور بالألفة والمواساة نعمة إلهية عظيمة، ويجب أن يسود هذا الشعور ربوع البلاد ويطغى بين صفوف الجماهير والمسؤولين وبين السياسيين ومن لكلامهم ومنصبهم وقع لدى الجماهير وتكون له الغلبة على حالات التشتت ودواعي التفرقة، فليتراصّوا فيما بينهم ويذوّبوا بؤر الاختلاف الثانوية في مواطن الوحدة والاشتراك العامة، لا أن يجعلوا من الثانويات أساساً ويهملوا قواسم الاشتراك.

إن الأخوة الإسلامية وحب الوطن والترعرع في أحضان الثورة والتنعم بنعمة النظام الإسلامي الكبرى والحرص على المستقبل والمودة للشعب، كلها قواسم مشتركة يتعين المحافظة عليها وعدم المساس بها من أجل اختلافات ثانوية، وهي بالنسبة لنا بمثابة الفريضة لا أن نراعي فيها "الأولى" بل "الواجب"، ومن لم يراع ذلك فإنما يكون قد وجه ضربة لمصالح الوطن والشعب وإلى مستقبل الثورة. 

الحج يمنح الوعي والوحدة

إذن، فالدعم الذي يقدمه العالم الإسلامي للشعب الفلسطيني هو في الحقيقة دعم إسلامي للبلدان الإسلامية جمعاء، وهذا ما يستبطن منفعةً لهم جميعاً، وهو ليس بالأمر الهيِّن؛ والحج يمنحهم هذا الوعي والوحدة والعزيمة والإرادة.

الشعب المتوحد لن يقهر

فلن يقهر الشعب الذي يتحرك متوحداً معتمداً على إيمانه، وعلينا إيضاح هذه الحقائق بغية زرع المزيد من الأمل في قلوب من هم وسط الميدان، والإعداد النفسي للمقاومة، فواجب وسائل الإعلام العمل من أجل توفير المرتكز النفسي للمقاومة.

امة الاسلام واحدة

قال‎ الله‎‎‎ تعالى: {ان‎ هذه أمتكم‎ أمة واحدة‎ وأنا ربكم‎ فاعبدون}

مرة‎ اخرى‎‎ حل‎ موسم‎ الحج مهوى قلوب‎ المتدينين‎‎ ونعيم‎ الذاكرين وفرصة‎ الصالحين‎؛ وفي‎ هذه‎‎‎ الضيافة العامة يشارك‎ جمع‎ قدموا من‎ كل‎ فج‎ عميق‎.

الانغمار في‎ ذلك‎ الجو الوضاء من‎ العبادة‎ والخشوع واستحضار ذكريات‎ الاسلام‎ والبحث عن‎ معالم‎ العزة‎ والفلاح‎ التي‎ تسطع‎ بها تلك‎ البقعة‎‎ المباركة سطوع الشمس‎ من‎ اعماق‎ التاريخ‎ في‎ مقدمة‎‎ ما تناله هنا القلوب‎ والعقول‎ المتعطشة‎‎ الواعية.

هنا حيث يتحرر الانسان‎‎  ولو لمدة‎  من كل‎ ما يغله‎‎‎‎ و يدنسه ويستغفله، مع‎ تجرده من‎ ملبسه‎‎‎ وزينته الجسدية، يغمر لباس‎ الاحرام‎‎ الموحد الابيض‎ الافئدة‎ والاجسام بالطهر والصفاء والانسجام‎ وينفتح‎ السبيل‎ لكل‎ ما فيه‎‎ الفلاح‎ الابدي‎ من‎ رؤية واستماع وفهم‎‎، وتتفتح‎‎ براعم الصلاح والمعرفة‎ والاخوة‎‎‎ الاسلامية وتتجلى يد الهداية الالهية‎. 

الوحدة والاستقامة والمعرفة

على العلماء والمثقفين‎‎ والسياسيين في‎ العالم‎ الاسلامي‎‎ ان‎ يكرروا الدروس‎ في الوحدة‎ والاستقامة‎‎ والمعرفة وان‎ يعدوا الشباب‎ الوثاب‎ في‎ هذا الجيل‎‎ لتحمل مسؤولية‎ مواجهة‎‎ الاحداث الكبرى‎ وحمل‎ الامانة العظمى‎ ووضع‎ اسس‎ الامة‎‎‎ المنسجمة الموحدة.       

الدعاء لتعزيز عناصر الوحدة

نسأل الله تعالى أن يمنّ باليقظة على الشعوب الإسلامية كافة، وأن يعرّفنا واجباتنا ويعيننا على سلوك طريق أدائها، ويمنّ على الأمة الإسلامية بمزيد التقارب فيما بينها وإزاحة عناصر الفرقة من أوساطها، ويعزز عناصر الوحدة والتآلف بينها.